الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
551 - (37) باب بيان كيفية اللعان ووعظ المتلاعنين
3625 -
(1419)(179) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرِ. قَال: سُئِلْتُ عَنِ الْمُتَلاعِنَينِ في إِمْرَةِ مُصْعَبٍ. أَيُفَرَّقُ بَينَهُمَا؟ قَال: فَمَا دَرَيتُ مَا أَقُولُ، فَمَضَيتُ إِلَى مَنْزِلِ ابْنِ عُمَرَ بِمَكَّةَ. فَقُلْتُ لِلْغُلامِ: اسْتَأذِنْ لِي. قَال: إِنَّهُ قَائِلٌ. فَسَمِعَ صَوْتي، قَال: ابْنُ جُبَيرٍ؟
ــ
551 -
(37) باب بيان كيفية اللعان ووعظ المتلاعنين
3625 -
(1419)(179)(حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة واللفظ له حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان) ميسرة الفزاري أبو محمد الكوفي، صدوق، من (5)(عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم أبي محمد الكوفي، ثقة ثبت فقيه، من (3) قتله الحجاج كهلًا فما أمهل بعده (قال) سعيد:(سئلت عن) حكم (المتلاعنين) أيفرق بينهما أم لا (في إمرة مصعب) أي في عهد إمارة مصعب بن الزبير على العراق، وقد حكى الأبي عن ابن العربي أن مصعب بن الزبير حين كان أميرًا على العراق لاعن بين زوجين ولم يفرق بينهما فسئل ابن جبير عن ذلك فلم يعلم الجواب فوقف عما لم يعلم، وقد علم أنه وقع في زمنه صلى الله عليه وسلم فرحل يطلب العلم في مظانه فأتى ابن عمر في بيته اهـ منه أي قال سعيد بن جبير: سئلت عن حكم المتلاعنين في زمن إمارة مصعب بن الزبير أي سئلت (أيفرّق بينهما) إذا تلاعنا أم لا يفرق (قال) سعيد: (فما دريت) ولا علمت (ما أقول) في جواب هذا السؤال (فمضيت) أي مشيت (إلى منزل ابن عمر بمكة) لأسأله عن هذا الحكم، قال القاضي: فيه ما كان عليه السلف من الحرص على تحصيل العلم اهـ فوصلت إلى بيته (فقلت للغلام) البواب: (استأذن في) أي اطلب الإذن لي من ابن عمر في الدخول عليه (قال) الغلام (إنه) أي إن ابن عمر (قائل) أي نائم نوم القيلولة، وهو اسم فاعل من قال يقيل قيلولة إذا استراح وسط النهار، قال القاضي: ففيه أنه لا يشق على العالم ومن يحتاج إليه في أوقات راحتهم (فسمع) ابن عمر (صوتي) أي صوت كلامي مع الغلام (قال) ابن عمر هو أي هذا المتكلم (ابن جبير) بالرفع على أنه
قُلْتُ: نَعَمْ. قَال: ادْخُلْ. فَوَاللهِ، مَا جَاءَ بِكَ، هذِهِ السَّاعَةَ، إلا حَاجَةٌ. فَدَخَلْتُ. فَإِذَا هُوَ مُفْتَرِشٌ بَرْذَعَةً. مُتَوسِّدٌ وسَادَةً حَشْوُهَا لِيفٌ. قُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمنِ! الْمُتَلاعِنَانِ، أَيُفَرَّقُ بَينَهُمَا؟ قَال: سُبْحَانَ الله! نَعَم. إِنَّ أَوَّلَ مَنْ سَأَلَ عَنْ ذلِكَ فُلانُ بْنُ فُلانٍ. قَال: يَا رَسُولَ الله! أَرَأَيتَ أَنْ لَوْ وَجَدَ أَحَدُنَا امرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ، كَيفَ يَصْنَعُ؟ إِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمِ. وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى مِثْلِ ذلِكَ
ــ
خبر مبتدإ محذوف أو أأنت ابن جبير، قال سعيد:(قلت) له: (نعم) أنا ابن جبير (قال) لي ابن عمر (ادخل) فقد أذنا لك (فوالله ما جاء بك هذه الساعة) أي ساعة الاستراحة من حر الظهيرة (إلا حاجة) شديدة وضرورة نازلة، قال سعيد:(فدخلت) عليه (فإذا هو مفترش برذعة) أي فرشها تحته، يقال فرش البساط وافترشه إذا جعله تحته وقاية من الأرض، والبرذعة بالدال المهملة وبالذال المعجمة حلس يجعل تحت الرحل يجمع على برادع بالضبطين اهـ من المصباح، قال القاضي: وفي غير مسلم (برذعة رحله) أي رحل بعيره اهـ (متوسد وسادة حشوها ليف) أي لحى النخل أو الكلأ اليابس، وفيه زهادة ابن عمر وتواضعه وتقلله من الدنيا، واحتمال ابن عمر لما علم من شاهد الحال أنها مهمة اهـ من إكمال المعلم. قال سعيد:(قلت) له يا (أبا عبد الرحمن) كنية ابن عمر (المتلاعنان أيفرّق) أي هل يفرق (بينهما) أم لا؟ قال ابن العربي: فيه دعاء العالم بكنيته تكرمة له ولا يزيد (قال) ابن عمر: (سبحان الله نعم) يفرق بينهما، وقوله سبحان الله هو تعجب من جهله ذلك وهي كلمة تقال عند التعجب والإنكار اهـ من الأبي (إن أول من سأل عن ذلك) أي عن سبب اللعان (فلان بن فلان) قال القرطبي: هو والله أعلم عويمر بن الحارث العجلاني اهـ من المفهم. وهذا هو الصواب وسيأتي في حديث أنس أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن السمحاء وكان أول رجل لاعن في الإسلام، لكن القصة التي أوردها مسلم هنا هي قصة عويمر العجلاني بعينهما على ما يظهر من صحيح البخاري اهـ من بعض الهوامش (قال) ذاك السائل يعني فلان بن فلان (يا رسول الله أرأيت) أي أخبرني (أن) مخففة من الثقيلة اسمها ضمير الشأن و (لو) شرطية (وجد أحدنا امرأته على فاحشة) فعل شرط للو، وجملة (كيف يصنع) جوابها، والمعنى أخبرني يا رسول الله أنه لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة كيف يصنع بها (إن تكلم تكلم بأمر عظيم) هو القذف لها لما فيه من الفضيحة (وإن سكت) عنها (سكت على مثل ذلك)
قَال: فَسَكَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُجِبْهُ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذلِكَ أَتَاهُ فَقَال: إِنَّ الَّذي سَأَلتُكَ عَنْهُ قَدِ ابْتُلِيتُ بِهِ. فَأَنْزَلَ الله عز وجل هؤُلاءِ الآيَاتِ فِي سُورَةِ النورِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] فَتَلاهُنَّ عَلَيهِ وَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ. وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ. قَال: لَا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا كَذَبْتُ عَلَيهَا. ثُمَّ دَعَاهَا فَوَعَظَهَا وَذَكَّرَهَا وأخبَرهَا أَنَّ عَذَابَ الدَّنْيَا
ــ
أي على أمر عظيم هو الزنا لما فيه من المضض والغيظ (قال) ابن عمر رضي الله تعالى عنهما (فسكت النبي صلى الله عليه وسلم عن جواب السائل (فلم يجبه) أي لم يجب السائل بشيء انتظارًا للوحي (فلما كان) ذلك السائل (بعد ذلك) اليوم (أتاه) أي أتى ذلك الرجل الفلاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم (فقال) ذلك الرجل الفلاني (إن الذي سألتك عنه) يا رسول الله وهو حكم الرجل الواجد مع امرأته أجنبيًّا (قد ابتليت به) أي بوقوع ذلك في نفسي لكن المذكور في صحيح البخاري ابتلاؤه بوقوع ذلك في رجل من قومه وسيأتي مثله في هذا الصحيح (فأنزل الله عز وجل بسببه (هؤلاء الآيات) المذكورة (في سورة النور) يعني قوله تعالى: ({وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فتلاهن) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عليه) أي على ذلك الرجل السائل (ووعظه) أي بذكر عقاب الله تعالى في الآخرة (وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة) وقوله وأخبره عطف تفسير لذكره أي ابتدأ بالرجل في الوعظ والتذكير كما ابتدأ به في اللعان وأخبره أن عذاب الدنيا وهو حد القذف في حقه أهون من عذاب الآخرة، قال النووي: فيه أن الإمام يعظ المتلاعنين ويخوفهما من وبال اليمين الكاذبة اهـ. قال القرطبي: هذا الوعظ والتذكير كان منه صلى الله عليه وسلم قبل اللعان وينبغي أن يتخذ سنة في وعظ المتلاعنين قبل الشروع في اللعان، ولذلك قال الطبري: إنه يجب على الإمام أن يعظ كل من يحلفه، وذهب الشافعي إلى أنه يعظ كل واحد بعد تمام الرابعة وقبل الخامسة تمسكًا منه بما في البخاري من حديث ابن عباس في لعان هلال بن أمية أنه صلى الله عليه وسلم وعظهما عند الخامسة اهـ من المفهم. (قال) الرجل:(لا) أي ما كذبت عليها يا رسول الله (والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها) وما نافية مؤكدة للا توكيدًا لفظيًّا بالمرادف (ثم دعاها) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فوعظها) بذكر عقاب الله في الآخرة (وذكرها وأخبرها) عطف تفسير لما قبله (أن عذاب الدنيا) وهو الرجم في حقها
أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ قَالتْ: لَا. وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! إِنَّهُ لَكَاذِبٌ. فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ. وَالْخَامِسَةَ أَنَّ لَعْنَةَ الله عَلَيهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ. ثُمَّ ثَنَّى بِالْمَرْأَةِ فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ. وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ الله عَلَيهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ. ثُمَّ فَرَّقَ بَينَهُمَا
