الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
557 - (43) باب إنما الولاء لمن أعتق
3655 -
(1429)(189) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً تُعْتِقُهَا. فَقَال أَهْلُهَا: نَبِيعُكِهَا عَلَى أَنَّ وَلاءَهَا لَنَا. فَذَكَرَتْ ذلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَال: "لَا يَمْنَعُكِ ذلِكِ. فَإِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ"
ــ
557 -
(43) باب إنما الولاء لمن أعتق
3655 -
(1429)(189)(وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال: قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، وفيه رواية صحابي عن صحابي (أنها) أي أن عائشة (أرادت أن تشتري جارية) فـ (تعتقها) سيأتي أنها بريرة رضي الله تعالى عنها وهي بوزن فعيلة مشتق من البرير وهو ثمر الأراك، وقيل إنها فعيلة من البر بمعنى مفعولة كمبرورة أو بمعنى فاعلة كرحيمة كما وجهه القرطبي، والأول أولى لأنه صلى الله عليه وسلم غير اسم جويرية وكان اسمها برة، وقال: لا تزكوا أنفسكم فلو كانت بريرة من البر لشاركتها في ذلك وكانت بريرة هذه لناس من الأنصار كما وقع عند أبي نعيم، وقيل لناس من بني هلال وكانت تخدم عائشة قبل أن تعتق كما يظهر من حديث الإفك وعاشت إلى خلافة معاوية وتفرست في عبد الملك بن مروان أنه يلي الخلافة فبشرته بذلك، وروى هو عنها بذلك اهـ من فتح الباري والإصابة وذكر العيني أنها كانت قبطية (فقال أهلها) أي أسيادها لعائشة:(نبيعكها) أي نبيعك يا عائشة الجارية (على أن) أي على شرط أن (ولاءها لنا) لا لك والمراد بالولاء هنا ولاء العتاقة وهو ميراث يستحقه المرء بسبب عتق شخص في ملكه، وفي الحديث:"الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب"(فذكرت) عائشة أي أخبرت (ذلك) الشرط الذي قالوا لها (لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة: اشتريها وأعتقيها و (لا يمنعك ذلك) الشرط الذي شرطوه عليك من شرائها وإعتاقها يعني أن الشرط الذي شرطوه غير مانع لك من ولائها (فإنما الولاء) أي ولاء العتاقة (لمن أعتق) أي لمن باشر العتق لا لمن شرطه لنفسه مع عدم مباشرته للعتق وهذا حصر للولاء على من باشر العتق بنفسه أيًا كان من رجل أو امرأة ممن يصح منه العتق ويستقل بتنفيذه وقوة هذا الكلام قوة النفي والإيجاب فكأنه قال لا
3656 -
(00)(00) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ؛ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ عَائِشَةَ
ــ
ولاء إلا لمن أعتق وإياه عنى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله شرط الله أوثق في أصح الأقوال وأحسنها، وقال الداودي: هو قوله تعالى: {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب / 5]{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيهِ} [الأحزاب / 37]{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُمْ بَينَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة / 188] وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر / 7] وهو حجة على أبي حنيفة وأصحابه القائلين بأن من أسلم على يديه رجل فولاؤه له وبه قال الليث وربيعة وعلي وإسحاق بثبوت الولاء بالالتقاط وعلى أبي حنيفة في حكمه بثبوت الولاء بالموالاة ولمن قال إن من أعتق عبده عن غيره أو عن المسلمين إن ولاءه له أعني للمعتق وإليه ذهب ابن نافع فيمن أعتق عن المسلمين ويلزمه فيمن أعتق عن غيره مطلقًا وخالفه في ذلك مالك والجمهور متمسكين بأن مقصود الحديث بيان حكم من أعتق عن نفسه بدليل اتفاق المسلمين على أن الوكيل في العتق معتق ومع ذلك فالولاء للمعتق عنه إجماعًا فكذلك حكم من أعتق عن الغير، وتقذره الشافعية أنه ملكه ثم ناب عنه في العتق، وأما أصحابنا فإنهم قالوا: لا يحتاج إلى تقدير ذلك لأنه يصح العتق عن الميت وهو لا يملك، وفيه نظر فإنه إن لم يقدر الملك لزم منه هبة الولاء، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وعن هبته وإن قدر الملك لم يصح العتق عن الميت لأنه لا يملك، وفيه بحث طويل اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 81 - 82]، والبخاري [2155]، وأبو داود [2223]، والترمذي [1154]، والنسائي [6/ 164 - 165]، وابن ماجه [2521].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
