المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌معرفة الحقيقة والمجاز - المزهر في علوم اللغة وأنواعها - جـ ١

[الجلال السيوطي]

فهرس الكتاب

- ‌وهذا فهرست انواعه

- ‌(تصدير)

- ‌النوع الأول

- ‌معرفة الصحيح ويقال له الثابت والمحفوظ

- ‌(رأي ابن جني)

- ‌(آراء في علم اللغات)

- ‌تنبيهات

- ‌أقسام العرب

- ‌(حد الوضع)

- ‌مناسبة الألفاظ للمعاني

- ‌(شرائط اللغة)

- ‌(سعة اللغة)

- ‌(أبنية الكلام)

- ‌(بداية التصنيف في اللغة)

- ‌ذِكْرُ قَدْحِ الناس في كتاب العين

- ‌النوع الثاني

- ‌معرفة ما روي من اللغة ولم يصح ولم يثبت

- ‌النوع الثالث

- ‌معرفة المتواتر والآحاد

- ‌(ألفاظ مستعملة أصلها أعجمي)

- ‌النوع الرابع

- ‌معرفة المرسل والمنقطع

- ‌النوع الخامس

- ‌معرفة الأفراد

- ‌النوع السادس

- ‌معرفة من تُقْبَل روايته ومَن تُرَد

- ‌النوع السابع

- ‌معرفة طرق الأخذ والتحمل

- ‌(القراءة على الشيخ)

- ‌(السماع على الشيخ)

- ‌(الإجازة)

- ‌النوع الثامن

- ‌معرفة المصنوع

- ‌ذكر أمثلة من الألفاظ المصنوعة:

- ‌النوع التاسع

- ‌معرفة الفصيح

- ‌الفصل الأول في معرفة الفصيح من الألفاظ المفردة

- ‌ الغَرَابة

- ‌(التنافر)

- ‌(مخالفة القياس)

- ‌الفصل الثاني في معرفة الفصيح من العرب

- ‌النوع العاشر

- ‌معرفة الضعيف والمنكر والمتروك من اللغات

- ‌أسماء الأيام في الجاهلية

- ‌(أسماء الشهور)

- ‌النوع الحادي عشر

- ‌معرفة الردىء المذموم من اللغات

- ‌النوع الثاني عشر

- ‌معرفة المطرد والشاذ

- ‌النوع الثالث عشر

- ‌معرفة الحوشي والغرائب والشواذ والنوادر

- ‌ذكر أمثلة من النوادر

- ‌النوع الرابع عشر

- ‌النوع الخامس عشر

- ‌(معرفة المفاريد)

- ‌النوع السادس عشر

- ‌معرفة مختلف اللغة

- ‌فوائد:

- ‌النوع السابع عشر

- ‌معرفة تداخل اللغات

- ‌النوع الثامن عشر

- ‌معرفة توافق اللغات

- ‌النوع التاسع عشر

- ‌معرفة المعرَّب

- ‌ذكر أمثلة من المُعرَّب

- ‌فصل في المعرب الذي له اسم في لغة الغرب

- ‌ذكر ألفاظ شك في أنها عربية أو معربة

- ‌النوع العشرون

- ‌معرفة الألفاظ الإسلامية

- ‌النوع الحادي والعشرون

- ‌معرفة المولد

- ‌النوع الثاني والعشرون

- ‌معرفة خصائص اللغة

- ‌النوع الثالث والعشرون

- ‌معرفة الاشتقاق

- ‌النوع الرابع والعشرون

- ‌معرفة الحقيقة والمجاز

- ‌النوع الخامس والعشرون

- ‌معرفة المشترك

- ‌النوع السادس والعشرون

- ‌معرفة الأضداد

- ‌النوع السابع والعشرون

- ‌معرفة المترادف

- ‌فوائد

- ‌ذكر أمثلة من ذلك

- ‌النوع الثامن والعشرون

- ‌معرفة الإتباع

- ‌ذكر أمثلة من الإتباع

- ‌النوع التاسع والعشرون

- ‌معرفة العام والخاص

- ‌الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامس

- ‌النوع الثلاثون

- ‌معرفة المطلق والمقيد

- ‌النوع الحادي والثلاثون

- ‌معرفة المشجر

- ‌النوع الثاني والثلاثون

- ‌معرفة الإبدال

- ‌النوع الثالث والثلاثون

- ‌معرفة القلب

- ‌النوع الرابع والثلاثون

- ‌معرفة النحت (معرفته من اللوازم)

