الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع السادس
معرفة من تُقْبَل روايته ومَن تُرَد
فيه مسائل:
الأولى - قال ابن فارس في فقه اللغة: تؤخذ اللغة سَمَاعاً من الرواة الثقات ذوي الصدق والأمانة ويتقى المظنون فحدَّثنا علي بن إبراهيم عن المَعْدَاني عن أبيه عن معروف بن حسان عن الليث عن الخليل قال: إن النحارير ربما أدخلوا على الناس ما ليس من كلام العرب إرادةَ اللَّبْسِ والتَّعْنيت.
قال ابن فارس: فَلْيَتَحَرَّ آخذُ اللغةِ أهل الأمانة والصِّدْق والثِّقة والعَدالة فقد بلغنا من أمر بعض مَشْيَخة بَغْداد ما بَلَغَنا.
وقال الكمال بن الأنباري في لُمَع الأدلة في أُصول النَّحْو: يُشْتَرط أن يكونَ ناقلُ اللغةِ عَدْلاً رَجلاً كان أو امرأة حرا كان أو عبدا كما يُشْترط في نقل الحديث لأن بها معرفةَ تفسيره وتأويله فاشْتُرِطَ في نقلها ما اشتُرِط في نقله وإن لم تكن في الفضيلة من شكله فإن كان ناقُل اللغة فاسقا لم يقَبل نقله.
الثانية - قال ابنُ الأنباري: يُقْبل نقْل العَدْل الواحد ولا يُشْترط أن يُوافِقَه غيرُه في النَّقل لأن الموافقة لا يخلو إما أن تُشْترط لحصول العلم أو لغَلبة الظَّن.
بطل أن يُقال لِحُصُول العلم لأنه لا يحصلُ العلمُ بنَقْل اثنين فوجب أن يكونَ لغَلَبة الظن وإذا كان لغَلَبة الظنَّ فقد حصلَ غلبةُ الظن بخبَرِ الواحد من غير مُوافقة.
وزعم بعضُهم أنه لا بد من نَقْل اثنين كالشهادة وهذا ليس بصحيح لأن النَّقْل مَبْنَاه على المُسَاهلة بخلاف الشهادة ولهذا يُسْمع من النساءِ على الانفراد مطلقا ومن العبيد ويُقبل فيه العَنْعَنَة ولا يشترط فيه الدعوى وكلُّ ذلك معدوم في الشهادة فلا يُقاسُ أحدُهما بالآخر.
انتهى
ومن أمثلة ما رُويَ في هذا الفن عن النساء والعبيد قال أبو زيد في نَوَادره: قلت لأعرابية بالعُيون ابنة مائة سنة: مالك لا تأتين أهل الرققة فقالت إني أَخْزى أن أمشي في الزقاق: أي أستحي.
وقال أبو زيد: زعموا أن امرأة قالت لابنتها: احفظي بيتك ممن لا تنشرين أي لا تعرفين.
وفي الجمهرة: قال عبد الرحمن عن عمه قال: سمعتُ أعرابية تقول لابنتها: همِّمي أصابعك في رأسي أي حرِّكي أصابعك فيه.
وفي الجمهرة: المنيئة: الدِّباغ يُدْبغ به الأديم والنَّفْس: كفٌّ من الدباغ: قال الأصمعي: جاءت جاريةٌ من العرب إلى قوم منهم فقالت: تقول لكم مولاتي: أعطوني نَفْساً أو نَفْسَين أمْعَس به مَنيئتي فإني أَفِدَة أي مُسْتَعجلة.
وفيها: قال أبو حاتم: قلتُ لأم الهيثم: ما الوَغْد فقالت: الضعيف.
فقلت: إنك قلت مرة الوغد: العبدفقالت: ومن أَوْغد منه.
وفي الغريب المصنف: قال الأصمعي أخبرني أبو عمرو بن العََلَاء قال: قال لي ذو الرمة: ما رأيت أفصح من أمة بني فلانقلت لها: كيف كان مطركم فقالت غِثْنا ما شِئْنا.
الثالثة - قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في فتاويه: اعْتُمِد في العربية على أشعار العرب وهم كُفّار لبُعْدِ التَّدليس فيها كما اعتُمِد في الطب وهو في الأصل مأخوذ عن قوم كفار لذلك.
انتهى.
ويُؤخذ من هذا أن العربيَّ الذي يُحْتَجُّ بقوله لا يشترط فيه العَدَالة بخلافِ رَاوي الأشعار واللغات.
