المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل الثاني   ‌ ‌في الألغاز   وهي أنواع ألغاز قصدتها العربُ وألغازٌ قصدَتها أئمة - المزهر في علوم اللغة وأنواعها - جـ ١

[الجلال السيوطي]

فهرس الكتاب

- ‌وهذا فهرست انواعه

- ‌(تصدير)

- ‌النوع الأول

- ‌معرفة الصحيح ويقال له الثابت والمحفوظ

- ‌(رأي ابن جني)

- ‌(آراء في علم اللغات)

- ‌تنبيهات

- ‌أقسام العرب

- ‌(حد الوضع)

- ‌مناسبة الألفاظ للمعاني

- ‌(شرائط اللغة)

- ‌(سعة اللغة)

- ‌(أبنية الكلام)

- ‌(بداية التصنيف في اللغة)

- ‌ذِكْرُ قَدْحِ الناس في كتاب العين

- ‌النوع الثاني

- ‌معرفة ما روي من اللغة ولم يصح ولم يثبت

- ‌النوع الثالث

- ‌معرفة المتواتر والآحاد

- ‌(ألفاظ مستعملة أصلها أعجمي)

- ‌النوع الرابع

- ‌معرفة المرسل والمنقطع

- ‌النوع الخامس

- ‌معرفة الأفراد

- ‌النوع السادس

- ‌معرفة من تُقْبَل روايته ومَن تُرَد

- ‌النوع السابع

- ‌معرفة طرق الأخذ والتحمل

- ‌(القراءة على الشيخ)

- ‌(السماع على الشيخ)

- ‌(الإجازة)

- ‌النوع الثامن

- ‌معرفة المصنوع

- ‌ذكر أمثلة من الألفاظ المصنوعة:

- ‌النوع التاسع

- ‌معرفة الفصيح

- ‌الفصل الأول في معرفة الفصيح من الألفاظ المفردة

- ‌ الغَرَابة

- ‌(التنافر)

- ‌(مخالفة القياس)

- ‌الفصل الثاني في معرفة الفصيح من العرب

- ‌النوع العاشر

- ‌معرفة الضعيف والمنكر والمتروك من اللغات

- ‌أسماء الأيام في الجاهلية

- ‌(أسماء الشهور)

- ‌النوع الحادي عشر

- ‌معرفة الردىء المذموم من اللغات

- ‌النوع الثاني عشر

- ‌معرفة المطرد والشاذ

- ‌النوع الثالث عشر

- ‌معرفة الحوشي والغرائب والشواذ والنوادر

- ‌ذكر أمثلة من النوادر

- ‌النوع الرابع عشر

- ‌النوع الخامس عشر

- ‌(معرفة المفاريد)

- ‌النوع السادس عشر

- ‌معرفة مختلف اللغة

- ‌فوائد:

- ‌النوع السابع عشر

- ‌معرفة تداخل اللغات

- ‌النوع الثامن عشر

- ‌معرفة توافق اللغات

- ‌النوع التاسع عشر

- ‌معرفة المعرَّب

- ‌ذكر أمثلة من المُعرَّب

- ‌فصل في المعرب الذي له اسم في لغة الغرب

- ‌ذكر ألفاظ شك في أنها عربية أو معربة

- ‌النوع العشرون

- ‌معرفة الألفاظ الإسلامية

- ‌النوع الحادي والعشرون

- ‌معرفة المولد

- ‌النوع الثاني والعشرون

- ‌معرفة خصائص اللغة

- ‌النوع الثالث والعشرون

- ‌معرفة الاشتقاق

- ‌النوع الرابع والعشرون

- ‌معرفة الحقيقة والمجاز

- ‌النوع الخامس والعشرون

- ‌معرفة المشترك

- ‌النوع السادس والعشرون

- ‌معرفة الأضداد

- ‌النوع السابع والعشرون

- ‌معرفة المترادف

- ‌فوائد

- ‌ذكر أمثلة من ذلك

- ‌النوع الثامن والعشرون

- ‌معرفة الإتباع

- ‌ذكر أمثلة من الإتباع

- ‌النوع التاسع والعشرون

- ‌معرفة العام والخاص

- ‌الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامس

- ‌النوع الثلاثون

- ‌معرفة المطلق والمقيد

- ‌النوع الحادي والثلاثون

- ‌معرفة المشجر

- ‌النوع الثاني والثلاثون

- ‌معرفة الإبدال

- ‌النوع الثالث والثلاثون

- ‌معرفة القلب

- ‌النوع الرابع والثلاثون

- ‌معرفة النحت (معرفته من اللوازم)

- ‌النوع الخامس والثلاثون

- ‌معرفة الأمثال

- ‌ذكر جملة من الأمثال

- ‌النوع السادس والثلاثون

- ‌معرفة الآباء والأمهات والأبناء والبنات والإخوة والأخوات والأذواء والذوات

- ‌الفصل الأول

- ‌في الآباء

- ‌الفصل الثاني

- ‌في الأمهات

- ‌الفصل الثالث

- ‌في الأبناء

- ‌الفصل الرابع

- ‌في البنات

- ‌الفصل الخامس

- ‌في الإخوة

- ‌الفصل السادس

- ‌في الأذواء والذوات

- ‌النوع السابع والثلاثون

- ‌معرفة ما ورد بوجهين بحيث يؤمن فيه التصحيف

- ‌النوع الثامن والثلاثون

- ‌معرفة ما ورد بوجهين بحيث إذا قرأه الألثغ لا يعاب

- ‌النوع التاسع والثلاثون

- ‌معرفة الملاحن والألغاز وفتيا فقيه العرب والثلاثة متقاربة وفي النوع ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول

- ‌في الملاحن

- ‌الفصل الثاني

- ‌في الألغاز

- ‌الفصل الثالث

- ‌في فتيا فقيه العرب

الفصل: ‌ ‌الفصل الثاني   ‌ ‌في الألغاز   وهي أنواع ألغاز قصدتها العربُ وألغازٌ قصدَتها أئمة

‌الفصل الثاني

‌في الألغاز

وهي أنواع ألغاز قصدتها العربُ وألغازٌ قصدَتها أئمة اللغة وأبيات لم تَقْصد العرب الإلغاز بها وإنما قالتها فصادف أن تكون ألغازاوهي نوعان: فإنها تارة يقع الإلغاز بها من حيث مَعانيها وأكثرُ أبيات المعاني من هذا النوع وقد ألف ابن قتيبة في هذا النوع مجلدا حسناوكذلك ألف غيره وإنما سموا هذا النوع أبيات المعاني لأنها تحتاج إلى أن يسأل عن معانيها ولا تفهم من أول وَهْلة وتارة يقع الإلغاز بها من حيث اللفظ والتركيب والإعراب ونحن ذاكرون من كل نوع من هذه الأربعة عدة أمثلة على غير ترتيب:

فمن الأبيات التي قصدت العربُ الإلغاز بها.

قال القالي في أماليه أنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدنا أبو العباس ثعلب: // من الكامل //

(ولقد رأيت مطية معكوسة

تمشي بكلكلها وتزجيها الصبا)

(ولقد رأيت سبيئة من أرضها

تسبي القلوب وما تنيب إلى هوى)

(ولقد رأيت الخيل أو أشباهها

تثنى معطفة إذا ما تجتلى)

(ولقد رأيت جواريا بمفازة

تجري بغير قوائم عند الجرا)

(ولقد رأيت غضيضة هركولة

رود الشباب غريرة عادت فتى)

(ولقد رأيت مكفرا ذا نعمة

جهدوه في الأعمال حتى قد ونى)

قال ثعلب: أراد بالمطية: السفينة.

وبالسبيئة: الخمر.

وبالخيل: تصاوير في وسائد.

وبالجواري: السَّرَاب.

وبالمكفر السيف.

(والغضيضة الهركولة: امرأة) وقوله: عادت فتى: من العيادة.

وقال القالي: حدثني أبو بكر بن دريد: أن أبا حاتم أنشدهم عن أبي زيد: // من الطويل //

(وزَهرَاء إن كَفَّنْتُها فهْوَ عَيْشُها

وإن لم أكفِّنْها فموتٌ مُعَجَّل)

ص: 450

يعني النار وهي زهراء أي بيضاء تزهريقول: إن قدَحْتُها فخرجت فلم أُدْرِكها بخرْقة أو غير ذلك ماتت.