- ‌النوع الخامس والثلاثون

- ‌معرفة الأمثال

- ‌ذكر جملة من الأمثال

- ‌النوع السادس والثلاثون

- ‌معرفة الآباء والأمهات والأبناء والبنات والإخوة والأخوات والأذواء والذوات

- ‌الفصل الأول

- ‌في الآباء

- ‌الفصل الثاني

- ‌في الأمهات

- ‌الفصل الثالث

- ‌في الأبناء

- ‌الفصل الرابع

- ‌في البنات

- ‌الفصل الخامس

- ‌في الإخوة

- ‌الفصل السادس

- ‌في الأذواء والذوات

- ‌النوع السابع والثلاثون

- ‌معرفة ما ورد بوجهين بحيث يؤمن فيه التصحيف

- ‌النوع الثامن والثلاثون

- ‌معرفة ما ورد بوجهين بحيث إذا قرأه الألثغ لا يعاب

- ‌النوع التاسع والثلاثون

- ‌معرفة الملاحن والألغاز وفتيا فقيه العرب والثلاثة متقاربة وفي النوع ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول

- ‌في الملاحن

- ‌الفصل الثاني

- ‌في الألغاز

- ‌الفصل الثالث

- ‌في فتيا فقيه العرب

الفصل: ‌معرفة الحقيقة والمجاز

إنما سُمّي ثورا لأنه يُثير الأرض والثوب إنما سُمِّي ثوبا لأنه ثاب لباسا بعد أن كان غزلاحسيبه اللهكذا قال.

قال: وزعم أن القَرْنان إنما سُمّي قَرْناناً لأنه مُطيق لفجور امرأته كالثور القَرْنان أي المطيق لحمل قرونهوفي القرآن: {وما كُنَّا له مُقْرِنين} .

أي مُطيقين.

قال: وحكى يحيى بن علي بن يحيى المنجم أنه سأله بحَضْرة عبد الله بن أحمد بن حمدون النديم: من أي شيء اشتق الجرجيرفقال: لأن الريح تجرجره.

قال: وما معنى تجرجرهقال: تجرره.

قال: ومن هذا قيل للحبل الجريرلأنه يجر على الأرض.

قال: والجرة لِمَ سميت جرة قال: لأنها تجر على الأرض.

فقال: لو جرت على الأرض لانكسرتقال فالمجرَّة لم سميت مجرة قال: لأن الله جرَّها في السماء جرا.

قال فالجُرْجور الذي هو اسم المائة من الإبل لِمَ سُميت بهفقال: لأنها تجر بالأزمة وتُقاد.

قال: فالفصيل المجَرّ الذي شُق طرفُ لسانه لئلا يرضع أمه ما قولك فيهقال: لأنهم جروا لسانه حتى قطعوه.

قال: فإن جروا أذنه فقطعوها تسميه مجراقال: لا يجوز ذلكفقال يحيى بن علي: قد نَقَضْتُ العلة التي أتيتَ بها على نفسك ومن لم يدر أن هذا مناقضة فلا حس له.

انتهى.

‌النوع الرابع والعشرون

‌معرفة الحقيقة والمجاز

قال ابن فارس في فقه اللغة:

الحقيقة من قَوْلنا: حقَّ الشيء إذا وَجَب.

واشتقاقُه من الشيء المحقق وهو المحكميقال: ثَوبٌ محقّقُ النَّسج: أي مُحْكَمُه.

فالحقيقةُ: الكلامُ الموضوعُ موضعه الذي ليس باستعارة ولا تمثيل ولا تقديم فيه ولا تأخيركقول القائل: أحمد الله على نِعَمه وإحسانه.

وهذا أكثر الكلام وأكثَرُ آي القرآن وشعرُ العرب على هذا.

وأما المجاز فمأخوذٌ من جازَ يجوز إذا استن ماضياتقول جاز بنا فلان وجاز

ص: 281

علينا فارسهذا هو الأصل.

ثم تقول: يجوز أن تفعل كذا: أي يَنْفُذ ولا يُردّ ولا يُمْنع.

وتقول: عندنا دراهم وَضَح وازنة وأخرى تجوزُ جَواز الوازِنة: أي إن هذه وإن لم تكن وازِنة فهي تجوز مجازَها وجوازها لقُرْبها منها.