3656 -
(00)(00)(وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد (عن ابن شهاب عن عروة أن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عروة لابن عمر رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مصري وواحد بلخي (أخبرته) أي أخبرت عائشة لعروة بن الزبير (أن بريرة جاءت عائشة) بالنصب على المفعولية أي
تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا. وَلَمْ تَكُنْ قَضتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيئًا. فَقَالتْ لَهَا عَائِشَةُ: ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ. فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ، وَيَكُونَ وَلاؤُكِ لِي، فَعَلْتُ. فَذَكَرَتْ ذلِكَ بَرِيرَةُ لأَهْلِهَا. فَأَبَوْا. وَقَالُوا: إِنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ عَلَيكِ فَلْتَفْعَلْ. وَيَكُونَ لَنَا وَلاؤُكِ. فَذَكَرَتْ ذلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. فَقَال لَهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي. فَإِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ"
ــ
حضرتها حالة كونها (تستعينها) أي تطلب منها المعونة (في) أداء مال (كتابتها) وهي صحابية كانت كما في أسد الغابة جارية لأناس من الأنصار فكاتبوها ثم باعوها من الصدّيقة فأعتقتها، وكانت كما يفهم من حديث الإفك في صحيح البخاري تخدم عائشة قبل أن تشتريها فلما كاتبها أهلها جاءت إلى الصدّيقة تستعينها في مال كتابتها (ولم تكن قضت) أي أدت ودفعت إليهم (من) مال (كتابتها) ونجومها (شيئًا) أي لا قليلًا ولا كثيرًا (فقالت لها) أي لبريرة (عائشة) رضي الله تعالى عنها (ارجعي) يا بريرة (إلى أهلك) ومواليك (فـ) أخبريهم أن عائشة قالت:(إن أحبوا) ورضوا (أن أقضي) وأدفع (عنك) نجوم (كتابتك) دفعة واحدة (ويكون ولاؤك) بالنصب عطفًا على أن أقضي أي ثمرة ولائك (لي) لا لهم (فعلت) ذلك أي دفعت إليهم مال كتابتك دفعة واحدة، والجملة جواب الشرط ومرادها كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في تتمة الحديث (ابتاعي فأعتقي) أن تشتريها شراءً صحيحًا ثم تعتقها إذ العتق فرع ثبوت الملك ويدل عليه أيضًا قولها فيما يأتي إن شاء أهلك أن أعدها لهم عدة واحدة وأعتقك الخ وإلا فكيف تطلب الصدّيقة ولاء من أعتقه غيرها بحكم الكتابة اهـ من بعض الهوامش.
(فذكرت ذلك) الذي قلته (بريرة) فاعل ذكر (لأهلها) أي لمواليها (فأبوا) أهلها ما قلته لبريرة (وقالوا) لها (إن شاءت) عائشة (أن تحتسب) على الله أجر أداء النجوم (عليك) أي عنك وأن لا يكون لها ولاء (فلتفعل) أداء النجوم عنك، وقوله:(ويكون لنا ولاؤك) بالنصب معطوف على تحتسب فهو مؤخر عن محله لأنه من متعلقات الشرط؛ والمعنى إن أرادت الثواب عند الله بشرائها إياك فإعتاقها على أن لا يكون لها ولاء فلتفعل (فذكرت) عائشة (ذلك) الشرط الذي قال أهلها (لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها) أي لعائشة (رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتاعيـ) ـها أي اشتريها منهم (فأعتقيـ) ـها على ما قالوا (فإنما الولاء لمن أعتق) أي لمن باشر الإعتاق فلا يضرك
ثُمَّ قَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقَال: "مَا بَالُ أُنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيسَتْ فِي كِتَابِ الله؟
ــ
شرطهم، وبقوله:(ابتاعي فأعتقي) استدل من أجاز بيع المكاتب لأن بريرة رضي الله تعالى عنها كانت مكاتبة وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعها وهو قول أحمد وعطاء والليث وأبي ثور والنخعي ومالك في رواية عنه، وقالوا إنه يمضي في كتابته بعد البيع فإن أدى عتق وكان ولاؤه للذي ابتاعه وإن عجز فهو عبد له كما في عمدة القاري [6/ 250] وقال أبو حنيفة والشافعي وبعض المالكية: لا يجوز بيع المكاتب حتى يعود رقيقًا بالعجز عن أداء بدل الكتابة ولكن الأمر سهل عند أبي حنيفة وذلك لأنه يجوز عنده بيع المكاتب إذا رضي هو بالبيع.
