الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل زيارة الرئيس للقدس هي إرادة الله وبشارة القرآن
؟!
* نشرت جريدة الأهرام المصرية مقالاً للأستاذ محمد حسن التهامي نائب رئيس الوزراء في جمهورية مصر العربية بعنوان "عودة القدس" وفي هذا المقال ناقش صاحبه زيارة الرئيس أنور السادات إلى القدس من الناحية الروحية (على حد قوله) فذكر أن هذه الزيارة هي رسالة الله القدرية إلى بني إسرائيل، وأنها قد جاءت في القرآن الكريم، قال بالنص:"فأما الدوافع الروحية منها. وقد سألني عنها الكثيرون من المؤمنين والحجاج فتعجبت وقلت للسائلين ولنفسي قول الله: {أفلا يتدبرون القرآن} وما فيه من نور ووضوح.. أفلا تسمع قول الله تعالى في سورة الإسراء.. {ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا أن أحسنتم لأنفسكم وأن أسأتم فلها، فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة، وليتبروا ما علوا تتبيرا عسى ربكم أن يرحمكم وأن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا} .." ثم فسر الكاتب هذه الآية بأن الله رد الكرة لبني إسرائيل في عام 67 وأنهم احسنوا فلهم ما تمنوا.. ويفسر الإحسان هنا بأنه احترام الرسالات والعيش مع أهل الأديان بسلام. ثم فسر
الكاتب قول الله تعالى: {ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس} .. الآية أن حبل الناس المقصود في الآية هو أن يعيشوا معنا بسلام. وأن هذا الحبل هو الرسالة التي قام بها الرئيس أنور السادات ليوصلها إليهم. يقول: "ذلك هو حبل الناس أي صلتهم بالناس ورباطهم مع الناس أن أرادوا الحسنى والتعايش مع الناس بما يقبله الناس.." الخ.
وجعل الكاتب زيارة الرئيس إلى إسرائيل امتداداً لدخول عمر بن الخطاب وصلاح الدين إلى هذه الأرض. وركز في غير موضع من مقاله أن هذه الزيارة كانت تجسيداً لإرادة الله وتكليفاً منه حيث يقول.. عن شعوره وهو مرافق للرئيس في هذه الرحلة: "وهناك تجدد العهد في القلب وبالروح بالذكرى وبالإيحاء، وبجلال الموقف، ورهبة الخوف من الله، وبميزان المسئولية، والتكليف الذي أراده الله تعالى بوجودنا في مصلى الأنبياء والرسل فعندئذ ثبت اليقين بأن الله تعالى قد أراد بهذا الوجود خيرا".. ويقول في موضع آخر: "ولم يبق بعد هذه الرسالة التي أرادها الله تعالى إلى بني إسرائيل وإلى العالم أجمع ألا أن ندعوا لمصر ومن معها من العرب والمؤمنين بوحدة الكلمة.." الخ..
* ويهمنا في هذا الصدد أولاً الذب عن كتاب الله وبيان الحق في آياته التي استدل بها صاحب المقال. ومعرفة ما إذا كانت هذه الزيارة تحقيقا لإرادة الله حقاً أم لا. فنقول:
أولاً: قوله تعالى: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين} ، معناه أي أخبرناهم في كتابهم التوراة أنهم سيفسدون في الأرض وذلك بعلوهم على الناس وعبادتهم لغير الله سبحانه وتعالى وتحريمهم الحلال وتحليلهم الحرام وقتلهم الأنبياء بغير حق وهذا مفصل في القرآن ولا
يتسع المقام لسرده وذلك بعد أن كانوا قائمين برسالة الله من التوحيد والعبادة مطيعين لرسلهم من لدن موسى عليه السلام وقد كان هذا الفساد بعد إقامتهم اليهودية الأولى بقيادة يوشع بن نون (شعيا) ثم أخبر سبحانه أنه سيسلط عليهم من يحطم دولتهم ويزيل كبرياءهم، قال تعالى:{فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولا} . وقد كان بالفعل فقد دخل الفرس إلى مملكتهم بقيادة نبوخذنصر وجاسوا خلال ديارهم في فلسطين وقتلوا من قتلوا منهم ونفوا الباقين إلى بابل. ولكن الله سبحانه من عليهم مرة ثانية بالتجمع في فلسطين بعد أن من عليهم (قادش) القائد الفارسي بالعودة حيث كانوا مملكتهم الثانية التي قويت بقيادة داود ثم بقيادة سليمان عليهما السلام. ولكنهم بعد ذلك عادوا إلى الإفساد والعلو في الأرض فأرسل الله عليهم الرومان الذين دخلوا فلسطين وهدموا هيكلهم الذي بناه سليمان ونكلوا بهم واحتقروهم وشتتوهم في الأرض وجعلوا قبلتهم (الصخرة) مكاناً لمزابلهم. قال تعالى: {فإذا جاء وعد الآخرة} أي الهلاك الثاني لكم بعد الإفساد.. {ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة، وليتبروا ما علو تتبيرا} . أي ليبيدوا ويهلكوا ما أعليتموه من بناء ونحو ذلك ويخربوه. وقد كان فقد حطم الرومان حضارة بني إسرائيل في فلسطين وسووها بالأرض..