فهذا تأويلُ قولنا (مجاز) يعني أن الكلام الحقيقي يمضي لسَنَنه لا يُعترَض عليه وقد يكون غيره يجوزُ جوازَه لقُربه منه إلا أن فيه من تشبيهٍ واستعارةٍ وكفٍّ ما ليس في الأولوذلك كقولنا: عطاء فلان مزْنٌ واكِف.

فهذا تشبيه وقد جاز مجاز قوله: عطاؤُه كثيرٌ وافٍ.

ومن هذا قوله تعالى: {سَنَسِمُه عَلَى الخُرْطُومِ} .

فهذا استعارة.

وقال ابن جني في الخصائص: الحقيقية ما أُقِرّ في الاستعمال على أصل وضعه في اللغة والمجازُ: ما كان بضد ذلك وإنما يقع المجازُ ويُعْدَل إليه عن الحقيقة لمعانٍ ثلاثة: وهي الاتساع والتوكيد والتشبيه فإن عُدِمت الثلاثة تعيَّنت الحقيقة فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الفرس: (هو بحر) فالمعاني الثلاثة موجودة فيه:

أما الاتساع فلأنه زاد في أسماء الفرس - التي هي فرَس وطِرْف وجَواد ونحوها - البحرحتى إنه إن احتِيج إليه في شعر أو سجع أو اتِّساع استعمل استعمال بقية تلك الأسماءلكن لا يفضي إلى ذلك إلا بقرينة تُسْقِط الشبهة وذلك كأن يقول الشاعر: // من الوافر //

(عَلوت مطا جوادك يوم يوم

وقد ثمد الجياد فكان بحرا)

وكأن يقول الساجع: فرسك هذا إذا سما بغرته كان فجراوإذا جرى إلى غايته كان بحرافإن عري من دليل فلالئلا فلا يكون إلباسا وإلغازا.

ص: 282

وأما التشبيه فلأن جَرْيه يجري في الكثرة مجرى مائه.

وأما التوكيد فلأن شبه العَرَض بالجوْهر وهو أثبت في النفوس منه.

وكذلك قوله تعالى: {وأدْخَلْناهُ في رحمتِنا} هو مجاز وفيه المعاني الثلاثة:

أما السعة فلأنه كأنه زاد في اسم الجهات والمحال اسما هو الرحمة.

وأما التشبيه فلأنه شبَّه الرحمة - وإن لم يصح دخولها - بما يجوزُ دخولهفلذلك وضعَها موضعه.

وأما التوكيد فلأنه أخْبر عن المعنى بما يُخْبرَ به عن الذات.

وجميعُ أنواع الاستعارات داخلة تحت المجاز كقوله: // من الكامل //

(غَمْر الرِّداءِ إذا تَبَسَّم ضاحكا

غَلِقَت لضَحْكَتِه رقاب المال)

وقوله: // من الطويل //

(ووجه كأنَّ الشمس حَلَّت رِدَاءها

عليه نقي الخد لم يَتَخَدّد)

جعل للشمس رداء استعارة للنورلأنه أبلغ.

وكذلك قولك: (بنيتُ لك في قلبي بيتا) مجاز استعارة لما فيه من الاتساع والتوكيد والتشبيه بخلاف قولك: (بنيت دارا) فإنه حقيقة لا مجازَ فيه ولا استعارة وإنما المجاز في الفعل الواصل إليه.

قال: ومن المجاز في اللغة أبوابُ الحذف والزيادات والتقديم والتأخير والحَمْل على المعنى والتحريف: نحو {واسأل القرية} ووجه الاتساع فيه أنه استعمل لفظ السؤال مع ما لا يصح في الحقيقة سؤاله والتشبيه أنها شُبّهت بمن يصح سؤاله لِمَا كان بها والتوكيد أنه في ظاهر اللفظ أحالَ بالسؤال على مَنْ ليس من عادته الإجابة فكأنهم ضمنوا لأبيهم أنه إن سأل الجمادات والجِمَال أنبأته بصحة قولهموهذا تناهٍ في تصحيح الخبر.

