المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌540 - (26) باب قدر المقام عند البكر أو الثيب والقسم بين الزوجات وجواز هبة المرأة نوبتها لضرتها - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١٦

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌534 - (20) باب تحريم امتناع المرأة على زوجها إذا أرادها ونَشْرِ أحدِهما سِرَّ الآخر وبيان حكم العزل

- ‌535 - (21) باب تحريم وطء الحامل من غيره حتى تضع وذكر الغيلة وهو وطء المرضع وكراهة العزل

- ‌ أبواب الرضاع

- ‌536 - (22) باب تحرم الرضاعة ما تحرمه الولادة وتحريمها من قبل الفحل وتحريم بنت الأخ من الرضاعة

- ‌537 - (23) باب تحريم أخت المرأة والربيبة ولا تحرم المصة والمصتان ونسخ عشر رضعات بخمس

- ‌538 - (24) باب رضاعة الكبير، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الرضاعة من المجاعة

- ‌539 - (25) باب جواز وطء المسبية بعد الاستبراء وأن الولد للفراش وقبول قول القافة في الولد

- ‌540 - (26) باب قدر المقام عند البكر أو الثيب والقسم بين الزوجات وجواز هبة المرأة نوبتها لضرتها

- ‌541 - (27) باب الحث على نكاح ذات الدين ونكاح البكر

- ‌542 - (28) باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة ومداراة النساء وخيانتهن الأزواج

- ‌فائدة في الصفات المطلوبة في الزوجة

- ‌ كتاب الطلاق

- ‌543 - (29) باب في طلاق السنة

- ‌544 - (30) باب إمضاء الطلاق الثلاث ووجوب الكفارة في تحريم ما أحل الله له من امرأة وغيرها ولم يقصد طلاقها

- ‌545 - (31) باب بيان أن تخيير الرجل امرأته لا يكون طلاقًا لا بالنية

- ‌تتمة ذكر من اختارت نفسها

- ‌546 - (32) باب إيلاء الرجل من نسائه وتأديبهن باعتزالهن مدة

- ‌فائدتان

- ‌547 - (33) باب المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها ولا سكنى

- ‌مسألة النفقة والسكنى للمبتوتة

- ‌548 - (34) باب جواز خروج المعتدة في النهار لقضاء حاجتها وانقضاء العدة بوضع الحمل

- ‌549 - (35) باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة وتحريمه في غير ذلك فوق ثلاثة أيام

- ‌ أبواب اللعان

- ‌550 - (36) باب بيان سببه

- ‌551 - (37) باب بيان كيفية اللعان ووعظ المتلاعنين

- ‌552 - (38) باب ما يتبع اللعان من الأحكام إذا كمل من التفريق وإلحاق الولد بالمرأة

- ‌553 - (39) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في اللعان بقوله: اللهم افتح، وبيان أول من لاعن وقول النبي صلى الله عليه وسلم: لو رجمت أحدًا بغير بينة لرجمت هذه

- ‌554 - (40) باب إذا وجد رجل على امرأته رجلًا لا يقتله بل يشهد عليه أربعة شهداء إن أمكن وإلا لاعن

- ‌555 - (41) باب لا ينتفي الولد بمخالفة لون أبيه

- ‌ أبواب العتق

- ‌556 - (42) باب فيمن أعتق شركًا له في عبد وذكر الاستسعاء

- ‌557 - (43) باب إنما الولاء لمن أعتق

- ‌558 - (44) باب كان في بريرة ثلاث سنن

- ‌559 - (45) باب النهي عن بيع الولاء وعن هبته وإثم من تولى غير مواليه

- ‌560 - (46) باب ما جاء في فضل عتق الرقبة المؤمنة وفي عتق الوالد

الفصل: ‌540 - (26) باب قدر المقام عند البكر أو الثيب والقسم بين الزوجات وجواز هبة المرأة نوبتها لضرتها

‌540 - (26) باب قدر المقام عند البكر أو الثيب والقسم بين الزوجات وجواز هبة المرأة نوبتها لضرتها

3501 -

(1386)(146) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللَّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ) قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا تَزَوَّجَ أُمُّ سَلَمَةَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلاثًا

ــ

540 -

(26) باب قدر المقام عند البكر أو الثيب والقسم بين الزوجات وجواز هبة المرأة نوبتها لضرتها

3501 -

(1386)(146)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (وبعقوب بن إبراهيم) بن كثير العبدي الدورقي أبو يوسف البغدادي، ثقة، من (10) (واللفظ) الآتي (لأبي بكر) بن أبي شيبة (قالوا: حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ التميمي القطان أبو سعيد البصري، ثقة، من (9)(عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي، ثقة حجة، من (7)(عن محمد بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم بن زيد الأنصاري النجاري الحزمي -بإسكان الزاي- أبي عبد الله المدني قاضيها، روى عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث في النكاح، وأبيه وعمرة بنت عبد الرحمن وجماعة، ويروي عنه (ع) والسفيانان وشعبة ووهيب وغيرهم، وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة، مات سنة (132) اثنتين وثلاثين ومائة (عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام) المخزومي المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي المدني أحد الفقهاء السبعة، والصحيح أن اسمه كنيته، وقيل اسمه محمد، وقيل اسمه أبو بكر وكنيته أبو عبد الرحمن، ثقة، من (3) روى عنه في (6) أبواب (عن أم سلمة) هند بنت أبي أمية حذيفة المخزومية زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي وبغدادي وواحد بصري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثًا) من الليالي، يُفهم مما يأتي أن من السنة أن الرجل إذا تزوج بكرًا

ص: 112

وَقَال: "إِنَّهُ لَيسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ. إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ. وَإِنْ سَبْعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي"

ــ

جديدة أقام عندها سبعًا ثم قسم، فإذا تزوج ثيبًا جديدة أقام عندها ثلاثًا ثم قسم، وكانت أم سلمة ثيبًا، وقوله:(وقال): فيه حذف يظهر تقديره من الروايات الآتية تقديره: ولما أراد صلى الله عليه وسلم أن يخرج من عندها بعد ثلاث أخذت بثوبه صلى الله عليه وسلم وأرادت زيادة مقامه عندها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم تمهيدًا للعذر في الاقتصار على الثلاث (إنه) أي إن الشأن والحال (ليس بك) يا أم سلمة، الجار والمجرور متعلق بهوان الآتي، وقوله:(على أهلك) وزوجك خبر ليس وعلى بمعنى عند، وقوله:(هوان) أي احتقار، اسم ليس مؤخر والتقدير إنه ليس هوان واحتقار بك عند أهلك وزوجك، قال القاضي: وأراد بالأهل نفسه الشريفة صلى الله عليه وسلم وكل واحد من الزوجين أهل لصاحبه، والمعنى ليس اقتصاري على الثلاث معك لهوانك عليّ وقلة الرغبة فيك بل لأن الشرع كذلك ثم بيّن حقها وخيّرها بين ثلاث بلا قضاء وبين سبع مع قضاء حقوق باقي النساء، وفي كل منهما مزية لها فإن في السبع مزية التوالي، وفي الثلاث مزية قرب العود لعدم القضاء وهذا معنى قوله:(إن شئت) الخ؛ أي إن شئت الزيادة لك على الثلاث الخالصة لك (سبعت لك) أي أقمت عندك سبع ليال (وإن سبعت لك) أي وإن أقمت عندك سبع ليال متوالية (سبعت لنسائي) وأزواجي أي أقمت بعدك عند كل واحدة من نسائي سبعًا سبعًا، وفي الرواية الآتية (قالت ثلِّث) أي اقتصر على هذه الثلاثة ولا تزد عليها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [2122]، والنسائي وابن ماجه.