ــ
(أهون من عذاب الآخرة قالت) المرأة: (لا) أي ما زنيت يا رسول الله (والذي بعثك بالحق إنه لكاذب) على (فبدأ) رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللعان (بالرجل) لأنه القاذف فيدرأ الحد عن نفسه ولأنه هو الذي بدأ الله تعالى به ولأن أيمانه كالشهادة على دعواه فتسقط الحد عنه (فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين) فيما رماها به أي حلف بالله أربع أيمان إنه لمن الصادقين فيما يقول عليها، والعرب تقول: أشهد بالله أي أحلف به، وكما قال شاعرهم:
فأشهد عند الله أني أحبها
…
فهذا لها عندي فما عندها ليا
وهذا مذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة: هي شهادات محققة من المتلاعنين على أنفسهما وابتنى على هذا الخلاف في لعان الفاسقين والعبدين فعند الجمهور يصح، وعند أبي حنيفة لا يصح اهـ من المفهم باختصار (و) المرة (الخامسة) يقول فيها:(أن لعنة الله) أي طرده من رحمته (عليه) أي على ذلك الملاعن (إن كان من الكاذبين) عليها فيما رماها به من الزنا (ثم ثنى) النبي صلى الله عليه وسلم (بالمرأة) أي جعلها ثانية في اللعان لأن لعانها لإسقاط حد الزنا الذي وجب عليها بلعانه (فشهدت) أي حلفت (أربع شهادات بالله) أي أربع أيمان (إنه لمن الكاذبين) عليّ فيما رماني به (والخامسة) تقول فيها (أن غضب الله) أي سخطه وبغضه (عليها إن كان من الصادقين) فيما رماني به، قال النووي: وهذه ألفاظ اللعان وهي مجمع عليها لا خلاف فيها.
والحكمة في اختصاص لعان المرأة بالغضب ولعان الرجل باللعن أن جريمة الزنا أعظم من جريمة القذف، والغضب أعظم من اللعن لأن الغضب إرادة الانتقام، واللعن البعد والطرد فجعل الأغلظ مع الأغلظ وغير الأغلظ مع غير الأغلظ اهـ من البيجوري على ابن قاسم.
(ثم فرَّق) النبي صلى الله عليه وسلم (بينهما) أي بين المتلاعنين فيه دليل ظاهر للحنفية على أن الفرقة لا تقع بنفس اللعان وإنما تقع بحكم الحاكم بعد اللعان وهو
3626 -
(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْديُّ. حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيمَانَ قَال: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيرٍ قَال: سُئِلْتُ عَنِ الْمُتَلاعِنَينِ، زَمَنَ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيرِ. فَلَمْ أَدْرِ مَا أَقُولُ. فَأَتَيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ. فَقُلْتُ: أَرَأَيتَ الْمُتَلاعِنَينِ أَيُفَرَّقُ بَينَهُمَا؟ ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيرٍ
ــ
مذهب الثوري ورواية عن أحمد، وقال مالك والشافعي: تقع الفرقة بنفس اللعان، ثم قال مالك وغالب أصحابه: تقع الفرقة بعد فراغ المرأة، وقال الشافعي وأصحابه وسحنون من المالكية: تقع بعد فراغ الزوج، وتظهر فائدة الخلاف في التوارث لو مات أحدهما عقب فراغ الرجل وفيما إذا علق طلاق امرأة بفراق أخرى ثم لاعن الأخرى كذا في فتح الباري [9/ 393]. وأجاب الشافعية من حديث الباب أن الفرقة وقعت بنفس اللعان، وإنما أخبرهما النبي صلى الله عليه وسلم بوقوع الفرقة فعبر عنه الراوي بقوله:(فرَّق بينهما) أي أظهر أن اللعان مفرّق بينهما. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 11 و 42]، والبخاري [5311]، وأبو داود [2257]، والترمذي [1202]، والنسائي [6/ 177].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:
3626 -
(00)(00)(وحدثنيه علي بن حجر السعدي) المروزي (حدثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي (حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان قال: سمعت سعيد بن جبير) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عيسى بن يونس لعبد الله بن نمير (قال: سئلت عن المتلاعنين زمن) إمرة (مصعب بن الزبير فلم أدر ما أقول) في الجواب (فأتيت عبد الله بن عمر فقلت) له: (أرأيت المتلاعنين) أي أخبرني عن المتلاعنين (أيفرّق بينهما) أي هل يفرّق بينهما بعد اللعان أم لا؟ (ثم ذكر) عيسى بن يونس (بمثل حديث) عبد الله (بن نمير) أي بمماثله لفظًا ومعنى.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:
3627 -
(00)(00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. (وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى)(قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ) عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِلْمُتَلاعِنَينِ: "حِسَابُكُمَا عَلَى اللهِ. أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ. لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيهَا". قَال: يَا رَسُولَ اللهِ، مَالِي؟ قَال: "لَا مَال لَكَ. إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ
ــ
3627 -
(00)(00)(وحدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب واللفظ ليحيى قال يحيى: أخبرنا، وقال الآخران: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي (عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن دينار لعبد الملك بن أبي سليمان (قال) ابن عمر:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين): الرجل والمرأة (حسابكما) أي محاسبتكما وتحقيق أمركما ومجازاته (على الله) سبحانه وتعالى يعني لا سبيل في الدنيا إلى معرفة الصادق وعقاب الكاذب منكما وإنما يحاسبكم الله في الآخرة، وفيه أن الخصمين المتكاذبين لا يعاقب واحد منهما وإن علمنا كذب أحدهما على الإبهام قاله النووي، وفيه أن البينتين إذا تعارضتا تساقطتا حكاه الأبي عن الخطابي (أحدكما) أي واحد منكما (كاذب) ظاهره أنه لو قال هذا الكلام بعد فراغهما من اللعان، والمراد بيان أنه يلزم الكاذب التوبة، وقال الداودي: إنما قاله قبل اللعان تحذيرًا لهما منه، والأول أظهر وأولى بسياق الكلام حكاه النووي عن القاضي (لا سبيل لك عليها) أي لا سبيل لك على صحبتها أبدًا بعد التفريق باللعان أو لا تسليط لك عليها فلا تُصدق أنت في اتهامها من غير بينة ولا تحد للزنا بمجرد قولك، أو المراد أنه لا يبقى بينكما نكاح بعد اللعان (قال) الرجل:(يا رسول الله مالي) أي أين مالي الذي أعطيتها صداقًا هل يرد عليّ أم لا؟ أو ما شأن مالي أو أين مالي أو أطلب مالي أو يذهب مالي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا مال لك) يعني ليس لك أن تسترد منها مهرها الذي أعطيته لها لأنك قد استوفيته بدخولك عليها وتمكينها لك من نفسها فهو بما استحللت من فرجها أي فمالك مقابل باستحلالك إياها ودخولك بها فقد استحقت تمام المهر، ثم أوضح صلى الله عليه وسلم ذلك بتقييم مستوعب فقال:(إن كنت صدقت) فيما ادعيته (عليها فهو بما استحللت
مِنْ فَرْجِهَا. وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيهَا فَذَاكَ أَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا".
قَال زُهَيرٌ فِي رِوَايَتِهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم.
3628 -
(00)(00) وحدّثني أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: فَرَّقَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بَينَ أَخَوَي بَنِي الْعَجْلانِ
ــ
من فرجها) فقد استوفيت حقك منها قبل ذلك (وإن كنت كذبت عليها فذاك) أي طلبك المهر وعوده إليك (أبعد لك منها) أي من مطالبتها لئلا يجتمع عليها الظلم في عرضها ومطالبتها بمال قبضته منك قبضًا صحيحًا تستحقه، واللام في لك للبيان كما في قوله تعالى:{هَيتَ لَكَ} ، وقوله:(فهو بما استحللت من فرجها) يستفاد منه أن الملاعنة لو أكذبت نفسها بعد اللعان وأقرت بالزنا وجب عليها الحد لكن لا يسقط مهرها كذا في فتح الباري، ثم إن الإجماع قد انعقد بحكم حديث الباب على أن الملاعنة المدخول بها تستحق جميع الصداق والخلاف في غير المدخول بها فالجمهور على أن لها النصف كغيرها من المطلقات قبل الدخول، وقال أبو الزناد والحكم وحماد: بل لها جميعه، وقال الزهري: لا شيء لها أصلًا، ورُوي عن مالك نحوه كما في عمدة القاري.