ص: 283

قال: واعلم أن أكثر اللغة مع تأمله مجاز لا حقيقة ألا ترى أن نحو (قام زيد) معناه كان من القيام أي هذا الجنس من الفعلومعلوم أنه لم يكن منه جميع القيام وكيف يكون ذلك وهو جنسٌ والجنسُ يُطْلَق على جميع الماضي وجميع الحاضر وجميع الآتي من الكائنات من كل من وجد منه القيامومعلوم أنه لا يجتمعُ لإنسان واحد في وقتٍ واحد ولا في أوقاتٍ القيامُ كلُّه الداخل تحت الوهم.

هذا محالفحينئذ (قام زيد) مجاز لا حقيقة على وضع الكلِّ موضع البعض للاتساع والمبالغة وتشبيه القليل بالكثيرويدل على انتظام ذلك لجميع جنسِه أنك تقولهُ في جميع أجزاء ذلك الفعلفتقول: قمت قومة وقومتين وقياما حسناوقياما قبيحافإعمالك إياه في جميع أجزائه يدل على أنه موضوعٌ عندهم على صَلَاحه لتناول جميعها وكذلك التأكيد في قوله: لعمري لقد أَحْبَبْتُك الحب كله.

وقوله: // من الطويل //

(يَظُنّان كلَّ الظَّنّ أنْ لا تَلَاقِيَا)

يدلان على ذلك.

قال لي أبو علي: قولنا: (قام زيد) بمنزلة قولنا: (خرجتُ فإذا الأسد) .

ومعناه أن قولهم: (خرجت فإذا الأسد) تعريفه هنا تعريف الجنسكقولك: (الأسد أشدُّ من الذئب) .

وأنت لا تُريد أنك خرجتَ وجميعُ الأُسْد التي يتناولها الوَهْم على الباب.

هذا محالوإنما أردت: فإذا واحد من هذا الجنس بالبابفوضعت لفظ الجماعة على الواحد مجازالما فيه من الاتساع والتوكيد والتشبيه:

أما الاتساع فلأنك وضعتَ اللفظ المعتادَ للجماعة على الواحد.

وأما التوكيد فلأنك نَظَمْت قدرَ ذلك الواحد بأن جئتَ بلفظه على اللفظ المعتاد للجماعة.

وأما التشبيه فلأنك شبَّهتَ الواحد بالجماعة لأن كل واحد منها مثله في كونه أسداوإذا كان كذلك فمثلُه: (قعد زيد وانطلق)(وجاء الليل) و (انصرم النهار) .

وكذلك ضربت زيدامجازا أيضا من جهة أخرى سوى التجوز في الفعل

ص: 284

وذلك لأن المضروب بعضه لا جميعهوحقيقة الفعل ضرب جميعهولهذا يؤتى عند الاستظهار ببدل البعض نحو ضربت زيدا رأسه.

وفي البدل أيضا تجوزلأنه قد يكون المضروب بعضَ رأسه لا كلَّ الرأس.

قال: ووقوع التوكيد في هذه اللغة أقوى دليلا على شيوع المجاز فيها.

انتهى كلامُ ابن جني - ملخصا.

فصل - قال الإمامُ فخرُ الدين وأتباعُه: جهاتُ المجاز يحضرُنا منها اثنا عشَر وجها:

أحدها: التجوُّز بلفظ السبب عن المسبب ثم الأسباب أربعة: القابل كقولهم: سال الوادي.

والصورى كقولهم لليد: إنها قدرة.

والفاعل كقولهم: نزل السحاب أي المطر الغائيكتسميتهم العنب بالخمر.

الثاني - بلفظ المسبب عن السببكتسميتهم المرض الشديد بالموت.

الثالث - المشابهة كالأسد للشجاع.

الرابع - المضادة كالسيئة للجزاء.

الخامس والسادس - اسم الكل للجزءكالعام للخاص واسم الجزء للكلكالأسود للزنجي.

السابع - اسمُ الفعل على القوة كقولنا للخَمْرة في الدن: إنها مُسْكِرة.

الثامن - المشتق بعد زوال المصدر.

التاسع - المجاورة كالرَّاوِية للقِرْبة.

العاشر - المجاز العرفي وهو إطلاق الحقيقة على ما هجر عرفاكالدابة للحمار.

الحادي عشر - الزيادة والنقصانكقوله: ليس كَمِثْلِه شيءٌ.

{واسْأَل القَرْية}

الثاني عشر - اسم المتعلق على المتعلق به كالمخلوق بالخَلْق.