قال القرطبي: وقد يقال إذا كان الحكم أن للثيب ثلاثًا وللبكر سبعًا فكيف خيّرها بين التسبيع والتثليث ثم إن اختارت التسبيع سبّع لنسائه وسقط حقها من الثلاث، ويُجاب عن ذلك بأن ظاهر قوله للثيب ثلاث وللبكر سبع أن ذلك حق للزوجة وهو أحد القولين عند مالك في هذا فإذا رضيت بإسقاطه سقط فكأنه عرض عليها أنها إن اختارت السبع سقط حقها من الثلاث.

وقد اختلف هل لغير النبي صلى الله عليه وسلم أن يُسبّع للثيب أم لا؟ فذهب مالك فيما ذكر عنه ابن الموّاز إلى أنه ليس له أن يُسبّع وكأنه رأى أن ذلك كان من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم إذ قد ظهرت خصوصياته في هذا الباب كثيرًا، وقال ابن

ص: 113

3502 -

(00)(00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكرٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛

ــ

القصار: إذا سبّع للثيب سبّع لسائر نسائه آخذًا بظاهر هذا الحديث ولا يدل عنده على سقوط الثلاثة لها وكأنه تمسك بالرواية التي قال لها فيها إن شئت زدتك وحاسبتك.

وكل هذا منه صلى الله عليه وسلم عمل بالعدل بين أزواجه ومراعاة له وهل كان ذلك منه أعني القسم على جهة الوجوب كما هو على غيره بالاتفاق أو هو مندوب إلى ذلك لكنه أخذ نفسه بذلك رغبة في تحصيل الثواب وتطييبًا لقلوبهن وتحسينًا للعشرة معهن على مقتضى خلقه الكريم وليُقتدى به في ذلك؟ قولان لأهل العلم مستند القول بالوجوب التمسك بعموم القاعدة الكلية في وجوب العدل بينهن وبقوله: "اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" رواه أبو داود والترمذي والنسائي، يعني الحب والبغض ومستند نفيه قوله تعالى:{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوي إِلَيكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيكَ} [الأحزاب / 51] ولم يُختلف في حق غير النبي صلى الله عليه وسلم ممن له زوجات أن العدل عليه واجب لقوله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل أو ساقط" ولقوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَينَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} اهـ من المفهم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أم سلمة رضي الله عنها فقال:

3502 -

(00)(00)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني أخي محمد بن أبي بكر المذكور في السند السابق، ثقة، من (5) روى عنه في (11) بابا (عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن) بن الحارث بن هشام المخزومي المدني، ثقة، من (5) وهذا السند رباعي مرسل، غرضه بيان متابعة عبد الله بن أبي بكر لمحمد بن أبي بكر. وهذا السند من طريق مالك ليس فيه عن أبيه عن أم سلمة فيكون مرسلًا، ومن ثم استدركه الدارقطني على مسلم ظنًّا منه بأنه على خلاف ما اشترطه في المقدمة من الصحة، وهذا الاستدراك منه فاسد لأن مسلمًا رحمه الله تعالى إنما بيّن اختلاف الرواة في وصله وإرساله وقد أخرج من قبل رواية سفيان وهي متصلة ومذهبه ومذهب محققي

ص: 114

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ تَزَوَّجَ أُمُّ سَلَمَةَ، وَأَصْبَحَت عِنْدَهُ قَال لَهَا:"لَيسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ. إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ عِنْدَكِ. وَإِنْ شِئْتِ ثَلَّثْتُ ثُمَّ دُرْتُ" قَالتْ: ثَلِّثْ.

3503 -

(00)(00) وحدّثنا عَبدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلالٍ) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيدٍ. عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛

ــ

المحدثين أن الحديث إذا رُوي متصلًا ومرسلًا حكم بالاتصال ووجب العمل به لأنها زيادة ثقة. هذا ملخص ما قاله النووي رحمه الله تعالى.

(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج أم سلمة) رضي الله عنها سنة اثنتين من الهجرة بعد بدر وبنى بها في شوال (وأصبحت عنده) عروسًا وأراد أن يخرج من عندها وأخذت بثوبه (قال لها ليس بك على أهلك هوان) أي ليس احتقار واستخفاف بك عند أهلك وزوجك يعني ليس اقتصاري على الثلاثة لهوانك عليّ ولا لعدم رغبتي فيك، وقيل المراد بالأهل قبيلتها، والباء سببية يعني لا يلحق أهلك بسببك هوان (إن شئت سبعت عندك) أي أقصت عندك سبع ليال مع قضائها لنسائي (وإن شئت ثلثت) أي أقمت عندك ثلاث ليال خالصة لك (ثم درت) أي طفت على نسائي أي ابتدأت الدوران على نسائي ولا أحتسب الثلاث عليك (قالت) أم سلمة:(ثلّث) أي اقتصر على هذه الثلاثة وابدأ الدوران على أزواجك يعني أنها اختارت الثلاث لكونها لا تقضى في سائر الأزواج فيقرُب عوده صلى الله عليه وسلم إليها.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أم سلمة رضي الله عنها فقال:

3503 -

(00)(00)(وحدثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب الحارثي (القعنبي) نسبة إلى جده المذكور، ثقة، من (9)(حدثنا سليمان يعني ابن بلال) التيمي المدني، ثقة، من (8)(عن عبد الرحمن بن حميد) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (6) روى عنه في (4) أبواب (عن عبد الملك بن أبي بكر) بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي المدني، ثقة، من (5)(عن) أبيه (أبي بكر بن عبد الرحمن) المخزومي المدني، ثقة، من (3) وهذا السند أيضًا خماسي مرسل، غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن

ص: 115

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ تَزَوَّجَ أُمُّ سَلَمَةَ فَدَخَلَ عَلَيهَا، فَأَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَخَذَتْ بِثَوْبِهِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنْ شِئْتِ زِدْتُكِ وَحَاسَبْتُكِ بِهِ. لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلاثٌ".

3504 -

(00)(00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أبُو ضَمْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيدٍ، بِهذا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.