وقال القالي: قرأت على ابي عمر عن أبي العباس أن ابن الأعرابي أنشدهم: // من الكامل //

(أَلْقَتْ قَوائمَها خَساً وتَرَنَّمَتْ

طَرَباً كما يَتَرَنَّمُ السَّكْرَان)

يعني القِدْر (وقوائمها) : الأثافي (وخسا) : فَرْد.

وأنشد الجوهري في الصحاح: (من الوافر)

(وما ذَكرٌ فإنْ يَكْبُر فأُنثى

شديدُ الأَزْمِ ليس بذي ضُرُوس)

قال: هو القُرَاد لأنه إذا كان صغيرا كان قرادا فإذا كبر سمي حَلَمة.

وأنشد الجوهري - على أن الأُدعية مثل الأحجية: // من الطويل //

(أُدَاعيكَ ما مُسْتَحْقَباتٌ مع السُّرَى

حِسانٌ وما آثارهنَّ حِسان)

قال: يعني السيوف.

وفي الصحاح قال الكميت: // من الوافر //

(وذات اسمَين والألوانُ شتَّى

تُحَمَّق وهي كَيِّسة الحَوِيل)

أراد الأنوق وقال ذات اسمين لأنها تسمى الأنوق والرَّخمة وأراد بقوله: كيسة الحَويل: أنها تحرز بيضها فلا يكاد يُظْفَر به لأن أوكارها في رؤوس الجبال والأماكن الصعبة البعيدة وهي تحمق مع ذلك.

وفي المثل: (أعزُّ من بَيْض الأَنُوق) .

ص: 451

وفي الصحاح: قال الراجز: // من الرجز //

(يا عَجَباً للعَجَب العُجابِ

خَمسةُ غِرْبانٍ على غُرابِ)

غرابا الفرس والبعير: حرفا الورِكين اليمنى واليسرى اللذان فوق الذنب حيث التقى رأس الورك.

وأنشد ابن الأعرابي في نوادره: // من الوافر //

(وحاملة ولم تحمل لِحينٍ

ولم تلقحْ وليس لها حَلِيل)

(أتمت حملَها في نصف شهرٍ

وحمْلُ الحاملاتِ أَنى طَويل)

(أتت بعصابة ليست بإنسٍ

ولا جنٍّ فكيف بهم تقول)

(إذا ولدت تباشر كلَّ حي

وإن ماتت فباكِيها قليلُ)

قال ابن الأعرابي: أراد أن يُعَمِّي وأراد المثانة يعني الذي يعضه الكلب الكَلِب فيسقى دواء فيخرج من ذكره شبيه بالجِراء.

وأنشد أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأضداد لأبي داود الإيادي: // من الخفيف //

(رب كَلْب رأيته في وثاق

جُعل الكَلْب للأمير جَمالا)

(رب ثور رأيتُ في جُحْر نمل

وقَطَاة تحمِل الأثقالا)

وقال: الكلْب الحلقة التي تكون في السيف والثور: ذكر النمل.

وفي شرح المقامات لسلامة الأنباري: مما يتحاجون به قول أبي ثروان في أحجية له: // من الرجز //

(ما ذو ثلاثٍ آذانْ

يسبقُ الخيل بالرَّدَيانْ)

يعني السهم.

ص: 452

وقال ابن درستويه في شرح الفصيح: أنشد الخليل لأبي مقدام الخزاعي: // من الخفيف //

(وعجوزا رأيتُ باعت دجاجا

لم تُفَرّخْن قد رأيتُ عُضَالَا)

(ثم عاد الدَّجاج من عَجَب الدَّهْر

فَرَاريجَ صِبْيةً أَبْذَالا)

وقال: يعني دجاجة الغزل وهي الكُبّة أو ما يخرج عن المغزل ويعني بالفراريج الأقبية.

وفي المشاكهة للأزدي قال بعضهم: // من الكامل //

(وأشعث كفار غدَا وهو مُؤْمِن

وراح ولم يُؤْمِن برب محمد)

قوله: مُؤمِن يقال: أيْمن الرجل يُؤْمن فهو مُؤْمن: أتى اليمن.

ومن أبيات المعاني قول حسان رضي الله عنه: // من الطويل //

(أتانا فلم نعدل سواه بغيره

نبي أتى في ظلمة الليل هاديا)

فيقال: سواه: غيره فكأنه قال فلم نعدل غيره بغيره والجواب أن الهاء في غيره للسوى فكأنه قال: فلم نعدل سواه بغير السوى وغير سواه هو نفسه عليه الصلاة والسلام فكأنه قال: فلم نعدل سواه به كذا خرجه الإمام جمال الدين بن هشام.

قال الشيخ بدر الدين الزركشي في كراسة سماها عمل من طب لمن حب: ولا حاجة إلى هذا التكلف فإن سواه في هذا البيت بمعنى نفسه نص على ذلك الأزهري في التهذيب وأنشد عليه البيت ونقله عنه وأقره عليه الشيخ جمال الدين ابن مالك في كتاب المقصور والممدود.

ومن أبيات المعاني قول الأول في رجل طفيلي: // من البسيط //

(أراك تظهر لي ودا وتكرمني

وتستطير إذا أبصرتني فرحا)

ص: 453

(وتستحل دمي إن قلت من طرب

يا ساقي القوم بالله اسقني قدحا)

ومن أبيات المعاني قول ابنُ دُريد أنشدني أبو عثمان الأشنانداني: // من الطويل //

(ومحجوبة أزْعَجْتها عن فِراشها

تحَامَى الحوامي دونها والمناكب)

(وخفاقة الأعطاب باتت معانقي

تُجاذِبني عن مِئْزَري وأُجاذَب)

قال الأشنانداني: يصف عُقاباً صعد إلى موضع وكرَها.

والحوامي: أطراف الجبل.

والمناكب: نوَاحي الجبل.

والخفاقة: يعني الريح.

يقول: رَبأ لأصحابه فالرِّيح تُجاذِبه عن مئزره وهو يجاذبها.

وأنشد أيضا: // من الطويل //

(وشَعَثاءَ غَبْرَاء الفروع مُنِيفة

بها تُوصَفُ الحسناءُ أو هي أجْمَلُ)

(دعوتُ بها أبناءَ ليل كأنهم

وقد أبصروها - مُعطِشون قد انْهلوا)

قال أبو عثمان: يصف ناراجعلها شَعْثاء لتفرق أعاليها كأنها شعثاء الرأس وغبراء يعني غبرة الدخان وقوله: بها توصف الحسناءفإن العرب تصف الجارية فتقول: كأنها شعلة نار وقوله: دعوت بها أبناء ليلي يعني أضيافا دعاهم بضوئها فلما رأوها كأنهم من السرور بها معطشون قد أوردوا إبلهم.

ومن أبيات المعاني قول الراعي: // من الكامل //

(قتلوا ابنَ عفان الخليفة مُحْرِماً

وَدَعا فلم أرَ مثله مَخْذُولا)

روى العسكري في كتاب التصحيف: أن الرشيد سأل أهلَ مجلسه عن هذا البيت فقال: أي إحرام هذافقال الكسائي: أراد أنه أحْرم بالحج.

فقال الأصمعي: والله ما أحرم ولا عَنى الشاعر هذا ولو قلت: أحرم دخل في الشهر الحرام كما يُقال: أشهر: دَخل في الشهر كان أشبه.

قال الكسائي: فما أراد بالإحرامقال: كل من لم

ص: 454

يأتِ شيئا يستحل به عقوبته فهو مُحْرم خبرني عن قول عدي بن زيد: // من الرمل //

(قتلوا كسرى بليلٍ مُحْرماً

فتولَّى لم يُمتَّع بكَفَنْ)

أي إحرام كان لكسرى فسكت الكسائي: فقال الرشيد: يا أصمعيما تطاقُ في الشعر.

وفي أمالي الزجاجي في البيت قولان: أحدهما: المحرم الممسك عن قتاله قاله أبو العباس المفضل بن محمد اليزيدي.

فقيل للمفضل: أعندك في هذا شعر جاهليقال: نعم أنشدني محمد بن حبيب لأخضر بن عباد المازني وهو جاهلي: (من)

(فلست أراكم تُحْرِمون عن التي

كَرِهْتُ ومنها في القلوب نُدُوب)

والثاني: أن المراد في الشهر الحرام لأنه قتل في أيام التشريق وبه جَزَم المبرد في الكامل.

