الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصلاح كانت عين المفسدة فلا تأمر زوجها ولا تحثه إلا على شر وأقل ذلك أن ترغبه في الدنيا حتى يتهالك فيها، وأي شر أضر من ذلك، فحديث الباب من معنى ما تقدم من حديث (فاظفر بذات الدين تربت يداك).
فائدة في الصفات المطلوبة في الزوجة
وجملة ما استفيد من الأحاديث من الصفات المطلوبة في الزوجة عشرة:
الأول منها: أن تكون صالحة ذات دين كما في حديث الباب وكما مر في حديث أبي هريرة قبل هذا الباب، وأخرج ابن ماجه عن أبي أمامة مرفوعًا (ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرًا له من زوجة صالحة إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله).
والثاني منها: أن تكون ذات حسبٍ ونسب لما مر في حديث أبي هريرة ولما رُوي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش أحناه على ولد في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده" أخرجه البخاري في باب إلى من ينكح.
الثالث: أن تكون بكرًا لما أخرجه ابن ماجه عن عتبة بن عويم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواها وأنتق أرحاما وأرضى باليسير" أخرجه الطبراني عن ابن مسعود بسند ضعيف كما في مجمع [4/ 259].
الرابع: أن تكون ولودًا ودودًا لما روى النسائي وغيره عن معقل بن يسار قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب ومنصب إلا أنها لا تلد أفاتزوجها، فنهاه، ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة فنهاه، فقال:"تزوجوا الولود الودود، فإني مكاثر بكم الأمم".
والخامس: أن تكون حسنة القيام بأمور البيت لما ورد في حديث ابن عمر (المرأة راعية على بيت زوجها وولده" أخرجه البخاري في النكاح والأحكام.
والسادس: أن تكون مطيعة لزوجها لما أخرجه النسائي عن أبي هريرة قال: قيل يا
3524 -
(1395)(155) وحدَّثني حَرمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخبَرَنَا ابْنُ وَهْب. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدثَنِي ابْنُ الْمُسَيبِ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِن الْمَرْأَةَ كَالضلعِ
ــ
رسول الله أي النساء خير؟ قال: "التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره".
والسابع: أن تكون عفيفة لقوله تعالى: {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلا زَانٍ} [النور: 3].
والثامن: أن تكون ذات جمال يستحسنه الرجل لما مر في باب استحباب نكاح ذات الدين.
والتاسع: أن لا تكون غيرتها شديدة لما روى أنس رضي الله عنه قالوا: يا رسول الله ألا تتزوج من نساء الأنصار؟ قال: "إن فيهم لغيرة شديدة" أخرجه النسائي.
والعاشر منها: أن تكون خفيفة المؤنة لا يحتاج نكاحها إلى مؤونة شديدة وذلك لما أخرجه أحمد والحاكم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من يُمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها وتيسير رحمها" صححه الحاكم وأقره الذهبي، وقال العراقي: سنده جيد. والمراد من تيسير الرحم أن تكون سريعة الحمل كثيرة النسل، راجع الفتح الرباني. وأخرج البزار عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة" راجع كشف الأستار عن زوائد البزار والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ من التكمِلة.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
3524 -
(1395)(155)(وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب حدثني) سعيد (بن المسيب) بن حزن (عن أبي هريرة) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المرأة كالضلع) بكسر الضاد وفتح اللام واحد الأضلاع؛ وهي عظام الجنبين، ووجه الشبه الاعوجاج، قال أهل اللغة: الضلع مؤنث، والمشهور في لامها الفتح وقد
إِذَا ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا. وَإِنْ تَرَكْتَهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَفيهَا عَوَجٌ".