(قال زهير في روايته حدثنا سفيان عن عمرو سمع سعيد بن جبير يقول: سمعت ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأتى بالسماع في موضع عنعنتين.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالث في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:
3628 -
(00)(00)(وحدثني أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري (عن أيوب) السختياني (عن سعيد بن جبير عن ابن عمر) غرضه بيان متابعة أيوب لعبد الملك بن أبي سليمان (قال) ابن عمر: (فرّق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي) بفتح الواو وسكون التحتية (بني العجلان) بفتح العين المهملة وسكون الجيم تثنية أخ من باب التغليب حيث جعل الأخت كالأخ، وأما إطلاق الأخوة فبالنظر إلى أن المؤمنين إخوة أو إلى القرابة التي بينهما
وَقَال: "اللهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ. فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ ".
3629 -
(00)(00) وحدّثناه ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ. سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيرٍ قَال: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنِ اللِّعَانِ؟ فَذَكَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.
3630 -
(00)(00) وحدّثنا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ
ــ
بسبب أن الزوجين كليهما من قبيلة عجلان اهـ من الإرشاد (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الله) سبحانه وتعالى (يعلم أن أحدكما كاذب) وفي رواية للبخاري (لكاذب) بزيادة لام الابتداء، وجملة يعلم خبر عن الجلالة وأن بفتح الهمزة لأنها سدت مسد مفعولي علم (فهل منكما تائب) ومنكما خبر متقدم عن المبتدإ المؤخر وهو تائب، وسوغ الابتداء بالنكرة تقديم الخبر الظرفي والاستفهام عليه وهو في المعنى صفة لموصوف محذوف أي فهل منكما أحد تائب أو شخص تائب، ومن للبيان وتتعلق بالاستقرار المقدّر، وعرَّض بالتوبة لهما بلفظ الاستفهام لإبهام الكاذب منهما اهـ من الإرشاد وفيه استحباب عرض التوبة على المذنب، وفي صحيح البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك ثلاث مرات وظاهره أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك بعد الفراغ من اللعان كما أفاده النووي نقلًا عن القاضي.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:
3629 -
(00)(00)(وحدثناه) محمد بن يحيى (بن أبي عمر حدثنا سفيان) بن عيينة (عن أيوب) السختياني (سمع سعيد بن جبير قال: سألت ابن عمر عن) حكم (اللعان) الحديث (فذكر) سفيان بن عيينة (عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله) أي بمثل ما روى حماد بن زيد عن أيوب، غرضه بيان متابعة سفيان لحماد بن زيد في رواية هذا الحديث عن أيوب.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:
3630 -
(00)(00)(وحدثنا أبو غسان المسمعي) مالك بن عبد الواحد البصري
وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لِلْمِسْمَعِيِّ وَابْنِ الْمُثَنَّى) قَالُوا: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ (وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ) قَال: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَزْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ. قَال: لَمْ يُفَرِّقِ الْمُصْعَبُ بَينَ الْمُتَلاعِنَينِ. قَال سَعِيدٌ: فَذُكِرَ ذلِكَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. فَقَال: فَرَّقَ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم بَينَ أَخَوَي بَنِي الْعَجْلانِ
ــ
(ومحمد بن المثنى و) محمد (ابن بشار واللفظ للمسمعي وابن المثنى قالوا: حدثنا معاذ وهو ابن هشام) الدستوائي (قال حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن عزرة) بن عبد الرحمن بن زرارة الخزاعي الكوفي الأعور، روى عن سعيد بن جبير في اللعان، وحميد بن عبد الرحمن الحميري في اللباس، والحسن العُرنِيّ في الآيات، ويروي عنه (م د ت س) وقتادة وداود بن أبي هند وعاصم الأحول وسليمان التيمي وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة (عن سعيد بن جبير) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة عزرة لمن روى عن سعيد بن جبير (قال) سعيد بن جبير:(لم يفرّق المصعب) بن الزبير زمن إمرته (بين المتلاعنين قال سعيد: فذكر ذلك) الذي فعله المصعب من عدم تفريق المتلاعنين، والذاكر له هو نفس سعيد بن جبير كما مر في الرواية الأولى من حديثه (لعبد الله بن عمر فقال) ابن عمر:(فرق نبي الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني العجلان) حين تلاعنا فالتفريق بين المتلاعنين حكم شرعي منقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا حجة لمن خالفه والله أعلم.
ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث ابن عمر وذكر فيه خمس متابعات.
* * *