وفي الغريب المصنف قال الأصمعي: أحْرَم الرجل فهو محرم إذا كانت له ذمة وأنشد البيت.

وقال ابن خالويه في شرح الدريدية أنشدني أبو عبد الله بن خوشيريد عن أبي حنيفة الدينوري قال أحسن ما قيل في أبيات المعاني قول الشاعر: // من المتقارب //

(إذا القوسُ وترها أيِّد

رمى فأصاب الذُّرا والكُلى)

(فأصْبَحْتُ والليلُ مُسْحَنْكِك

وأصْبَحْتِ الأرضُ بَحْراً طَما)

يريد بالقوس: قَوْس السماء الذي تقولُ له العامة قوس قزح وترها أيد: يعني الله تعالى رمى أي بالمطر فأصاب ذرا الجمال وكلاها.

فأصبحت: أي أسرجت المصباح والليل مُسْحَنْكِك: أي شديد السواد وأصبحت الثاني من الصباح والأرض بحر طما من كثرة المطر.

ص: 455

وقال ابن دريد قال الشاعر يصف ظليما: // من الوافر //

(على حت البراية زمخري السواعد

ظَلَّ في شَرْيٍ طِوَالِ)

أراد حتا عند البُرايَة أي سريعا عند ما يبريه من السَّفر والحت البعير السريع السير الخفيف وكذلك الفرس والزَّمخري: الأجوف والسواعد: مجاري المخ في العظام في هذا الموضع وخالف قومٌ من البصريين تفسير هذا البيت فقالوا: يعني بعيرا.

فقال الأصمعي: كيف يكون ذلكوقبله: // من الوافر //

(كأنَّ مُلاءتيَّ على هِجَفٍّ

يَعِنُّ مع العَشِيّة للرِّئالِ)

وقال ابن دريد أنشدني عبد الرحمن عن عمه الأصمعي: // من الوافر //

(أتاني عن أبي أنس وَعِيد

ومعصوب تخُبّ به الركاب)

(وعيد تَحْدِج الآرام منه

وتكره بُنَّةَ الغنم الذئاب)

قال ابن خالويه: سألت ابن دريد عن معنى هذا البيت.

فقال: تأويله أن هذا الرجل يوعد وعيدا لا يقدر على فعله أبدا ولا حقيقة له كما أنَّ الظباء لا تخْدِج ولم تَر قط ظبية خُدجت وكذلك أيضا كون هذا الوعيد محالا كما أنه محال أن تكره الذئاب رائحة الغنم كذا في حاشية كتاب الجمهرة وذكر أنها نقلت من حاشية بخط الزجاجي.

ومن الأبيات التي وقع الإلغاز بها من حيث اللفظ والتركيب والإعراب: قال القالي في أماليه أنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدنا أبو العباس ثعلب للفرزدق: // من الطويل //

(يُفَلّقْن ها مَنْ لم تَنَلْه سُيوفنا

بأسيافنا هامَ الملوك القماقمِ)

ص: 456

قال ثعلب: ها حرف تنبيه ومن استفهام قال مستفهما: مَنْ لم تنله سيوفنا وتقدير البيت: يفلقن بأسيافنا هام الملوك القماقم.

قال أبو بكر وسمعتُ شيخنا يعيبُ هذا الجواب ويقول: يفلقن هاماجمع هامَةٍ وهامُ الملوك مردُودٌ على (هاما) كقوله تعالى {إلى صِراطٍ مُستقيم صِراطِ الله} .

(قال أبو علي رحمه الله: فاحتججتُ عليه بقوله: لم تَنَلْهُ وقلت: لو أراد الهامَ لقال: لم تنلها لأن الهام مؤنثة لم يُؤْثر عن العرب فيها تذكير ولم يقل أحدٌ منهم: الهامُ فَلَقْتُه كما قالوا: النخلُ قطعتُه والتذكير والتأنيث لا يعمل (فيه) قياساإنما يُبنى فيه على السماع واتِّباع الأثر.

ومن ذلك قوله: // من الخفيف //

(عافتِ الماءَ في الشتاء فقلنا

برِّديه تُصادفيه سَخِينا)

فيقال: كيف يكون التبريد سببا لمصادفته سخيناوجوابه أن الأصل بلْ رِديه ثم كتب على لفظ الإلغاز.

ونظيره قول الآخر: // من الكامل //

(لما رأيت أبا يزيد مقاتلا

أدعَ القتالَ وأشهد الهيجاء)

فيقال: أين جواب لماوبم انتصب أدعوالجواب أن الأصل لن ما ثم أُدْغمت النون في الميم للتقارب ووُصِلا خطا للإلغاز ولن هي النَّاصبة لأدع.

وروى أن رجلا أنشد البيت الأول لأبي عثمان المازني فأفكر ثم أنشده: // من الرمل //

(أيها السائلون لي عن عَويصٍ

حار فيه الأفكار أن يَسْتبينا)

ص: 457

(إن لاما في الراء ذات إدغامٍ

فافْصِلْهَا ترى الجوابَ يقينا)

وحكى ابنُ الأنباري في كتاب الأضداد هذا القول عن المبرد ثم حكى قولا ثانيا عن بعضهم أن معنى بَرِّديه: سَخِّنيه وأن برد من الأضداد.

ويقرب من البيت في هذه اللفظة قول عمرو بن كلثوم من معلقته المشهورة: // من الوافر //

(مُشَعْشَعَةً كأنَّ الحُصَّ فيها

إذا ما الماء خالَطَها سَخِينا)

فقال ابن بري: يعني أنَّ الماء الحار إذا خالطها اصفرت وكان الأصمعي يذهب إلى أنه من السخاءلأنه يقول بعده: // من الوافر //

(تَرَى اللَّحِزَ الشحيح إذا أُمِرَّت

عليه لمالِه فيها مهينا)

ومن ذلك قوله: // من الطويل //

(أقولُ لعبد الله لما سِقاؤنا

ونحنُ بوادي عبد شمس وهاشم)

(على حالة لو أن في القوم حاتما

على جُوده لضَنَّ بالماء حاتم)

ص: 458

معنى البيت أقول لعبد الله - لما سقاؤنا وَهي أي ضَعُف ونحن بهذا الوادي - شم أي شم البرق عسى يعقبه المطر وقرينة هاشم لعبد شمس أبعدت فهم المراد.

وقال القالي في أماليه: حدثنا أبو بكر بن دريد قال: حدثنا الرِّياشي عن العمري عن الهيثم قال قال لي صالح بن حسان: ما بيتٌ شَطْرُهُ أعْرابي في شَمْلة والشَّطْر الآخر مخنث يتفككقلت: لا أدْري.

قال: قد أَجَّلْتُك حَوْلاً.

قلتُ: لو أَجَّلْتني حولين لم أعرف قال: أُفٍّ لك.

قد كنت أحْسَبُك أجْوَدَ ذِهْنَاً مما أرى قلت: ما هوقال: أما سمعت قول جميل: // من الطويل //

(ألَا أيها النُّوَّامُ وَيْحَكُمُ هُبُّوا)

أعْرَابيّ في شمْلة ثم أدركه اللين وضَرَعُ الحبِّ فقال:

(نُسَائِلكم هَلْ يَقْتُلُ الرجلَ الحبُّ)

كأنه والله من مُخَنَّثي العقيق.

وقال القالي حدثنا أبو بكر حدثنا أبو عثمان الأُشْنانْدَاني قال: كنا يوما في حلقة الأصمعي إذ أقبل أعرابي (يرفل في الخزوز) فقال: أين عميدكمفأشرنا إلى الأصمعي فقال: ما معنى قول الشاعر: // من المنسرح //

(لا مَالَ إلَاّ العِطَافُ تُوزرُه

أُمُّ ثلاثينَ وابْنَةُ الجَبَلِ)

(لا يَرْتَقِي النَّزُّ في ذَلَاذِلهِ

ولا يُعَدِّي نَعْلَيْه عن بَلَلِ)

قال: فضحك الأصمعي وقال: // من المنسرح //

(عُصْرَتُه نُطْفَةٌ تَضَمنَّهَا

لِصْبٌ تَلَقَّى مَوَاقِعَ السَّبَلِ)

(أو وَجْبَةٌ من جَناةِ أَشْكَلَةٍ

إن لم يُرِغْها بالقَوْس لم تُنَلِ)

قال: فأدْبر الأعرابي وهو يقول: تالله ما رأيت كاليوم عُضْلَة ثم أنشدنا

ص: 459

الأصمعي القصيدة لرجلٍ من بني عمرو بن كلاب - أو قال: من بني كلاب.

