المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌538 - (24) باب رضاعة الكبير، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الرضاعة من المجاعة - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١٦

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌534 - (20) باب تحريم امتناع المرأة على زوجها إذا أرادها ونَشْرِ أحدِهما سِرَّ الآخر وبيان حكم العزل

- ‌535 - (21) باب تحريم وطء الحامل من غيره حتى تضع وذكر الغيلة وهو وطء المرضع وكراهة العزل

- ‌ أبواب الرضاع

- ‌536 - (22) باب تحرم الرضاعة ما تحرمه الولادة وتحريمها من قبل الفحل وتحريم بنت الأخ من الرضاعة

- ‌537 - (23) باب تحريم أخت المرأة والربيبة ولا تحرم المصة والمصتان ونسخ عشر رضعات بخمس

- ‌538 - (24) باب رضاعة الكبير، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الرضاعة من المجاعة

- ‌539 - (25) باب جواز وطء المسبية بعد الاستبراء وأن الولد للفراش وقبول قول القافة في الولد

- ‌540 - (26) باب قدر المقام عند البكر أو الثيب والقسم بين الزوجات وجواز هبة المرأة نوبتها لضرتها

- ‌541 - (27) باب الحث على نكاح ذات الدين ونكاح البكر

- ‌542 - (28) باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة ومداراة النساء وخيانتهن الأزواج

- ‌فائدة في الصفات المطلوبة في الزوجة

- ‌ كتاب الطلاق

- ‌543 - (29) باب في طلاق السنة

- ‌544 - (30) باب إمضاء الطلاق الثلاث ووجوب الكفارة في تحريم ما أحل الله له من امرأة وغيرها ولم يقصد طلاقها

- ‌545 - (31) باب بيان أن تخيير الرجل امرأته لا يكون طلاقًا لا بالنية

- ‌تتمة ذكر من اختارت نفسها

- ‌546 - (32) باب إيلاء الرجل من نسائه وتأديبهن باعتزالهن مدة

- ‌فائدتان

- ‌547 - (33) باب المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها ولا سكنى

- ‌مسألة النفقة والسكنى للمبتوتة

- ‌548 - (34) باب جواز خروج المعتدة في النهار لقضاء حاجتها وانقضاء العدة بوضع الحمل

- ‌549 - (35) باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة وتحريمه في غير ذلك فوق ثلاثة أيام

- ‌ أبواب اللعان

- ‌550 - (36) باب بيان سببه

- ‌551 - (37) باب بيان كيفية اللعان ووعظ المتلاعنين

- ‌552 - (38) باب ما يتبع اللعان من الأحكام إذا كمل من التفريق وإلحاق الولد بالمرأة

- ‌553 - (39) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في اللعان بقوله: اللهم افتح، وبيان أول من لاعن وقول النبي صلى الله عليه وسلم: لو رجمت أحدًا بغير بينة لرجمت هذه

- ‌554 - (40) باب إذا وجد رجل على امرأته رجلًا لا يقتله بل يشهد عليه أربعة شهداء إن أمكن وإلا لاعن

- ‌555 - (41) باب لا ينتفي الولد بمخالفة لون أبيه

- ‌ أبواب العتق

- ‌556 - (42) باب فيمن أعتق شركًا له في عبد وذكر الاستسعاء

- ‌557 - (43) باب إنما الولاء لمن أعتق

- ‌558 - (44) باب كان في بريرة ثلاث سنن

- ‌559 - (45) باب النهي عن بيع الولاء وعن هبته وإثم من تولى غير مواليه

- ‌560 - (46) باب ما جاء في فضل عتق الرقبة المؤمنة وفي عتق الوالد

الفصل: ‌538 - (24) باب رضاعة الكبير، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الرضاعة من المجاعة

‌538 - (24) باب رضاعة الكبير، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الرضاعة من المجاعة

"

3480 -

(1379)(139) حدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالت: جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيلٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أَرَى فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ

ــ

538 -

(24) باب رضاعة الكبير، وقوله صلى الله عليه وسلم:"إنما الرضاعة من المجاعة"