3525 -
(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بن حَربٍ وَعَبدُ بن حُمَيد. كِلاهُمَا عَن يَعقُوبَ بنِ إِبراهِيمَ بنِ سَعدٍ، عَنِ ابْن أَخِي الزهرِي،
ــ
تُسكن (إذا ذهبت) وقصدت أن (تقيمها كسرتها) أي إذا أردت أيها الرجل تسوية عوجها وتقويمه كسرتها، ويأتي أن كسرها طلاقها (وإن تركتها) على حالها (استمتعت بها) أي تمتعت بها (وفيها عوج) أي اعوجاج، ضبطه بعضهم هنا بفتح العين وبعضهم بكسرها ولعل الفتح أكثر، وضبطه ابن عساكر بالكسر وهو الأرجح على ما سننقله من أهل اللغة إن شاء الله تعالى قريبًا، قال أهل اللغة: العوج بالفتح في كل منتصب كالحائط والعود وشبهه، وبالكسر ما كان في بساط أو أرض أو معاش أو دين، ويقال فلان في دينه عوج بالكسر هذا كلام أهل اللغة، قال صاحب المطالع: قال أهل اللغة: العوج بالفتح في كل شخص مرئي، وبالكسر فيما ليس بمرئي كالرأي والكلام اهـ. وفي الحديث دليل لما يقوله المفسرون أن حواء خُلقت من ضلع آدم، قال القرطبي: أي أخرجت منه كما تخرج النخلة من النواة، واختلف متى خُلقت من ضلع آدم قيل قبل دخوله الجنة، وقيل في الجنة اهـ نواوي، قال الثعالبي: لما أسكن. الله آدم الجنة كان يمشي فيها وحشًا لم يكن من يؤانسه فألقى الله عليه النوم فنام فأخذ القصيراء من أضلاعه دون أن يجد آدم ألمًا لذلك، وفيه إشارة إلى تنويم أهل العصر الحديث المريض بالبنج عندما يعملون العملية، فخلق منها حواء ثم ألبسها وزينها بأنواع الزينة وأجلسها عند رأسه، وفيه إشارة إلى تزيين العروس الآن، فلما انتبه وجدها عند رأسه فسألته الملائكة عنها ليمتحنوا علمه فعرفهم باسمها وبما خُلقت له اهـ من الأبي: قال النواوي: وفي هذا الحديث ملاطفة النساء والإحسان إليهن والصبر على عوج أخلاقهن واحتمال ضعف عقولهن وكراهة طلاقهن بلا سبب وأنه لا يطمع باستقامتها والله أعلم اهـ.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5184]، والترمذي [1188].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
3525 -
(00)(00)(وحدثنيه زهير بن حرب وعبد بن حميد كلاهما عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (9)(عن) محمد (بن أخي الزهري) عبد الله بن مسلم بن شهاب الزهري المدني، صدوق،
عَن عَمِّهِ، بِهذَا الإِسنَادِ، مِثلَهُ سَوَاء.
3526 -
(00)(00) حدثنا عَمرٌو الناقِدُ وَابنُ أَبِي عُمَرَ. (وَاللفظُ لابنِ أَبِي عُمَرَ) قَالا: حَدَّثَنَا سُفيَانُ، عَن أَبِي الزنَادِ، عَنِ الأَعرَجِ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ المَرأَةَ خُلِقَت مِن ضِلعٍ. لَن تَستقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ. فَإنِ استَمتعتَ بِهَا استمتَعتَ بِهَا وَبِهَا عَوَجٌ. وَإِن ذَهَبتَ تُقِيمُهَا كسَرتَهَا وكَسرُهَا طَلاقهَا"
ــ
من (6) روى عنه في (3) أبواب (عن عمه) محمد بن مسلم الزهري (بهذا الإسناد) يعني عن ابن المسيب عن أبي هريرة وساق ابن أخي الزهري (مثله) أي مثل ما روى يونس عن ابن شهاب، غرضه بيان متابعة ابن أخي الزهري ليونس بن يزيد في الرواية عن ابن شهاب. وقوله:(سواء) حال من مثله وهو تأكيد لمعنى المماثلة، والتقدير حالة كون ذلك المثل مساويًا للحديث السابق لفظًا ومعنى.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
3526 -