قال أبو بكر: هذا يصف رجلا خائفا لجأ إلى جبل وليس معه إلا قوسُه وسيفُه والسيف: هو العطاف.

(وأنشدنا: // من الطويل //

(لا مال إلَاّ عِطافٌ ومِدْرَعٌ

لكم طَرَفٌ منه حديدٌ ولي طَرَفْ)

(وأم ثلاثين) يعني كنانة فيها ثلاثون سهماوابنة الجبل: القوسلأنها من نَبْع والنبع لا ينْبتُ إلا في الجبال.

ومعنى البيت الثاني: أنه في جبل لا نزَّ فيه يتعلق بأذياله ولا بلل يصرف نعليه عنه.

والعُصْرَة: المَلْجأ.

والنُّطْفة: الماء.

واللِّصْب: كالشق يكون في الجبل.

وتَلَقَّى: قَبِل.

والسَّبَل: المطر.

والوَجْبَة: الأكْلة في اليوم.

والجَنَاة: ما اجْتُني من الثمر.

والأَشْكلة: سِدْر جَبَلي لا يطول.

فصل - وأما إلغاز أئمة اللغة فالأصل فيه ما قاله أبو الطيب في كتاب مراتب النحويين: حدثنا عبد القدوس بن أحمد حدثنا أحمد بن يحيى قال حدثني جماعة عن الأصمعي عن الخليل قال: رأيتُ أعرابيا يسأل أعرابيا عن البلصوص ما هوفقال: طائر.

قال: فكيف تجمعه. قال: البَلَنْصَى.

قال الخليل: فلو ألغز رجل فقال: // من البسيط //

(ما البَلَصُوص يَتْبَعُ البَلَنْصَى)

كان لغزا.

ومن محاسن الألغاز ما رأيت في ديوان رسائل الشريف أبي القاسم على بن الحسين المصري من تلامذه أبي أسامة اللغوي جمع تلميذه عبد الحميد بن الحسين قال: لوما مَضَتْ أيام من مقامه بواسط حضره في جملة من كان يَغْشَاهُ لمشاهدَةِ فَضْله وبراعة أدبه عند انتشار ذِكْره رجلٌ يُعرف بأبي منصور بن الربيع من أهل الأدب وأحضره قصيدة قد بُنيت على السؤال عن ألفاظ من اللغة على جهة الامتحان لمعرفته وهي: // من مجزوء الكامل //

(يا أفضل الأدباء قولا

لا تعارضه الشُّكوكْ)

ص: 460

(وابن الجحاجحة الذين

نمت مساعيهم ملوك)

(لا العلم ناب عن جحاك

إذا نطقت ولا تروك)

(عرضت مسائل أنت للفتوى

بمشكلها دروك)

(ما الحي والحيوت أو

ما جلبح نضو بروك)

(أم ما ترى في برقَع

رقشاء محصدها حبيك)

(أم ما الصرنقح والرزيز

وما الملمعة النهوك)

(ولك الدراية ما البصيرة

في مداحيها السهوك)

(وأبن لنا ما خطمط

أبدا بأمرغه معيك)

(أم ما اغتنانة فوهد

فيه الملامة لا تحيك)

(أم ما ترى في مطرهف

حبه حب نهيك)

(أم ما تقلب قلفع

في كف عكموز تحيك)

(أم ما توقل هبرج

يرتب مرسنه هلوك)

(ولرب ألفاظ أتتك

وفي مطاويها حلوك)

(فارفق بنشرك طيها

وانظر بذوقك ما تلوك)

(هذا وقد لذمت فؤادي

خرمل هرط ضحوك)

(دعكنة نظرنة

في خيس غانطها شبوك)

(تغدو وخربعها المذيل

في طرائفه سدوك)

(وأراك مالك مشبه

فيما علمت ولا شريك)

(حقا لقد حزت العلوم

حيازة العدم الضريك)

نسخة الجواب

كتبه لوقته مُقْتِضباً واستنابني فيه محررا:

بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نحمدك على تمْحِيص البَلوَى كما نعوذُ بك من إطغاء النِّعما ونَسْألك أن تجعل ثوابَ أقلِّ حسناتنا لدَيك كما نسألك أن توجِّهَ بعوائد الشكر وسائلَنا إليك ونَرْغَبُ إليك في حُسن المعرفة بعيوبنا من

ص: 461

مَعْصِيتك كما نَسْتَوْهبك غضَّ الأبصار عن عيوب إخواننا في طاعتك ونَسْترْزقك إلهاما لما في العَبَثِ من تضييع الأصول ولما في سرعان القَوْلِ من عِصْيان العقول ونجتدي فَضْلك أن تسلمنا وتسلم منا وتشغلنا بعبادتك وتشغلنا أهل الخَطَل عنا متوجهين بإخْلاص اليقين والصلاة على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين.

وقفتُ على ما كتبتَ به وذكرتَ أن بعض أهل الأدب كلفك المسألة عنه وأعلمتني توجه ظنك في إبانة مُشكله وإيضاح سُبُله وتأملتُه فوجدتُه شعرا لا أحب أن أقول في صناعته شيئا مشتملا على ألفاظٍ من حوشي اللغة لا يتشاغلُ بمثلها أهل التحصيل ولا يتوفر على طلبها إلا كل ذي تأمل عليلٍ لخروجها عما ينفعُ في الأديان ويعترض في تفسير القرآن ولمباينتها ما تجري به المذاكرة وتُسْتَخدم فيه المحاورة وزاد في عجبي منها صدورُها عن النطيحة وفيها من الأستاذ الفاضل أبي القاسم هبة الله بن عيسى أدام الله تأييده بحر الأدب الذي عَذُبت مواردُه وشِهاب العلم الذي التهبت مَطالِعُه وري العقول الظماءوطب الجهل المستفحل الداءوالباب الذي يفتح عن الدهر تجربة وعلماوالمرآة التي تتصفح بها أوجه الأنام إحاطة وفهما.

وبعد فهو الرجلُ الذي سلَّم له أهلُ بلده أنه شعلة الذكاءووارث محاسن الأدباءوملتقى شُذَّان العلوم وقاطعُ تجاذب الخصوم فإن كان الغرضُ - في هذه الأبيات الخِرابِ المقْفِرةِ من الصواب - طلبَ الفائدة فقد كان يجب أن يُناخَ عليه بمُثْقلها ويقصدَ إليه بمعضلها فعنده مفتاحُ كلِّ مسألة مُقْفَلة ومِصْباح كل داجية مُشكلة بل لستُ أشكُ أن هذا السائل لو جاوره صامتا عن استخباره وعكف على ذلك الجناب كاتما لِما في طيِّ مضماره لأَعْداه رِقّة نسيم أرَجه وهذَّب خواطره التقاطُ فرائد لَفظِه ولهَدَاه قُرْبه منه من ضَلالته ولشفاه دنوه منه من جهالته حتى يغنيَه الجوار عن الجور والاقتراب عن رجع الجواب وحتى يعودَ مُلْهَماً ينطق بالحكمة ولو لم يقصد إظهارها ويجيب عن المسائل ولو لم يعرف أصولها واستقرارَها.

هذا إن كان يريد الفائدة وإن كان قصدَ الامتحان للمسؤول وتعرض لهذا الموقف المدخول فذلك أعجبكيف لم يتأدَّب بآدابه الصالحة ويَعْشُ إلى هدايته الواضحة ويعلم أن هذا خُلُق أهْوَج ومَذْهبٌ أعْوَج وسجية لا تليقُ بأهل العلم ولا يؤثر مثلها عن ذوي النظر الصحيح والحزموكيف لم يعلم هذا القريض المتكلف بما أعطاه الله تعالى من سعادة مُكاثرته وساقَ إليه من بركة صحبتهإن

ص: 462

هذا القريض - كما قال المخزومي لعبد الملك بن مروان وقد لقيه في طريق الحج بعد ما أنكره وكرهه فقال: بئست التحيةُ من ابن العم على النَّأْي - وهذا لعمري بئست تحيةُ الغريب من القاطنين ولَؤُمَت هَديَّة الوافد من المقيمينوقد كان حق الغريب أن يكثَّر قليلُه ويسدَّد زَيْفه ويثبَّت زَلَله ويُعار من معالي الصفات ما يُؤْنِسُ غُرْبته ويصدق مخيلته ويعلم أن قد حلَّ على أشباه القعقاع بن شور الذين لا يَشْقَى بهم جَليس ولا يذُمّ دخلتهم أنيس ولا يزورهم نازح الدار إلا سَلا عن وَطنِه ولا يسكن إلى قربهم شاكٍ لنَبْوَة الحظِّ إلا صلح ما بينه وبين زَمَنِه إلى أن يبدوا عن تباينه ويجثوا عما وراء ظهره يأخذوا بعادة أهل الأثر ويحملوا نفوسهم معه على ما في الجواب من الغَرَر.