ثم أخبرهم تعالى وهددهم بأنهم أن عادوا مرة ثانية للإفساد في الأرض، عاد الله وسلط عليهم من يذلهم ويهلكهم كما فعل بهم على يد محمد صلى الله عليه وسلم حيث أفسدوا في المدينة وخانوا وغشوا وتمالئوا فقتل الله منهم من قتل وأخرج منهم من أخرج كما قال تعالى: {وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقاً تقتلون وتأسرون فريقا،
وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضاً لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديرا} .. وقد نزل هذا في بني قريظة. وأما في بني النضير فقد قال تعالى بعد إجلائهم عن المدينة: {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار} ..
* ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار. فأخبر سبحانه هنا أنه هو الذي أخرجهم وأنه هو الذي ألقى في قلوبهم الرعب أنه هو الذي كتب عليهم الجلاء أي الإخراج من المدينة وأنه لو لم يفعل بهم الجلاء لعذبهم عذاباً آخر أكبر من هذا الجلاء. وهذه إرادة الله سبحانه وتعالى في بني إسرائيل التي أجراها على يد محمد صلى الله عليه وسلم هي أرادته إلى يوم القيامة التي يجريها على من يشاء من عباده. كما قال تعالى: {وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب أن ربك سريع العقاب وأنه لغفور رحيم} فارسال الله عليهم عبر التاريخ وعلى مدار الزمان إلى قيام الساعة من يسومهم سوء العذاب هو إرادة الله الثابتة في قرآنه وتوراته وإنجيله وأي مطلع على هذه الكتب يعلم هذا بما لا يجد مجالاً للشك وذلك ليس ظلماً من الله ولكنه عقاب عادل في مقابل ظلمهم ومكرهم وسعيهم للفساد في الأرض وتجارتهم بالحروب وتعطشهم إلى دماء غيرهم كما قال تعالى واصفاً إياهم: {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفرا، وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، ويسعون في الأرض
فسادا والله لا يحب المفسدين} ..
فإذا فهم هذا فيستحيل عقلاً وشرعاً أن تكون إرادة الله أن ينعموا بالاستقرار والسلام. بل ينبغي أن نحكم أن الذي يسعى في سبيل ذلك إنما يسعى مضاداً ومعارضاً لإرادة الله الكونية القدرية التي لا تتخلف..
وإذا حدث لبعض الوقت ولفترة ما أن ينعم اليهود في الأرض بالاستقرار والسلام فلا يكون هذا إلا لعاملين اثنين لا ثالث لهما..
العامل الأول أن يقوموا برسالة الله في الأرض وأن ينشروا التوحيد ويقيموا الصلاة ولا يكون ذلك إلا باتباعهم محمد صلى الله عليه وسلم والدخول في الإسلام. واليهود في فلسطين الآن ليسوا كذلك..
والعامل الثاني أن يمدهم الله سبحانه وتعالى بإمداد وحبل من عنده وأن يمدهم الناس لتتحقق حكمة يريدها الله سبحانه وتعالى وهذا لا يكون إلا استثناء من القاعدة العامة في بقائهم مشتتين مقهورين إلي قيام الساعة. وقد فصل الله ذلك في القرآن حيث قال لرسوله والمؤمنين معه عنهم: {لن يضروكم إلا أذى، وأن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون} . وقد كان، فقد كان ضررهم للرسول والمؤمنين مجرد الأذى فقط فلم يقتلوا من المسلمين في صدر الإسلام عدداً يذكر ولم يهزموهم في معركة مع تبجحهم وغطرستهم وحصونهم واستعانتهم بكل القوى المشركة المحيطة بهم. وقد فصل الله أسباب ذلك فقال:{ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس، وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا، وكانوا يعتدون..} .
وفي هذه الآية يتبين لنا أن الذلة والمسكنة مضروبتان عليهم ومعنى الضرب هو اللزوم والمصاحبة وكأنه طابع لازم كما تضرب النقود بصورها وكتابتها. وفاعل ذلك هو الله وأنه لا انفكاك لهم عن ذلك إلا بحبل الله أي إمداد منه وسبب منه لحكمة يريدها، وكذلك حبل من الناس. ولا شك أن هذا الحبل الذي يصلهم الناس به وإن كان كائنا بمشيئة الله أيضاً إلا أننا منهيون كمسلمين عن ذلك..
وخلاصة الأمر أن اليهود مطرودون من رحمة الله وأمنه وسلامه ما عاشوا وإذا تحقق لهم ذلك في وقت ما فإنما هو شيء عارض وشذوذ يخالف القاعدة..
* وبذلك يتبين لنا إرادة الله حقاً باليهود وصنيعه بهم وعلى ضوء ذلك يقرر المؤمنون حقاً طريقهم معهم وأنه طريق الضرب على أيديهم وقتالهم لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى..
* وأما كلام سعادة الوزير أن الزيارة للقدس كانت تشبه فتح عمر ودخول صلاح الدين فأظنني لست بحاجة إلى عقد مقارنة لبيان فساد هذا القياس، وإذا كان مثل ذلك يحتاج إلى دليل وإيضاح بطلت فائدة الكلام وسقطت مهمة الدليل..
وليس يصح في الأذهان شيء
…
إذا احتاج النهار إلى دليل
9 ديسمبر 1977