(00)(00)(حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (و) محمد (ابن) يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (واللفظ لابن أبي عمر قالا: حدثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الأعرج لابن المسيب (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المرأة) أي إن أصلها وأمها وهي حواء (خُلقت) أي أخرجت (من ضلع) آدم الأعوج؛ أي أخرجت منها كما تخرج النخلة من النواة، ويحتمل أنه تمثيل أي مثل ضلع في الاعوجاج أي فهي كالضلع الأعوج، ويشهد له قوله:(لن تستقيم) أي لن تثبت (لك على طريقة) مستقيمة عادلة (فإن استمتعت بها) أي أردت الاستمتاع بها (استمتعت بها) أي تمتعت بها (وبها عوج) أي والحال أن بها ميلًا عن حالة الاعتدال (وإن ذهبت) أي قصدت أن (تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها) يعني إن كان لا بد من الكسر فكسرها طلاقها، والطلاق بلا سبب شرعي مكروه، وقال تعالى:{فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيهِنَّ سَبِيلًا} وفي حديث
3527 -
(00)(00) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حُسَينُ بن عَلِيّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَيسَرَةَ، عَنْ أَبِي حَازِم، عَن أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَال: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَإِذَا شَهِدَ أَمرًا فَليَتَكَلمْ بِخَير
ــ
الجامع الصغير: "إن المرأة خُلقت من ضلع، وإنك إن ترد إقامة الضلع تكسرها فدار لها تعش معها". وهذا الحديث من أبلغ الكلام وأحسن التشبيه والمراد أنه لا ينبغي للرجل أن يطمع في استقامة المرأة كل الاستقامة فمن حاول حملها على الأخلاق المستقيمة أفسدها ومن تركها على ما هي عليه انتفع بها، وفيه إشارة إلى أن بعض الاعوجاج في أخلاق المرأة ليس بعيب فيها كما أنه ليس بعيب في الضلع فلا ينبغي للرجل أن يطلب فيها أخلاق الرجال فإن الله تعالى قد خلق كلًّا من الصنفين بخصائص لا توجد في الآخر، والمراد بتشبيه المرأة بالضلع أن استواءَهَا والانتفاع بها مع اعوجاجها قال الشاعر:
هي الضلع العوجاء لست تقيمها
…
ألا إن تقويم الضلوع انكسارها
أتجمع ضعفًا واقتدارًا على الفتى
…
أليس عجيبًا ضعفها واقتدارها
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
3527 -
(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي) بن الوليد الجعفي أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (9)(عن زائدة) بن قدامة الثقفي أبي الصلت الكوفي، ثقة، من (7)(عن مبسرة) بن عمار، وقيل ابن تمام الأشجعي الكوفي، روى عن أبي حازم في النكاح، وأبي عثمان النهدي وسعيد بن المسيب وعكرمة، ويروي عنه (خ م س) وزائدة بن قدامة والثوري وزهير بن معاوية وغيرهم، وثقه أبو زرعة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: من السادسة، وليس في مسلم من اسمه ميسرة إلا هذا الثقة (عن أبي حازم) الأشجعي مولى عزة الكوفي، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلا أبا هريرة (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان يومن بالله واليوم الآخر فإذا شهد) الفاء زائدة في جواب الشرط أي من كان يؤمن بالله واليوم الآخر إذا رأى من زوجته (أمرًا) لا ينبغي كنشوز واستطالة عليه (فليتكلم بخير) أي بكلام حسن طيب، كأن يعظها ويقول لها:
أَوْ لِيَسْكُتْ. وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ. فَإنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ. وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاهُ. إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ. وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ. اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا"
ــ
اعلمي أن النشوز مسقط للنفقة ويوجب لك اللعنة من الله (أو ليسكت) عن الكلام مطلقًا أو عن الكلام السيئ كسبها والطعن في عرضها ونسبها وحسبها (واستوصوا بالنساء) أي اقبلوا وصيتي فيهن وارفقوا بهن وأحسنوا عشرتهن اهـ مناوي، لأن فيه رمزًا إلى التقويم برفق بحيث لا يبالغ فيه فيكسر ولا يتركه فيستمر على عوجه فيؤخذ منه أن لا يتركهن على الاعوجاج إذا تعدت إلى تعاطي المعصية، وإنما المراد أن يتركها على اعوجاجها في الأمور المباحة اهـ عسقلاني، وفي التيسير: من الوصية بهن تأديبهن إن تعين، سمع أبو حنيفة امرأة تصيح لضرب زوجها لها فقال: صدقة مقبولة وحسنة مكتوبة، فقيل له: كيف؟ قال لحديث: "ضرب الجاهل صدقة" وأنا أعرفها جاهلة اهـ من بعض الهوامش. قال الأبي: الاستيصاء قبول الوصية، فالمعنى أوصيكم بهن خيرًا فاقبلوا وصيتي فيهن (فإن المرأة خُلقت من ضلع) أي من أصل معوج، فإن أول النساء وهي حواء كما جاء في الحديث أخرجت من ضلع آدم (وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه) الذي يلي الإبط وهو أقصره مرة (إن ذهبت) وقصدت (تقيمه) أي أن تقيم ذلك الضلع الأعوج وتعدله، وأعاد الضمير عليه مذكرًا على تأويله بالعضو وإلا فالضلع مؤنث كما مر (كسرته) أي كسرت ذلك الضلع (وإن تركته) بلا تعديل (لم يزل أعوج) واستعمال أعوج من عوج شاذ لأنه من العيوب يعني أنها خُلقت من أعوج أجزاء الضلع فلا يتهيأ الانتفاع بها إلا بالصبر والمداراة معها على تعوجها، ذكر ذلك مبالغة في إثبات هذه الصفة لها (استوصوا بالنساء خيرًا) ختم بما بدأ به ذهابًا إلى شدة المبالغة في الوصية بهن، ويحتمل أنه يكون من الخطاب العام أي ليوص بعضكم بعضًا بهن، ويحتمل أن تكون السين للطلب مبالغة أي اطلبوا الوصية من أنفسكم في حقهن اهـ أبي. وهذه الرواية انفرد بها الإمام مسلم رحمه الله تعالى. قوله:(إن المرأة خُلقت من ضلع) ويحتمل أن يكون هذا تشبيهًا ويؤيده ما مر في الرواية السابقة من التصريح بحرف التشبيه، ويحتمل أن يكون بيان أن المرأة قد خُلقت من ضلع آدم عليه السلام، قال النووي: وفيه دليل لما يقوله الفقهاء وغيرهم أن حواء خُلقت من ضلع آدم كان النووي يشير إلى قول الشافعي رحمه الله تعالى: إن الله
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تعالى لما خلق آدم خُلقت حواء من ضلعه القصير فصار بول الغلام من الماء والطين وبول الجارية من اللحم والدم أخرجه ابن ماجه في باب بول الصبي الذي لم يطعم، ولكنه ليس قولًا للفقهاء فقط، وإنما هو مروي من عدة آثار فقد أخرج ابن إسحاق عن ابن عباس أن حواء خُلقت من ضلع آدم الأقصر الأيسر وهو نائم، وكذا أخرجه ابن أبي حازم وغيره من حديث مجاهد ذكرهما الحافظ في الفتح، ويؤيده قوله تعالى:{الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} .
قوله: (وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه) قيل فيه إشارة إلى أن أعوج ما في المرأة لسانها.
