الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
545 -
(31) باب بيان أن تخيير الرجل امرأته لا يكون طلاقًا إلا بالنية
3561 -
(1402)(162) وحدَّثني أَبُو الطَّاهِرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. ح وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ (وَاللَّفْظُ لَهُ). أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ؛ أَنَّ عَائِشَةَ قَالتْ: لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِتَخيِيرِ أَزوَاجِهِ بَدَأَ بِي. فَقَال: (إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا. فَلَا عَلَيكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأمِرِي أَبَوَيكِ"
ــ
545 - (31) باب بيان أن تخيير الرجل امرأته لا يكون طلاقًا لا بالنية
3561 -
(1402)(162)(وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو الأموي المصري (حدثنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (ح وحدثني حرملة بن يحيى التجيبي) المصري (واللفظ) الآتي (له) أي لحرملة (أخبرنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس بن يزيد) الأيلي (عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري المدني (أن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون (قالت) عائشة (لما أُمر) بالبناء للمفعول (رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لما أمره ربه (بتخيير أزواجه) بين أن يفارقهن فيذهبن إلى غيره ممن يحصل لهن عنده الدنيا وزخرفها وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال ولهن عند الله تعالى الثواب الجزيل والأجر العظيم، أي أمره بقوله:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالينَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28)} الآية (بدأ بي) رسول الله صلى الله عليه وسلم في التخيير قبل أزواجه، وإنما بدأ بها لعقلها ولفضيلتها على غيرها (فقال) لي (إني ذاكر لك أمرًا) أي سأذكر لك أمرًا مهمًا وهو التخيير (فلا) بأس ولا ضرر (عليك) في (أن لا تعجلي) أي في عدم العجلة والتأني في الجواب (حتى تستأمري) وتشاوري (أبويك) أبا بكر وأم رومان أي حتى تطلبي منهما أن يبينا لك رأيهما في ذلك الأمر، والمعنى أي إلى أن تشاوريهما، قاله لها لعلمه أن أبويها لا يوافقانها في اختيارها نفسها إن حصل ذلك منها بسبب حداثتها، وزاد محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عائشة (إني عارض عليك أمرًا فلا تفتني فيه بشيء حتى تعرضيه على أبويك أبي بكر وأم رومان) أخرجه أحمد والطبري. ويستفاد منه أن أم رومان كانت
قَالتْ: قَدْ عَلِمَ أَن أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأمُرَانِي بِفِرَاقِهِ
ــ
يومئذٍ موجودة فيرد به على من زعم أنها ماتت سنة ست من الهجرة فإن التخيير كان في سنة تسع، كذا في فتح الباري [8/ 451].
واعلم أنه قد اختلفت الروايات في سبب هذا التخيير فورد في بعضها أن سببه قصة المتظاهرتين وهي قصة العسل كما عند البخاري في باب موعظة الرجل ابنته في النكاح، وفي بعضها أن سببه سؤال النفقة كما سيأتي عند المؤلف في حديث جابر رضي الله عنه وفي بعضها غير ذلك، ولما كانت هذه القصص متقاربة ربما اختلطت على من لا يعرف حقيقة الأمر أوردناها لك مرتبة.
واعلم أن غضبه صلى الله عليه وسلم من أزواجه واعتزاله عنهن وتخييرهن كان لأسباب متعددة متوالية فوقعت أولًا قصة العسل، ثم قصة مارية رضي الله تعالى عنها إن صحت فحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم العسل على نفسه من أجل ذلك فنزلت آية التحريم، ثم اجتمعت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عليه يسألنه زيادة النفقة وكلما سيأتي في حديث جابر، وحدثت أمور أخرى ستأتي هناك فآلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه واعتزلهن شهرًا كما سيأتي في حديث عمر وابن عباس حتى إذا فرغ من إيلائه نزلت آية التخيير التي خيّر من أجلها رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه بين المكث معه وبين الفراق، هذا ما لُخِّص من فتح الباري [8/ 400]، في تفسير سورة الأحزاب و [9/ 253 و 254]، باب موعظة الرجل ابنته من النكاح والله أعلم.
قال النووي: قوله: (فلا عليك أن لا تعجلي) إلخ معناه لا يضرك أن لا تعجلي إنما قال ذلك لها شفقة عليها وعلى أهلها لأنه خاف أن يستغرَّها الصغر فتختار نفسها فيجب فراقها فتتاذى بذلك فيتأذى أهلها ويتأذى بقية النسوة في الاقتداء بها، قال القاضي: وقال ذلك لكراهية فراقها وخوف أن تبادر بذلك إذ جعل ذلك إليها لما في ظاهره من الزهد فيها بتخييرها وأنفة النساء من مثل هذا مع صغر سنها اهـ من الأبي.