قال القرطبي: الولاء نسبة ثابتة بين المعتق وبين المعتق تشبه النسب وليس منه ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (الولاء لحمة كلحمة النسب) رواه الحاكم والبيهقي وابن حبان، قال الخطابي: ووجه ذلك أن الولاء لما كان كلحمة النسب والإنسان إذا وُلد له ولد ثبت له نسبه ولا ينتقل نسبه عنه ولو نسب إلى غيره فكذلك إذا أعتق عبدًا ثبت له ولاؤه ولو أراد نقل ولائه عنه أو أذن في نقله عنه لم ينتقل فلم يعبأ باشتراطهم الولاء لأنفسهم بل هو بمنزلة اللغو من الكلام اهـ. قال القرطبي: وخلاصة ما ذكر أن العبد في حكم المفقود لنفسه والمعتق يصيره موجودًا لنفسه فأشبه حال الولد مع الوالد ولهذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه" رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه فإذا ثبتت هذه النسبة ترتب عليها من الأحكام الشرعية ما يترتب على النسب لكنه متأخر عنه فمهما وُجد نسب كان هو المقدم على الولاء، ثم إن الأحكام لا تثبت بينهما من الطرفين بل من طرف المعتق لأنه المنعم بالعتق والمعتق منعم عليه فلا جرم يرث المعتِق المعتَق ولا ينعكس اتفاقًا فيما أعلم، وعلى هذا قيل المعتِق يلي بنات معتقه ولا ينعكس على المشهور الصحيح وقيل ينعكس اهـ من المفهم.
(ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على منبره (فقال ما بال أناس) أي ما شأنهم (يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله) تعالى أي ليست في حكمه ولا على موجب قضاء كتابه لأن كتاب الله أمر بطاعة الرسول وأعلم أن سنته بيان له وقد جعل
مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيسَ فِي كِتَابِ الله، فَلَيسَ لَهُ، وَإِنْ شَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ. شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ".
3657 -
(00)(00) حدّثني أبُو الطَّاهِرِ. أخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛
ــ
الرسول الولاء لمن أعتق لا أن الولاء مذكور في القرآن نصًّا هـ نهاية (من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله) تعالى ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (فليس له) ذلك الشرط (وإن شرط) ـه (مائة مرة) يعني أن الشروط الغير المشروعة باطلة ولو كثرت (شرط الله) وقضاؤه (أحق) بأن يتبع (وأوثق) بأن يتمسك، قال ابن خزيمة: قوله: (ليس في كتاب الله) أي ليس في حكم الله جوازه أو وجوبه لا أن كل من شرط شرطًا لم ينطق به الكتاب يَبطل لأنه قد يشترط في البيع الكفيل فلا يبطل الشرط ويشترط في الثمن شروط من أوصافه أو من نجومه ونحو ذلك فلا يبطل، وقال القرطبي: قوله: (ليس في كتاب الله) أي ليس مشروعًا في كتاب الله تأصيلًا ولا تفصيلًا، ومعنى هذا أن من الأحكام ما يؤخذ تفصيله من كتاب الله تعالى كالوضوء، ومنها ما يؤخذ تأصيله دون تفصيله كالصلاة، ومنها ما يؤخذ أصل أصله كدلالة الكتاب على أصلية السنة والإجماع وكذلك القياس الصحيح فكل ما يُقتبس من هذه الأصول فهو مأخوذ من كتاب الله تأصيلًا اهـ. قوله:(وإن شرط مائة مرة) ووقع في بعض الروايات (مائة شرط) والأول معناه تأكيد الشرط الواحد بتكريره مائة مرة ومعنى الثاني تكثير الشروط وكلا المعنيين صحيح فإن الشروط الفاسدة باطلة مهما أكدها الرجل أو كررها أو كثر عددها. قوله: (شرط الله أحق وأوثق) صيغة التفضيل ها هنا ليست على حقيقتها وإنما هي للمبالغة المحضة، قال الحافظ في الفتح [5/ 140]: وقد وردت صيغة أفعل لغير التفضيل كثيرًا، ويحتمل أن يقال ورد ذلك على ما اعتقدوه من الجواز اهـ.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