قوله: (استوصوا بالنساء خيرًا) فيه إشارة إلى أن تشبيه المرأة بالضلع لا ينافي إيصاءهن بالخير وأمرهن بالمعروف فالمراد أن المرأة إنما تقوم برفق بحيث لا يبالغ فيه فتكسر ولا يتركه فتستمر على عوج، وإلى هذا المعنى أشار البخاري حيث أتبع هذا الحديث بباب {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} فيؤخذ منه أنه لا يتركها على العوج إذا تعدت بما طُبعت عليه من النقص إلى تعاطي المعصية أو ترك الواجب، وإنما المراد أن يتركها على اعوجاجها في الأمور المباحة وفيما لا يضر عوجها فيه ضررًا بينًا وإلا لما أمر الله تعالى بقوله:{فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} ولَمَا أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله تعالى عنها في تعليق القرام. فالحاصل أن حديث الباب لا ينهى عن تقويم المرأة وتأديبها مطلقًا، وإنما ينهى عن المبالغة والتشدد في ذلك ويندب إلى المداراة لاستمالة النفوس وتأليف القلوب إلى سياسة النساء بأخذ العفو منهن والصبر على ما جُبلت عليه من العوج وإلى ترك المسارعة في أمر الطلاق والله أعلم.
(فائدة مستطردة): قال الغزالي في الإحياء: وكانت نساء العرب يُعلمن بناتهن اختبار الأزواج، كانت المرأة تقول لابنتها: اختبري زوجك قبل الإقدام والجرأة عليه، انزعي زج رمحه فإن سكت على ذلك فقطعي اللحم على ترسه، فإن سكت على ذلك فكسري العظام بسيفه فإن صبر فاجعلي الإكاف على ظهره وامتطيه فإنما هو حمارك اهـ إتحاف السادة المتقين للزبيدي اهـ تكملة.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال:
3528 -
(1396)(156) وحدَّثني إِبرَاهِيمُ بن مُوسَى الرَّازِي. حَدَّثَنَا عِيسَى (يَعْنِي ابنَ يُونُسَ). حَدَّثَنَا عَبدُ الحَمِيدِ بن جَعفَرٍ، عَن عِمرَانَ بنِ أَبِي أنسٍ. عَن عُمَر بْنِ الحَكَمِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَفرَك مُؤمِنٌ مُؤمِنَةً. إِن كَرهَ مِنهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنهَا آخرَ" أو قَال: "غيرَهُ"
ــ
3528 -
(1396)(156)(وحدثني إبراهيم بن موسى) بن يزيد التميمي أبو إسحاق (الرازي) ثقة، من (10)(حدثنا عيسى يعني ابن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8)(حدثنا عبد الحميد بن جعفر) بن عبد الله الأنصاري أبو الفضل المدني، صدوق، من (6) روى عنه في (9) أبواب (عن عمران بن أبي أنس) القرضي العامري المدني أو المصري، ثقة، من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن عمر بن الحكم) بن رافع الأنصاري أبي حفص المدني، حليف الأوس، روى عن أبي هريرة في النكاح والفتن، وعبد الله بن عمرو في العلم، وجابر وكعب بن مالك، ويروي عنه (م دت س) وعمران بن أبي أنس وابن أخيه جعفر بن عبد الله بن الحكم وعبد الحميد بن جعفر، وثقه أبو زرعة، وذكره ابن حبان في المات، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد رازي (قال) أبو هريرة:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يفرك) من بابي سمع ونصر، يقال فركه يفركه إذا أبغضه، والفرك البغض، أي لا يبغض (مؤمن) يعني زوجًا (مؤمنة) يعني زوجة، أي لا يبغضها بغضا يؤدي إلى تركها وإعراضه عنها، قال الأبي: الفِرك بكسر الفاء هو بغض أحد الزوجين الآخر، قيل فهو نفي في معنى النهي أي لا ينبغي للرجل أن يبغضها بغضا تاما إذا رأى منها ما يكره لأنه (أن كره منها خُلقًا) لا يوافقه (رضي منها) خُلقا (آخر) يوافقه فيُقابل هذا بذاك (أو قال) أبو هريرة: رضي منها (غيره) أي غير الخُلق الذي كره، والشك من عمر بن الحكم أو ممن دونه، ويحتمل أن يكون من أبي هريرة، قال القرطبي: أي لا يبغضها بغضا كليًّا يحمله على فراقها أي لا ينبغي له ذلك بل يغفر سيئها لحسنها ويتغاضى عما يكره لما يحب، وأصل الفرك إنما يقال في النساء يقال: فركت المرأة زوجها تفركه وأبغض الرجل امرأته، وقد استعمل الفرك في الرجل قليلًا وتجوزًا، ومنه ما في هذا الحديث اهـ من المفهم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
3529 -
(00)(00) وحدثنا مُحَمدُ بن المُثَنَّى. حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ. حَدَّثَنَا عَبدُ الحَمِيدِ بْنُ جَعفَرٍ. حَدَّثَنَا عِمرَانُ بن أَبِي أَنس، عَن عُمَرَ بنِ الحَكَمِ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثلِهِ.