(قالت) عائشة: وإنما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم عليك أن لا تعجلي لأنه (قد علم أن أبويّ لم يكونا ليأمراني بفراقه) صلى الله عليه وسلم وهذه اللام أعني لام ليأمراني لام الجحود الواقعة بعد الكون المنفي بما أو بما نظير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيبِ} ووقع في رواية عمرة عن عائشة في هذه القصة (وخشي رسول الله
قَالتْ: ثُمَّ قَال: "إِنَّ اللهَ عز وجل قَال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالينَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)} [الأحزاب: 28
ــ
صلى الله عليه وسلم حداثتي) والمراد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أمرها باستشارة أبويها خشية أن يحملها صغر السن على اختيار الشق الآخر، وفيه منقبة عظيمة لعائشة رضي الله تعالى عنها من وجوه: الأول أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بها قبل سائر الأزواج وما ذلك إلا لفضيلتها عنده صلى الله عليه وسلم. والثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحب فراقها حتى عند التخيير ولذلك أمرها باستشارة أبويها حبًّا لها ونصحًا لأمرها. والثالث أنها لم تتوقف في اختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل ذلك على كمال عقلها وجودة رأيها مع حداثة سنها رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
(قالت) عائشة: (ثم قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل قال) لي في تخييركن ({يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا}) أي السعة في الدنيا وزهرتها ({فَتَعَالينَ}) أي أقبلن بإرادتكن واختياركن لأحد أمرين ولم يرد نهوضهن إليه بأنفسهن ({أُمَتِّعْكُنَّ}) أي أعطكن متعة الطلاق ({وَأُسَرِّحْكُنَّ}) أي أطلقكن ({سَرَاحًا جَمِيلًا}) لا ضرر فيه {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} وهذا أمر من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يخيّر نساءه بين أن يفارقهن فيذهبن إلى غيره ممن يحصل لهن عنده الدنيا وزخرفها وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال ولهن عند الله في ذلك الثواب الجزيل فاخترن رضا الله ورسوله والدار الآخرة فجمع الله تعالى لهن بعد ذلك بين خيري الدنيا وسعادة الآخرة.
والحاصل أن سبب نزول هذه الآية مطالبتهن إياه صلى الله عليه وسلم من زينة الدنيا ما ليس عنده، ففي تفسير البيضاوي رُوي أنهن سألنه صلى الله عليه وسلم ثياب الزينة وزيادة النفقة فنزلت فبدأ بعائشة فخيرها فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة، ثم اختارت الباقيات اختيارها فشكر الله لهن ذلك فنزل {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} فقصره الله تعالى عليهن وهن التسع اللاتي تقدم ذكرهن في باب القسم بين الزوجات، وجاء في بعض الروايات أنه خير نساءه فاخترنه جميعًا غير العامرية فاختارت قومها فكانت بعد
- 29] قَالتْ: فَقُلْتُ: فِي أَيِّ هذا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أُرِيدُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. قَالتْ: ثُمَّ فَعلَ أَزْواجُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ مَا فَعَلْتُ.
3562 -
(1403)(163) حدَّثنا سُرَيجُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عبَّادٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَويَّةِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
تقول: أنا الشقية، ويقال: إنها كانت ذاهبة العقل حتى ماتت.