3505 -

(00)(00) حدّثني أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا حَفْصٌ (يَعْنِي ابْنَ غِيَاثٍ)

ــ

حميد لعبد الله بن أبي بكر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج أم سلمة فدخل عليها فأراد أن يخرج) من عندها (أخدت) أي أمسكت (بثوبه) صلى الله عليه وسلم وتعلقت به ليقيم عندها (فقال) لها (رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئت) الزيادة على الثلاثة (زدتك) عليها (وحاسبتك) أي حاسبت عليك (به) أي بجميع ما أقمت عندك بسبب تلك الزيادة، وقوله:(للبكر سبع) ليال (وللثيب ثلاث) ليال تقعيد للقاعدة الشرعية وبيان لحكمها وهو حجة للجمهور على أبي حنيفة حيث يقول: لا يختص بذلك واحدة منهن بل يقضي لسائر نسائه بمثل ذلك تمسكًا منه بمطلق الأمر بالعدل بينهن ولا يتم له ذلك لأنه مخصص بهذا الحديث وشبهه اهـ من المفهم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديثها رضي الله تعالى عنها فقال:

3504 -

(00)(00)(وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا أبو ضمرة) أنس بن عياض بن ضمرة الليثي المدني، ثقة، من (8)(عن عبد الرحمن بن حميد) بن عبد الرحمن بن عوف (بهذا الإسناد) يعني عن عبد الملك عن أبي بكر (مثله) أي مثل ما روى سليمان بن بلال عن عبد الرحمن بن حميد، غرضه بيان متابعة أبي ضمرة لسليمان بن بلال.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديثها رابعًا فقال:

3505 -

(00)(00)(حدثني أبو كريب محمد بن العلاء) الهمداني الكوفي (حدثنا حفص يعني ابن غياث) بن طلق النخعي الكوني قاضيها، ثقة، من (8) روى عنه في

ص: 116

عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيمَنَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أُمُّ سَلَمَةَ. ذَكَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا. وَذَكَرَ أَشْيَاءَ، هذَا فِيهِ. قَال:"إِنْ شِئْتِ أَنْ أُسَبِّعَ لَكِ وَأُسَبِّعَ لِنِسَائِي. وَإِنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي"

ــ

(14)

بابا (عن عبد الواحد بن أيمن) المخزومي مولاهم أبي القاسم المكي، روى عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام في النكاح، وابن أبي مليكة في الفضائل، ويروي عنه (خ م س) وحفص بن غياث وأبو نعيم ووكيع، وثقه ابن معين، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال في التقريب: لا بأس به، من الخامسة (عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أم سلمة) رضي الله عنها، غرضه بيان متابعة عبد الواحد لعبد الملك بن أبي بكر.

(ذكر) عبد الواحد في روايته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وذكر) عبد الواحد أيضًا (أشياء) كثيرة في قصة أم سلمة وذكر (هذا) الآتي (فيه) أي في حديث أم سلمة يعني بالآتي قوله: (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن شئت أن أُسبّع لك) أي أن أكمل لك سبع ليال (وأسبّع) أي وأن أقضي (لـ) سائر (نسائي) سبع ليال فعلت ذلك، وقوله:(وإن سبّعت لك) أي وإن أقمت عندك سبع ليال باختيارك ومشيئتك (سبّعت لنسائي) أي كملت لنسائي سبع ليال معلوم مما قبله أتى به تأكيدًا له؛ ومعناه إن أقمت عندك سبعًا أقمت بعدك عند سائر نسائي سبعًا سبعًا، وأفاد ابن الملك أن الثلاث لو كان حقًّا للثيب لكان من حقه صلى الله عليه وسلم أن يدور على زوجاته أربعًا لا سبعًا على تقدير اختيار أم سلمة سبعًا لكون الثلاث حقًّا لها، أجاب بعضهم عن هذا بأن طلبها ما هو أكثر من حقها أسقط اختصاصها بما هو حقها اهـ، قوله:(سبّعت) قال الأبي: اشْتَقُّوا فَعَّلَ من الواحد إلى العشرة، فمعنى سبّع أقام سبعًا وثلّث أقام ثلاثًا، وسبّع الإناء إذا غسله سبعًا اهـ.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أم سلمة بحديث أنس رضي الله عنهما فقال:

ص: 117

3506 -

(1387)(147) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخبَرَنَا هُشَيمٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا. وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى الْبِكْرِ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلاثًا.

قَال خَالِدٌ: وَلَوْ قُلْتُ: إِنَّهُ رَفَعَهُ لَصَدَقْتُ. وَلَكِنَّهُ قَال: السُّنَّةُ كَذلِكَ

ــ

3506 -

(1387)(147)(حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا هثيم) بن بشير بن القاسم السلمي الواسطي، ثقة، من (7)(عن خالد) بن مهران المجاشعي مولاهم أبي المنازل الحذّاء البصري، ثقة، من (5)(عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد بن عمرو الجرمي البصري، ثقة، من (3) (عن أنس بن مالك) الأنصاري البصري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد واسطي وواحد نيسابوري (قال) أنس:(إذا تزوج) الرجل (البكر) الجديدة (على الثيب) القديمة (أقام عندها) أي بات عندها (سبعًا) من الليالي لأجل الزفاف (وإذا تزوج الثيب) الجديدة على البكر القديمة (أقام) أي بات (عندها) أي عند الثيب الجديدة (ثلاثًا) من الليالي لأجل زفافها، قال ابن العربي: والحكمة في ذلك أنه نظر إلى تحصيل الألفة والمؤانسة وأن يستوفي الزوج لذته من الثانية فإن لكل جديدة لذة ولما كانت البكر حديثة عهد بالرجل وحديثة بالاستصعاب والنفار لا تلين إلا بجهد شرعت لها الزيادة على الثيب لأنه ينفي نفارها ويُسكِّن روعها وهي في ذلك بخلاف الثيب لأنها مارست الرجال وهذه حكمة والدليل إنما هو قول الشارع وفعله اهـ من الأبي.

قال المازري: واختلف عندنا فقيل الثلاث والسبع حق للزوج على بقية نسائه لحاجته إلى اللذة بهذه الجديدة فجعل له الشارع ذلك زيادة في الاستمتاع، وقيل حق للمرأة لقوله صلى الله عليه وسلم للبكر وللثيب بلام التمليك اهـ (قال خالد) بن مهران الحذاء:(ولو قلت إنه) أي إن أنسًا رضي الله عنه (رفعه) أي رفع هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم (لصدقت) فيما قلت أي لكنت صادقًا في قول ذلك لا كاذبًا يعني أن قوله من السنة كذا صريح في رفعه (ولكنه) أي ولكن أنسًا (قال السنة كدلك) أي أن يقيم عند البكر سبعًا وعند الثيب ثلاثًا، قال القاضي: قول الصحابي من السنة كذا هو عند العلماء من قبيل المسند لا يعني بالسنة إلا سنته صلى الله عليه وسلم وقد رفعه غير واحد عن أنس، قال النووي: كونه من قبيل المسند وهو قولنا وقول المحدثين وجماهير

ص: 118

3507 -

(00)(00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ وَخَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَال: مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ الْبِكْرِ سَبْعًا.