3657 -
(00)(00) (حدثني أبو الطاهر أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من
أَنَّهَا قَالتْ: جَاءَتْ بَرِيرَةُ إِلَيَّ. فَقَالتْ: يَا عَائِشَةُ، إِنِّي كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ. فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ. بِمَعْنَى حَدِيثِ اللَّيثِ، وَزَادَ: فَقَال: "لَا يَمْنَعُكِ ذلِكَ مِنْهَا. ابْتَاعِي وَأَعْتِقِي"، وَقَال فِي الْحَدِيثِ: ثُمَّ قَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيهِ. ثُمَّ قَال: "أَمَّا بَعْدُ".
3658 -
(00)(00) وحدّثنا أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ الْهَمْدَانِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ
ــ
سداسياته، غرضه بيان متابعة يونس لليث بن سعد (أنها) أي أن عائشة (قالت: جاءت بريرة إليّ) في بيتي (فقالت) لي: (يا عائشة إني كاتبت) أي عاقدت عقد الكتابة مع (أهلي) ومواليّ (على) أداء (تسع أواق) لهم في تسع سنين مسلم لهم (في كل عام أوقية) واحدة من تلك الأواقي، فإذا أديتها كلها لهم حصل العتق لي فساعديني على أدائها لهم، والكتابة مأخوذة من الكتب لأنها مصدر كاتب يكاتب كتابًا وكتابة فالمصدر المزيد مأخوذ من المصدر المجرد ومعناها لغة الضم والجمع، وقد تقدم في أوائل الكتاب أن عطف الجمع على الضم من عطف الأعم على الأخص لأن الضم جمع مع تلاصق، وشرعًا عتق معلق على أداء مال منجم بوقتين معلومين فأكثر أي مؤقت بوقتين معلومين كأن يقول كاتبتك على دينارين تأتي بهما في شهرين فإذا أديتهما فأنت حر، وسميت كتابة كأن العبد يكتب على نفسه لمولاه ثمنه ويكتب مولاه له عليه العتق، وأركانها أربعة: مكاتب بكسر التاء وهو السيد، ومكاتب بفتحها وهو الرقيق، وعوض، وصيغة، وتقدم في كتاب الزكاة أن الأوقية أربعون درهمًا. وساق يونس (بمعنى حديث الليث) عن الزهري (و) لكن (زاد) يونس عن الليث لفظة (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا يمنعك) يا عائشة (ذلك منها) الشرط الذي شرطوه عن شرائها وعتقها هذه هي اللفظة التي زادها يونس (ابتاعيـ) ـها واشتريها (وأعتقيـ) ـها (وقال) يونس في رواية (الحديث ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبًا (في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد) فما بال أناس الحديث فهذا بيان لمحل المخالفة بين الليث ويونس.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
3658 -
(00)(00)(وحدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) بن كريب (الهمداني) الكوفي، ثقة، من (10)(حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي، ثقة، من
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ. أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: دَخَلَتْ عَلَيَّ بَرِيرَةُ فَقَالتْ: إِنَّ أَهْلِي كَاتَبُونِي عَلَى تِسْعٍ أَوَاقٍ فِي تِسْعِ سِنِينَ. فِي كُلِّ سَنَةٍ أُوقِيَّةٌ. فَأَعِينِينِي. فَقُلْتُ لَهَا: إِنْ شَاءَ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً، وَأُعْتِقَكِ، وَيَكُونَ الْوَلاءُ لِي، فَعَلْتُ. فَذَكَرَتْ ذلِكَ لأَهْلِهَا. فَأَبَوْا إلا أَنْ يَكُونَ الْوَلاءُ لَهُمْ. فَأَتَتْنِي فَذَكَرَتْ ذلِكَ. قَالتْ: فَانْتَهَرْتُهَا. فَقَالتْ: لَا
ــ
(9)
