المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌وااسلاماه !! * عندما أعلن الرئيس أنور السادات عزمه وتصميمه على السعي - أضواء على أوضاعنا السياسية

[عبد الرحمن بن عبد الخالق]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الدين والحياة

- ‌فلنسم الأشياء بأسمائها

- ‌لماذا يظلم الإنسان أخاه

- ‌أيها الزعماء…متى ستبدأون الرحلة الجديدةوإلى أين

- ‌أمانة الكلمة

- ‌السلمي.. عبث وسراب

- ‌من ذا الذي يستطيع أن يعبر فوق هذا التراث

- ‌أي إسلام تريدون

- ‌لا حضارة دون سلاح

- ‌هل أنت واقعي

- ‌ما دورنا في لعبة الأمم

- ‌الجانب الروحي في قضايانا السياسية

- ‌لماذا يجب علينا أن نرفض الصلح والسلام مع اليهود

- ‌دروس من الحرب اللبنانية

- ‌كيف نستعد للجولة الخامسة

- ‌أولاً: الاستعداد السياسي:

- ‌ثانياً: السلم بين البلاد العربية قبل السلم مع إسرائيل

- ‌ثالثاً: البناء الاقتصادي

- ‌(أ) مفهوم المال العام

- ‌(ب) مفهوم المال الخاص

- ‌البحث عن السلام عند تجار الحروب

- ‌إلى متى نطلب حل مشكلاتنا من الخارج

- ‌هذا هو اليهودي العالمي

- ‌أنقذوا الفلسطينيين في الأرض المحتلة قبل فوات الأوان

- ‌إلى الذين أعطوا اليهود "صك غفران

- ‌خدعوك فقالوا "اعرف عدوك

- ‌لماذا يتهالك الشيوعيون على الصلح مع إسرائيل

- ‌الجوع الروحي يجتاح العالم

- ‌الفساد.. من سيحاسب من

- ‌الجانب الخلقي في الأزمة الاقتصادية

- ‌التنفيس السياسي

- ‌العرب والمستقبل البائس

- ‌الانتظار ليس صناعة سياسية ولا عسكرية

- ‌على من ستطبقون حكم المرتد

- ‌الدوَّامة

- ‌لحساب من تعمل إسرائيل

- ‌كارتر و "القاضي سليم

- ‌وااسلاماه

- ‌هل زيارة الرئيس للقدس هي إرادة الله وبشارة القرآن

- ‌رياح الجاهلية تهب على العالم الإسلامي

- ‌الشعوب والسحرة

- ‌من نحن؟ وأين نحن الآن

- ‌هل حقاً سيعيد التاريخ نفسه

- ‌نحو رحلة جديدة للبحث عن الذات

- ‌محاولة كشف القناع

- ‌حديث إلى الساسة

- ‌كيف نصطاد الأرانب السحرية

- ‌بين الفدائية والتخريب

- ‌من يستطيع إيقاف سقوط العربة

الفصل: ‌ ‌وااسلاماه !! * عندما أعلن الرئيس أنور السادات عزمه وتصميمه على السعي

‌وااسلاماه

!!

* عندما أعلن الرئيس أنور السادات عزمه وتصميمه على السعي في سبيل السلام ولو ذهب إلى إسرائيل، وكان ذلك أمام البرلمان المصري. قضيت يوماً بائساً حزيناً، وحمل الناس الذين التقيت بهم في ذلك اليوم كلام الرئيس السادات هذا محمل الهزل والمناورة.. ولكنني قلت لهم أن إسرائيل ستستغل ذلك وأني أرى أن الرئيس السادات لن يستطيع أن يرجع عن عزمه هذا إذ أحرجه اليهود ودعوه إلى هناك، وقد كان.. ويوم ذهب الرئيس للقاء أعداء أمتنا التقليديين كان الله قد أكرمنا بحج بيته المقدس في مكة المكرمة كان الناس مذهولين مندهشين لا يصدقون ما يسمعون ويلعنون ويكفرون ويدعون.. وجاءني أحدهم وقال: أتصدق حقاً أن الرئيس أنور السادات قد ذهب إلى اليهود وجلس معهم!! أنا لا أستطيع أن أصدق ذلك!!.. وشغل الناس بأداء المناسك وخطب خطيب المسلمين في مسجد نمرة بعرفات فدعا على اليهود قائلاً: اللهم أهلك اليهود ومن والاهم.. وردد ذلك مراراً، ورد الناس وراءه في حرقة بالغة وألم قاتل. وتفرق الحجيج إلى ديارهم.. وعدنا لنشهد المأساة ولنقرأ ونسمع ما تقذفه المطابع من غثاء. وما تبثه الإذاعات من هراء عدنا لنعيش مأساة أمتنا في وقت أضحى فيه الحق باطلاً والباطل حقاً، والعدو صديقاً، والصديق عدوا. عدنا لنجد النهار أشد ظلمة من الليل. والليل لا ينتظر الناس فجرا وراءه..