على أن هذا الطارئ عليهم رجلٌ كان أرَبه من العلم ما فيه حظُّ نَفْسِه وتهذيب خلائقه والاقتداءُ بهذه الآداب الزاكية على تقويم أوَده والاستعانة بقليل هذه الحكم المصلحة على إصلاح فكرهم خدوما بالعلم لا خادماومتبوعا بملح غرائب الآداب لا نابعاوعلى أنه لو كان قد احتبى للجدال وركب للنِّزال وتحدَّى بعلمه تحدِّيَ المعجز وتعرَّض لكافَّة العلماء تعرض الواثق المتحرز لما كان في غروب كلماته من حوشيِّ اللغة عن فهمه ما يدل على قصر باعه وقلة متاعه.

ويا عجبا للفراغكيف سوَّغ لهذا المغتر أن يجاريَ بحَلَق دِرعه تقسم أفكاريوكيف أنساه اجتماع شمله بعد دياريوكيف أذهله حضور أحبته عن مغيب أفلاذ كبديوكيف طرفت ناظره سكرة الحظِّ عن تضور ما يجن خلديوكيف لم يدرِ ما لي من ألْحاظٍ مقسمة وظنون مرجمة لم والتفات إلى ولدٍ ينتهب الشوق إليه تصبري وينبه الإشفاق عليه حذريوكيف لم يخطرْ بباله أني قريبُ عَهْدٍ بمحلٍ عز وثروة كانا أوحشاني من الأكفاءوخلطاني بين الأعداء والأصدقاء.

وقد تكلفت الإجابة عما تضمَّنَتْه الأبيات انقيادا لمُرادك ومُقْتَسراً رأَيي على إسعادك أجرُّ أقلامي جرا وهن ثواكل وأنبِّه قرائحي وهن في غمرات الهموم ذَواهل وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

قال هذا السائل: إن المسؤول دَرُوك لتلك الفَتْوى ومستحقٌّ بها الرتبة العليا.

فقال شيخ من شيوخنا - عزفته لنا الأيامُ عن كل فات فوفَّت وزادت وعوَّضَتْناه من كل مُخْتَرم فأحسنَت وأفادت وكان لحظَ الأبيات قبلي ولاءَم مشكله في التعجب منها مشكلي: أن (دَروكاً) هاهنا لا يجوزلأن فعولا لا يكون من أفعل.

ص: 463

قال: ولو جازَ هذا لجاز حسون وجَمُول ونعوم من أحسن وأجمل وأنعموما نحبُّ استيفاء القول في هذا الزَّلَل ولا نستفتح كلامنا بالمناقشة في هذا السهو الخطلولعل القائل وهم حَمْلاً على قراءة حَفْص {في الدَّرْك الأسْفَل مِنَ النار} فظنَّ أن الدَّرك بوزن فَعْل وأن فعْلاً مصدر فَعَل يَفْعَل ولم يجعله من الدَّرَك لأن الفتحَ عندهم لا يخفف فلا يقولون في جمل جملوذهب عليه أنه قد يكون اسما مبنيا مثله وإن لم يكن مخفَّفاً منه كما قالوا دِرْكة ودركة: في حَلْقة الوَتَر التي تقع في فُرْض القَوْس فخفَّفوا وحرَّكوا.

وعلى أنهمَا لو كانا مصدرين لجاز أن يجيئا على الشُّذوذ ولا يُحْمل عليهما ما يُبنى من الفعللأن الشذوذ ليس بأصل يُقاس عليه ولعله اغترَّ بقولهم دراك ودراك أيضا شاذلأنهم قد نقلوا أفْعل يُفْعِل.

وهو قليل فقالوا: فطّرتُه فأفْطَر وبَشَّرته فأبْشَر فجاء على هذا دركته فأدركقال سيبويه: وهذا النَّحْوُ قليل في كلامهم أو لعله ذهب إلى قولهم: دَرَاك مثل نَزَال فظن أنه يقال منه دَرّاكِ كما يقال: مَناعِ ونَزالِ من مَنَع ونزل وذهب عنه أنه قد جاء الرّباعيُّ في هذا الباب كما قالوا قَرْقارِ وعَرْعارِ في معنى قَرْقَر وعَرْعَر فأما الفرق بين الرباعي والثلاثي فهو أن سيبويه يرى إجازة فعال في موضع فعل الأمر في الثلاثي كله ويمنعه في الرباعي إلا مسموعا.

وقال غيره من النحويين: بل هما ممنوعان إلا مَسموعين واعتمد سيبويه في الفَرق على كثرة ما جاء في الثلاثي وقلة ما جاء في الرباعي.

أو لعله أصغى إلى قول الراجز: // من الرجز //

(إن يكشف اللَّه قناع الشك

بظَفَرٍ إذا بحاجتي ودَرْكِ)

(فهو أحق مَنزل بترْك)

ص: 464

فذهب إلى أن دروكا مصدر ولم يعتمد أنه قد قرئ: {في الدَّرك الأسفل من النار} أو لعله علق بسَمْعِه قول العتبي: // من الطويل //

(إذا قلت أوفي أدركته دروكة

فيا موزع الخيرات بالعُذْر أدركْ)

وما أعرف له أقوى حجة منه أو لعله أراد بقوله دروك فعولا من الدرك وهي لغية لبعض الأمم تكلمت بها العربُ.

ثم بدأ السائل فسأل عن الحِيّ والحَيّوت ولم أقف على صحة سُؤَاله لأني وجدتُ الأبيات مكتوبة بخطٍ يئن سقماويتخيل بأبي براقش تصحيفا وتغيرا فإن كان سأل عن الحِيّ بكسر الحاء فقد أنشد أهل العلم قول العجاج: // من الرجز //

(وقد نرى إذا الحياة حِيُّ

وإذْ زَمَانُ النَّاس دَغْفَلِيَُّ)

فقالوا: الحي: الحياة وأو جمع الحياةَ فأما كونه بمعنى الحياةَ فوزنُه على فعل فيجوز على مذهب سيبويه أن يكون وزنه فعل وهكذا مذهبه في قِيل ودِيل وعلى مذهب الأخفش لا يكون وزنُه إلا فُعْل لأنه لو كان وزنهُ على فَعل لجاء به على حي.

قال الأخفش: وإنما أجزتُ ذلك في الجمع لثقل الجمع وخفَّة الواحد وسيبويه يرى كسر أوله لأجل الياء وثقلها على كل حال فأما إذا كان جمعا فهو شاذ إن حملناه على فُعْل وأشذ شذوذا إن جعلناه فَعْل لأنه قد جاء في الجموع فُعْل مثل عُوط وإن كان جمع عائط فإن الفاعل والفَعل يتجاوران ويتقاربان لأنهما مصدر واسم فاعل لفعل واحد ولأن فَعْلاً قد يقع موقع فاعل فيقال للعادل: عَدْل وللزائر: زورفهذا من شذوذ الجمع على أي وَجْهيه كان ومعنى الشِّعر يتوجه على أن يكونَ الحِيّ بمعنى الحياة أكثر وأقوى كما تقول: إذ الزمان زَمان وإذ الناسُ ناس فإذا جعلناه في موضع الأحياء كان كأنا قلنا: إذ الإنسانيةُ ناس وإذ الفتوة فتيان وهو بعيد.

ص: 465

وسأل عن الحيُّوتِ وهي الحية وزنه فعلوت والتاء فيه زائدة وكثيرا ما تزاد خامسة مثل عِفريت وهو عِفْرِي.

