المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إلى الذين أعطوا اليهود "صك غفران - أضواء على أوضاعنا السياسية

[عبد الرحمن بن عبد الخالق]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الدين والحياة

- ‌فلنسم الأشياء بأسمائها

- ‌لماذا يظلم الإنسان أخاه

- ‌أيها الزعماء…متى ستبدأون الرحلة الجديدةوإلى أين

- ‌أمانة الكلمة

- ‌السلمي.. عبث وسراب

- ‌من ذا الذي يستطيع أن يعبر فوق هذا التراث

- ‌أي إسلام تريدون

- ‌لا حضارة دون سلاح

- ‌هل أنت واقعي

- ‌ما دورنا في لعبة الأمم

- ‌الجانب الروحي في قضايانا السياسية

- ‌لماذا يجب علينا أن نرفض الصلح والسلام مع اليهود

- ‌دروس من الحرب اللبنانية

- ‌كيف نستعد للجولة الخامسة

- ‌أولاً: الاستعداد السياسي:

- ‌ثانياً: السلم بين البلاد العربية قبل السلم مع إسرائيل

- ‌ثالثاً: البناء الاقتصادي

- ‌(أ) مفهوم المال العام

- ‌(ب) مفهوم المال الخاص

- ‌البحث عن السلام عند تجار الحروب

- ‌إلى متى نطلب حل مشكلاتنا من الخارج

- ‌هذا هو اليهودي العالمي

- ‌أنقذوا الفلسطينيين في الأرض المحتلة قبل فوات الأوان

- ‌إلى الذين أعطوا اليهود "صك غفران

- ‌خدعوك فقالوا "اعرف عدوك

- ‌لماذا يتهالك الشيوعيون على الصلح مع إسرائيل

- ‌الجوع الروحي يجتاح العالم

- ‌الفساد.. من سيحاسب من

- ‌الجانب الخلقي في الأزمة الاقتصادية

- ‌التنفيس السياسي

- ‌العرب والمستقبل البائس

- ‌الانتظار ليس صناعة سياسية ولا عسكرية

- ‌على من ستطبقون حكم المرتد

- ‌الدوَّامة

- ‌لحساب من تعمل إسرائيل

- ‌كارتر و "القاضي سليم

- ‌وااسلاماه

- ‌هل زيارة الرئيس للقدس هي إرادة الله وبشارة القرآن

- ‌رياح الجاهلية تهب على العالم الإسلامي

- ‌الشعوب والسحرة

- ‌من نحن؟ وأين نحن الآن

- ‌هل حقاً سيعيد التاريخ نفسه

- ‌نحو رحلة جديدة للبحث عن الذات

- ‌محاولة كشف القناع

- ‌حديث إلى الساسة

- ‌كيف نصطاد الأرانب السحرية

- ‌بين الفدائية والتخريب

- ‌من يستطيع إيقاف سقوط العربة

الفصل: ‌إلى الذين أعطوا اليهود "صك غفران

‌إلى الذين أعطوا اليهود "صك غفران

"

عندما قرر اليهود بناء دولة لهم في فلسطين أعلنوا للناس جميعاً أنهم شعب مضطهد مشرد بحاجة إلى وطن يؤويه وحكومة تنشر أمجاده القومية وتحافظ على مآثره الروحية. وأن فلسطين وطن بلا شعب وقد انطلت هذه الأكذوبة الخبيثة على العالم الغربي والشرقي في ذلك الوقت ولاقت عند الفرد النصراني هوى وراحة فقد رأى أن في قيام هذه الدولة ثأراً جديداً للحروب الصليبية القديمة، وتنفيساً عن عقدة الذنب تجاه اليهود الذي ظلموا في أوروبا وروسيا القيصرية دهورا من عمرهم وتمزيقاً لأمة يمكن من تنافسهم في السيطرة على العالم لما لها من ثروات وفيرة وموقع ممتاز، وحضارة سالفة وكثافة سكانية كبيرة. وكان وعد بلفور الذي أعتبر أول وثيقة سياسية رسمية تعترف بآمال اليهود هذه وأمانيهم التي كانت في وقتها ضرباً من الخيال والخرف والإيمان المطلق بالغيب الذي ينكره الغرب.

ولكن بالدأب والصبر والتخطيط الرهيب استطاع اليهود خداع العالم بأسره في جريمة لا مثيل لها في التاريخ اللهم إلا في هجرة الأوربيين إلى أمريكا وإبادتهم شعبها (الهنود الحمر) وبنائهم دولتهم على عظام هذا الشعب ورفاته. هذه الجريمة تتمثل باختصار في تهجير شعب كامل من أرضه

ص: 93

وتشريده في العالم وبناء دولتهم على أنقاضه ورفاته.