3480 -

(1379)(139)(حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني (عن أبيه) القاسم بن محمد التيمي (عن) عمته (عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد إما بغدادي أو مكي (قالت) عائشة: (جاءت سهلة بنت سهيل) بن عمرو القرشية العامرية زوجة أبي حذيفة رضي الله عنهما أسلمت مع زوجها وهاجرت معه إلى الحبشة وهي التي ذكرتها عائشة في حديثها عند أبي داود أن سهلة بنت سهيل استحيضت فأتت النبي صلى الله عليه وسلم الخ (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني أرى في وجه أبي حذيفة) قيل: اسمه مهشم، وقيل: هشيم، وقيل: هاشم، وقيل: قيس مشهور بكنيته أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي، كان من السابقين إلى الإسلام، وهاجر الهجرتين وصلى إلى القبلتين، قال ابن إسحاق: أسلم بعد ثلاثة وأربعين إنسانًا وكان ممن شهد بدرًا وكان طوالًا حسن الوجه، استشهد يوم اليمامة وهو ابن ست وخمسين سنة (56) اهـ من الإصابة، أي أرى في وجه أبي حذيفة كراهية أي أثرها وهي العبوسة (من دخول سالم) بن معقل علينا، وكان مولى لامرأة من الأنصار، يقال لها فاطمة بنت يعار أعتقته سائبة فوالى أبا حذيفة ولازمه كما في الإصابة وتبناه وأنكحه ابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة كما في أبي داود وهو أحد السابقين الأولين، وكان سالم يؤم الأنصار والمهاجرين في مسجد قباء، وكان من أكثر الصحابة قرآنًا وقوله

ص: 81

(وَهُوَ حَلِيفُهُ). فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَرْضِعِيهِ" قَالت: وَكَيفَ أُرْضِعُهُ؟ وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ. فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَال: "قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ".

زَادَ عَمْرٌو فِي حَدِيثِهِ: وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ: فَضحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

ــ

(وهو) أي سالم (حليفه) أي حليف أبي حذيفة كلام مدرج من بعض الراوة في كلام سهلة ليس من كلامها، والمراد بالحليف مولى الموالاة لا مولى العتق، ولوقيل وهو دعيه لكان أوفق وأوضح.

أي قالت سهلة: إني أرى في وجه أبي حذيفة شيئًا من الكراهة من دخول سالم علينا أي من أجل دخوله عليّ، وكان سالم وهو كما في أسد الغابة سالم بن عبيد بن ربيعة خلافًا لما مر آنفًا، قد تبناه أبو حذيفة على عادة العرب كما تبنى النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ونشأ في حجر أبي حذيفة وزوجته نشأة الابن، وكان أبو حذيفة يرى أنه ابنه فلما أنزل الله تعالى قوله:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} بطل حكم التبني وبقي سالم على دخوله على سهلة بحكم الصغر، فلما بلغ مبلغ الرجال وجد أبو حذيفة وزوجته في نفوسهما كراهية دخوله وشق عليهما أن يمنعاه الدخول لسابق الألفة، وكان معروفًا بين الأصحاب بسالم مولى أبي حذيفة فسألت سهلة رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) لها (النبي صلى الله عليه وسلم: أرضعيه) ليكون لك ابن الرضاع، قال القاضي: لعلها حلبته ثم شرب من غير أن يمس ثديها ولا التقت بشرتاهما وهذا الذي قاله القاضي كلام حسن، ويحتمل أنه عُفي عن مسه للحاجة كما خُص بالرضاعة مع الكبر والله أعلم كذا في شرح النووي، وقال ابن الهمام: ثم كيف جاز أن يباشر عورتها بشفتيه، فلعل المراد أن تحلب له شيئًا من مقداره خمس رضعات فيشربه وإلا فهو مشكل (قالت) سهلة:(وكيف أرضعه) يا رسول الله (وهو رجل كبير، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد علمت) بضم التاء (أنه رجل كبير، زاد عمرو) الناقد (في حديثه) أي في روايته (وكان) سالم (قد شهد بدرًا) وهذا تتميم لبيان كبره، وسيأتي رواية أنه ذو لحية (وفي رواية ابن أبي عمر فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولها بدل قول عمرو فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد صرح بالتأويل المذكور آنفًا في رواية أخرجها ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر (يعني

ص: 82

3481 -

(00)(00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنِ الثَّقَفِيِّ. قَال ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدَّثَنَا عَبدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيفَةَ كَانَ مَعَ أَبِي حُذَيفَةَ وَأَهْلِهِ فِي بَيتِهِمْ. فَأَتَتْ (تَعْنِي ابْنَةَ سُهَيلٍ) النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم

ــ

الواقدي) حدثنا محمد بن عبد الله بن أخي الزهري عن أبيه قال: كان يحلب في مسعط أو إناء قدر رضعة فيشربه سالم كل يوم خمسة أيام، وكان بعد يدخل عليها وهي حاسر رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لسهلة بنت سهيل كذا في الطبقات الكبرى لابن سعد [8 - 271] فهذه الرواية بأنها حلبت له ولم ترضعه من ثديها (والمِسعَط) بكسر الميم وفتح العين (والمُسعُط) -بضم الميم والعين- ما يُجعل فيه المائع ويُصب منه في الأنف كما في القاموس، قوله: (فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لعله تبسم على زعمها أنها أمرت بإرضاع سالم من ثديها مع أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن تحلب له فيشرب منه وإنها فهمت ذلك من تبسمه أو بتصريحه عليه السلام بعد ذلك ولم يذكره الرواة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 38 و 39] والنسائي [6/ 104 و 105]، وابن ماجه [1943].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:

3481 -

(00)(00)(وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (ومحمد بن أبي عمر) المكي (جميعًا عن) عبد الوهاب بن عبد المجيد (الثقفي، قال ابن أبي عمر) في روايته (حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب) السختياني (عن) عبد الله بن عبيد الله (ابن أبي مليكة) زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي المكي، ثقة، من (3)(عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق (عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ابن أبي مليكة لعبد الرحمن بن القاسم (أن سالمًا) ابن معقل أو ابن عبيد بن ربيعة (مولى أبي حذيفة) يعني مولى المناصرة لا مولى العتق لأنه كان عتيقًا لامرأة من الأنصار يقال لها فاطمة بنت يعار أعتقته سائبة (كان مع أبي حذيفة وأهله) أي زوجته ونشأ (في بيتهم) نشأة الابن (فأتت) امرأته (تعني) عائشة بها سهلة (ابنة سهيل النبي صلى الله عليه وسلم وفي بعض النسخ يعني بنت سهيل، وفي بعضها تعني

ص: 83

فَقَالت: إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ. وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا. وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَينَا. وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيفَةَ مِنْ ذلِكَ شَيئًا. فَقَال لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيهِ، وَيَذْهَبِ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيفَةَ" فَرَجَعَتْ فَقَالتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ، فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيفَةَ.

3482 -

(00)(00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. (وَاللَّفْظُ لِابْنِ رَافِعٍ) قَال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيكَةَ؛ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيلِ بْنِ عَمْرٍو

ــ

سهلة بنت سهيل وكأن القاسم نسي ما سمت به عائشة سهلة بنت سهيل فلم ينسب إليها الاسم، وإنما قال: تعني وهذا احتياط منه رحمه الله تعالى (فقالت) له صلى الله عليه وسلم: (إن سالمًا) ابن عبيد (قد بلغ ما يبلغ الرجال) من الكبر والبلوغ (وعقل) أي عرف (ما عقلوا) أي ما عرفوا من عورات المرأة (وإنه يدخل علينا) وأنا مبتذلة (وإني أظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك) أي من دخوله علينا (شيئًا) من الكراهية فدلني إلى ما يحل هذه المشكلة (فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أرضعيه تحرمي عليه) أي تصيري حرامًا عليه بذلك اللبن (ويذهب) بسببه (الذي في نفس أبي حذيفة) من الغيرة يعني أنه إذا علم أبو حذيفة أنه قد حكم بحكم ذوي المحارم لم يبق له كراهة ولا نفرة تغير وجهه وكذلك كان اهـ من المفهم (فرجعت) ثانيًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقالت) له: (إني قد أرضعته فدهب الدي في نفس أبي حذيفة) من الغيرة، قال القاضي عياض: والمعتبر في الرضاع وصول اللبن إلى الجوف ولو بصبه في الحلق، ولعل رضاع سالم كان هكذا إذ لا تجوز رؤية الثدي ولا مسه ببعض الأعضاء اهـ من الأبي.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا فقال:

3482 -

(00)(00)(وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (ومحمد بن رافع) القشيري (واللفظ لابن رافع قال: حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا ابن جريج أخبرنا ابن أبي مليكة أن القاسم بن محمد بن أبي بكر) الصديق (أخبره) أي أخبر لابن أبي مليكة (أن عائشة أخبرته) أي أخبرت للقاسم. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ابن جريج لأيوب السختياني (أن سهلة بنت سهيل بن عمرو) القرشية

ص: 84

جَاءَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ سَالِمًا (لِسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيفَةَ) مَعَنَا فِي بَيتِنَا. وَقَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ وَعَلِمَ مَا يَعْلَمُ الرِّجَالُ. قَال: "أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيهِ". قَال: فَمَكَثْتُ سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا لَا أُحَدِّثُ بِهِ وَهِبْتُهُ. ثُمَّ لَقِيتُ الْقَاسِمَ فَقُلْتُ لَهُ: لَقَدْ حَدَّثْتَنِي حَدِيثًا مَا حَدَّثْتُهُ بَعْدُ. قَال: فَمَا هُوَ؟ فَأَخْبَرْتُهُ. قَال: فَحَدِّثْهُ عَنِّي؛ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْنِيهِ

ــ

العامرية (جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن سالمًا) تريد (لسالم) بن عبيد بن ربيعة (مولى أبي حذيفة) كان (معنا في بيتنا وقد بلغ ما يبلغ الرجال) من الكبر والبلوغ (وعلم ما يعلم الرجال) من عورات النساء (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرضعيه تحرمي عليه) أي تصيري حرامًا بسبب كونك أم رضاع له، قال ابن جريج:(قال) لنا ابن أبي مليكة: (فمكثت) أي جلست (سنة) كاملة (أو) زمنًا (قريبًا منها) أي من السنة حالة كوني (لا أحدّث به) أي بهذا الحديث للناس (وهبته) -بكسر الهاء وسكون الموحدة وضم التاء معطوف على مكثت -أي خفت من تحديثه للناس من الهيبة وهي الإجلال، والواو عاطفة، وفي بعض النسخ: رهبته من الرهب وهو الخوف، وبابه تعب فالهاء مكسورة أيضًا، والمعنى أني لم أحدّث به مدة مخافة أن يغتر به الجهال، وذكر الشارح ضبط القاضي عياض إياه بإسكان الهاء على أنه مصدر منصوب بإسقاط الجار فيكون التقدير لا أُحدّث به أحدًا للرهبة لمخالفته قاعدة الرضاع فإن الله تعالى قد قال:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَينِ كَامِلَينِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] فهذه أقصى مدة الرضاع المحتاج إليه عادة المعتبر شرعًا فما زاد عليه بمدة مؤثرة غير محتاج إليه عادة فلا يُعتبر شرعًا لأنه نادر، والنادر لا يحكم له بحكم المعتاد اهـ من المفهم.

قال ابن أبي مليكة: (ثم) بعد مضي سنة كاملة أو قريب منها (لقيت القاسم) بن محمد، معطوف على قوله: فمكثت فهو من مقول ابن أبي مليكة أيضًا (فقلت له) أي للقاسم، معطوف على لقيت (لقد حدثتني) يا قاسم (حديثًا ما حدّثته) لأحد من الناس (بعد) أي الآن (قال) القاسم:(فما هو) أي فما ذلك الحديث، قال ابن أبي مليكة:(فأخبرته) أي فأخبرت ذلك الحديث للقاسم بن محمد فـ (قال) لي القاسم: (فحدّثه) أي فحدّث ذلك الحديث (عنِّي أن عائشة) رضي الله عنها (أخبرتنيه) أي أخبرتني هذا

ص: 85

3483 -

(00)(00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ زَينَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ. قَالتْ: قَالتْ أُمُّ سَلَمَةَ لِعَائِشَةَ: إِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيكِ الْغُلامُ الأَيفَعُ الَّذِي مَا أُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ. قَال: فَقَالتْ عَائِشَةُ:

ــ

الحديث، وهذه الرواية انفرد بها الإمام مسلم رحمه الله تعالى.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثالثًا فقال:

3483 -

(00)(00)(وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة عن حميد بن نافع) الأنصاري أبي أفلح المدني، روى عن زينب بنت أم سلمة في النكاح والطلاق، وعن أبي أيوب الأنصاري وابن عمر، ويروي عنه (ع) وشعبة وبكير بن الأشج وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ويحيى بن سعيد الأنصاري وأيوب بن موسى، وثقه النسائي، وقال في التقريب: ويقال له حميد صَفِيرا، وهو ثقة، من الثالثة (عن زينب بنت أم سلمة) المخزومية المدنية الصحابية رضي الله عنها (قالت) زينب:(قالت) والدتي (أم سلمة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها (لعائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها (إنه) أي إن الشأن والحال (يدخل عليك) يا عائشة (الغلام الأيفع) أي الولد الذي قارب البلوغ ولم يبلغ، وجمعه أيفاع اهـ نووي، يقال: أيفع الغلام ويفع كمنع إذا شارف الاحتلام فهو يافع وهو من نوادر الأبنية كما في التهذيب ومجمع البحار واختاره النووي وفسره في القاموس بمن راهق العشرين، وعلى التفسير الأول دل الحديث على أن الغلام المراهق مثل البالغ في أحكام الحجاب اهـ وهذا الذي ذكره النووي هو معنى اليافع أو اليفع بفتحتين ولعل ما هنا محرفة يقال: غلام يافع ويفع، ويقال أيضًا غلام يفعة، ومن قال يافع أو يفع ثنَّى وجمع فقال: غلمان يفعة وأيفاع، ومن قال يفعة لم يئن ولم يجمع فقال غلام يفعة وغلمان يفعة فهو بلفظ واحد يكون للمفرد والمثنى والجمع كما يظهر بالمراجعة إلى الأبي وغيره، والأيفع لا يجمع على أيفاع أيضًا اهـ من بعض الهوامش.