قَال خَالِدٌ: وَلَوْ شِئْتُ قُلْتُ: رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

ــ

السلف والخلف، وجعله بعضهم موقوفًا وليس بشيء. قال الأبي: قال تقي الدين: واحتمال أن يكون الصحابي قاله عن اجتهاد الأظهر خلافه وأنه إنما ينصرف لسنته صلى الله عليه وسلم اهـ. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

3507 -

(00)(00)(وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) الصنعاني (أخبرنا سفيان) الثوري (عن أيوب) السختياني البصري (وخالد) بن مهران (الحذّاء) البصري (عن أبي قلابة) الجرمي البصري (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لهشيم بن بشير (قال) أنس:(من السنة) أي من الطريقة الشرعية (أن يقيم عند البكر سبعًا) من الليالي، ظاهر قول أنس هذا الرفع عند جمهور الأصوليين لأنه إنما يعني به سنة النبي صلى الله عليه وسلم وقد دل على الرفع قول خالد هنا كما ذكره المؤلف بقوله:(قال خالد) الحذاء: (ولو شئت) نسبة الرفع إلى أنس لي (قلت رفعه) أنس (إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكنت صادقًا في ذلك، وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم للبكر سبع وللثيب ثلاث، والرفع فيه منصوص عليه، وقد اختلف في هذا الحكم هل هو للكل بكر وثيب وإن لم يكن للزوج غيرها أو إنما يكون ذلك إذا كان له غيرها على قولين عندنا، قال أبو عمر: أكثر العلماء على أن ذلك واجب لها كان عند الرجل زوجة أم لا؟ لعموم الحديث، وقال غيره: معنى الحديث فيمن له زوجة غير هذه الجديدة لأن من لا زوجة له مقيم مع هذه الجديدة. (قلت): وهذا هو الصحيح لوجهين: أحدهما: أنه هو السبب الذي خرج عليه اللفظ، والثاني: النظر إلى المعنى وذلك أن من له زوجات يحتاج إلى استئناف القسم بعد أن يوفي لهذه المستجدة حقها من تأنيسها والانبساط إليها وإزالة نفرتها وتطييب عيشها وأيضًا فيستوفي لنفسه ما يجده من التشوق إليها والاستلذاذ بها فإن الجديد له

ص: 119

3508 -

(1388)(148) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تِسْعُ نِسْوَةٍ. فَكَانَ إِذَا قَسَمَ بَينَهُنَّ لَا يَنْتَهِي إِلَى الْمَرْأَةِ الأُولَى إلا فِي تِسْعٍ. فَكُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَّ لَيلَةٍ فِي بَيتِ الَّتِي يَأْتِيهَا. فَكَانَ

ــ

استلذاذ جديد وذلك مفقود فيمن ليس له زوجة غير التي تزوج بها اهـ من المفهم.

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لأنس رضي الله عنه فقال:

3508 -

(1388)(148)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا شبابة بن سوار) الفزاري مولاهم أبو عمرو المدائني، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي مولاهم أبو سعيد البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (13) بابا (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد كوفي وواحد مدائني (قال) أنس:(كان للنبي صلى الله عليه وسلم تسع نسوة) يعني اللاتي اجتمعن في زمان واحد وتوفي عنهن وإلا فكان له صلى الله عليه وسلم غير التسع، وتلك التسع سودة وعائشة وحفصة وأم سلمة وزينب وأم حبيبة وجويرية وصفية وميمونة رضي الله عنهن وهذا ترتيب تزويجه إياهن، واختلف في مارية هل كانت زوجة أو سرية وهل ماتت قبله أو لا؟ كذا في الفتح (فكان) النبي صلى الله عليه وسلم (إذا قسم بينهن) المبيت (لا ينتهي) أي لا يصل ولا يرجع (إلى المرأة الأولى) أي التي بات عندها أولًا في القسم (إلا في تسع) أي إلا بعد تسع ليال مع نوبتها، وفي بمعنى بعد أي إلا بعد انقضاء تسع ليال، وفي حديث ابن عباس الآتي:"كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع وكان يقسم منهن لثمان ولا يقسم لواحدة وذلك بعد إسقاط حقها برضاها" ولا معارضة بين الحديثين لأن ذلك بعد إسقاط حقها وهذا قبل الإسقاط (فكن) كلهن (يجتمعن كل ليلة في ليت التي يأتيها) أي يبيت عندها، فيه أنه يستحب أن يأتي كل امرأة في بيتها ولا يدعوهن إلى بيته لكن لو دعا كل واحدة في نوبتها إلى بيته كان له ذلك وهو خلاف الأفضل، قال الأبي: فيه أنه لا يأتي غير صاحبة النوبة في بيتها لغير ضرورة وأما اجتماعهن في بيتها فجائز برضاها وإلا فلها المنع اهـ (فكان) صلى الله عليه وسلم ذات

ص: 120

فِي بَيتِ عَائِشَةَ. فَجَاءَتْ زَينَبُ. فَمَدَّ يَدَهُ إِلَيهَا. فَقَالتْ: هذِهِ زَينَبُ. فَكَفَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ. فَتَقَاوَلَتَا حَتَّى اسْتَخَبَتَا

ــ

ليلة (في بيت عائشة فجاءت زينب) إلى بيت عائشة على عادتهن من اجتماعهن في بيت صاحبة النوبة (فمد) صلى الله عليه وسلم أي بسط (يده) الشريفة (إليها) أي إلى زينب يظن أنها عائشة صاحبة النوبة لأنه كان في الليل وليس في البيوت مصابيح كذا قال النووي.