وكذلك لم يشترطوا في العربي الذي يُحتجّ بقوله البلوغ فأخذوا عن الصبيان.
وقال ابنُ دُريد في أماليه: أخبرنا عبدُ الرحمن عن عمه الأصمعي قال: سمعتُ صِبْية بحمى ضرية يتراجزون فوقفت وصدومي عن حاجتي وأقبلتُ أكتب ما أسمعُ إذ أقبل شيخٌ فقال: أتكتبُ كلامَ هؤلاء الأقزام الأدناع
وكذلك لم أرَهم توقَّوا أشعار المجانين من العرب بل رَوَوْها واحتجُّوا بها وكُتبُ أئمة اللغة مشحونة بالاستشهاد بأشعار قيس بن ذريح مجنون ليلى لكن قال أبو محمد بن المعلى الأزدي في كتاب (الترقيص) : أخبرنا أبو حفص قال أخبرنا أبو بكر الثعلبي عن أبي حاتم قال: قال أبو العلاء العماني الحارثي: لرجل يرقص ابنته: // من الرجز //
(محكوكة العَيْنَيْن مِعْطَاءُ القَفَا
…
كأنما قدت على متن الصفا)
(تمشي على متن شِراك أعْجَفَا
…
كأنما تَنشر فيه مُصحفا)
فقلت لأبي العلاء: ما معنى قول هذا الرجل قال: لا أدريقلت إن لنا علماء بالعربية لا يَخْفَى عليهم ذلك.
قال فأْتهم.
فأتيتُ أبا عُبيدة فسألته عن ذلك فقال: ما أَطْلَعَني الله على علم الغيبفلقيت الأصمعي فسألتُه عن ذلك.
فقال: أنا أحسب أن شاعرها لو سُئل عنه لم يَدْرِ ما هو.
فلقيتُ أبا زيد فسألتهُ عنه فقال هذا المرقص اسمه المجنون بن جندب وكان مجنونا ولا يَعْرِف كلامَ المجانين إلا مجنونٌ أسألتَ عنه أحدا قلت: نعم فلم يعرفه أحدٌ منهم.
الرابعة - قال ابنُ الأنباري: نَقْل أهلِ الأهواء مقبول في اللغة وغيرها إلَاّ أن يكونوا ممن يتدينَّون بالكَذِب كالخَطَّابيّة من الرَّافِضَة وذلك لأن المُبْتدع إذا لم تكن بدعتُه حاملة له على الكَذب فالظاهرُ صِدْقه.
الخامسة - قال الكمال بن الأنباري: المجهولُ الذي لم يُعْرف ناقله نحوُ أن يقول أبو بكر بن الأنباري: حدثني رجلٌ عن ابنِ الأعرابي غيرُ مقبول لأن الجهلَ بالناقل يُوجب الجهلَ بالعَدالة.
وذهب بعضُهم إلى قبوله وهو القائل بقبول المُرسَل.
قال: لأنه نَقْلٌ صدَر ممن لا يُتَّهم في نَقْله لأن التهمة لو تطرَّقت إلى نَقْله عن المجهول لتطرقت إلى نَقْله عن المعروف.
وهذا ليس بصحيح لأن النقل عن
المجهول لم يصرَّح فيه باسم الناقل فلم يمكن الوقوفُ على حقيقة حَاله بخلاف ما إذا صُرّح باسم الناقل.
فَبان بهذا أنه لا يلزم من قبول المعروف قبولُ المجهول.
هذا كلامُ ابن الأنباري في اللُّمع.
وذكر في الإنصاف أنه لا يحتج بشعر لا يُعرَف قائلُه يعني خوفا من أن يكون لمولد فإنه أورد احتجاج الكوفيين على ذلك.
وذكر ابنُ هشام في تعليقه على الألفية مثلَه فإنه أورد الشعر الذي استدل به الكوفيون على جَواز مدّ المقصور للضرورة وهو قوله: // من الرجز //
(قد علمت أخت بني السِّعْلاء
…
وعلمت ذاك مع الجزاء)
(أن نعم مأكول على الخَوَاءِ
…
يا لَك من تَمْرٍ ومن شِيشَاءِ)
(يَنْشَبُ في المَسْعَل واللَّهَاءِ)
وقال: الجواب عندنا أنه لا يُعلَم قائله فلا حجة فيه لكن ذكر في شرح الشواهد ما يُخَالفه فإنه قال: طعن عبد الواحد الطراح صاحب كتاب بغية الآمل في الاستشهاد بقوله: // من الرجز //
(لا تكثرن إني عسِيتُ صائما)
وقال: هو بيتٌ مجهول لم يَنسبْه الشرَّاح إلى أحد فسقط الاحتجاج به.