(قالت) عائشة: (فقلت في أي هذا) المذكور من الأمرين من الفراق والمقام معك (أستامر) وأستشير (أبوي) لا حاجة لي إلى استئمارهما (فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة) تعني أن الأمر واضح لا حاجة فيه إلى مشاورة الأبوين، وفي رواية محمد بن عمرو (فقلت فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ولا أُوامر أبويّ أبا بكر وأم رومان فضحك) وفي رواية عمر بن أبي سلمة عند الطبري (ففرح) (قالت) عائشة:(ثم فعل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت) أنا من اختيار الله ورسوله والدار الآخرة.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في باب الغرفة والعلية المشرفة من كتاب المظالم وفي تفسير سورة الأحزاب، وأخرجه الترمذي [1179]، والنسائي [6/ 56]، وابن ماجه [2052].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
3562 -
(1403)(163)(حدثنا سريج بن يونس) بن إبراهيم البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (11) بابا (حدثنا عباد بن عباد) بن حبيب بن المهلب العتكي أبو معاوية البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن عاصم) بن سليمان الأحول التميمي البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (17) بابا (عن معاذة) بنت عبد الله (العدوية) البصرية، امرأة صلة بن أشيم، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد بغدادي (قالت) عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يَسْتَأذِنُنَا. إِذَا كَانَ فِي يَوْمِ الْمَرْأَةِ مِنَّا. بَعْدَمَا نزَلَتْ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوي إِلَيكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] فَقَالتْ لَهَا مُعَاذَةُ: فَمَا كُنْتِ تَقُولِينَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتأذَنَكِ؟ قَالتْ: كُنْتُ أَقُولُ: إِنْ كَانَ ذَلكَ إِلَيَّ لَمْ أُوثِرْ أَحَدًا عَلَى نَفْسِي.
3563 -
(00)(00) وحدّثناه الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى. أخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ. أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ،
ــ
يستأذننا) معاشر أزواجه، قال القاضي: هذا على أن القسم غير واجب عليه إنما يفعله تطييبًا لقلوبهن على ما تقدم في باب القسم بين الزوجات (إذا كان في يوم المرأة منا) تعني أنه صلى الله عليه وسلم إذا كان في نوبة إحدانا وأراد التوجه والذهاب إلى الأخرى استأذن صاحبة النوبة التي كان عندها في الذهاب إلى الأخرى. وقوله: (في يوم المرأة) بإضافة اليوم إلى المرأة، ويروى في اليوم المرأة بنصب المرأة، والمراد اليوم الذي تكون فيه نوبتها (بعدما نزلت) آية (ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء) تقدم تفسيره (فقالت لها) أي لعائشة (معاذة) العدوية (فما كنت تقولين لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنك) للتحول إلى الزوجة الأخرى (قالت) عائشة:(كنت أقول) له صلى الله عليه وسلم: (إن كان ذلك) أي ما ذكرته من الإرجاء والإيواء مفوضًا (إليّ) فإني (لم أرثر) بك (أحدًا) من ضرائري ولم أفضلها (على نفسي) قال النووي: هذه المنافسة فيه صلى الله عليه وسلم ليست لمجرد الاستمتاع ولمطلق العشرة وشهوات النفوس وحظوظها التي تكون من بعض الناس بل هي منافسة في أمور الآخرة والقرب من سيد الأولين والآخرين والرغبة فيه وفي خدمته ومعاشرته والاستفادة منه وفي قضاء حقوقه وحوائجه وتوقع نزول الرحمة والوحي عليه عندها ونحو ذلك، ومثل هذا حديث ابن عباس وقوله في القدح إلا أوثر بنصيبي منك أحدًا) ونظائر ذلك كثير اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في تفسير الأحزاب، وأبو داود في النكاح، والنسائي في عشرة النساء.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
3563 -
(00)(00)(وحدثناه الحسن بن عيسى) بن ماسرجس الحنظلي النيسابوري مولى ابن المبارك، أسلم على يديه، ثقة، من (10)(أخبرنا) عبد الله (بن المبارك) بن واضح الحنظلي المروزي، ثقة، من (8)(أخبرنا عاصم) بن سليمان الأحول
بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
3564 -
(1404)(164) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَال: قَالث عائِشَةُ: قَدْ خَيَّرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَم نَعُدَّهُ طَلاقًا
ــ
البصري (بهذا الإسناد) يعني عن معاذة عن عائشة (نحوه) أي نحو ما روى عباد بن عباد عن عاصم. غرضه بيان متابعة عبد الله بن المبارك لعباد بن عباد.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
3564 -
(1404)(164)(حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (أخبرنا عبثر) بن القاسم الزبيدي بالضم أبو زبيد بالضم الكوفي، ثقة، من (8)(عن إسماعيل بن أبي خالد) سعْد الأحمسي الكوفي، ثقة، من (4)(عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الكوفي، ثقة، من (3)(عن مسروق) بن الأجدع الهمداني الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (قال: قالت عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد نيسا بوري (قد خيّرنا) معاشر أزواجه (رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الدنيا والآخرة فإن اخترن الدنيا طلّقهن طلاق السنة اهـ من الإرشاد (فـ) اخترنا المقام معه و (لم نعُدّه) أي ولم نعُدّ ذلك التخيير ولم نحسبه (طلاقًا) أي شيئًا من الطلاق رجعيًّا ولا بائنًا، وهذا موضع الترجمة، وفيه المطابقة.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 202]، والبخاري [5263]، والترمذي [1179]، والنسائي [6/ 56]، وابن ماجه [2052].