وقوله: (فمد يده إليها) يحتمل معنين: الأول أن يكون ضمير المؤنث راجعًا إلى عائشة فالمعنى حينئذٍ أنه صلى الله عليه وسلم لم يشعر بقدوم زينب فمد يده إليها ظنًّا منه بأنه معها في خلوة فلما أخبرته عائشة بقدوم زينب كف يده عنها وعلى هذا يستنبط منه أن الرجل لا ينبغي له الاستمتاع بزوجته بمحضر من ضرتها، والاحتمال الثاني أن يكون الضمير لزينب والمعنى حينئذٍ أنه صلى الله عليه وسلم لم يعرف زينب لظلام البيت وظنها عائشة فمد يده إليها فلما أخبرته عائشة بأنها زينب كف يده عنها لأن الليلة كانت لعائشة والبيوت يومئذٍ لم تكن فيها مصابيح، وعلى هذا يُؤخذ منه أن الزوج لا يستمتع بالمرأة في غير نوبتها اهـ تكملة، قال في البحر الرائق: ولا يجامع المرأة في غير يومها ولا يدخل بالليل على التي لا قسم لها ولا بأس بأن يدخل عليها بالنهار لحاجة ويعودها في مرضها في ليلة غيرها فإن ثقل مرضها فلا بأس بأن يقيم عندها حتى تشفى أو تموت اهـ منه (فقالت) عائشة له صلى الله عليه وسلم: (هذه) التي مددت يدك إليها هي (زينب فكف النبي صلى الله عليه وسلم أي قبض (يده) عنها (فتقاولتا) أي تقاولت زينب وعائشة أي تراجعتا القول من أجل الغيرة (حتى استخبتا) أي رفعتا أصواتهما، قال الفيومي في صَخَبَ: وإبدال الصاد سينًا لغة اهـ هو افتعال من السخب وهو اختلاط الأصوات وارتفاعها، ووقع في بعض النسخ استحثتا من الاستحثاء ومعناه أن كل واحدة حثت في وجه الأخرى التراب وهو تصحيف، وفي أخرى استخبثتا أي قالت الكلام الرديء، وفي أخرى استحيتا من الاستحياء، ولم يذكر في هذا الحديث تفصيل التقاول ولعله ما أخرجه ابن ماجه في باب حسن معاشرة الأزواج [1/ 142] عن عائشة قالت: ما علمت حتى دخلت علي زينب بغير إذن وهي غضبى، ثم قالت: يا رسول الله أحسبك إذا قلبت لك بُنية أبي بكر دريعتها. الجواب محذوف تقديره فلا تلتفت إلى النساء الأُخر، والبُنية تصغير بنت أرادت به تحقير عائشة، وكذلك الدريعة تصغير درعة وهي

ص: 121

وَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ. فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ذلِكَ. فَسَمِعَ أَصْوَاتَهُمَا. فَقَال: اخْرُجْ، يَا رَسُولَ اللهِ! إِلَى الصَّلاةِ. وَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ. فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالتْ عَائِشَةُ: الآنَ يَقْضِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلاتَهُ فَيَجِيءُ أَبُو بَكْرٍ فَيَفْعلُ بِي وَيَفْعَلُ. فَلَمَّا قَضَى

ــ

قميص النساء، وقال في النهاية: أرادت به ساعديها، وغرضها أن تحويل ساعدي عائشة يكفيك لشدة حبك لها فلا تلتفت إلى غيرها كذا في إنجاح الحاجة، وتمام الحديث "ثم أقبلت عليّ فأعرضت عنها حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم:"دونك فانتصري" فأقبلت عليها حتى رأيتها وقد يبس ريقها في فيها ما ترد عليّ شيئًا فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتهلل وجهه" فيمكن أن تكون قصة هذا الحديث وقصة حديث الباب واحدة والله أعلم اهـ تكملة بتصرف.

وسبب هذا الواقع الغيرة وفيه ما يدل على جميل عشرة النبي صلى الله عليه وسلم ومداراته (وأقيمت الصلاة) قال الأبي والسنوسي: وهذا يدل على أن تلك المقاولة حصلت لهما قبل صلاة الصبح ودامت إلى إقامة الصلاة (قلت): ويمكن أن تكون بين المغرب والعشاء لما قال أنس في هذا الحديث فكن يجتمعن كل ليلة في بيت التي يأتيها، وظاهر أن هذا الاجتماع لا يكون في آخر الليل وإنما يكون في أوله بعد صلاة المغرب، وليس في مد يده إلى زينب دليل على أن اللمس لا ينقض الوضوء كما قد زعمه بعضهم وهم الأحناف إذ لم ينقل أنه كان منه لمس على غير حائل ولا أنه كان توضأ قبل ذلك فلعله بعد ذلك توضأ اهـ مفهم (فمر أبو بكر) الصديق (على) رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما في (ذلك) التقاول (فسمع) أبو بكر (أصواتهما) أي أصوات عائشة وزينب وهي مرتفعة (فقال) أبو بكر:(اخرج يا رسول الله إلى الصلاة، واحث) أمر من حثا يحثو من باب دعا أي وارم (في أفواههن التراب) مبالغة في زجرهن وقطع خصامهن، لم يرد في ذلك حقيقته وإنما هو مبالغة في التسكيت والزجر لهن عن رفع الأصوات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (فخرج النبي قال الله عليه وسلم) إلى الصلاة (فقالت عائشة) لمن عندها (الآن) أي في هذا الزمن الحاضر (يقضي النبي صلى الله عليه وسلم أي يتم (صلاته فيجيء أبو بكر) أي يرجع إليّ (فيفعل بي) أي ما يفعل الوالد بابنته من المعاملات الزجرية والمقالات التأديبية (ويفعل) تأكيد للأولى (فلما قضى

ص: 122

النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلاتَهُ أَتَاهَا أَبُو بَكْرٍ. فَقَال لَهَا قَوْلًا شَدِيدًا، وَقَال: أَتَصْنَعِينَ هذَا؟

3509 -

(1389)(149) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالث: مَا رَأَيتُ امْرَأَةً أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ فِي مِسْلاحِهَا مِنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ

ــ

النبي صلى الله عليه وسلم صلاته أتاها) أي أتى عائشة وجاءها (أبو بكر فقال لها قولًا شديدًا) أي بليغًا في الزجر عن رفع الأصوات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك احترامه (وقال) لها: (أتصنعين) بهمزة الاستفهام الإنكاري، أي هل تفعلين (هذا) الخصام والتقاول ورفع الأصوات على صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الحديث بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من حُسن الخلق وملاطفة الجميع، وفيه فضيلة لأبي بكر وبيان شفقته ونظره في المصالح، وفيه إشارة المفضول على صاحبه الفاضل بمصلحته والله أعلم.

وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

3509 -

(1389)(149)(حدثنا زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (قالت) عائشة: (ما رأيت امرأة أحب إليّ) أي أكثر محبوبية عندي (أن أكون في مسلاخها) أي كوني في مسلاخها وجلدها في مثل هديها وطريقها والمسلاخ الجلد والمراد من كونها في مسلاخها أن تكون هي هي بعينها، قال السنوسي: تمنت أن تكون على مثل حالها في الأوصاف التي استحسنت منها لأنها كانت حديدة القلب حازمة الرأي مع عقل ودين، وجملة أن المصدرية في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية لأحب أي ما رأيت امرأة أحب إليّ كوني في أخلاقها، وقوله:(من سودة بنت زمعة) بن قيس بن عبد شمس القرشية العامرية، كان تزوجها السكران بن عمرو أخو سهيل بن عمرو فهاجرا جميعًا إلى الحبشة فلما قدم بها إلى مكة توفي رضي الله عنه فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خديجة سنة عشر من البعثة خطبها بوساطة