ولا يخفى على مطلع أسلوب المكر والدهاء والخبث التي وصل اليهود به إلى هذه الغاية. فالأعلام الناجح لليهود الذي صورهم دائماً بصورة المستضعف الذي يريد السكن والمأوى، والمسالم الذي يريد السلام وينشر الحب والأعمار، وتصوير أعدائهم (نحن) بصورة الوحش الضاري الذي يريد افتراسهم وطردهم من أرض آبائهم وأجدادهم والذي يريد إبقاء أرض تحت ملكه لا يستفيد بها ولا يزرعها ولا يستغل ثرواتها بل هو في غنى عنها كل هذا أعطى العالم صورة عن شرعية عمل اليهود في فلسطين ووجوب بقائهم فيها وعقلانية إقامة دولتهم عليها. هذا الأعلام الخارجي الناجح انضم إليه العمل الداخلي الدائب في تزهيد الفلسطيني في أرضه، وتشريده منها: بالإغراء تارة، وبالتهديد والتخويف تارة أخرى، وبدفنه فيها تارة ثالثة، ثم عمل اليهود الحثيث على مستوى الدول العربية هذه الدول التي توجب وصية على هذا الشعب وذلك بإقامة الجامعة العربي. وعمل هذا الوصي (الجامعة العربية) منذ تولي هذه الوصاية بمنتهى الغباء والسذاجة. (ومسلسل هذا العمل يطول شرحه) ، المهم أن اليهود استطاعوا في توجههم بالعمل نحو البلاد العربية، تمزيق هذه الدول، وإشاعة الفتنة والفوضى فيها وأشغالها بمشاكلها الداخلية عن عدوها الحقيقي، وعن غنيمتها التي تهضمها في بطء وشراسة.

ومسلسل الحروب الهزلية التي تتابعت بين الدول العربية واليهود قد أوصلتنا -وهذا هو المهم ̄ إلى مراد اليهود النهائي وهو إقامة دولتهم في فلسطين واعتراف العالم أولاً بها ثم التصديق والاعتراف من الدول العربية التي كانت وما زالت تدعي الوصاية والحماية لأرض فلسطين وشعب

ص: 94

فلسطين. أقول المهم أننا وصلنا -بعد أربعة حروب هب أن النصر كان في ثلاث منها لليهود وفي الرابعة لنا- إلى مراد اليهود النهائي الذي وضعوه يوم ركبوا سفنهم متوجهين إلى فلسطين لإقامة دولتهم المنشودة والتي كانت يومذاك في ضمير الغيب.

والآن يريد اليهود الحلقة النهائية من مسلسل أكبر أكذوبة عرفها العالم، ولا أريد أن أقول أكبر ظلم عرفه أيضاً، والذي يريدون اليوم أن يبرموا "صك الشرعية" لليهود ويعطوهم فلسطين ويقروهم على البقاء بها وجمع يهود العالم في كل مكان إليها نحب أن نذكرهم بما يأتي:

أولاً: الجرائم التي ارتكبها اليهود على هذه الأرض أكبر من أن يمنحوا معها "صك غفران" فدماء شهدائنا لم تجف بعد والثكالى اللاتي يبكين أبناءهن وأزواجهن لم تنقطع دموعهن والولدان الذين ينتظرون عودة آبائهم من المعارك مازالوا ينتظرون ولم يكبروا بعد، والشعب المشرد -وإن أكرهتموه لفظاظته أحياناً- مازال مشرداً بعد، وإذا علمتم مآسيه غفرتم فظاظته وثورته، ولا يجوز بتاتاً وقد نصبكم هذا الشعب أو نصبتكم الإنجليز عندما أسسوا الجامعة العربية أوصياء عليه أن تفرطوا في هذه الوصية وأن تعطوا اليهود "صك غفران" لكل هذه الجرائم والمآسي.

ثانياً: الشريعة التي تستندون في حكمكم عليها لا تعطي المغتصب حق الملك، ولا توجد شريعة في الأرض ترضى بهذا، والسلم والصلح الذي تلوحون لنا به ما وهو إلا إقرار للمغتصب، وتمليك للظالم فعلى أي شريعة ستستندون في هذا؟ شرعة الإسلام تأبى، وليس هناك شرعة في الأرض أو قانون يقول إن الغصب من طرق التملك، اللهم إلا أن تسموا هذا الغصب بالواقعية، ونحن نقول إن الظلم إذا وقع فلا يكون

ص: 95

حقاً بمجرد وقوعه، بل هو ظلم أيضاً وغصب فنحن معكم نعترف بالواقع وأن دولة اليهود قائمة الآن، ولكننا نفترق عنكم في أنكم تقولون إن دولتهم مادامت قد قامت فهي حق ويجوز أن تعطى صفة الشرعية، ونقول إن دولة اليهود باطل واقع ويجب أن يأتي اليوم الذي تزول فيه، وقد علمنا الله أن نكفر دائماً بالباطل فالشرك باطل وهو واقع ولا ينكر وجوده إلا مكابر، ولكن أمرنا بجهاد الباطل باليد واللسان والقلب وإقرار الباطل لا يجوز في شرعة الإسلام، فإذا قالت الدول الكبرى "روسيا وأمريكا" أن إسرائيل وجدت لتبقى وهي حق لأنها قائمة قلنا لهم أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده وإسرائيل باطل وإن كانت قائمة، لأنها قامت على الباطل والكذب والغش والخداع، وشريعتنا لا تبرر الكذب والغش والخداع بمجرد وقوعه.

