الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كيف نصطاد الأرانب السحرية
؟
* الحقيقة أننا ما زلنا مبهورين ومشدوهين أمام مارد الحضارة الأوروبية الذي يتعاظم أمامنا يوماً بعد يوم، وأننا ما زلنا للآن أيضاً لا نعرف كيف نتصرف سياسياً أو عسكرياً أو اجتماعنا أو تربوياً وتعليمياً - الزمن أسرع منا والغزو الفكري والثقافي والاقتصادي للكلاب المتصارعة علينا يصيبنا بالحيرة والارتباك. وقد أصبحنا في عالم عجيب ولا نملك فيه إلا النوايا الطيبة وهذه وحدها لا تكفي..
وهذه لمحة سريعة للواقع الأليم الذي تمر به أمة الإسلام في العصر الراهن، وتفصيل هذا الواقع أمر يطول سرحه ومشكلتنا هي أن نكون مستقبلاً أو لا نكون، فنحن بلا مراء - نعيش خارج عصرنا في الوقت الراهن وعندما أقول نحن فأنا أعني هذه الأمة الإسلامية والعرب منهم بالذات فالفوضى الفكرية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية أيضاً التي نعيشها لا حدود لها ولا ضوابط. ولذلك رفع مفكرو العرب والمراقبون السياسيون على هذه المنطقة اسم منطقة المفاجآت، ومنطقة كل شيء جائز وكل شيء محتمل!! وهذا حق. فمن كان يتصور أن أعظم الدول العربية استقراراً وأمنا والذي كان ملجأ لكافة اللاجئين السياسيين يقتل الإنسان في شوارعه على الهوية. ومن كان يتصور أن يتحول بعضنا من العداء
الكامل مع اليهود إلى المطالبة بالسلم الكامل والود الكامل معهم. ومن كان يتصور بعد الاجماع العربي الكامل على حرب اليهود عام 1973 إلى التمزيق العربي الكامل عام.. 1977 ومن.. من..؟..
وهذا جانب يسير جداً من الانتقال من الضد إلى الضد ومن النقيض إلى النقيض..
* لا أريد أن أقول أن كل هذه الأمور تأتي عفوا وبلا تدبير ومكر في الخارج والداخل. فهذه هي البلاهة بعينها، ولا أريد أن أقول أيضاً أن كل هذه الأمور بتخطيط وتدبير كامل وإننا فيها كالدمى بيد المحرك لا فعل لنا مطلقاً وهذه أيضاً بلاهة كاملة. فليس صحيحاً أن سياستنا تصنع كلها في أرضنا فالاستقلال السياسي انتهى أمره في الأرض الآن، وليس صحيحاً أيضاً أننا يجب أن نكون صفرا لا فعل لنا مطلقاً وأن روسيا وأمريكا هي التي يجب أن تتولى شؤوننا وتتحكم في مصائرنا.. ويكفي كما يظن البعض أن يروا منا النوايا الحسنة..
* وباختصار نحن في دوامة والخروج من هذه الدوامة المعاصرة والمزمنة أيضاً لا يتأتى إلا بما يأتي:
أولاً: الاستقلال السياسي.
ثانياً: اجتماع الأمة حول أهداف واضحة ومحددة..
ثالثاً: الاتفاق على خطوط عريضة (على الأقل) لعمل واحد من أجل الهدف المشترك الواحد..
* والاستقلال السياسي لن يأتي إلا بأن تكون لهذه الأمة هوية عقائدية وذات واحدة تفرض عليها الاجتماع حول هدف واحد وغاية واحدة، وقد ذكرنا في مقالات سابقة أنه
يستحيل أن تجتمع الأمة على عقيدة غير العقيدة الإسلامية التي ما زالت تعيش في قلوب أبنائها، وتذكي عواطفهم، وتحرك مشاعرهم. وكل عقيدة بديلة لهذا الأمل الذي نشأت عليه أجيال هذه الأمة منذ أربعة عشر قرنا فهو مهدد بالسقوط أن عاجلا أو آجلا وما هو إلا عبث وإرهاق لا نجني من ورائها غير السراب بل الصاب والعلقم. وعلى الذين لا يؤمنون إلا بالدنيا فقط ويحلمون مع ذلك بالعزة القومية أو باسترجاع الكرامة العربية أن يعلموا أيضاً أن بغير الإسلام لن يحصل لهم ما يريدون..