وقوله: (الذي ما أُحب) أي لا أحب أنا (أن يدخل عليّ) ذلك الغلام، صفة ثانية للغلام (قال) حميد بن نافع أو قال الراوي الذي هو زينب (فقالت) لها (عائشة) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة زينب بنت أم سلمة للقاسم بن

ص: 86

أَمَا لَكِ فِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ؟ قَالت: إِنَّ امْرَأَةَ أَبِي حُذَيفَةَ قَالت: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ سَالِمًا يَدْخُلُ عَلَيَّ وَهُوَ رَجُلٌ. وَفِي نَفْسِ أَبِي حُذَيفَةَ مِنْهُ شَيءٌ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَرْضِعِيهِ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيكِ"

ــ

محمد (أما لك) يا أم سلمة (في رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسوة حسنة) أي قدوة حسنة، والأسوة بضم الهمزة وكسرها بمعنى القدوة بتثليث القاف، ثم (قالت) عائشة:(إن امرأة أبي حذيفة) سهلة بنت سهيل (قالت: يا رسول الله إن سالمًا) ابن عبيد كان (يدخل عليّ وهو) أي والحال أن سالمًا (رجل) أي ذكر بالغ (وفي نفس أبي حذيفة منه) أي من دخوله عليّ (شيء) من الكراهية (فقال) لها (رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرضعيه حتى) يصير لك ابن الرضاع فـ (يدخل عليك) واستدلت بهذا الحديث عائشة رضي الله عنها كما هو المعروف عنها على أن الإرضاع محرّم ولو كان الرجل رضع من امرأة في كبره وهو مذهب ابن حزم فإنه قال في المحلى: (رضاع الكبير محرم ولو أنه شيخ كما يحرم رضاع الصغير ولا فرق بينهما) ونسبه النووي وغيره إلى داود الظاهري، ولكن رده الحافظ في الفتح وروى عبد الرزاق هذا المذهب عن عطاء ونقله الطبري عن حفصة وعبد الله بن الزبير والقاسم بن محمد وعروة وحكاه ابن عبد البر عن الليث بن سعد كما في فتح الباري [9/ 128]. قال القرطبي: وهذا مذهب عائشة ومن وافقها رضي الله عنها، وأما مذهب سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خلا عائشة أن ذلك خاص بسالم وأن ذلك لا يتعداه لما اقترن بذلك من القرائن التي ذكرناها ولما يعارضه مما يأتي ذكره، وإلى مذهبهن في ذلك صار جمهور السلف والخلف من الفقهاء وغيرهم وحملوا الحديث على الخصوص ورأوا أن رضاعة الكبير للأجنبية لا تجوز وإن وقعت لم يلزم بها حكم لا في النكاح ولا في الحجاب ما خلا داود فإنه قال: يرفع تحريم الحجاب لا غير تمسكًا بحديث سالم، وقد استدل للجمهور على الخصوصية بأن ذلك مخالف للقواعد منها قاعدة الرضاع فإن الله تعالى قد قال:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَينِ كَامِلَينِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} فهذه أقصى مدة الرضاع المحتاج إليه عادة المعتبر شرعًا فما زاد عليه بمدة مؤثرة غير محتاج إليه عادة فلا يعتبر شرعًا لأنه نادر والنادر لا يُحكم له بحكم المعتاد، ومنها قاعدة تحريم الاطلاع على العورة فإنه لا يُختلف في أن ثدي

ص: 87

3484 -

(00)(00) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. (وَاللَّفْظُ لِهَارُونَ) قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيرٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: سَمِعْتُ حُمَيدَ بْنَ نَافِعٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ زَينَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تقُولُ لِعَائِشَةَ: وَاللهِ! مَا تَطِيبُ نَفْسِي أَنْ يَرَانِي الْغُلامُ قَدِ اسْتَغْنَى عَنِ الرَّضَاعَةِ. فَقَالتْ: لِمَ؟

ــ

الحرة عورة وأنه لا يجوز الاطلاع عليه لا يقال: يمكن أن يرضع ولا يطلع لأنا نقول نفس التقام حلمة الثدي بالفم اطلاع فلا يجوز، ومنها أنه مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم:"إنما الرضاعة من المجاعة" كما سيأتي قريبًا وهذا منه صلى الله عليه وسلم تقعيد قاعدة كلية تصرح بأن الرضاعة المعتبرة في التحريم إنما هي في الزمان الذي تغني فيه عن الطعام وذلك إنما يكون في الحولين وما قاربهما وهو الأيام اليسيرة بعد الحولين عند مالك، وقد اضطرب أصحابه في تحديدها فالمكثر يقول شهر وكأن مالكًا يشير إلى أنه لا يفطم الصبي في دفعة واحدة في يوم واحد بل في أيام وعلى تدريج فتلك الأيام يحاول فيها فطامه حكمها حكم الحولين لقضاء العادة بمعاودة الرضاع فيها، وقد أطلق بعض الأئمة على حديث سالم أنه منسوخ وأنه سمى التخصيص نسخًا والا فحقيقة النسخ لم تحصل هنا على ما يعرف في الأصول اهـ من المفهم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