قالوا: ولا يدخل المجاز بالذات إلا على أسماء الأجناس أما الحَرْف فلا يفيد

ص: 285

وحده بل إنْ قُرِن بالملائم كان حقيقةً وإلا كان مجازا في التركيبوأما الفعل فإنه يدل على المصدر واستناده إلى موضوع.

والمجاز في الإسناد عقلي وفي المصدر يستتبع تجوز العقل فلا يكون بالذات.

وأما الأسماء فالأعلام منها لم تُنْقل بعلاقة فلا مجاز فيها والمشتقات تتبع الأصولفلم يبق إلا أسماءُ الأجناس.

قالوا: والمجازُ إما لأجل اللفظ أو المعنى أو لأجلهما فالذي لأجل اللفظ إما لأَجْل جَوْهره بأن تكون الحقيقة ثقيلة على اللسانإما لِثِقل الوزن أو تنافر التركيب أو ثقل الحروف أو عوارضه بأن يكون المجازُ صالحا لأصْناف البديع دون الحقيقة.

والذي لأجل المعنى إما لعظَمةٍ في المجاز أو حقارة في الحقيقة أو لبيان في المجاز أو لِلُطف فيه: أما العظمة فكالمجلس وأما الحقارة فكقضاء الحاجة بدلا عن التغوط وأما زيادة البيانفإما لتَقْويةِ حال المذكور كالأسد للشجاع أو للذكر وهو المجاز في التأكيد.

وأما التلطيف فنقولُ: إنه لا شوقَ إلى الشيء مع كمال العلم به ولا كمالِ الجهل به بل إذا عُلم من وجهٍ شَوَّق ذلك الوجهُ إلى الآخر فتتعاقب الآلام واللذات ويكونُ الشعورُ بتلك اللذات أتموعند هذا فالتعبيرُ بالحقيقة يفيدُ العلم.

والتعبير بلوازم الشيء الذي هو المجاز لا يفيدُ العلم بالتمام فيحص دَغْدَغة نَفْسانية فكان المجاز آكَدَ وألطف.

انتهى.

وذكر القاضي تاج الدين السبكي في شرح منهاج الأصول: أن المجاز يدخُل في الأعلام التي تُلْمَح فيها الصفة كالأسْوَد والحرثونقله عن الغز اليفيستثنى هذا مما تَقَّدّم.

تنبيه - قال الإمام وأتباعه: المجاز خلاف الأصللأنه يتوقف على الوضع لأول والمناسبة والنقلوهي أمورٌ ثلاثة.

والحقيقة على الوَضْع وهو أحدُ الثلاثة فكان أكثرولأن المجاز لو ساوى الحقيقة لكانت النصوص كُلُّها مجملة بل المخاطبات.

فكان لا يحصلُ الفهمُ إلا بعد الاستفهام.

وليس كذلك ولأن لكل

ص: 286

مجاز حقيقة ولا عكسيدل عليه أن المجاز هو المنقول إلى معنى ثان لمناسبة شاملة والثاني له أول وذلك الأول لا يجب فيه المناسبة.

قال القاضي تاج الدين السبكي في شرح المنهاج: الأصلُ تارة يطلق ويراد به الغالب وتارة يردا به الدليل فقولهم: المجاز خلاف الأصلإما بمعنى خلاف الغالب والخلاف في ذلك مع ابن جني حيث ادعى أن المجاز غالب على اللغات أو بالمعنى الثاني والفرض أن الأصل الحقيقة والمجاز خلاف الأصلفإذا دار اللفظ بين احتمال المجاز واحتمال الحقيقة فاحتمالُ الحقيقة ارجح.

فصل - قال القاضي عبد الوهاب في كتاب الملخص: اعلم أن الفرق بين الحقيقة والمجاز لا يُعْلم من جهة العقل ولا السمع ولا يُعلم إلا بالرجوع إلى أهل اللغة والدليل على ذلك أن العقلَ متقدم على وَضْع اللغة فإذا لم يكن فيه دليل على أنهم وضعوا الاسم لمسمى مخصوص امتنع أن يُعْلم به أنهم نقلوه إلى غيرهلأن ذلك فرعُ العلم بوضعه وكذلك السمع إنما يَرِد بعد تقرر اللغة وحصول المواظبة وتمهيد التخاطب واستمرار الاستعمال وإقرار بعض الأسماء فيما وُضع له واستعمال بعضها في غير ما وضع لهفيمتنع لذلك أن يُقال إنه يعلم به أن استعمال أهل اللغة لبعض الكلام هو في غير ما وُضع له لامتناع أن يُعلم الشيء بما يتأخر عنه.