قال القرطبي: وفي قول عائشة هذا دليل على أن المخيّرة إذا اختارت نفسها أن نفس ذلك الخيار يكون طلاقًا من غير احتياج إلى النطق بلفظ يدل على الطلاق سوى الخيار ويُقتبس ذلك من مفهوم لفظها فتأمله اهـ من المفهم. وبهذا الحديث أخذ الأئمة الأربعة وجمهور الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار وأئمة الفتوى فقالوا: إذا خيّر الرجل امرأته فاختارته لا يقع بذلك طلاق لا واحدة ولا أكثر، وحُكي عن علي وزيد بن ثابت رضي الله عنهما روايتان إحداهما كما قال جماعة السلف وأئمة الفتوى إنه لا يقع بذلك شيء، والرواية الثانية أن نفس الخيار طلقة واحدة بائنة وإن اختارت زوجها، ويؤيد قول
3565 -
(00)(00) وحدَّثناه أَبُو بَكرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشعْبِيِّ، عَنْ مَسرُوقٍ. قَال: مَا أُبَالِي خَيَّرْتُ امْرأَتِي وَاحِدَةً أَوْ مِائَةَ أَوْ أَلْفًا. بَعْدَ أَنْ تَخْتَارَنِي. وَلَقَدْ سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقَالتْ: قَدْ خَيَّرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَفَكَانَ طَلاقًا؟
3566 -
(00)(00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
ــ
الجمهور من حيث المعنى أن التخيير ترديد بين شيئين فلو كان اختيارها زوجها طلاقًا لاتّحدا فدل على أن اختيارها لنفسها بمعنى الفراق واختيارها لزوجها بمعنى البقاء في العصمة كذا في فتح الباري، هذا إذا اختارت المخيرة زوجها، وأما إذا اختارت نفسها فهي ثلاث عند مالك والليث وهو المروي عن زيد بن ثابت، وقال أبو حنيفة: هي واحدة بائنة، وهو المروي عن عمر وابن مسعود وعلي رضي الله عنهم، وقال الشافعي وأحمد: هي طلقة رجعية وهو مذهب إسحاق والثوري وابن أبي ليلى وهو المروي عن ابن عباس هذا ملخص ما في فتح الباري.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
3565 -
(00)(00)(وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا علي بن مسهر) القرشي، ثقة، من (8)(عن إسماعيل بن أبي خالد) الأحمسي الكوفي (عن الشعبي عن مسروق) عن عائشة. وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم كوفيون إلا عائشة، غرضه بيان متابعة علي بن مسهر لعبثر بن القاسم (قال) مسروق:(ما أبالي) ولا أكترث أن (خيّرت امرأتي) مرة (واحدة أو مائة) مرة (أو ألفًا) من المرات (بعد أن تختارني) يعني لا يقع بذلك شيء ما دامت زوجتي تختارني، وقد روي مثل قول مسروق عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وعائشة وعطاء وسليمان بن يسار وربيعة والزهري كما في عمدة القاري.
قال مسروق: (ولقد سألت عائشة) رضي الله تعالى عنها عن تخيير الرجل امرأته هل يعد طلاقًا أم لا؟ (فقالت) عائشة لا يعد طلاقًا لأنه (قد خيّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه (أفكان) ذلك التخيير (طلاقًا) أي لم يكن طلاقًا، فالهمزة للاستفهام الإنكاري.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال:
3566 -
(00)(00)(حدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري (حدثنا محمد بن
جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيَّرَ نِسَاءَهُ. فَلَمْ يَكُنْ طَلاقًا.
3567 -
(00)(00) وحدَّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخبَرَنَا عَبدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمِ الأحوَلِ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِي، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَة. قَالتْ: خَيَّرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَاخْتَرْنَاهُ. فَلَمْ يَعُدَّهُ طَلاقًا
ــ
جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن عاصم) بن سليمان الأحول البصري (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الكوفي (عن مسروق) بن الأجدع الكوفي (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة عاصم الأحول لإسماعيل بن أبي خالد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خيّر نساءه) أي أزواجه الطاهرات رضي الله تعالى عنهن فاخترنه (فلم يكن) ذلك التخيير (طلاقًا).