ثالثاً: إلى الذين يريدون إعطاء اليهود "صك غفران" ماذا سنقول لأجيالنا الذين نعلمهم أن وعد بلفور وعد مشؤوم ووعد آثم وجريمة نكراء و.. و.. إلى آخر هذا الهراء الذي نردده في أسماع أبنائنا كل يوم وما جريمة وعد بلفور أمام صككم الذي تريدون عقده وأمام جريمتكم التي بيتم أمركم على ارتكابها، إن أصغر طالب في مدارسنا سيقول لأستاذه غداً: أستاذي إذا كان بلفور الإنجليزي قد عطف على أماني اليهود في إقامة دولة لهم في فلسطين فقد اعترفنا نحن بهذا الحق وأيدنا اليهود في هذه الأمنية! أتريدون منا أن نكابر ونقول: لا وعد بلفور آثم، "وصك الغفران والملكية" الذي تزمعون إبرامه لليهود حق ونصر وفتح مبين!! اتقوا الله في عقولنا يا قوم!! أم تريدون أن نمحوا تراثناً كله وأن نبصق على شعرائنا السالفين ومفكرينا الغابرين، وقادتنا المخلصين، بل أن يبصق عليكم أنتم لأننا ما صفقنا لكم إلا على أمل أن تحرروا أرضنا وتعيدوا مجدنا وتنقموا لأطفالنا

ص: 96

وثكلانا وتعيدوا تاريخ أمتنا؟ ألا تذكرون أن حناجرنا التهبت من الصراخ بحياتكم عندما أعلنتم ذلك، وأيدينا احترقت من التصفيق لكم عندما ظننا أن فيكم لمحة من خالد وطارق وعمرو وسعد، أتريدون أن نتهم عقولنا وأن نقول لقد كنا وإياكم في ضلال مبين؟

رابعاً: نحن نسأل: من فوضكم في بيع حضارتنا على هذا النحو وفي هدم تاريخنا بهذه السهولة؟ لا أظن عربياً واحداً فضلاً عن أن يكون مسلماً يرضى بأن يقر الباطل بالصمت فضلاً على أن يقره بالكتابة والعهد.. إسرائيل أكبر أكذوبة عرفتها لأرض ولا ننكر أنها أكذوبة واقعة ولكن لابد أن يأتي اليوم الذي يفيق فيه العالم أجمع من سكرته وخمرته ومن تأثير هذا اللعب السحري اليهودي الذي خلب الأبصار وأعمى العيون، ونحن نعلم أيضاً أن زوال هذه الأكذوبة لن يكون إلا على أيدي المؤمنين الذين يعملون كيف يفرقون بين الكهانة والدين، وبين السحر والمعجزة وبين الفتح والظلم، وبين الحق والباطل.

خامساً: إذا كان الفلسطينيون قد ألجئوا بفعل الظلم الذي وقع عليهم من كل جانب أن تكون آخر أمانيهم عظمة من يد اليهود تسمي الضفة الغربية وغزة فحذار في مقابل هذه العظمة الجافة أن يعطوا عدو الله وعدوهم تنازلاً شرعياً عن فلسطين، وليس هناك فيما أعلم فلسطيني حر يقول إن لليهود شرعية وحقاً في إقامة دولة لهم في فلسطين، والذين يريدون أن يتستروا وراء "الفلسطيني" الذي أهلوه لتوقيع هذه الوثيقة الظالمة إنما يرتكبون أكبر جريمة في حق أنفسهم وأمتهم.

سادساً: يجب أن نعلم أن الكهانة الدينية التي سوغت لبعض رهبان "النصارى" إعطاء بعض البشر جوازات مرور

ص: 97

إلى الجنة ومنحتهم عفواً شاملاً عن جميع خطاياهم على الأرض، وذلك في مقابل عرض من الدنيا كان يأخذه الكاهن.

أقول يجب أن نعلم أن الكهانة السياسية التي تمارس الآن أعظم جرماً من تلك الكهانة الدينية التي نستنكرها جميعاً اليوم، فاحتكار الصواب الذي تمارسونه، وتربية شعوبكم بمبدأ: آمن يا بني فما يقوله الرؤساء حق وإلا كفرت!

ولا تعترض فتنطرد، ولا يفهم في السياسة إلا أهل السياسة.. الخ هذا الفكر البغيض الذي يمارس الآن كل هذه القواعد الكهنوتية إذا ظننتم أن الشعوب قد هضمتها وآمنت بها فأنتم مخطئون.. وأنه لمن السذاجة أن تظنوا أنكم تستطيعون إبرام الصكوك الآثمة وعقد العقود الجائرة وأكل ثمنها المحرم ولا يجرفكم تيار الحق.

7 يناير 1977

ص: 98