قال: فمن وجوه الفرق بين الحقيقة والمجاز أن يُوقِفنا أهلُ اللغة على أنه مجاز ومستعمل في غير ما وُضع له كما وَقَفونا في استعمال أسد وشجاع وحمار في القوي والبليد وهذا من أقوى الطرق في ذلك.

ومنها: أنْ تكون الكلمةُ تصرَّف بتثنية وجمع واشتقاق وتعلَّق بمعلوم ثم تجدها مستعملة في موضع لا يثبت ذلك فيهفيعلم بذلك أنها مجازمثل لفظة أمرفإنها حقيقة في القول لتصرفها بالتثنية والجمع والاشتقاقتقول: هذان أمران وهذه أوامر الله وأوامر رسوله وأمَر يأمر أمرا فهو آمر.

ويكون لها تعلق بآمرومأمور به ثم تجدها مستعملة في الحال والأفعال والشأن عارية من هذه الأحكامفيعلم أنها فيه مجازمثل: وما أَمْرُ فِرْعَوْنَ برَشيد يريدُ جملة أفعاله وشأنه.

ومنها: أن تطَّرد الكلمةُ في موضع ولا تطَّرد في موضع آخر من غير مانع

ص: 287

فيستدل بذلك على كونها مجازاوذلك لأن الحقيقة إذا وُضِعت لإفادة شيء وجب اطرادها وإلا كان ذلك ناقصا للغة فصار امتناع الاطراد مع إمكانه دالا على انتقال الحقيقة إلى المجازوذلك كتسمية الجد أبا فإنه لا يطرد وكذا تَسْمية ابن الابن ابنا.

قال: ومنها ما ذكره القاضي أبو بكر من أن تقوية الكلام بالتأكيد من علامات الحقيقة دون المجازلأن أهل اللغة لا يقوون المجاز بالتأكيدفلا يقولون أراد الجدارُ إرادة ولا قالت الشمس قولاكطلعت طلوعاوكذلك ورد الكلام في الشرع لأنه على طريق اللغة.

قال تعالى: {وكلَّمَ اللَّه مُوسَى تكليما} فتأكيده بالمصدر يفيد الحقيقة أنه أسمعه كلامه وكلمه بنفسه لا كلاما قام بغيره.

انتهى ما ذكره القاضي عبد الوهاب.

وقال الإمام وأتباعه: الفرقُ بين الحقيقة والمجاز إما أن يقعَ بالتنصيص أو بالاستدلال.

أمَّا التَّنصيصُ فمن وجهين: أحدهما - أن يقول الواضِعُ: هذا حقيقةٌ وذاك مجاز أو يقول ذلك أئمةُ اللغة.

قال الصفي الهندي: لأن الظاهرَ أنهم لم يقولوا ذلك إلا عن ثقة.

والثاني - أن يقول الواضعُ هذا حقيقة أو هذا مجازفيثبت بهذا أحدهما.

وهو ما نص عليه.

وأما الاستدلال فبالعلاماتفمن علامات الحقيقة تبادرُ الذهن إلى فَهم المعنى والعَراء عن القرينة أي إذا سمعنا أهل اللغة يعبرون عن معنى واحد بعبارتين ويستعلمون إحداهما بقرينة دون الأخرى فنعرفُ أن اللفظَ حقيقةٌ في المستعملة بدون القرينة لأنه لولا استقرار أنفسهم على تعين ذلك اللفظ لذلك المعنى بالوَضْع لم يقتصروا عادة.

ومنْ علامات المجاز: إطلاقُ اللفظ على ما يستحيل تَعَلُّقه به واستعمال اللفظ في المعنى المنسي كاستعمال لفظ الدابَّة في الحمار فإنه موضوع في اللغة لكل ما يدب على الأرض.

وفي تعليق أَلِكْيَا: قد ذكر القاضي أبو بكر فروقا بين الحقيقة والمجازفمن ذلك أن الحقيقة يُقاسُ عليها والمجازُ لا يقاسُ عليه.