ص: 123

مِنِ امْرَأَةٍ فِيهَا حِدَّةٌ. قَالتْ: فَلَمَّا كَبِرَتْ جَعَلَتْ يَوْمَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِعَائِشَةَ. قَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ جَعَلْتُ يَوْمِي مِنْكَ لِعَائِشَةَ. فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَينِ، يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ

ــ

خولة بنت حكيم، وماتت في آخر زمان عمر بن الخطاب، وقيل ماتت سنة (54) أربع وخمسين ورجحه الواقدي، وقوله:(من امرأة) بدل من الجار والمجرور قبله أعني من سودة، وقال القاضي: من هنا للبيان واستفتاح الكلام اهـ، ويحتمل أن تكون زائدة وأمرأة حال من سودة نظرًا إلى وصفها بقوله:(فيها حدة) أي حالة كونها امرأة حديدة القلب حازمة الرأي، قال النووي: ولم ترد عائشة بذلك تعييب سودة بل وصفتها بقوة النفس وجودة القريحة، ولكن يرده ما أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب من طريق هشام عن أبيه عن عائشة قالت "ما من الناس أحد أحب إليّ أن أكون في مسلاخه من سودة بنت زمعة إلا أن بها حدة" وصححه الحافظ في الإصابة أيضًا فإن هذا اللفظ صريح في أنها أرادت به النقد على سودة رضي الله تعالى عنها (قالت) عائشة:(فلما كبرت) سودة أي دخلت في سن الكبر (جعلت يومها) أي يوم نوبتها (من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة) فيه التفات فـ (قالت) سودة: (يا رسول الله قد جعلت يومي منك لعائشة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومين يومها وبوم سودة) رضي الله تعالى عنهما. قوله: (ما رأيت امرأة أحب إليّ أن أكون في مسلاخها من سودة) أي في جلدها، والمسلاخ في الأصل الجلد الذي خرجت منه الحية، ومعنى ذلك أنها تمنت أن تكون هي لأن أحدًا لا يتمنى أن يكون في جلد غيره، وهذا اللفظ قد جرى مجرى المثل ومقصودها أنها أحبت أن تكون على مثل حالها في الأخلاق التي استحسنت منها، وقوله:(من امرأة فيها حدة) من هنا للبيان والخروج من وصف إلى ما يخالفه ولم ترد تنقيصها بذلك وإنما أرادت أنها كانت شهمة النفس حديدة القلب حازمة مع عقل رصين وفضل متين ولذلك جعلت يومها لعائشة، وفيه دليل على أن القسم حق للزوجة ذات الضرائر، وأنه يجوز بذله لغيرها بعوض وبغير عوض إذا رضي بذلك الزوج ويشهد لهذا كله قوله تعالى:{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَينَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيرٌ} [النساء / 128] وفي هذه القصة نزلت هذه الآية على ما قيل لكن عند مالك لها الرجوع في محل هذا إن شاءت لأنها حقوق متجددة آنًا فآنًا فلكل متجدد

ص: 124

3510 -

(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَمْرُو النَّاقِدُ. حَدُّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا شَرِيكٌ. كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ،

ــ

حكمه بخلاف الحقوق الثابتة وتلك لا يرجع في شيء منها من أسقطها مثل ما يترتب في الذمم أو في الأبدان وهذا أحد قولي مالك، وقيل يلزم ذلك دائمًا اهـ مفهم. قوله:(فلما كبرت) من باب فرح، أي زاد سنها (جعلت يومها) أي نوبتها (لعائشة) وفيه التفات من التكلم إلى الغيبة لأن الأسماء الظاهرة من قبيل الغيبة، وكذا يقال فيما بعده إن لم يكن من كلام عروة، وقوله:(وكان يقسم لعائشة يومين يومها ويوم سودة) معناه أنه كان يكون عند عائشة في يومها على ترتيبه ويكون عندها أيضًا في يوم سودة على ترتيبه لا أنه يوالي لها يومين، والأصح أنه لا يجوز الموالاة للموهوب لها إلا برضا الباقيات، وجوزه بعضهم بغير رضاهن وهو ضعيف. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5212].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

3510 -

(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عقبة بن خالد) بن عقبة السكوني -نسبة إلى سكون بوزن صبور حي من العرب- أبو مسعود الكوفي، صدوق، من (8) روى عنه في (5) أبواب (ح وحدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا الأسود بن عامر) الشامي أبو عبد الرحمن الملقب بشاذان، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا زهير) بن معاوية الجعفي أبو خيثمة الكوفي، ثقة، من (7)(ح وحدثنا مجاهد بن موسى) بن فروخ الخوارزمي أبو علي الختلي سكن بغداد، روى عن يونس بن محمد في النكاح، وهاشم بن القاسم في المناقب، ويروي عنه (م عم) وأبو يعلى والبغوي، وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة، من العاشرة، مات سنة (244) أربع وأربعين ومائتين، وله (86) سنة (حدثنا يونس بن محمد) بن مسلم البغدادي أبو محمد المؤدب، ثقة، من (9) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا شريك) بن عبد الله بن أبي شريك سنان بن أنس النخعي الكوفي، صدوق، من (8) روى عنه في (8) أبواب (كلهم) أي كل من عقبة بن خالد وزهير بن معاوية وشريك بن عبد الله رووا (عن هشام) بن عروة

ص: 125

بِهذَا الإِسْنَادِ؛ أَنَّ سَوْدَةَ لَمَّا كَبِرَتْ، بِمَعْنَى حَدِيثِ جَرِيرٍ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ شَرِيكٍ: قَالتْ: وَكَانَتْ أَوَّلَ امْرَأَةِ تَزَوَّجَهَا بَعْدِي.

3511 -

(1390)(150) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: كُنْتُ أَغَارُ عَلَى اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

ــ

(بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لجرير بن عبد الحميد (أن سودة لما كبرت) وساقوا (بمعنى حديث جرير) لا بلفظه (وزاد) يونس بن محمد (في حديث شريك) وروايته لفظة (قالت) عائشة (وكانت) سودة بنت زمعة (أول امرأة تزوّجها) أي نكحها (بعدي) أي بعد نكاحي، ولكن دخل بسودة قبل الدخول بعائشة.