3484 -

(00)(00)(وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عَمْرو بن سرح الأموي المصري (وهارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) المصري (واللفظ لهارون قالا: حدثنا) عبد الله (بن وهب أخبرني مخرمة بن بكير) بن عبد الله بن الأشج المخزومي مولاهم أبو عبد الله المدني ثم المصري (عن أبيه) بكير بن عبد الله المخزومي المصري، ثقة، من (5)(قال) بكير بن عبد الله (سمعت حميد بن نافع) الأنصاري المدني، ثقة، من (3) حالة كونه (يقول: سمعت زينب بنت أبي سلمة) المخزومية (تقول: سمعت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول لعائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها (والله ما تطيب نفسي) أي ما تحب نفسي (أن يراني الغلام) الذي (قد استغنى عن الرضاعة) هذه الجملة صلة لموصول محذوف كان صفة للغلام كما قدرناه (فقالت) عائشة لأم سلمة: (لِمَ) بكسر اللام الجارة وفتح الميم الاستفهامية التي حذف ألفها فرقًا بينها وبين الموصولة أي

ص: 88

قَدْ جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيلٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالت: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي لأَرَى فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ. قَالتْ: فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَرْضِعِيهِ" فَقَالتْ: إِنَّهُ ذو لِحْيَةٍ. فَقَال: "أَرْضِعِيهِ يَذْهَبْ مَا فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيفَةَ".

فَقَالتْ: وَاللهِ! مَا عَرَفْتُهُ فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيفَةَ.

3485 -

(1380)(140) حدّثني عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي أَبِي،

ــ

لِمَ تقول ذلك تعني قولها: والله ما تطيب نفسي أن يراني الغلام إلخ. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة بكير بن عبد الله لشعبة بن الحجاج أي لِمَ تقول ذلك فإنه لا بأس فيه إذا أرضعتيه لأنه (قد جاءت سهلة بنت سهيل) زوجة أبي حذيفة (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني لأرى) وأبصر (في وجه أبي حذيفة) شيئًا من الكراهة والغضب (من دخول سالم) بن عبيد عليّ على عادته في الصغر بعدما بلغ مبلغ الرجال (قالت) عائشة: (فقال) لها (رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرضعيه) ليصير ابنًا لك من الرضاع (فقالت) له صلى الله عليه وسلم سهلة: كيف أرضعه يا رسول الله (إنه) أي إن سالمًا رجل كبير (ذو لحية) قال الحافظ في الفتح: وهذا يشعر بأنها كانت تعرف أن الصغر معتبر في الرضاع المحرم فلا يصح قول من أجاب عَنْ حديث الباب بأن رضاع الكبير كان محرمًا حينئذٍ ثم نسخ هذا الحكم اهـ لكن ليس في هذا اللفظ ما يرد القول بالنسخ لأن قولها إنه ذو لحية يمكن أن يكون منشؤه الحياء والاستعجاب من فعل الرضاع لا إنكار كونه محرمًا والله أعلم (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرضعيه يذهب ما في وجه أبي حديفة) من أثر الكراهة فأرضعته فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقالت) أي سهلة (والله ما عرفته) أي ما عرفت أثر الكراهة (في وجه أبي حذيفة) بعدما أرضعته.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث أم سلمة رضي الله عنهما فقال:

3485 -

(1380)(140)(حدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد الفهمي المصري، ثقة، من (11)(حدثني أبي) شعيب بن الليث الفهمي المصري، ثقة، من

ص: 89

عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّهُ قَال: أَخبَرَنِي أَبُو عُبَيدَةَ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ؛ أن أُمَّهُ زَينَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ أُمَّهَا أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ تَقُولُ: أَبَى سَائِرُ أَزوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيهِنَّ أَحَدًا بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ. وَقلْنَ لِعَائِشَةَ: مَا نَرَى هذَا إِلَّا رُخْصَةً أَرْخَصَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِسَالِمٍ خَاصَّةً. فَمَا هُوَ بِدَاخِلٍ عَلَينَا أَحَدٌ بِهذِهِ الرَّضَاعَةِ. وَلَا رَائِينَا

ــ

(10)