* ويستحيل أيضاً أن يحصل لنا استقلال سياسي إلا إذا شاركت الأمة كلها في صنع القرار السياسي ولا يجوز بتاتاً أن يكون للحاكم وحده صلاحية ذلك فالحاكم في الإسلام نائب عن الأمة لا يعمل إلا بمشورتها ولا يسير إلا برأيها وقراره إذا كان عن غير موافقة الأمة ومشورتها فهو باطل ولذلك فليس نافلة وتطوعا أن يشارك المسلمون إمامهم بالرأي بل هو واجب مفروض أن تخلوا عنه فهم آثمون، وأن امتنع الحاكم عن أخذ رأي الأمة، ومشورتها فحكمه باطل. وهذا يعني أن ممارسة الأمة الإسلامية لحقها السياسي جزء من الدين الذي فرضه الله عليها كما قال صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة (ثلاثاً)، قلنا: لمن؟؟ قال عليه السلام: لله، ولرسوله، ولكتابه، ولائمة المسلمين وعامتهم.. والنصيحة هنا بمعنى الإخلاص..
* وأيضاً استقلالنا السياسي يعني أن تكون لنا هوية خاصة وعقيدة خاصة في عالم تتقاسمه العقائد والأيديولوجيات والمصالح وكذلك في أن نشارك جميعاً شعوباً وحكاماً في صنع قرارنا السياسي وأن يكون هذا حقاً للأمة وواجباً عليها. وإذا تم لنا هذا الأمر الأول استطعنا بعد ذلك أن نحدد على
ضوء عقيدتنا، ومشاركتنا جميعاً في صناعة مستقبل أمتنا أن نحدد الأهداف التي نريدها. وهذه هي الخطوة الثانية.. وأهداف الإسلام باختصار أن توجد الأمة الراشدة التي تحيا عزيزة مرهوبة الجانب، والتي تقيم الحق والعدل في الأرض والتي يجب أن تكون منارا وهداية للعالمين. تدعوهم إلى الله وتخلصهم من الضلال والتيه والبعد عن خالقهم ومولاهم. وهذه مهمة جليلة بل هي أعظم مهمة على سطح الأرض.. فإذا عرفنا هدفنا في الحياة كأمة ووضعنا الخطوط العريضة. وسلكنا الصراط المستقيم الذي يوصلنا إلى أهدافنا: كيف نحقق عزتنا على الأرض؟ عزتنا السياسية، وعزتنا الاقتصادية وعزتنا الاجتماعية والأخلاقية. كيف نكون مثالاً يحتذينا الناس ولا نكون أضحوكة وأمثولة للعالمين كما هو حادث الآن..
* وهذه الأمور الثلاثة التي عرضتها آنفا هي في نظري المخرج من الدوامة الرهيبة التي تعمي أبصارنا وتقطع أنفاسنا في الوقت الحاضر إنها طرف الخيط الذي يجب أن نلتقطه لنخرج من هذه (الشرباكة) : إذا عرفنا ذواتنا وهويتنا. وحددنا أهدافنا في الحياة والوجود ونصبنا صراطنا نحو هذه الأهداف فسنخرج سريعاً من الدوامة.. وأما إذا ظللنا ندور حول أنفسنا ونسأل ما الهدف؟ وأين الطريق؟ أو عصبنا أعيننا وسرنا خلف الراعي حيث نعق بنا فلن نصل إلى شيء مطلقاً وسنظل في التيه السياسي أبدا. وهؤلاء هم السحرة.
اليهود والأمريكيون والروس يلاحقوننا بألعابهم البهلوانية من كل جانب. الحرب في لبنان، الصدام في الصومال، المستعمرات في سيناء، هذه الأرانب السحرية التي تقفز هنا وهناك تعمي أبصارنا وتضلل عقولنا وتدور أعيننا حولها
في دائرة كاملة كل يوم فتدور رؤوسنا ولا نعود نفقه شيئا. والحل سهل جداً لو فقهنا قواعد اللعبة الدولية الشريرة. ولكن كيف نعرفها
والأمة ما زالت دون سن الرشد، والذين يتولون شؤونها لا يطلعونها من أمرها على شيء. بل
الأمة ما زالت تبحث لها عن هوية واسم..
17 فبراير 1978