وسأل عن الجِلْبِح وهي العجوز الكبيرة وأنشد: // من الرجز //

(إني لأَقلِي الجِلْبِحَ العجوزا

وأَمِقُ الفَتِيَّة العُكْمُوزا)

وسأل عن بِرْقع وهي السماء الدنيا وأنشدوا لأمية بن أبي الصلت // من الكامل //

(وكان بِرْقَع والملائكَ حَوْلَها

سَدِرٌ تَوَاكلَه قوائم أَرْبَع)

وسأل عن الصَّرَنْقَح وهو الشديد الخالص ولا يكون فعنلل إلا وصفا لا يجيء اسماكذا قال سيبويه ومَنْ بَعده من أهل العلم قال جران العود: // من الطويل //

(وليسوا بأسواء فمنهن رَوضة

تهيج الرِّياح غَيْرُها لا يَصَوّح)

(ومنهن غُلٌّ مُقْفَلٌ لا يفكه

من القوم إلا الشَّحْشَحَان الصَّرَنْقح)

وسأل عن الرِّزيز وهو الذكي المتحرك وكان شيخنا أبو أسامة يخالف جميع اللغويين فيه فيقول: هو الزَّرير.

قال: ومنه اشتق اسم زُرارة وقول أبي أسامة أصحُّ على مذهب سيبويه لأن سيبويه يحتج على ما فاؤه ولامه معتلتان بعلَّّة ما فاؤه ولامه مِثْلان من الحروف الصِّحاح نحو قلق ونحوه فزَرير على هذا يكون فاؤه ليست مثلَ لامه ويدخلُ في باب رد وكروهو أكثر عند سيبويه وأوسع أيضا.

وأما المُلَمَّعة فهي الفَلَاة التي يَلمَعُ فيها السراب ومثلٌ من أمثالهم: (أكذبُ من يَلمع) وهو السَّراب ومنه الألمعي وكأنه تَلْمع له العواقب لدقّة فظنته فأما اللوذعي فالذي كأنه يتلذع من شدة ذكائه وكل مفعلة من اللمع ملمعة.

ص: 466

ويقال: ألْمَعت الوحشيَّة وغيرها إذا بان لضرعها صقال وبريق باللبن فيه قال الأعشى: // من الخفيف //

مُلْمِعٍ لَاعَةِ الفُؤَاد إلى جَحْشٍ

فَلَاه عنها فبئس الفالِي)

ويقال: لَاعَةٌ فعلة ومذكرها لاع.

وفي الحديث: (هَاعٍ لَاعٍ) مبنية من شدة تأثير الحُزن في القلب فكأنه مأخوذ من اللَّوْعة وقيل: بل لاعة بوزن فاعلة كأن الأصل لاعية من اللعو وهو أشد الحِرْص وبين الخليل وجماعة من النحويين في هذا خلف لا نحبُّ الإطالة بذِكره.

واما قوله: النَّهوك فليس يحتاج النَّهوك ولا النهيك والنَّهاكة إلى تفسيرٍ لظهور أمره.

وسأل عن البصيرة وهي التُّرْس قال الأشْعَر الجُعْفيّ - وليس بالأشعر المازني: // من الكامل //

(رَاحُوا بصائرُهم على أكْتافهم

وبصيرتي يَعْدُو بها عتد وأى)

وقالوا: البصيرة: الدم ومعنى البيت على هذا أنهم أخذوا الديات ولم آخذ فركبت يعدو بي فرسي لطلب الثأركما قالوا: إنما أركض بحاجتك ويكون هذا مشبها لقولهم: // من الوافر //

(غدا ورداؤه لَهِق حجير

ورُجْتُ أجر ثَوْبَي أرجوان)

(كِلانا اختار فانظرْ كيف تبقَى

أحاديثُ الرجال على الزّمانِ)

والبصيرة في غير هذا الموضع: الحق قال الشاعر: // من الكامل //

(ونقاتل الأبطال عن آبائنا

وعلى بَصائرنا وإن لم نبصر)

ص: 467

أي على الحق والباطل ومسلمين وكفارا.

والمداحي: مفاعل من الدَّحْو والدحو معروف يريد به البسط والدحو أيضا: النكاح وأنشد: // من المتقارب //

(لما دَحاها بمَتلّ كالصَّقْب

وأوغفته مثل إيغاف الكَلْبِ)

أي تحركت تحته.

والسَّهوك: فعول من السَّهَك ويقال: ريح سَهُوك وسَيْهُوج وسَيْهَج: إذا كانت شديدة المرور قويَّة الهبوب وسَيْهوك وسَيْهوج: ثابتان وسَيْهك وسيهج: قليلان لم يثبتهما جميعُ أصحابنا.

وسأل عن الخطمط وهو كالكُحْكُح: الشيخُ الكبير.

والمَرْغُ: الرِّيق يقال: (أحْمَقُ ما يَجْأَى مَرْغَه) أي ما يمسك ريقه.

والمَرْغُ: التراب في غير هذا.

وقوله: مَعِيك فَعيل بمعنى مفعول من المَعْك وهي اللَّيّ.

وسأل عن الفوهد.

فالفوهد والثوهد هو الغلام الممتلئ شباباوأنشدوا: // من الرجز //

(لمحت فيها مُطْرَهِفّاً فَوْهَدَا

عِجْزَةَ شَيْخَينِ غُلاماً أمْرَدَا)

وسأل عن المُطْرَهِفّ وهو كالمُطْرَهِم في الشباب.

وقد مضى ذِكره في البيت المُنْشَد قبيل والميم فيه بدل من الفاء.

وبين أهل اللغة والنحو خُلْف في الحد الذي يسمى الإبدال ليس هذا موضعه وليعقوب فيه كتابٌ معروف ولصاحبنا أبي الطيب اللغوي فيه كتاب عشرة أمثال كتاب يعقوب فإنه جاء به على حروف المُعْجَم فأما المُكْرَهِفّ بالكاف وإن كان لم يسأل عنه لكنَّا ذكرناه لئلا يقعَ لَبْس به فهو (من الشعر) المشرف الظاهر.

ص: 468

وسأل عن القِلْفِع وما كنتُ أُحبُّ له أن يدلَّ على قصور عِلْمه بكون مثل هذه اللفظة وما تقدم من أشباهها من جملة الحُوشيّ عنده وهو الطين الذي ينقلع عن الكمأة وفيه خُلْف يقال: قِلْفِع وقِلْفَع والصحيح قلفِع وبه قال أبو أسامة.

وسأل عن العكموزوهي الفتاة التَّارَّة وقد تقدم الشاهد عليه.

وقال: تحيك ومعناه تتبختر وأنشد يعقوب وغيره: // من الرجز //

(جارية من شَعْبِ ذِي رُعَيْنِ

حَيَّاكَة تمشي بعُلْطَتيْن)

(قد خَلَجَتْ بحاجِبٍ وعَيْن

يا قَوْم خَلّوا بينها وبيني)

(أشَدَّ ما خُلّيَ بَين اثْنينِ)

حيَّاكة: فَعَّالة من الحَيْك وهو التَّبَخْتر.

وسأل عن الهَبْرَج وهو من صفة بَقر الوحش قال العجاج: // من الرجز //

(يتبعن ذَيَّالاً مُوشَّى هَبْرَجا)

وقال: يرتب يفتعل من ربَّ الأمر أي أصْلَحه أو من أرَبّ إذا لازم على أن يفتعل من أفعل قليل.

والمَرْسِن: موضع الرسن.

والهلوك إن كان أرادَ به الفاجرة لأنها تتهالك في

ص: 469

مِشْيتها أي تتمايل وتتهادى وأصله أنها تميلُ على أحدِ جانبيها كالضعيف الهالك الذي لا يستطيع تماسكاوذلك لحسْنِ دلها وتأود خطرتها فجائز فيه وإن كان أراد من هَلَك فهو من بدائعه وإن كان أراد من أهلك فهو أبدع وأغرب.

ولذم بالمكان وألْذَم مثل لَزم وألْزَم فإن الذال فيه بدل من الزاي على مذهب أهل اللغة لا النحويين فتقول أهل اللغة: إن العربَ تقول في الأرنب (حُذَمَةٌ لُذَمَة تسبق الجميع بالأكمةِ) يعني تلزم العدو ورجل لُذَمَة: لا يفارق البيت.