(حدثنا هشام بن عروة أخبرني أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة هشام بن عروة لابن شهاب (قالت) عائشة (دخلت علي بريرة فقالت إن أهلي) ومواليّ (كاتبوني) أي عاقدوني عقد الكتابة بالإيجاب منهم والقبول مني، ومعنى كتابة الرقيق ابتياع نفسه من سيده بما يؤديه من كسبه، قال تعالى:{وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيرًا} [النور / 33] وقال أيضًا: {وَفِي الرِّقَابِ} هو على حذف مضاف أي وفي فك الرقاب يعني المكاتبين، وفي صحيح البخاري حكاية ضرب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنسًا على امتناعه من كتابة عبده سيرين مع طلب العبد منه الكتابة (على تسع أواق) من الفضة مؤداة لهم (في تسع سنين في كل سنة) تؤدى لهم (أوقية) واحدة وهي أربعون درهمًا (فأعينيني) يا عائشة على أدائها (قالت) عائشة (فقلت لها) أي لبريرة (إن شاء أهلك) أي إن أرادوا (أن أعدَّها) أي أن أعد تلك الأواقي وأحسبها (لهم عدة واحدة) أي حسبانًا واحدًا وأدفعها لهم دفعة واحدة (وأعتقك) بالنصب عطفًا على أعدّها، وكذا قوله:(ويكون الولاء) أي ولاء عتقك (لي فعلت) ذلك الشراء وعدّها لهم عدة واحدة، ولفظ البخاري في بعض رواياته (أن أصب لهم ثمنك صبة واحدة) وهذا صريح في أن مراد الصدّيقة شراء رقبة بريرة وإعتاقها، وفي طريق القاسم عن عائشة فيما سيأتي (أنها أرادت أن تشتري بريرة للعتق فاشترطوا ولاءها) أي لأنفسهم (فذكرت) بريرة (ذلك) الذي قالت عائشة (لأهلها) أي لمواليها (فأبوا) أي أبي أهلها ما قالت عائشة وامتنعوا منه أي ما قبلوه (إلا أن يكون الولاء) أي ولاء عتقها (لهم، فأتتني) بريرة أي جاءتني من عندهم (فذكرت) أي أخبرتني بريرة (ذلك) الشرط الذي قالوه لعائشة (قالت) عائشة: (فانتهرتها) أي فانتهرت بريرة أي أنكرت عليها ما ذكرته عنهم من شرط الولاء لهم، وقوله:(فقالت) عائشة، فيه التفات من التكلم إلى الغيبة أي فانتهرتها فقلت لها (لا) أشتريك ولا أعتقك
هَا اللهِ إِذًا. قَالتْ: فَسَمِعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَسَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَال: "اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقيهَا. وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلاءَ. فَإِنَّ الْوَلاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ" فَفَعَلْتُ. قَالتْ: ثُمَّ خَطَبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَشِيَّةً. فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ. ثُمَّ قَال: "أَمَّا بَعْدُ. فَمَا بَالُ أَقْوَامِ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيسَ فِي كِتَابِ اللهِ عز وجل فَهُوَ بَاطِلٌ
ــ
(ها الله) أي والله أي أقسمت لك بالله الذي لا إله غيره (إذًا) أي إذا كان الولاء لهم، فلا نافية داخلة على محذوف، وها حرف قسم نابت عن الواو، وإذا شرطية وشرطها محذوف وجوابها معلوم مما قبلها، والتقدير أقسمت بالله لا أشتريك ولا أعتقك إذا كان الولاء لهم، قال ابن الأثير في جامع الأصول [8/ 98] هذا من ألفاظ القسم كأنه قال:(لا والله إذا) فيجعلون الهاء مكان الواو اهـ وما ذكره الشراح هنا تعسف لا يليق بهم والله أعلم (قالت) عائشة (فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهاري لها وقسمي عليها (فسألني) عن سبب ذلك (فأخبرته) صلى الله عليه وسلم خبر ما جرى بيني وبين بريرة وأهلها (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اشتريها وأعتقيها واشترطي لهم الولاء) ولا تبالي بشرط الولاء لهم (فإن الولاء لمن أعتق) أي لمن باشر العتق (ففعلت) ذلك الذي أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله واشترطي لهم الولاء أي عليهم نظير قوله تعالى:{لَهُمُ اللَّعْنَةُ} أي عليهم، وقوله:{وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} أي فعليها اهـ نووي، وهذا الشرط وإن كان مفسدًا للبيع إلا أن البيع الفاسد ينفذ عند القبض كما هو مقرر في الفقه (قالت) عائشة (ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية) أي في آخر النهار (فحمد الله) تعالى بصفة الجمال (وأثنى عليه بما هو أهله) من صفة الجلال (ثم) بعد حمد الله تعالى وثنائه (قال أما بعد فما بال أقوام) أي ما شأنهم وحالهم، فيه حسن الأدب والعشرة إذ لم يواجههم بالخطاب ولا صرح بأسمائهم قاله الأبي:(يشترطون) لأنفسهم (شروطًا) أي قيودًا (ليست في كتاب الله) تعالى أي في حكمه وقضائه (ما كان) ما شرطية وكان فعل شرط لـ (ما) وهي تامة، وقوله:(من شرط) بيان لـ (ما)، وقوله:(ليس في كتاب الله عز وجل صفة لشرط، وقوله: (فهو باطل) جواب الشرط والمعنى أن ما كان من الشروط مما يدل على صحته دليل شرعي كان باطلًا أي فاسدًا مردودًا وهذا كما قاله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "من أحدث في
وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ. كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ. وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ. مَا بَالُ رِجَالٍ مِنْكُمْ يَقُولُ أَحَدُهُمْ: أَعْتِقْ فُلانًا وَالْوَلاءُ لِي. إِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَن أَعْتَقَ"
ــ
ديننا ما ليس منه فهو رد" متفق عليه، وفي هذا من الفقه ما يدل على أن العقود الشرعية إذا قارنها شرط فاسد يبطل ذلك الشرط خاصة وصح العقد لكن هذا إنما يكون إذا كان ذلك الشرط خارجًا عن أركان العقد كاشتراط الولاء في الكتابة واشتراط السلف في البيع فلو كان ذلك الشرط مخلًا بركن من أركان العقد أو مقصودًا فُسخ العقد والشرط اهـ من المفهم، وقوله: (وإن كان) ذلك الشرط (مائة شرط) أي وإن ذكر مائة مرة خرج مخرج التكثير يعني أن الشروط غير المشروعة باطلة ولو كثرت ويفيد دليل خطابه أن الشروط المشروعة صحيحة كما قد نص النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "المؤمنون على شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا" أخرجه الترمذي من حديث عمرو بن عوف، وقال في حديث حسن (كتاب الله) أي حكم الله تعالى وقضاؤه (أحق) بالاتباع من الشروط المخالفة له ولفظ البخاري فقضاء الله أحق وهو المأخوذ في بيوع المشكاة، فقال ملا علي: لفظ القضاء يؤذن بأن المراد من كتاب الله في قوله: (ليست في كتاب الله) قضاؤه وحكمه ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر لما قال له الخصم اقض بيننا بكتاب الله تعالى فقال: "لأقضين بينكما بكتاب الله" متفق عليه ثم قضى على الزاني البكر بالجلد والتغريب وعلى الزانية بالرجم وليس التغريب والرجم موجودين في كتاب الله تعالى لكن في حكم الله المسمى بالسنة وكذلك اختصاص الولاء بالمعتق ليس موجودًا في كتاب الله لكن في حكم الله به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم مما يسمى سنة اهـ من المفهم (وشرط الله أوثق) أي بالعمل به يريد به صلى الله عليه وسلم ما أظهره وبيّنه بقوله إنما الولاء لمن أعتق اهـ مرقاة (ما بال) أي ما شأن (رجال منكم) أيها المسلمون (يقول أحدهم أعتق) يا فلان (فلانًا والولاء) على عتيقك (لي، إنما الولاء) أي إن ولاء العتق (لمن أعتق) أي لمن باشر العتق، والمراد بالولاء هنا الولاء المعهود في الحديث وهو ولاء العتاقة على أن اللام للعهد الذكري بقرينة ما قبله فلا يدل الحديث على نفي ولاء الموالاة بجعل اللام للجنس كما هو مذهب الشافعي أفاده ابن الملك وإنما جاز إعتاقها وإن كان البيع بشرط فاسد لأنها قبضتها فيجوز ترتب العتق عليها اهـ.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