ص: 159

لقد أعطى الرئيس السادات اليهود في خطابه أمام الكنيست منتهى ما طلبوه وما كانوا يحلمون به قبل أن تصل الليكود إلى الحكم.. فمنذ هزيمة 67 وهم يقولون لنا الأرض في مقابل السلام.. وكذلك قالوا بعد 73. قطعة أرض بقطعة من السلام.. وبعد وصول مناحيم بيغن قال: الأرض مقدسة وهي أرض الآباء والأجداد ولن نتنازل عن أرض يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وقد أصر بيغن على هذا الموقف منذ تولى الحكم وإلى يومنا هذا ولم تغير زيارة الرئيس له شيئاً بل زاده ذلك إصرارا وتمسكاً ويقينا بأنه حتما واصل إلى ما يريد.. الاحتفاظ بالأرض ونيل السلام وتحقيق الاستسلام..

وغدا سيأتي اليهود إلى القاهرة. أرض الكنانة التي حفظ الله برجالها أمة الإسلام من أكبر خطرين علي مدار التاريخ: خطر التتار وخطر الصليبيين. وسيحفظ الله بشعبها ورجالها أمتنا أيضاً من خطر اليهود الذي لا يقل عن خطر التتار والصليبيين.. أقول غدا سيأتي فروخ اليهود إلى أرض مصر أعزة فاتحين يبحثون عن أمنهم وسلامتهم الأبدية -في ظنهم- وسيحاولون عزل مصر عن الأمة الإسلامية، سيحاولون استبدال صحراء سيناء بإخراج مصر من التصدي لأعظم خطر يواجه الأمة الإسلامية في تاريخها الحديث خطر اليهود. فهل سينجحون؟!. لقد قال الرئيس السادات أنه لن يوقع صلحاً منفرداً مع إسرائيل ونرجو أن يتمسك بكلمته هذه وإلا فسيعني هذا الكارثة..

كنا نظن أننا كمسلمين وكعرب لا نجمع على شيء إجماعنا على أن اليهود خطر يجب استئصاله من جسم الأمة أن عاجلاً أو آجلاً أو على الأقل يجب احتواؤه والإحاطة به. أو يجب هضمه وتذويبه والسيطرة عليه تحت أعلام الإسلام ورايات

ص: 160

القرآن، ولقد وسع صدر المسلمين في تاريخهم الطويل أن يحتو المستأمنين والمعاهدين والمسالمين.. أقول كنا نظن أن هذه الحقيقة (الخطر اليهودي) لا مراء فيها ولا جدال بين رجلين ينتميان إلى هذه الأمة عقيدة وتاريخا وثقافة وعاطفة.. ولكننا نجد الآن أن هذه الحقيقة أصبحت مجال خلاف بل وتضاد.. وقبل سنوات لم يجرؤ أحد أن يقول: نمد يدنا بالصلح والسلام مع اليهود إلا أصوات منكرة من بعض الشيوعيين في فلسطين ومصر، ولقد زين أولئك السلم مع اليهود بما شاءت لهم شياطينهم أن يزينوه ولكننا نجد اليوم رؤساء الدول الإسلامية إلا من رحم الله منهم يزينون لنا السلام ويحسنونه لأممهم بما لم يستطع اليهود أنفسهم أن يفعلوه وكأن السلام مع اليهود أضحى ضالة الأمة الذي تنشده منذ فجر التاريخ..