وذكر الخِرْمِل وهي في الأصل: المرأة الفاجرة في قول بعضهم. وقال آخرون: هي الحمقاءقال المزرد: // من الكامل //

(فطوَّف في أصحابه يستبينهم

فآب وقد أكْدَت عليه المسائلُ)

(إلى صِبْيَةٍ مثل السعالي وخِرْمِل

رَواكِد من شرِّ النساء الخَرَامِل)

والهِرْط: النَّعجة المسنة والهَرْط في غير هذا والهرْد السوء يقال: يَهْرِط عِرْضَه ويهْرِده ومثل الخِرْمل الخِذْعل والخَزَنْبَل.

وسأل عن الضَّحُوك وهو فَعول من الضَّحِك وهو العَسَل وهو الغدير الصافي وهو طَلْع النَّخْل والثَّلْج.

وقال: دِعْلِنة أو دِعْكِنة والصحيح فيه بالكاف وهو السمن والقوة وهذا مما لا يسأل عنه لأن جميع ما زيدت فيه النون في هذا الموضع يدل لفظه على اشتقاقه كما يدل سِمْعَنّة ونِظْرَنّة على السمع والنظر ودِعْكِنَة من الجلادة كأنه من الدعك فاما نظرته فهو من النظر وأنشدوا: // من الرجز //

(إن لنا لكنه

معنة مفنه)

ص: 470

(سِمْعَنَّةً نِظْرَنَّه

ما لا تَرَه تَظُنّهْ)

(كالذئب فوق القنه)

ويروى سمعنة نظرتة بضم أولهماوهو مشهور.

وذَكر الخِيْسَ وهو الغابة وأصلُه من التخييس لِلُزُوم الأسَدِ له والخِيْسُ في غير هذا الموضع: اللحية قال الشاعر: // من الخفيف //

(فاتَه المجدُ والعلاء فأَضْحَى

يفرج الخِيْسَ بالنَّحِيت المفْرِج)

والنحيت: المشْط.

وذكر الغانظ وهو الفاعل من الغَنْظ وهو الكرب.

وقال عمر بن عبد العزيز في ذكر الموت:

غَنْظٌ ليس كالغَنْظ وكظٌّ ليس كالكَظِّ.

وهما الكَرْب ويقال: غَنَظته وأغْنَظته.

وشَبوك: فَعُول من التَّشبيك والجُزَيْعَة: القليل من كل شيء.

والمذيك: المتبذل والطرائف: الأيدي والأرجل: قال الهذلي: // من الطويل //

(ويحمل في الآباط بيضا صوارما

إذا هي صالت بالطَّرائف قَرّت)

والسدوك: لا أُومن به يقال سدك سدكافإن جاء فيه سدوك فشاذ قليل وهو اللزوم.

هذا ما حضرنا من القولِ بخاطرٍ عند اللَّه عِلمُ تشعبه وتذكر قد أبْعَدت الأيامُ تذاكر تعليقاته وكتبه فإن كان صوابا فبتوفيق اللَّه تعالى لنا وباطِّلاعه على حُسن النية مناوإن كان زَلَلاً فغير ضائر ولا مُستنكر إن شاء اللَّه تعالى.

ولولا أننا لا نَنهى عن خُلُقٍ ونأتي مثله ولا نأمرُ بمعروف ونخالف فعله لسألنا مستفيدين ولقلنا متعلمين ثرالما فيه من شفاء البيان لا نظمالما فيه من التَّعاصي والطُّغيان فسألنا من اللغة - إِن كانت عنده مهما كما قال السائل - عن العَلافق بالعين فإنه بالغين معروف وعن المِرَضَّة بكسر الميم فإنه بفتحها معروف وعن هند لا مضافا إلى الأَحامس فإِنه بالإضافة معروف.

ص: 471

وعن شكري بضم الشين فإنه بفَتحها معروف.

وعن الزئير فإنه بالنون معروف.

وعن الدُّقْرورة فإن الدِّقْرَارة بالألف معروف.

وعن اشتقاق قولهم: أفناء الناسِ لا على أن فِعَال يجمع على أفعال وإن كان فيه على هذا الوجه كلام ولكنه معروف.

وعن الحرَج في الأسماء فإنه في المصادر معروف.

وعن الوَغد لا في صفة الرجل الساقط فإنه معروف.

وعن الورون بالواو فإنه بالياء معروف.

وعن ربقة وهل الصحيح فيه بالباء أو بالنونوما الحجة علي كل واحد منهما. لا في معنى الجِنْس فإنه على هذا الوَجْه معروف.

وكم في الكلام أفعل اسمافإنه في الصِّفات معروف.

وما النَّاق غير جمع ناقةٍ ولا ترخيمها فإنه فيهما معروف

وما اختلاف أهل اللغة في عِفْرِية لا على ما قاله أبو عبيد فإنه معروف

وما الفهد في الناسفإنه في الحيوان معروف.

وما الشاهدُ على جواز أصْلخ فإنه بالحاء معروف

وما فعلٌ من الخماسي يجري مجرى ألْفَج فهو مُلْفج في فتح ما يجب كسره من اسم فاعله غير الرباعيات المذكورة فإن باب تلك معروف

ص: 472

وما الصحيح في الجَوْشَن هل الحاء أو الجيم أو الخاءوما الشاهد على كل منها لا نسأل عن التفسير بل عن الصحيح من الثلاثة والشاهد عليه فإن التفسير معروف.

وما قول تفرَّد به ابنُ الأعرابي في القَوْس لم أجد أحدا نقله غيره

وما قول تفرد به ابن دريد في الشُّقَّارَى خالف فيه النَّحويين لم يقله غيره

وما قول تفرد به ثعلب في الزلاقة والبرادة لم يقله غيره

وما قول تفرد به ابن التيمي في التنفيذ لم يقله غيره

وما قول تفرد به أبو عمرو بن العلاء في اليَد لم يقله غيره

وما قول تفرد به خالد في وزن طاقة لم يقله غيرههذا إن كانت اللغة عنده مهما.

فإن قال: إن النحو هو المهم قلنا له: أرْشدَك اللهفما جمع أفْعلة أغفله سيبويه ولم يلحقه بكتابه أحد من النحويينوهل ذلك الجمعُ إن كنت عارفا به مطَّرداً ومحمول على مجانسه في اللفظوعلى أي شيء خفض (وقيله يارب) في قراءة حفص لا على ما أوْرده أبو علي الفارسي فإنه لم يَسْلُك فيه مذهبَه في التَّدْقيق

ولم مَنَع سيبويه من العطف على عاملين وهو في سورة الجاثية بنصب

ص: 473

(آيات) ورفعه لا يتَّجه إلا عطفا على عاملينفإن كان أخطأ وأصاب الأخفش فمن أين زلوإن كان أصاب فكيفَ يجوزُ له مخالفةُ الكتاب

وهل قولُ سيبويه في النسبة إلى أمية أموي بفتح الهمزة صوابٌ أم سَهْو واستمرَّ عليه وعلى جميع النحويين بعدَه

ولم قيل معدي كربولم تحمل الياء في لغة من أضاف ولا من جعله اسما واحدالا على ما أورده النحويون فلهم فيه أقاويل مسطورة

وهل مذهبُهم في أن هُدَى وسُرَى مصدران صحيح أم لا

وهل يوجد فعل زائد على ما ذكره سيبويه واستدركه الأخفش عليه أم لا

وكم حرف يوجد إن وجد

وهل بِيض في قولهم: حمزة بن بيض علم أم لاوما معناه في اللغة ووزنه في النحومقيسا لا مسموعاعلى ما ذكرناه نحن في هذه الرسالة

ولم اختاروا أنْ مع عَسى وكرهوها مع كادَ.

فإن قال: لست أتشاغل بعلوم المعلمينوإنما آخذ بمذهب الجاحظ إذ يقول: علمُ النسب والخبر علم الملوك.

قلنا له: فمَنْ أبو جلدة فإن أبا خلدة معروف

وما العاصوما اشتقاقهفإن العاص معروف ومَن جِنسه بالتخفيف لا بالتشديد مفتوح الأول فإنه بالتشديد وضمِّ أوله معروف

ص: 474

ومن معدي كرب غير صاحب: // من الوافر //

(أمِن رَيْحانة الدَّاعي السَّمِيع)

فإن هذا معروف.

وما اسمُ امرئ القيس على الصحة لا على الظاهروعلى أن في اشتقاقِه كلاما طويلا فإنه معروف.

ومن شهل غير الفند الزمانيفإن الزِّمَّانيّ معروف.