3659 -
(00)(00) وحدثنا أَبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيب. قَالا: حدثنا ابنُ نُمَيرٍ. ح وَحدثنا أَبُو كُرَيب. حدثنا وَكِيعٌ. ح وَحدثنا زُهَيرُ بن حَرب وَإِسحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ. كُلهم عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحوَ حَدِيثِ أَبِي أسَامَةَ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ. قَال: وَكَانَ زَوَّجُهَا عَندًا. فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا. وَلَوْ كَانَ حُرًّا لم يُخَيِّرْهَا
ــ
3659 -
(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا) عبد الله (ابن نمير ح وحدثنا أبو كريب حدثنا وكيع ح وحدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (جميعًا) أي كل من زهير وإسحاق رويا (عن جرير) بن عبد الحميد (كلهم) أي كل من ابن نمير ووكيع وجرير رووا (عن هشام بن عروة بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة (نحو حديث أبي أسامة (عن هشام بن عروة غرضه بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لأبي أسامة (غير أن في حديث جرير) وروايته لفظة (قال) الراوي وهي عائشة أو قال عروة (وكان زوجها) أي زوج بريرة (عبدًا) أي رقيقًا لا حرًّا اسمه مغيث وكان مولى أبي أحمد بن جحش أخي زينب أم المؤمنين كما أشار إليه أبو داود، وسيأتي الكلام على كونه عبدًا أو حرًّا عند عتق بريرة رضي الله تعالى عنها (فخيرها) أي فخير بريرة (رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المقام مع زوجها وفراقه (فاختارت) بريرة (نفسها) أي فراقه، وأخرج البخاري في الطلاق باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بريرة عن ابن عباس أن زوج بريرة كان عبدًا يقال له مغيث كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي وب موعه تسيل على لحيته فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا عباس، ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثًا" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو راجعتيه" قالت: يا رسول الله تأمرني! قال: "إنما أشفع" قالت: فلا حاجة لي فيه (ولو كان) زوجها (حرًّا لم يُخيرها) هذا من قول عروة وقد صرح به في رواية النسائي في الطلاق حيث قال قال عروة فلو كان حرًّا ما خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك رواه ابن حبان في صحيحه بلفظ النسائي كما في عمدة القاري واستدل به الأئمة الثلاثة على أن خيار العتق إنما يثبت للزوجة إذا كان زوجها عبدًا ولا خيار لها إن كان حرًّا وهو قول عطاء وسعيد بن المسيب والحسن البصري وابن أبي ليلى والأوزاعي والزهري والليث بن سعد وإسحاق وأما أبو حنيفة
وَلَيسَ فِي حَدِيثِهِمْ: "أما بعد"
ــ
فيُثبت خيار العتق عنده سواء كان زوج المعتقة عبدًا أو حرًّا وهو قول الشعبي والنخعي والثوري ومحمد بن سيرين وطاوس ومجاهد وأبي ثور وإليه ذهبت الظاهرية كما في عمدة القاري (وليس في حديثهم) أي في حديث ابن نمير ووكيع وجرير أي ليس في روايتهم ذكر لفظة (أما بعد).
ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث عائشة وذكر فيه أربع متابعات.
***