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
3567 -
(00)(00)(وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (17) بابا (أخبرنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي البصري (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي، ثقة، من (7)(عن عاصم) بن سليمان (الأحول) البصري، ثقة، من (4)(وإسماعيل بن أبي خالد) الأحمسي الكوفي، ثقة، من (7)(عن الشعبي عن مسروق عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لشعبة بن الحجاج (قالت) عائشة رضي الله تعالى عنها (خيّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه) أي اخترنا المقام معه والدار الآخرة (فلم يعُدَّه) أي فلم يعد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك التخيير (طلاقًا) علينا.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
3568 -
(00)(00) حدَّثنا يَحيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ) عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: خَيَّرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاختَزنَاهُ. فَلَمْ يَعْدُدْهَا عَلَينَا شَيئًا.
3569 -
(00)(00) وحدَّثني أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زكرِيَّاءَ. حَدَّثَنَا الأعَمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ
ــ
3568 -
(00)(00)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (وأبو بكر بن أبي شيبة) العبسي (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني (قال يحيى: أخبرنا وقال الآخران حدثنا أبو معاوية عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن مسلم) بن صبيح مصغرًا الهمداني مولاهم أبي الضحى الكوفي، ثقة، من (4)(عن مسروق) بن الأجدع، ثقة مخضرم، من (2)(عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة مسلم بن صبيح للشعبي.
(قالت) عائشة: (خيّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم يعددها) أي فلم يعدّ خصلة التخيير (علينا شيئًا) أي طلاقًا، وتأنيث الضمير في قوله:(فلم يعددها) نظرًا لمعنى الخيرة الكائنة في التخيير، وقوله:(شيئًا) أي طلاقًا، قال السندي: في حواشي سنن ابن ماجه، وفيه أن النزاع فيما إذا قال اختاري نفسك مثلًا لا فيما إذا خيّرها بين الدنيا وبين الدار الآخرة مثلًا، كيف لو اختارت في هذه الصورة الدنيا لما كان طلاقًا كما يفيده القرآن الكريم، ولهذا قال بعض أهل التحقيق: إن هذا الاختيار خارج عن محل النزاع فلا يتم به الاستدلال على مسائل الاختيار فليتأمل، وفي المسألة أقاويل بسطها أبو السعود فعليك بإرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم اهـ من بعض الهوامش.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
3569 -
(00)(00)(وحدثني أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (حدثنا إسماعيل بن زكرياء) بن مرة الأسدي الكوفي المعروف بالخلقاني، صدوق، من (8)(حدثنا الأعمش عن إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي، ثقة، من (5)(عن الأسود) بن يزيد النخعي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2)(عن عائشة) رضي الله تعالى
وَعَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشةَ، بِمِثْلِهِ.
3570 -
(1405)(165) وحدّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ. حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: دَخَلَ أَبُو بَكرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَوَجَدَ النَّاسَ جُلُوسًا بِبَابِهِ لمْ يُؤذنْ لأَحَدٍ مِنْهُمْ. قَال: فَأُذِنَ لأَبِي بَكْرٍ. فَدَخَلَ. ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ فَاسْتَأذَنَ فَأُذِنَ لَهُ. فَوَجَدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا، حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ. وَاجِمًا سَاكِتًا
ــ
عنها (و) حدثنا إسماعيل بن زكرياء أيضًا (عن الأعمش عن مسلم) بن صبيح (عن مسروق) بن الأجدع (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة إسماعيل بن زكرياء لأبي معاوية، وساق إسماعيل بن زكرياء (بمثله) أي بمثل ما روى أبو معاوية عن الأعمش.
ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث عائشة الأول بحديث جابر رضي الله عنهما فقال:
3570 -
(1405)(165)(وحدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9)(حدثنا زكريا بن إسحاق) المكي ثقة، من (6) (حدثنا أبو الزبير) محمد بن مسلم الأسدي المكي (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد نسائي (قال) جابر بن عبد الله:(دخل أبو بكر) أي جاء أبو بكر حالة كونه (يستأذن) في الدخول (على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد) أبو بكر (الناس جلوسًا) أي جالسين (ببابه) أي عند بابه صلى الله عليه وسلم. وجملة قوله: (لم يؤذن لأحد منهم) في الدخول على رسول الله صلى الله عليه وسلم صفة لجلوسا أي وجدهم جالسين غير مأذون لأحد منهم في الدخول عليه صلى الله عليه وسلم (قال) جابر: (فأذن لأبي بكر) في الدخول (فدخل) أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم أقبل) أي جاء (عمر فاستأذن) في الدخول (فأذن له) في الدخول فدخل (فوجد) عمر (النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا حوله نساؤه) محدقات به صلى الله عليه وسلم (واجمًا) أي حزينًا مطرقًا رأسه إطراق المغضب (ساكتًا) عن الكلام معهن، قال علي القاري: لعل هذا الدخول قبل نزول الحجاب ولكن يرده ما حققه الحافظ في الفتح من أن التخيير كان سنة تسع بعد نزول الحجاب، وأما دخول أبي بكر وعمر على أمهات
قَال: فَقَال: لأَقُولَنَّ شَيئًا أُضْحِكُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! لَوْ رَأَيتَ بِنْتَ خَارِجَةَ! سَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ فَقُمْتُ إِلَيهَا فَوَجَأتُ عُنُقَهَا
ــ
المؤمنين فلا يلزم منه رفع الحجاب، ويحتمل أن تكون مرتديات ولعل مسارعتهن إلى الحجاب كان هو السبب في تأخير الإذن بدخولهما والله سبحانه وتعالى أعلم. وقوله:(واجمًا) يقال: وجم الرجل يجم من باب وعد وجومًا إذا أسكته الهم وعلته الكآبة فهو واجم أي مهموم اهـ مجمع البحار.
(قال) جابر: (فقال) أبو بكر في نفسه، ووهم الشيخ علي القاري فجعل قائل هذه المقالة عمر، وسيأتي الرد عليه قريبًا، والله (لأقولن شيئًا) من المقالة (أُضحك) بها (النبي صلى الله عليه وسلم بضم الهمزة وكسر المهملة مضارع مسند إلى المتكلم من أضحك الرباعي، وفي بعض النسخ (يُضحك النبي صلى الله عليه وسلم قال النووي: فيه استحباب مثل هذا وأن الإنسان إذا رأى صاحبه مهمومًا حزينًا يستحب له أن يحدثه بما يُضحكه أو يشغله ويطيب نفسه اهـ، وعن علي رضي الله عنه أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُسرّ الرجل من أصحابه إذا رآه مغمومًا بالمداعبة كذا في المرقاة لعلي القاري (فقال) أبو بكر: (يا رسول الله لو رأيت) زوجتي (بنت خارجة) وفي رواية أحمد [3/ 328](بنت زيد) وهي امرأة أبي بكر رضي الله عنه اسمها حبيبة بنت خارجة بن زيد أو بنت زيد بن خارجة كما في الإصابة [4/ 261]. فنُسبت في بعض الروايات إلى أبيها، وفي بعضها إلى جدها ومن هنا يتبين أن قائل هذا القول هو أبو بكر رضي الله عنه لا عمر، ووقع في رواية عبد الملك وأبي عامر وابن لهيعة عند أحمد [3/ 328 و 342]، التصريح بأن قائله عمر، وصرح علي القاري في المرقاة أيضًا بنسبة هذا القول إلى عمر، والظاهر أن كل ذلك وهم لأني لم أجد في أزواج عمر رضي الله عنه من تُسمى بنت خارجة أو بنت زيد، وإنما أزواجه زينب بنت مظعون ومليكة بنت جرول وجميلة بنت عاصم وأم كلثوم بنت علي كما في المعارف لابن قتيبة وتهذيب الأسماء للنووي، وبنت خارجة أو بنت زيد إنما كانت زوجة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ويدل على أن قائله أبو بكر أنه بادر إلى القيام إلى عائشة لِوَجْئِ عنقها وضربه قبل أن يقوم عمر كما هو مصرح في الحديث، ويظهر من كلام النووي أنه جعل هذا القول لأبي بكر دون عمر لأنه قال: وفيه فضيلة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، أي لو رأيت يا رسول الله زوجتي بنت خارجة حين (سألتني النفقة) الكثيرة (فقمت إليها فوجأت) أي ضربت بيدي (عنقها)
فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَال: "هُن حَوْلِي كمَا تَرَى. يَسْألْنَنِي النَّفَقَةَ. فَقَامَ أَبو بَكْرٍ إِلَى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا فَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا كِلاهُمَا يَقُولُ: تَسْأَلْنَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَيسَ عِنْدَهُ. فَقُلْنَ: وَاللهِ! لَا نَسْأَلُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَيئًا أَبدًا لَيسَ عِنْدَهُ
ــ
والعنق الرقبة وهو مذكر والحجاز تؤنث والنون مضمومة للإتباع في لغة الحجاز وساكنة في لغة تميم قاله الفيومي اهـ. فلو شرطية جوابها محذوف تقديره لرأيت أمرًا عجيبًا، ويحتمل كونها للتمني يقال: وجأ العنق يجأه من باب فتح إذا طعنه كذا في مجمع البحار، وفي المغرب الوجأ الضرب باليد، وقال الطيبي: الوجأ الضرب، والعرب تحترز عن لفظ الضرب فلذلك عدل إلى الوجإ (فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم أي تبسم، وفي رواية لأحمد فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هن) مجتمعات (حولي كما ترى يسألنني النفقة) يعني زيادة النفقة على المقدار المعتاد وإلا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعزل نفقة أهله سنة كما أخرجه الشيخان وغيرهما، قال العيني: إنهن اجتمعن عنده يومًا فقلن: نريد ما تريد النساء من الحُليّ، حتى قال بعضهن: لو كنا عند غير النبي صلى الله عليه وسلم لكان لنا شأن وثياب وحليّ، وقيل إن كل واحدة منهن طلبت شيئًا فطلبت أم سلمة معلمًا، وميمونة حلة يمانية، وزينب ثوبًا مخططًا، وأم حبيبة ثوبًا سحوليًا، وحفصة ثوبًا من ثياب مصر، وجويرية مِعْجَزًا، وسودة قطيفة خيبرية إلا عائشة رضي الله تعالى عنها فلم تطلب شيئًا كذا في تفسير الأحزاب من عمدة القاري.
(فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها) أي يضربها بيده، وفي رواية عبد الملك وغيره عند أحمد فقام أبو بكر رضي الله عنه إلى عائشة ليضربها وقام عمر إلى حفصة اهـ (فقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها كلاهما) أي كل من العمرين (يقول: تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده) صلى الله عليه وسلم من زخارف الدنيا (فقلن) جميعًا (والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد اليوم (شيئًا) من متاع الدنيا (أبدًا) أي مدة حياتنا مما (ليس عنده) صلى الله عليه وسلم، وزاد أحمد قبله (فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني نهى أبا بكر وعمر عن ضربهما وهو اللائق بمكارم أخلاقه صلى الله عليه وسلم، وهذا الفعل من أبي بكر وعمر بابنتيهما مبالغة في تأديبهما وكذلك غضب
ثُمَّ اعْتَزَلَهُنَّ شَهْرًا أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ. ثُمَّ نَزَلَتْ عَلَيهِ هذِهِ الآيَةُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} ، حَتَّى بَلَغَ، {لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28 - 29]. قَال: فَبَدَأَ بِعَائِشَةَ. فَقَال: "يَا عَائِشَةُ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَفرِضَ عَلَيكِ أَمْرًا أُحِبُّ أَنْ لَا تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَستَشِيرِي أَبوَيكِ" قَالت: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَتَلا عَلَيهَا الآيَةَ. قالتْ: أَفِيكَ، يَا رَسُولَ اللهِ! اسْتَشِيرُ أَبَوَيَّ؟ بَلْ أَختَارُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. وَأَسْألُكَ أَنْ لَا تُخبِرَ امْرَأَةَ مِنْ نِسَائِكَ بِالَّذِي قُلْتُ
ــ
رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهن وهجرانه لهن إنما كان مبالغة في تأديبهن فإنهن كن كثرن عليه وتبسطن عليه تبسطًا أي تسلطن عليه تسلطًا تعدين فيه ما يليق بالنبي صلى الله عليه وسلم من احترامه وإعظامه، وكان ذلك منهن بسبب حسن معاشرته ولين خلقه، وربما امتدت أعين بعضهن إلى شيء من متاع الدنيا كما مر آنفًا، ولذلك أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يخترهن بين إرادة الدنيا وارادة الله تعالى وما عنده فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة، ولم يكن فيهن من توقف في شيء من ذلك ولا تردد فيه لأنهن مختارات لمختار وطيبات لطيب سلام الله تعالى عليهن جمع كتع بتع بصع اهـ من المفهم.