(عن جدي) ليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم أبي الحارث المصري، ثقة، من (7)(حدثني عقيل) مصغرًا (بن خالد) بن عقيل مكبرًا، الأموي مولاهم أبو خالد الشامي ثم المصري، ثقة، من (6) (عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني أبو عبيدة) اسمه كنيته، قال أبو زرعة: لا أعرف أحدًا سماه (بن عبد الله بن زمعة) بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي المدني، روى عن أمه زينب بنت أبي سلمة في النكاح، وأبيه عبد الله بن زمعة وجدته أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، ويروي عنه (م د س ق) والزهري في النكاح، وموسى بن يعقوب وغيرهم. له عند مسلم حديث عن أمه زينب عن أمها أم سلمة في الرضاعة، مقبول، من الثالثة، وأبوه عبد الله صحابي (أن أمه زينب بنت أبي سلمة) المخزومية تزوجها عبد الله بن زمعة فولدته له (أخبرته أن أمها أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول): وهذا السند من ثمانياته أربعة منهم مدنيون وأربعة مصريون (أبى) وامتنع (سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أي جميعهن (أن يدخلن عليهن أحدًا) من الرجال الأجانب (بتلك الرضاعة) التي وقعت في حالة الكبر (وقلن) كلهن (لعائشة ما نرى هذا) الرضاع الواقع في حالة الكبر (إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة) يعني أنهن كلهن خالفن الصدّيقة في هذه المسألة، وقلن (فما هو) أي الشأن والحال (بداخل علينا أحد) من الرجال بالرفع فاعل لداخل سد مسد خبره وهو وصف وقع مبتدأ، وجملته خبر لضمير الشأن والتقدير فما الشأن داخل علينا أحد (بهذه الرضاعة) التي وقعت بعد الكبر، قال القاضي عياض: أحد مرفوع على البدل من هو على مذهب البصريين، ويصح أن يكون فاعلًا بداخل على مذهب الكوفيين وهو ضمير أمر وشأن اهـ، وقوله:(ولا رائينا) معطوف على قوله بداخل وهو اسم فاعل من رأى البصرية أي

ص: 90

3486 -

(1381)(141) حدَّثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ. حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ. قَال: قَالتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدِي رَجُلٌ قَاعِدٌ. فَاشْتَدَّ

ــ

وما أحد بناظر إلينا بهذه الرضاعة يعني أنهن كلهن خالفن الصدّيقة في هذه المسألة وأبين أن يدخل عليهن أحد بمثل رضاعة سالم مولى أبي حذيفة اهـ من بعض الهوامش. واستنبط الحافظ من قصة سالم جواز الإرشاد إلى الحيل وهو استنباط جيد، وقال ابن الرفعة: يؤخذ منه جواز تعاطي ما يحصل الحِلّ في المستقبل وإن كان ليس حلالًا في الحال كما ذكره في الفتح [9/ 129] قبيل باب لبن الفحل، لكن في هذا الاستدلال نظر أما أولًا فلأنه لم يثبت أن سهلة أرضعت سالمًا من ثديها بل ثبت خلافه كما قدمنا أنها حلبت له في مسعط فشرب منه فكيف يصح أن يقال إنها لم تحتجب منه عند الإرضاع، وأما ثانيًا فلأنه لو ثبت عدم احتجابها منه كان ذلك خصوصية لسالم أيضًا وإلا فلا يحل للمرأة أن تسفر أمام والد زوجها إلا إذا حدث بينهما نكاح أما قبل النكاح فلا اهـ من التكملة. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى للجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

3486 -

(1381)(141)(حدثنا هناد بن السري) بن مصعب التميمي الكوفي، ثقة، من (10)(حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي، ثقة، من (7)(عن أشعث بن أبي الشعئاء) سليم بن الأسود المحاربي الكوفي، ثقة، من (6)(عن أبيه) سليم بن الأسود بن حنظلة المحاربي الكوفي، ثقة، من (3)(عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (قال) مسروق:(قالت عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا عائشة رضي الله تعالى عنها (دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي (وعندي رجل قاعد) أي جالس جنبي، قال الحافظ: لم أقف على اسمه، وأظنه ابنًا لأبي القعيس، وغلط من قال عبد الله بن يزيد رضيع عائشة لأن عبد الله هذا تابعي باتفاق الأئمة، وكأن أمه التي أرضعت عائشة عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم فولدته فلهذا قيل له رضيع عائشة كذا في فتح الباري [9/ 167] في باب لا رضاع بعد الحولين اهـ (فاشتد) أي شق

ص: 91

ذلِكَ عَلَيهِ. وَرَأَيتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ. قَالتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ. قَالتْ: فَقَال: "انْظُرْنَ إِخْوَتَكُنَّ مِنَ الرَّضَاعَةِ. فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ"

ــ

(ذلك) أي قعود الرجل الأجنبي عندها (عليه) صلى الله عليه وسلم (و) غضب حتى (رأيت الغضب) أي أثره من تغير اللون (في وجهه) صلى الله عليه وسلم (قالت) عائشة: (فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله إنه) أي إن هذا الرجل القاعد عندي (أخي من الرضاعة قالت) عائشة: (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انظرن) أي فكرن وتأملن أيها الأزواج (إخوتكن) أي سبب ما حصلت به الأخوة بينكن وبينهم (من الرضاعة) هل هو رضاع صحيح بشرطه من وقوعه في مدة الرضاعة أم لا؟ وقال المهلب: انظرن ما سبب هذه الأخوة هل هو صحيح أم لا؟ (فإنما الرضاعة) المؤثرة في التحريم هي التي وقعت في زمن الصغر حتى تسد (من) الرضيع وتدفع عنه (المجاعة) والصواب عن المجاعة كما في بعض النسخ ليصح كلامه في المتابعة، والفاء في قوله فإنما لتعليل الأمر بالنظر والتأمل، والمجاعة مفعلة من الجوع يعني أن الرضاعة التي تثبت بها الحرمة وتحل بها الخلوة هي التي وقعت حيث كان الرضيع طفلًا يسد اللبن جوعته ولا يحتاج إلى طعام آخر والكبير لا يسد جوعته إلا الخبز فليس كل مرتضع لبن امرأة أخًا لولدها بل شرطه أن يكون من المجاعة بأن يكون الرضيع طفلًا يسد اللبن جوعته لأن معدته ضعيفة يكفيها اللبن وينبت لحمه بذلك فيصير كجزء من المرضعة فيكون كسائر أولادها. هذا ملخص كلام العيني في الشهادات وفي الرضاع.