3530 -
(1397)(157) حدثنا هَارُونُ بن مَعرُوف. حَدَّثَنَا عَبدُ اللهِ بن وَهبٍ. أَخبَرَنِي عَمرُو بن الْحَارِثِ؛ أَن أَبَا يُونُسَ، مَولَى أَبِي هُرَيرَةَ، حَدَثهُ عَن أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"لَولا حَواءُ، لَمْ تَخُن أُنثَى زَوجَهَا الدهرَ"
ــ
3529 -
(00)(00)(وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد بن الضحاك الشيباني البصري، ثقة ثبت، من (9)(حدثنا عبد الحميد بن جعفر) الأنصاري المدني (حدثنا عمران بن أبي أنس) القرشي المدني (عن عمر بن الحكم) الأنصاري المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي عاصم لعيسى بن يونس (عن النبي صلى الله عليه وسلم وساق أبو عاصم (بمثله) أي بمثل حديث عيسى بن يونس، وفائدتها بيان كثرة طرقه.
ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال:
3530 -
(1397)(57 1)(حدثنا هارون بن معروف) المروزي أبو علي الضرير نزيل بغداد، ثقة، من (10)(حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9)(أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري مولاهم أبو أيوب المصري، ثقة، من (7)(أن أبا يونس) سليم بن جبير (مولى أبي هريرة) الدوسي المدني، ثقة، من (3) (حدثه) أي حدّث لعمرو بن الحارث (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد مروزي (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لولا حواء) أي لولا خيانة حواء لآدم وغشها له بتزيين أكل الشجرة له، أي لولا خيانتها لآدم موجودة (لم تخن أنثى زوجها الدهر) أي أبدًا، أي لولا أن حواء خانت آدم في إغرائه وتحريضه على مخالفة النهي بتناول الشجرة وسنت هذه السنة لما سلكتها أنثى مع زوجها اهـ قاضي، وذلك خيانة منها له فنزع العرق في بناتها، وليس
3531 -
(00)(00) وحدثنا مُحَمدُ بن رَافِع. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزاقِ. أَخبَرَنَا مَعْمَر، عَنْ هَمامِ بْنِ مُنَبِّه. قَال: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ. مِنهَا: وَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
ــ
المراد بالخيانة هنا الزنا اهـ مناوي، إذ خيانة الفجور لم تقع من امرأة نبي قط ذكره الزمخشري في تفسير سورة التحريم عند قوله تعالى:{فَخَانَتَاهُمَا} . وانتصاب الدهر على الظرفية أي أبدًا، وقال القرطبي: يعني أنها أمهن فأشبهنها بالولادة ونزع العرق لما جرى في قصة الشجرة مع إبليس فإنه أغواها من قبل آدم حتى أكلت من الشجرة، ثم إنها أتت آدم فزينت له ذلك حتى حملته على أن أكل منها اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [3330].