(ثم اعتزلهن) رسول الله صلى الله عليه وسلم تأديبًا لهن أي انفرد عنهن في عليته (شهرًا) كاملًا (أو تسعًا وعشرين) ظاهره شك من الراوي، وسيأتي حديث ابن عباس أنه إنما اعتزلهن تسعًا وعشرين وهو الصحيح اهـ من المفهم (ثم نزلت عليه) صلى الله عليه وسلم (هذه الآية) الكريمة يعني قوله:(يا أبها النبي قل لأزواجك، حتى بلغ) أي إلى أنْ بلغ نزولها قوله: (للمحسنات منكن أجرًا عظيمًا، قال) جابر: (فبدأ) رسول الله صلى الله عليه وسلم في التخيير بعد نزول الآية (بعائشة) الصدّيقة رضي الله تعالى عنها (فقال) لها: (يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمرًا) هو التخيير فـ (أحب أن لا تعجلي فيه) أي في ذلك الأمر (حتى تستشيري) وتستأمري (أبويك قالت) عائشة: (وما هو) أي وما ذلك الأمر الذي تعرضه عليّ (يا رسول الله فتلا) أي فقرأ (عليها الآية) المذكورة آنفا (قالت) عائشة: (أفيك) أي أفي اختيارك واختيار الله والدار الآخرة (يا رسول الله أستشير) وأستأمر (أبوي بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة و) لكن (أسألك أن لا تخبر) يا رسول الله (امرأة) واحدة (من نسائك) وأزواجك (بـ) الأمر (الذي قلت) من اختيارك
قَال؛ "لَا تَسْألُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلَّا أَخبَرْتُها. أَنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلَا مُتَعَنِّتًا. وَلَكِنْ بَعثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا"
ــ
واختيار الله والدار الآخرة، كأنها أرادت أن تختار بعض نسائه الفراق، قال القرطبي: هو قول أخرجته غيرتها وحرصها على انفرادها بالنبي صلى الله عليه وسلم وكان عائشة رضي الله تعالى عنها توقعت أنه إذا لم يُخبر أحدًا من زوجاته يكون فيهن من يختار الدنيا فيفارقها النبي صلى الله عليه وسلم وأنهن إذا سمعن باختيارها هي له صلى الله عليه وسلم اقتدين بها فيخترنه وكذلك فعلن اهـ من المفهم، قال الحافظ: فيه أن الغيرة تحمل المرأة الكاملة الرأي والعقل على ارتكاب ما لا يليق بحالها ولكنه صلى الله عليه وسلم لما علم أن الحامل لها على ذلك ما طُبع عليه النساء من الغيرة ومحبة الاستبداد دون ضرائرها لم يسعفها بما طلبت من ذلك كذا قال في الفتح في تفسير سورة الأحزاب. قال القرطبي: ووقع للنبي صلى الله عليه وسلم أنه إن سألته واحدة منهن عن فعل عائشة فلم يخبرها كان ذلك نوعًا من العنت وادخال الضرر عليهن بسبب إخفاء ما يُسأل عنها فـ (قال) مجيبًا لها (لا تسألني امرأة منهن) عما قلت (إلا أخبرتها) به لي (أن الله) سبحانه (لم يبعثني) إلى الخلق، حالة كوني (معنتًا) بضم الميم وفتح العين وتشديد النون المكسورة؛ أي مشددًا على الناس أُمورهم وملزمًا إياهم ما يصعب عليهم (ولا) حالة كوني (متعنتًا) بضم الميم وفتح التاء الفوقية والعين المهملة وتشديد النون المكسورة؛ أي طالبًا زلاتهم وباحثًا عن هفواتهم (ولكن بعثني معلمًا) لهم أحكام دينهم (ميسرًا) عليهم أمورهم في دينهم ودنياهم، والمعنت هو الذي يوقع العنت بغيره، والعنت المشقة، والمتعنت هو الذي يحمل غيره على العمل بها، ويحتمل أن يقال المعنت هو المجبول على ذلك، والمتعنت هو الذي يتعاطى ذلك وإن لم يكن في جبلته اهـ من المفهم، وفي رواية عند أحمد (معنفًا)، والمعاني متقاربة لأن المعنت من عنته إذا شدد عليه وألزمه ما يصعب عليه أداؤه، والمتعنت من التعنيت وهو الذي يطلب زلة غيره كما في القاموس، والمعنف مأخوذ من التعنيف؛ وهو التشديد والتوبيخ، والمراد أنني لا أريد أن أشق على نسائي أو أطلب زلاتهن فلا أمسك على إخبارهن باختيارك.
وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات الست ولكن أخرجه النسائي في السنن الكبرى في عشرة النساء كما في تحفة الأشراف للمزي [2/ 297] وأخرجه أحمد أيضًا في مسند جابر 3 [/ 328 و 342].