واستدل بهذا الحديث الجمهور على أن الرضاع المعتبر في حرمة النكاح لا بد أن يكون في الصغر، والمعنى أن الرضاعة المحرمة ما كان سببها الجوع، ومعلوم أن الكبير لا يرتضع لبن المرأة بسبب الجوع لأنه ليس مما يسد جوع الكبير ولا مما يشتهي إليه الرجل لسده، ولئن شربه في حالة الاضطرار شربه بالأنفة والكراهية بخلاف الطفل فإنه يرتضع لبن المرأة بسبب الجوع، ويشتهي إليه كلما جاع ولا يسد جوعته غيره، ولئن كان كل رضاع محرمًا سواء كان في الصغر أو الكبر فلماذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله تعالى عنها بالنظر والتأمل في أمر الرضاع وإن أمره هذا يدل على أن من الرضاع ما هو غير محرم وهو ما ليس سببه المجاعة.

وفي غضبه صلى الله عليه وسلم تأديب لعائشة وقد كان صلى الله عليه وسلم أخذ

ص: 92

3487 -

(00)(00) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا حُسَينٌ الْجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ. كُلُّهُمْ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ. بِإِسْنَادِ أَبِي الأَحْوَصِ. كَمَعْنَى حَدِيثِهِ. غَيرَ أَنَّهُمْ قَالُوا:"مِنَ الْمَجَاعَةِ"

ــ

على النساء أن لا يوطئن فرشهن أحدًا يكرهه الزوج ولذلك بادرت بالعذر فقالت: إنه أخي من الرضاعة. وقوله: (انظرن) الخ يعني تحققن صحة الرضاعة ووقتها فإنها إنما تنشر الحرمة إذا وقعت على شرطها وفي وقتها كما ذكرناه آنفًا. وقوله: (فإنما الرضاعة) الخ إنما للحصر فكأنه قال: لا رضاعة معتبرة إلا المغنية عن المجاعة أو المطعمة من المجاعة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5102]، وأبو داود [2058]، والنسائي [6/ 102].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:

3487 -

(00)(00)(وحدثناه محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار) البصريان (قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر (ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (قالا) أي قال محمد بن جعفر ومعاذ بن معاذ: (جميعًا حدثنا شعبة (ح) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع (ح) وحدثني زهير بن حرب حدثنا عبد الرحمن بن مهدي جميعًا) أي كل من وكيع وعبد الرحمن بن مهدي رويا (عن سفيان) بن سعيد الثوري (ح وحدثنا عبد بن حميد) الكسي البصري (حدثنا حسين) بن علي بن الوليد (الجعفي) مولاهم أبو محمد الكوفي، ثقة، من (9)(عن زائدة) بن قدامة الثقفي أبي الصلت الكوفي، ثقة، من (7)(كلهم) أي كل من هؤلاء الثلاثة المذكورين من شعبة وسفيان وزائدة بن قدامة رووا (عن أشعث بن أبي الشعثاء) سليم بن أسود المحاربي الكوفي (بإسناد أبي الأحوص) يعني عن أبيه عن مسروق عن عائشة (كمعنى حديثه) أي مثل معنى حديث أبي الأحوص (غير أنهم) أي لكن أن شعبة وسفيان وزائدة (قالوا من المجاعة) بدل قوله في الطريق الأول (عن المجاعة) كما في بعض النسخ، قال بعض الشراح: ولم يظهر وجه الاستثناء لعدم ظهور الفرق بين

ص: 93

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الموضعين (قلت): الفرق يظهر على ما في بعض النسخ وهو أن المصنف أورد هذا الحديث بطريقين ووقع في الطريق الأول في بعض النسخ إنما الرضاعة عن المجاعة بلفظ عن فنبه في الطريق الثاني أنهم قالوا من المجاعة بدل عن المجاعة والله أعلم اهـ تكملة، وغرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة شعبة وسفيان وزائدة لأبي الأحوص في الرواية عن أشعث بن أبي الشعثاء.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث، الأول: حديث عائشة الأول ذكره للاستدلال على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني: حديث أم سلمة ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث عائشة الأخير ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

ص: 94