فإنَّ من وجد منه الضَّرب

ص: 288

يقال: ضرب يضرب فهو ضاربفيطلق هذا الاسم على كل ضرب إذ هو حقيقةٌْ فيُطْلَق ذلك على من كان في زَمَن واضِع اللغة وعلى مَنْ يأتي بعدَه ولا يُقال: اسأل البساط واسأل الحصير واسأل الثوب بمعنى صَاحبه قياسا على {واسأل القَرْيةَ} .

الثاني - إن الحقيقة يشتق منها النعوت يقال أمر يأمر فهو آمر والمجازُ لا يشتق منه النعوت والتفريعات

الثالث إنَّ الحقيقة والمجاز يفترقان في الجمع فإن جمع (أمْر) الذي هو ضد للنهي أوَامر وجمع الأمر الذي هو بمعنى القَصْد والشأن أمور.

فوائد: الأولى - قال ابنُ برهان في كتابه في الأصول: اللغة مشتملة على الحقيقة والمجاز وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني: لا مجازَ في لغة العرب.

وعُمْدَتنا في ذلك النقلُ المتواتر عن العربلأنهم يقولون: استوى فلان على مَتْن الطريق ولا مَتْنَ لها وفلان على جناح السفر ولا جناح للسفر وشابَتْ لمَّةُ الليل وقامت الحَرْبُ على ساق.

وهذه كلها مجازاتومنكر المجاز في اللغة جاحدٌ للضرورة ومبطل محاسن لغة العرب.

قال امرؤ القيس: // من الطويل //

(فقلتُ له لما تَمَطَّى بصُلبه

وأردَف أعجازا وناء بِكَلْكَلِ)

وليس لليلٍ صُلْب ولا أرْداف.

وكذلك سموا الرجل الشجاع أسداوالكريم والعالم بحرا والبليد حمارالمقابلة ما بينه وبين الحمار في معنى البلادة والحمارُ حقيقةٌ في البهيمة المعلومة.

وكذلك الأسدُ حقيقة في البهيمة ولكنه نُقل إلى هذه المستعارات تجوّزاً.

وعمدة الأستاذ أن حدَّ المجاز عند مُثْبتيه أنه كلُّ كلام تجوّزَ به عن موضوعه الأصلي إلى غير موضوعه الأصلي لنوع مقارنةٍ بينهما في الذات أو في المعنى: أما المقارنة في المعنى فكَوَصْف الشجاعة والبلادة وأما في الذات فكتسمية المطر سماءوتسمية الفضلة غائطاوعذرة والعَذِرَة: فناء الدار والغائط: الموضع المطمئن من الأرض كانوا يرتادونه عند قضاء الحاجة فلما كَثُر ذلك نُقِل الاسمُ إلى الفَضْلة وهذا يستدعي منقولا عنه متقدما إليه متأخراوليس في لغة العرب تقديم وتأخيربل كلُّ زمان قُدِّر أن العرب قد نطقَتْ فيه بالحقيقة فقد نطقت فيه

ص: 289

بالمجازلأن الأسماء لا تدل على مدلولاتها لذاتهاإذ لا مُناسبة بين الاسمِ والمسمَّى ولذلك يجوز اختلافها باختلاف الأمم ويجوز تغييرها والثوب يسمى في لغة العرب باسم وفي لغة العَجَم باسم آخر ولو سمي الثوب فرساوالفرس ثوبا ما كان ذلك مستحيلابخلاف الأدلة العقلية فإنها تدل لذواتهاولا يجوز اختلافهاأما اللغة فإنها تدلُّ بوضعٍ واصطلاح والعرب نطقَتْ بالحقيقة والمجاز على وجهٍ واحدٍ فجعلُ هذا حقيقة وهذا مجازا ضربٌ من التحكم فإن اسمَ السبع وضع للأسد كما وضع للرجل الشجاع.

وطريق الجواب عن هذا أنا نسلم له أن الحقيقةَ لا بدَّ من تقديمها على المجازفإن المجاز لا يُعْقل إلا إذا كانت الحقيقة موجودة ولكن التاريخَ مجهولٌ عندنا والجهلُ بالتاريخ لا يدلُّ على عدم التقديم والتأخير.