وهذه رواية يونس عن شريك وهكذا قال يونس أيضًا عن ابن شهاب وعبد الله بن محمد بن عقيل، وأشار بعضهم إلى الجمع بين القولين فقال أول من عقد عليها بعد خديجة عائشة وأول من دخل عليها بعد خديجة سودة فإنه دخل عليها بمكة قبل الهجرة ودخل على عائشة بالمدينة في شوال سنة اثنتين من الهجرة، وروى عقيل بن خالد عن ابن شهاب خلافه، وأنه صلى الله عليه وسلم تزوج سودة قبل عائشة قال أبو عمرو: هذا قول قتادة وأبي عبيدة اهـ من المفهم.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث آخر لها فقال:

3511 -

(1390)(150)(حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي، ثقة، من (9) (عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان (قالت) عائشة:(كنت أغار) أي أُعيّب (على) النسوة (اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي أُعيّر عليهن هبتهن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه من غار إذا عاب ويدل عليه قولها في الآخر: أما تستحي أن تهب المرأة نفسها للرجل، وهو ها هنا تقبيح وتنفير لئلا يهب النساء أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيكثر النساء عنده، وأوجب هذا القول منها الغيرة وإلا فقد علمت أن الله سبحانه أباح له هذا، خاصة وأن النساء معذورات

ص: 126

وَأَقُولُ: وَتَهَبُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا؟ فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوي إِلَيكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ} [الأحزاب: 51]

ــ

ومشكورات في ذلك لعظيم بركته صلى الله عليه وسلم اهـ من شرح الأبي، وقد تنافس الصحابة والسلف في تقريب ما لمسه من ثوب ونحوه وكادوا يقتتلون على وضوئه والتبرك بكل أثر من آثاره وأين ذلك كله من هذا القرب العظيم الذي لم يتمكن منه أحد سوى زوجاته.

وقوله: (اللاتي وهبن) ظاهر في أن الواهبات أكثر من واحدة وهن خولة بنت حكيم وفاطمة بنت شريح وليلى بنت الحطيم، وقد فصّل الحافظ أسماءهن في التفسير من فتح الباري، وأخرج الطبري بإسناد حسن عن ابن عباس: لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له. ذكره الحافظ وقال: والمراد أنه لم يدخل بواحدة ممن وهبت نفسها له وإن كان مباحًا لأنه راجع إلى إرادته لقوله تعالى: {إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} اهـ (وأقول و) هل (تهب المرأة نفسها) للرجل وهذا عيب (فلما أنزل الله عز وجل قوله: ({تُرْجِي}) وتؤخر ({مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ}) تأخيرها عن المضاجعة معها ({وَتُؤْوي}) أي تضم ({إِلَيكَ مَنْ تَشَاءُ}) ضمها إليك بالمضاجعة معها ({وَمَنِ ابْتَغَيتَ}) وطلبت الرجوع إليها بالمضاجعة ({مِمَّنْ عَزَلْتَ}) أي عطلتها من المضاجعة معها (فلا جناح عليك) في ابتغائها، اختلف المفسرون في تفسير هذه الآية على ثلاثة أقوال: الأول أنه إباحة له صلى الله عليه وسلم في ترك القسم ومعنى الإرجاء والإيواء أن يؤخر من شاء منهن ويبيت مع من شاء وهذا قول الجمهور، والثاني أنه إباحة له صلى الله عليه وسلم في طلاق بعض أزواجه وإمساك بعض وأنه كان همّ بطلاق بعضهن فقلن له لا تُطلِّقنا واقسم لنا ما شئت فكان يقسم لبعض قسمًا مستويًا وهن اللاتي آواهن ومنهن عائشة وحفصة وأم سلمة ويقسم للباقي ما شاء وهن اللاتي أرجاهن وهن سودة وجويرية وصفية وميمونة وأم حبيبة وكان يقسم لهن ما شاء وتوفي صلى الله عليه وسلم وقد آوى جميعهن إلا صفية، وهذا يدل على أن القسم ليس واجبًا عليه وهو أحد القولين، والثالث أن الآية في الواهبات وهو تخيير له صلى الله عليه وسلم أن يقبل من شاء منهن ويرد من شاء، وحديث عائشة في الباب يؤيد هذا القول الأخير والذي قبله واللفظ محتمل للأقوال الثلاثة، هذا ملخص ما في فتح الباري، واتفقت أقوال أهل السير أنه صلى الله عليه وسلم لم يعمل بهذه الرخصة في ترك القسم وإنما يقسم لهن جميعًا أي فلما أنزل

ص: 127

قَالتْ: قُلْتُ: وَاللهِ، مَا أَرَى رَبَّكَ إلا يُسَارعُ لَكَ فِي هَوَاكَ.

3512 -

(00)(00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: أَمَا تَسْتَحْيِي امْرَأَةٌ تَهَبُ نَفْسَهَا لِرَجُلٍ؟

ــ

الله هذه الآية (قالت قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (والله ما أرى ربك إلا يسارع لك في) إنزال (هواك) ومرضاتك أي يُخفف عنك ويوسِّع عليك في الأمور ولهذا خيّرك تعني ما أرى الله إلا موجدًا لك ما تريد وترضى بلا تأخير مُنْزِلًا لما تحب وترضى، قال الأبي: وهذا إكرام أبرزته الغيرة والإدلال وإلا فإضافة الهوى إليه صلى الله عليه وسلم مباعد لما يجب على الخلق من تعظيمه صلى الله عليه وسلم وتوقيره، ولو أبدلت هواك بمرضاتك كان أولى اهـ.

(قلت): إن البساطة فيما بين الزوجين لا حاجة فيها إلى هذه الدقة والتكلف في الكلام وإنما هو إدلال من الزوجة على زوجها صلى الله عليه وسلم وليس من سوء الأدب في شيء لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن ليكرهه بل ربما يستحسن أمثاله منها اهـ تكملة، لكن أبعد هذا في حقها من نوع الذنوب أن كل ما يفعل المحبوب محبوب.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5113]، وأبو داود [2136]، والنسائي [5416].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:

3512 -

(00)(00)(وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدة بن سليمان) الكلابي الكوفي، ثقة، من (8) (عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) غرضه بيان متابعة عبيدة لأبي أسامة (أنها) أي أن عائشة كانت تقول: أما تستحيي امرأة) وقوله: (تهب نفسها لرجل) صفة لامرأة، وهذا تقبيح منها على من فعلت ذلك وتنفير أوجبه غيرتها وإلا فقد علمت أن الله تعالى أباح هذا للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة وأن النساء كلهن لو ملّكن رِقّهن ورقابهن للنبي صلى الله عليه وسلم لَكُنَّ معذورات في ذلك ومشكورات عليه لعظيم بركته ولشرف منزلة القُرب منه، وعلى الجملة فإذا حُقق النظر في أحوال أزواجه صلى الله عليه وسلم عُلم أنه لم يحصل أحد في العالم على مثل ما حصلت عليه ويكفيك من ذلك مخالطة اللحوم والدماء ومشابكة الأعضاء

ص: 128

حتى أَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوي إِلَيكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] فَقُلْتُ: إِنَّ رَبَّكَ لَيُسَارعُ لَكَ فِي هَوَاكَ.