قال ابنُ هشام: ولو صحَّ ما قاله لسقَطَ الاحتجاج بخمسين بيتا من كتاب سيبويه فإن فيه ألفَ بيت قد عُرِف قائلوها وخمسين مجهولة القائلين.
ومن أمثلة المجهولِ ناقلٌ قال أبو علي القالي في أماليه: أخبرَنا بعض أصحابنا عن أحمد بن يحيى أنه قال: حكي لنا عن الأصمعي أنه قيل له: إن أبا عبيدة يحكي وَقَع في رُوعي ووقع في جَخِيفي فقال: أما الرُّوع فنعم وأما الجَخيف فلا.
السادسة - التعديلُ على الإبهام: نحو أخبرني الثقةُ هل يُقبل فيه خلاف بين العلماء وقد استعمل ذلك سيبويه كثيرا في كتابه يَعني به الخليل وغيره وذكر المرْزُباني عن أبي زيد قال: كلُّ ما قال سيبويه في كتابه أخبرني الثقة فأنا أخبرته.
وذكر أبو الطيب اللغوي في كتاب (مراتب النحويين) : قال أبو حاتم عن أبي زيد: كان سيبويه يأتي مجلسي وله ذُؤَابتان فإذا سمعته يقول: وحدثني مَن أثقُ بعربيَّته فإنما يريدُني.
وقال ثعلب في أماليه: كان يونس يقول: حدَّثني الثقة عن العرب فقيل له: مَن الثقة قال: أبو زيد.
قيل له: فلِمَ لا تسميه قال: هو حي بعدُ فأنا لا أسميه.
السابعة - إذا قال أخبرني فلان وفلان وهما عَدْلان احتج به فإن جهل عدالة أحدهما أو قال فلان أو غيره لم يحتج.
مثال ذلك قال في الجمهرة: قال الأصمعي قال ابنُ دريد أحسبه يرويه عن يونس قال: سألتُ بعضَ العرب عن السَّبَخَة النَّشَّاشة فوصفَها لي ثم ظنَّ أني لم أفهم فقال: التي لا يجف ثراها ولا يَنْبُتُ مَرْعاها.
وقال في موضع آخرَ: أحسبه عن أبي مَهْدِيّة أو عن يونس وقال أنشد الأصمعي عن أبي عمرو أو عن يونس: // من الوافر //
(عَدَانِي أن أزورَكِ أمَّ بَكْر
…
دَيَاوِينٌ تَشَقَّقُ بالمِدَاد)
يريد تشقيق الكلام والدياوين جمع ديوان في لغة وجمعوا على هذه اللغة ديباجا على ديابيج.
وقال أبو علي القالي في أماليه: أنشدنا أبو بكر بن دريد قال أنشدنا أبو حاتم أو عبد الرحمن عن الأصمعي - الشك من أبي علي: // من الكامل //
(اقْرَأ على الوَشَل السَّلامَ وقُل له:
…
كلُّ المَشَاربِ مُذْ هَجِرتَ ذَمِيمُ)
(سَقْياً لِظلِّك بالعَشِيّ وبالضُّحَى
…
ولِبَرْدِ مائكَ والمِيَاهُ حَمِيم)
فرع - إذا سُئل العربيِّ أو الشيخ عن معنى لفظٍ فأجاب بالفعل لا بالقول يكفي.
قال في الجمهرة: ذكر الأصمعي عن عيسى بن عمر قال: سألتُ ذا الرمة عن النَّضْنَاض فلم يزدني على أن حرك لسانه في فيه.
انتهى.
قال ابنُ دريد يقال: نَضنَضَ الحيةُ لسانه في فيه إذا حرَّكه وبه سمى الحية نَضْنَاضاً.
وقال الزجاجي في شرح أدب الكاتب: سُئل رُؤْبَة عن الشَّنَبِ فأراهم حبَّة رُمّان.
وقال القالي في أماليه: سُئل الأصمعي عن العارِضَين من اللحية فوضَع يدَه على ما فوق العوارضِ من الأسنان.