وأما قوله: إنَّ العربَ وضعت الحقيقة والمجاز وضعا واحدا فباطلبل العربُ ما وَضعت الأسد اسما لعين الرجل الشجاعبل اسم العَين في حق الرجل هو الإنسانُ ولكن العربَ سمَّت الإنسانَ أسدا لمشابهته الأسد في معنى الشجاعة فإذا ثبت أن الأسامي في لغة العرب انقسمت انقساما معقولا إلى هذين النوعينفسمينا أحدهما حقيقة والآخر مجازافإن أنكَرَ المعنى فقد جحد الضرورة وإن اعترف به ونازع في التسمية فلا مشاحة في الأسامي بعد الاعتراف بالمعانيولهذا لا يفهَم من مُطْلَق اسم الحمار إلا البهيمة وإنما ينصرف إلى الرجل بقرينة ولو كان حقيقة فيهما لتناولهما تناولا واحدا.

انتهى.

وقال إمام الحرمين في (التلخيص) والغزالي في (المنخول) : الظن بالأستاذ أنه لا يصح عنه هذا القول.

وقال التاج السبكي في شرح منهاج الأصول: نقلت من خط ابن الصلاح أن أبا القاسم بن كج حكى عن أبي علي الفارسي إنكارَ المجاز كما هو المحكي عن الأستاذ.

قلت: هذا لا يصحُّ أيضافإن ابنَ جني تلميذُ الفارسي وهو أعلم الناس بمذهبه ولم يحكِ عنه ذلك بل حكى عنه ما يدلُّ على إثباته.

قال ابن السبكي: وليس مرادُ مَنْ أنكرَ المجازَ في اللغة أن العربَ لم تَنْطق بمثل

ص: 290

قولك للشجاع: (إنه أسدٌ) فإن ذلك مُكابرةٌ وعنادولكن هو دائرٌ بين أمرين إما أن يَدَّعي أنَّ جميع الألفاظ حقائق ويكتفي في الحقيقة بالاستعمال وإن لم يكن بأصْل الوضع وهذا مسلم ويعود البحث لفظياوإن أراد استواءَ الكلِّ في أصل الوضع.

قال القاضي في مختصر التقريب: فهذه مراغمة للحقائقفإنا نعلمُ أن العرب ما وضعت اسم الحمار للبليد.

الثانية - قال الإمام وأتباعه: اللفظُ يجوز خلوه عن الوصفينفيكون لا حقيقة ولا مجازا لغويافمن ذلك اللفظُ في أول الوَضع قبل استعماله فيما وُضع له أو في غيره ليس بحقيقة ولا مجازلأن شرط تحقق كل واحد من الحقيقة والمجاز الاستعم الفحيث انْتَفَى الاستعمال انتفيا ومنه الأعلام المتجدِّدة بالنسبة إلى مسمياتهافإنها أيضا ليست بحقيقةٍ لأن مستعمِلَها لم يستَعْمِلها فيما وضعت له أولابل إما أنه اختَرعها من غير سَبْق وَضع كما في الأعلام المُرْتجلة أو نقلها عما وضعت له كالمنقولة وليست بمجازلأنها لم تنقل لعلاقة.

قال القاضي تاج الدين السبكي: وقد ظهر أنَّ المراد بالأعلام هنا الأعلامُ المتجددة دون الموضوعة بوَضع أهل اللغة فإنها حقائق لغوية كأسماء الأجناسوقد ألحق بعضُهم بذلك اللفظ المستعمل في المشاكلة نحو: {وجزاءُ سيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلها} .

فذكر أنه واسطةٌ بين الحقيقة والمجاز وهو ممنوعٌ كما بيَّنْتُه في الإتقان وغيره.

الثالثة - قد يجتمع الوصفان في لفظ واحدفيكون حقيقة ومجازا إمَّا بالنسبة إلى مَعْنيين وهو ظاهر وإما بالنسبة إلى معنى واحد وذلك من وَضْعين كاللفظ الموضوع في اللغة لمَعْنًى وفي الشرع أو العرف لمعنى آخر فيكون استعماله في أحد المعنيين حقيقة بالنسبة إلى ذلك الوَضع مجازا بالنسبة إلى الوَضع الآخر.

قال الإمام وأتْبَاعُه: ومن هذا يُعرف أن الحقيقة قد تصيرُ مجازا وبالعكس فالحقيقةُ متى قل استعمالها صارت مجازا عرفاوالمجاز متى كثر استعماله صار حقيقة عرفاوأما بالنسبة إلى معنى واحد من وَضْع واحد فمحال لاسْتحالة الجمع بين النفي والإثبات.

الرابعة - قال أهل الأصول: اللفظُ والمعنى إما أن يتحدا فهو المُفْرَد كلفظة

ص: 291