3513 -

(1391)(151) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. قَال مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ. قَال: حَضَرْنَا، مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ، جَنَازَةَ مَيمُونَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِسَرِفَ

ــ

والأجزاء وناهيك بها مراتب فاخرة لا جرم هن أزواجه المخصوصات به في الدنيا والآخرة اهـ من المفهم، وقوله:(حتى أنزل أدته عز وجل غاية للقول المذكور ({تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوي إِلَيكَ مَنْ تَشَاءُ} فـ) لما أنزلت هذه الآية (قلت: إن ربك ليُسارع لك في هواك) أي في مرضاتك.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

3513 -

(1391)(151)(حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (ومحمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (قال محمد بن حاتم: حدثنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني البصري، صدوق، من (9)(أخبرنا ابن جريج) الأموي المكي (أخبرني عطاء) بن أبي رباح أسلم القرشي مولاهم أبو محمد الجندي اليماني نزيل مكة، ثقة، من (3) (قال: حضرنا مع ابن عباس) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد طائفي وواحد بصري وواحد إما مروزي أو بغدادي؛ أي قال عطاء حضرنا مع ابن عباس (جنازة ميمونة) بنت الحارث الهلالية (زوج النبي صلى الله عليه وسلم بسرف) وسرف على وزن تعب وجهل، موضع قريب من التنعيم على ستة أميال من مكة وقيل سبعة وقيل تسعة وقيل اثني عَشَرَ ميلًا وبه تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة الهلالية وبه توفيت وهي آخر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم موتًا، وهذا من عجائب التواريح وقع الهناء والعزاء في مكان واحد من الطريق، يقال إنها وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن خطبته صلى الله عليه وسلم انتهت إليها وهي على بعيرها فقالت البعير وما عليه لله ورسوله، وقيل الواهبة نفسها غيرها أقول أي ابتداء فلا منافاة اهـ مرقاة، قيل إنها ماتت سنة ثلاث وستين وقيل ست وستين وعلى هذا تكون

ص: 129

فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ: هذِهِ زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَإِذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا فَلَا تُزَعْزِعُوا. وَلَا تُزَلْزِلُوا. وَارْفُقُوا. فَإِنَّهُ كَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تِسْعٌ. فَكَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ وَلَا يَقْسِمُ لِوَاحِدَةٍ.

قَال عَطَاءٌ: الَّتِي لَا يَقْسِمُ لَهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ

ــ

ميمونة آخرهن موتًا، وقيل سنة إحدى وخمسين قبيل عائشة لأن عائشة توفيت سنة سبع وخمسين، وقيل ثمان وخمسين وعلى هذا فتكون عائشة آخرهن موتًا، وأما صفية فتوفيت سنة خمسين، وقول عطاء:(كانت آخرهن موتًا ماتت بالمدينة) قول مشكل يلزم عليه وهم وذلك أنه إن كان أراد ميمونة فقد وهم في قوله: إنها بالمدينة وقد بينا أنها ماتت بسرف إلا أن يريد بالمدينة هنا مكة وفيه بُعْد، وإن أراد بها صفية فقد وهم أيضًا لأنها لم تكن آخرهن موتًا على ما قدمناه، وقد وهم أيضًا في قوله إن التي لا يقسم لها النبي صلى الله عليه وسلم هي صفية فإن المشهور أن التي لا يقسم لها هي سودة وهبت يومها لعائشة كما تقدم اهـ من المفهم.

(فقال ابن عباس) لحاملي نعشها (هذه) الميتة (زوج النبي صلى الله عليه وسلم ولفظ الزوج يطلق على رجل المرأة وعلى مرأة الرجل في اللغة العالية وبها جاء القرآن نحو {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} والجمع فيهما أزواج (فإذا رفعتم نعشها) أي سريرها من الأرض (فلا تزعزعوا) أي لا تقلقلوا من الزعزعة وهو تحريك الشيء الذي يُرفع (ولا تزلزلوا) أي لا تحركوها بالاستعجال في المشي بها من الزلزلة وهو الاضطراب قاله الحافظ، والنعش سرير الميت ولا يُسمى نعشًا إلا وعليه الميت فإن لم يكن فهو سرير، وميت منعوش محمول على النعش اهـ مصباح (وارفقوا) أي واقصدوا في رفعها من الأرض وفي المشي بها، من رفق من باب نصر والرفق السهولة والقصد (فإنه) أي فإن الشأن والحال (كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع) نسوة (فكان يقسم) المبيت (لثمان) منهن فهي من الأزواج الثماني اللاتي كان صلى الله عليه وسلم يهتم بشأنهن فيقسم بينهن بالتسوية، فهذا تعليل منه لنهيه عن ترك استعمال الرفق بنعشها (ولا يقسم لواحدة) من التسع وهي سودة.

وقوله: (قال عطاء التي لا يقسم لها صفية بنت حيي بن أخطب) قال العلماء: هو

ص: 130

3514 -

(00)(00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ: قَال عَطَاءٌ: كَانَتْ آخِرَهُنَّ مَوْتًا. مَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ

ــ

وهم من ابن جريج الراوي عن عطاء وإنما الصواب هي سودة لأنها وهبت يومها لعائشة كما مر آنفًا.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 231]، والبخاري [5067]، والنسائي [6/ 53].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:

3514 -

(00)(00)(حدثنا محمد بن رافع) القشيري (وعبد بن حميد) الكسي (جميعًا) أي كلاهما (عن عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (عن ابن جريج) المكي (بهذا الإسناد) يعني عن عطاء عن ابن عباس، غرضه بيان متابعة عبد الرزاق لمحمد بن بكر في الرواية عن ابن جريج (و) لكن (زاد) عبد الرزاق على أبي بكر قال ابن جريج:(قال عطاء: كانت) ميمونة رضي الله تعالى عنها (آخرهن) أي آخر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (موتًا) هذا وهم من عطاء كما مر آنفًا، وقوله:(ماتت بالمدينة) وهم ثانٍ جدًّا كما مر بسط الكلام فيه قريبًا، وقول ابن عباس (فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوا) الخ كل ذلك تنبيه على ما يجب من احترام أزواجه صلى الله عليه وسلم لعظيم رتبتهن وشرف منزلتهن.

(تتمة): قال الخطابي: إن الله اختار لنبيه صلى الله عليه وسلم من الأمور أفضلها وأكملها وجمع له من الفضائل التي تزداد بها نفوس العرب جلالة وفخامة، وكانت العرب تتفاخر بقوة النكاح، وكان صلى الله عليه وسلم من قوة البنية واعتدال المزاج وكمال الخلقة على نهايتها على ما شهدت به الأخبار، ومن كان بهذه الصفة كانت دواعي هذا الباب أغلب عليه وكان من عداها منسوبًا إلى نقص الجبلة وضعف النحيزة (الطبيعة) فأُبيح له الزيادة على أربع لاحتياجه إلى ذلك وأيضًا فلقوته على العدل بينهن فلما لم يكن غيره كذلك قُصِر على أربع والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث: الأول: حديث أم سلمة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني: حديث أنس بن مالك ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث أنس الثاني

ص: 131

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والرابع: حديث عائشة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والخامس: حديث عائشة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

ص: 132