والنفسية اليهودية التي نجابهها منذ سبعين سنة على أرض فلسطين هي نفسها النفسية اليهودية منذ بدء تاريخهم. فاليهود يحملون أوزار الماضي وحقد القرون وسيظلون يحتفظون بذلك ويحفظونه في صدورهم ما بقوا على الأرض إلا من شذ منهم فليسوا سواء.. وما زالوا ينظرون إلى المسلمين اليوم بمنظار أسلافهم الذين أجلوا عن الجزيرة في خيبر والنضير وقينقاع، وقتلوا في قريظة. بل ويحنون إلى العودة إلى هناك ويسعون لذلك وليس المجال مجال التدليل على ما أقول، وكل قول غير ذلك هراء. بل مازال اليهود ينظرون إلى المصريين أنهم أولئك الفراعنة الذين أذلوهم في مصر وقتلوا أبناءهم واستحيوا نساءهم مع أن المصريين قد انتقلوا بحمد الله إلى الإسلام ولا يعادون اليهود لجنسهم كما كان الفراعنة، وإنما يقاتلونهم الآن وغدا إن شاء الله لخبثهم ومكرهم وظلمهم وتشريدهم لإخوانهم في العقيدة.. والحواجز النفسية التي يبنيها اليهود حول أنفسهم لا يمكن لأحد مهما

ص: 161

كان أن يهدمها من صدورهم حتى لو أعطوا مفاتيح القاهرة ودمشق، ودخلوا المدينة المنورة فاتحين فلن يتخلى اليهود عن حقد القرون، الذين عاشوا به ومازالوا يعيشون..

وإذا حاول الرئيس السادات أن يهدم هذه الحواجز النفسية بزيارته لهم، وتودده إليهم فإنه لن يصل إلى ذلك ولكنه قد يصل إلى بعض هذا عند الشعب المصري فقط ذلك الشعب الطيب الذي ينسى الإساءة ويعفو عن المظالم بكلمة واحدة من كلمات العواطف. ولكن هل في ذلك مصلحة للأمة في العصر الراهن. هل هناك مصلحة من كسر جدار العداء والبغضاء في نفوسنا لليهود الذين دنسوا مقدساتنا وما زالوا، وقتلوا أبناءنا وإخواننا وبناتنا ولا يزالون!؟ هل من المصلحة والواجب أن نصفح عن العدو ومازال في خنادقه يحاربنا، وأن نسامحه وما زالت دماؤنا تقطر وسكينه تلمع في يده.. ولقد قال الرئيس السادات نفسه أن الحرب كانت ستنشب قبل عشرة أيام فقط من زيارته للقدس!؟.

لماذا نريد أذن أن نكسر حاجز العداء من نفوسنا لليهود وهو أضعف الإيمان الذي نزاوله!؟ حتى كراهية اليهود وبغضهم يريد الرئيس السادات أن يجردنا منه، لا يا سيادة الرئيس أن بغض اليهود وكراهيتهم باقية في قلب كل مؤمن طالما هم معتدون مغتصبون محاربون لله ولرسوله لأن هذا منكر والرسول يقول من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. (وفي رواية) وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل، فإذا تخلينا عن بغض اليهود الظالمين المعتدين بقلوبنا فقد تخلينا عن آخر ذرة من الإيمان في قلوبنا..

ونرجو يا سيادة الرئيس أن تكون زيارتك للقدس اعذاراً لليهود أن يرجعوا عن غيهم ومكرهم وعلوهم وفسادهم، وأن

ص: 162

تعود إلى مصر أرض الكنانة لتنفخ روح العزة والأباء في شعبها وجيشها، وأن تطالب المسلمين في كل الأرض أن يهبوا لرفع الظلم والعار عنهم وأن يبذلوا النفس والنفيس في ذلك وأن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله!!.. ولقد قلت أن الله اختارك لتحكم مصر في هذه الفترة الحرجة من تاريخ الأمة وأن أقل واجب يفرضه عليك الدين ويأمر به الله ألا تتعامل مع عدو يريد أن يكون كلمة الشيطان والطغيان والظلم هي العليا، ويريد أن تكون كلمة الله هي السفلى. ولن يكون ذلك أبدا..

وأعلم يا سيادة الرئيس أن شهادة التاريخ لا ترحم وأنك ملاق ربك غدا وسائلك عن أمة محمد ماذا صنعت بها، وماذا صنعت لها. وأظنك لا تكذب بوعد الله!! وأنت الآن تتخذ أخطر قرار في تاريخ الأمة فأما أن تسير في ركابها وتحمل رايتها وتجاهد لإعزازها ونصرتها ولا تمكن عدواً ظالماً من رقابها، وبذلك تعيش أعظم أيام في حياتك ويخلد التاريخ ذكراك وما عند الله أكبر من ذلك..

ونرجو ألا تكون الثانية.. وما زال أملنا في رجل دخل أول حرب فعلية مع اليهود وزلزل كيانهم، أن يصدق الله مرة أخرى..

2 ديسمبر 1977

ص: 163