وقوله: (لولا حواء) بالمد، قال ابن عباس: سُميت حواء لأنها أم كل حي، أو لأنها خُلقت من ضلع آدم القصرى اليسرى وهو حي قبل دخوله الجنة، وقيل فيها، قاله العيني، وقيل إنها ولدت لادم أربعين ولدًا في عشرين بطنًا في كل بطن ذكر وأنثى، وفي الحديث إشارة إلى تسلية الرجال فيما يقع لهم من نسائهم بما وقع من أمهن الكبرى وأن ذلك من طبعهن فلا يفرط في لوم من وقع منها شيء من غير قصد إليه أو على سبيل الندور، وينبغي لهن أن لا يتمسكن بهذا في الاسترسال في هذا النوع بل يضبطن أنفسهن ويجاهدن هواهن كذا في الفتح.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
3531 -
(00)(00)(وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني الصنعاني (قال) همام: (هذا) الحديث الذي أحدثه لكم من هذه الصحيفة (ما حدثنا) به (أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا إشارة إلى أن هذا الحديث مأخوذ من الصحيفة الصادقة التي أملاها أبو هريرة على تلميذه همام بن منبه، وهذا الحديث هو الحديث السابع والخمسون من تلك الصحيفة [ص 99] بهذا اللفظ بعينه، وهذه الصحيفة موجودة أيضًا في مسند أحمد [2/ 312 - 318]. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة همام لأبي يونس (فذكر) همام (أحاديث منها) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لَولا بَنُو إِسرَائِيلَ، لَم يخبُثِ الطعَامُ، وَلَم يَخنَزِ اللحمُ. وَلَولا حَوَّاءُ، لَم تَخُن أُنثَى زَوجَهَا الدهرَ"
ــ
لولا بنو إسرائيل) أي لولا ادخار بني إسرائيل الطعام واللحم في زمن موسى عليه السلام أي لولا ادخارهم موجود (لم يخبث الطعام) بضم الموحدة من باب فعل المضموم أي لم يفسد الطعام ولم تتغير رائحته بطول الزمان (ولم يخنَزِ) بفتح النون وكسرها، من باب ضرب وفتح ومصدره الختز والخنوز أي لم ينتن (اللحم) ولم يتغير، أي لولا ادخارهم اللحم الذي نهوا عن ادخاره موجود لم يخبث الطعام ولم يخنز اللحم إذا ادخرا، قال العلماء: معناه أن بني إسرائيل أنزل الله عليهم المن والسلوى ونُهوا عن ادخارهما، فادخروا ففسد وأنتن عقوبة لهم على ادخارهم واستمر ذلك من ذلك الوقت، قال الفيومي: إن أهل الحجاز إذا أطلقوا الطعام عنوا به البُر خاصة، وفي العرف الطعام اسم لما يؤكل مثل الشراب اسم لما يُشرب اهـ.
قال القاضي عياض: لما أنزل الله سبحانه المن والسلوى على بني إسرائيل فكان يسقط عليهم في مجالسهم كالثلج من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فيؤخذ منه كل يوم ما يُغني ذلك اليوم إلا يوم الجمعة فإنهم يأخذون له وللسبت إلى أن قصدوا إلى أكثر من ذلك وادخروه ففسد فكان ادخارهم فسادًا عليهم وعلى غيرهم أبدًا.
(فائدة مستطردة): أخرج الإمام أبو نعيم الأصبهاني عن وهب بن منبه قرأت في بعض الكتب: لولا أني كتبت النتن على الميت لحبسه الناس في بيوتهم، ولولا أني كتبت الفساد على الطعام لخزنته الأغنياء عن الفقراء، ولولا أني أذهبت الهم والغم لم تعمر الدنيا ولم أعبد" راجع له ترجمة وهب بن منبه من حلية الأولياء [4/ 37 و 38].
(ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر) مر الكلام فيه قريبًا.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول: حديث عبد الله بن عمرو ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثالث: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد به وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.