ومن شَهْم بالشين فإنه بالسين معروف

ومن الزُّبير غير الأسدي واليهودي فكلاهما معروف

ومن الزَّبير بفتح الزاي فإنه بضمِّها على ما قدمناه معروف

ومن القائل: // من الطويل //

(وقافية لججتها فرددتها

لذي العرش لو نهنهتها قطرت دما)

أرَجُل أم امرأة

وهل صفية الباهلية قلب أم مولاة

وهل المستشهد بشعر في الغريب المصنف أبو مُكَعِّب أو أبو مكعث بالباء أو التاءوفي أي زمان كانوأيهما كان اسمه ومن أي شيء اشتقاقُه

ومن النطف الذي يضرب به المثل

ومن العكمصوما أسأل عن تفسيره فإنه في اللغة معروف.

ومن ذو طِلَال بالتشديد فإنه بالتخفيف معروف وكذلك ذو ظلال

ص: 475

وما خوعي فإن خوعي معروفوهل أخطأ ابن دريد في هذه اللفظة أو أصاب

وما تقول في عَدْنان غير الذي ذكره مولى بني هاشم فإنه معروفوهل يخالف فيه أم لا

وهل حبيب والد ابن حبيب العالم رجل أم امرأة وهل هو لِغيَّة أو لرِشْدة

ومن أجمد بالجيم فإنه بالحاء كثير

ومن زبد بالباءفأما زند بالنون فمعروف.

ومَن روى عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعلى آله: (لا يمنع جار جاره أن يجعل خشبة في حائطه) فقال خشبة واحدة وقالوا كلهم: خشبهُ مضافا.

ومن يُكْثر ذكر الحَضْرمي في شِعر من العرب

والنَّبيذُ هذا المشروب هل كان معروف الاسم أم لا عند العرب

ومن روى عن ظِئْر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعلى آله أنها قالت في شاتها وكانت لا تعدي أحدا وما معناه

ومن تَفَرَّد من أهل العلم بنصرة ذي الرمة وتغليط الأصمعي في تغليطه في قوله:

(إيه عَن أمِّ سالمِ) .

لا على ما قاله النحويون من التعريف والتنكير فإن ذلك معروف.

ص: 476

ومَن قال في المتنبئة أنها سَجَاح مثل قطامومن قال سَجَاحٍ مثل غَمَامٍ غير مبني.

ولم سمي خليد الشاعر عيسى

ومن عمي الذي تنسب إليه الصكة فيقال: صكة عميوهل ذكر في شِعْر. ومَن ذَكره

ومن غَوِيّ الذي تنسبُ العربُ إليه الضلال

ومن ذكره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آلهوما كرب المنسوب إلى معدي كرب.

وهل أصابَ المبرد في نسبة الأبيات الجيمية: // من الخفيف //

(لما دَعا الدَّعوةَ الأولى فأَذكرني

أخذت بُرْدَيَّ واسْتَمْرَرتُ أدْراجي)

أم خطأ

فإن قال: إنه صاحبُ آثار وراوي سننِ وأحكام قلنا له: ما معنى قول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعلى آله (مِنْ سعادة المرء خِفّة عارضَيه) وهو صلى الله عليه وسلم وعلى آله لم يكنْ خفيفَ العارضين لا على ما فسره المبرَّد فإنه لم يأت بشيء.

وما معنى قوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله (تسحَّروا فإن في السَّحور بركة) ونحن نراه ربما هاض وأتْخَم وضر وأَبْشم

وما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: وعلى آله (اتقوا النار ولو بشق تمرة) ولو سرق سارق جلة تمْر فتصدَّق بنصفها كان مستحقا للنار عند المسلمين

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله: (لا تزال الأنصار يقلون وتكثر الناسَ) ولو شِئنا لعَدَدْنا أشخاصهم أكثر مما كانت في البادية والحضر.

ص: 477

وما معنى قوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه: (إنَّ امرأَ القيس حامل لواء الشعراء إلي النار) وهل ثبت هذا الخبر أم لاولم قال: (إن من الشعرِ لحِكمة) ثم قال صلى الله عليه وسلم وعلى آله: (أوتيت جوامعَ الكلم) فهل تخرج الحكمة من جوامع الكلم

فإن قال: إنما أفنيتُ عمري في القرآن وعلومه وفي التأويل وفنونه.

قلنا: إذا يكون التوفيق دليلُك والرَّشاد سبيلك صِفْ لنا كيف التحدي بهذا المعجز ليتم بوقوعه الإعجازوأخبرنا عن صفة التحدِّي هل كانت العربُ تعرفه أم كان شيئا لم تجر عادتها بهوكان إقصارها عنه لا لِعَجْز بل لأنه التماس ما لم تجر المعاملة بينهم بِمثله ثم نسأل عن التحدِّي هل أوفى بمعارضَة بانَ تقصيرُها عنه أو لم يلق بمعارضة ولكن القوم عدلوا إلى السيف كما عدل المسلمون مع تسليمه ولم يُعارضوه به.

ثم نسأل عن قول اللَّه تعالى {لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} وفيه من الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه ما لا يكون أشدَّ اختلافا منه.

ثم نسأل عن قوله تعالى: {وغَرَابِيبَ سُودٍ} .

وما معنى هذه الزيادة في الكلام والغرابيب هي السود.

فإن قال: تأكيد فقد زل لأن رجحان بلاغة القرآن إنما هو بإبلاغ المعنى الجليل المستوعب إلى النفس باللفظ الوجيز وإنما يكون الإسهاب أبلغ في كلام البشر الذين لا يتناولون تلك الرتبة العالية من البلاغة على أنه لو قال تأكيد لخرجَ عن مذهب العرب لأن العرب تقول أسود غِرْبيب وأسود حلكوك وحالك فتقدم السواد الأشهر ثم تؤكده وهو الآية تخالفُ ذلك وإذا بطل التأكيد فما المعنى

وما معنى قوله تعالى {فَخَرَّ عَلَيْهِمْ السَّقْفَ مِنْ َفْوقِهِمْ} وهل يكون سقفٌ من تحتهم فيقع ليس يحتاج إلى ايضاحه بذكْر فوق ونحوه: يخافون ربهم من

ص: 478

فوقهم) (النحل: 50) وهل لهم ربٌّ من تحتهم. وما معنى قوله فوق هاهناوهل يدل على اختصاص مكان

وما معنى قوله عز وجل {كَلَمْحِ الْبَصَرِ أو هُوَ أَقْرَبُ} وما هذا الأقربوما معنى قوله تعالى {فَهِيَ كَالْحِجَارةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةٍ} وهل شيءٌ أشد قَسْوة من الحجارة

وما مَعنى قوله: {إلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} وهل بعد قوله: (إلهين) إشكال بأنهم أربعة فنستفيد بقوله اثنين بيانَ المعنى

وما معنى قوله تعالى: {وَمنْ دَخَله كَانَ آمِناً} وقد رأينا الناسَ يُذبحون بين الحِجْر والمقام في الفِتن التي لا تخلو منها تلك البلاد.

وما معنى قوله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إحْدَاهُما فَتُذَكِّر إحْدَاهُما الأُخْرَى} وما الفائدة في ذكر إحداهما الأخرى ولو قال تعالى: فتذكرها الأخرى لكان أوجز وأشبه بالمذهب الأشرف في البلاغة.

وما معنى قوله تعالى: {أوْ يَأْخُذُهُمْ عَلَى تَخوّف فَإنّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيْمٌ} ومن أين تُناسبُ الرأفة والرحمة هذا الأخْذَ الشديد على التخوف الذي يقتضي العفوَ والغُفران

وعلى أن هذا السائل لو سأل عن الصناعة التي أنا بها مُرتَسِم ولشروطها ملتزم لا في الترسل فإني ما صحبت بها ملكاولكن في صناعة الخراج لكان يجب أن يقولَ لي: ما الباب المسمى المجموع من الجماعة وأين موضعه منهاوأي شيء يكون فيه ولا يحسن ذِكره في غيره وأن يقول: ما الفائدةُ في إيراد المستخرج في الجماعة. ومِن كم وَجْهٍ يتطرق الاختلال عليها بالغاية منهاوأن يقولَ: ما الحكُم في متعجل الضمان قبل دخول الضامن. وأي شيء يجب أن يوضع منه إذا أراد الكاتب الاحتساب به للضَّامن من النفقات وخلصه من جاري العملوفيه أقوال تحتاجُ إلى

ص: 479