الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومعرفةُ مثل هذا أنْفع من حِفْظ الألفاظ المجردة وتقليدِ اللغة مَنْ لم يكن فقيها فيها.
وقد يلهج العربُ الفصحاء بالكلمة الشاذة عن القياس البعيدة من الصواب حتى لا يتكلموا بغيرها ويدعوا المُنْقاس المطَّرِد المختار ثم لا يَجِبُ لذلك أن يُقالَ: هذا أفصحُ من المتروك.
من ذلك قول عامة العرب: إيش صنعت يريدون أي شيء ولا بشانيك يعنون لا أب لشانيك.
وقولهم: لا تبل أي لا تبالي.
ومثل تركهم استعمال الماضي واسم الفاعل: من: يَذَر ويَدَع واقتصارهم على: تَرَك وتارك وليس ذلك لأن (تَرك) أفصحُ من وَدع ووذر وإنما الفصيح ما أَفْصَحَ عن المعنى واستقام لفظهُ على القياس لا ما كثُر استعمالهُ.
انتهى.
ثم قال ابن دَرَسْتَويه: وليس كُلُّ ما ترك الفصحاءُ استعمالَه بخطأ فقد يتركون استعمال الفصيح لاستغنائهم بفصيحٍ آخر أو لعلَّة غير ذلك.
انتهى.
الفصل الثاني في معرفة الفصيح من العرب
أفصحُ الخَلْق على الإطلاق سيدُنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم حبيب رب العالمين جلَّ وعلا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا أفصح العرب) وأصحاب الغريب ورَوَوْه أيضا بلفظ: (أنا أفصَحُ من نَطق بالضاد بَيْدَ أني من قريش) وتقدم حديث: (أن عمر قال: يا رسول الله مَا لَكَ أفصحنا ولم تَخرج من بين أظْهُرِنا. .) الحديث.
وروى البَيْهَقي في شعب الإيمان عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي: (أن رجلا قال: يا رسول الله ما أفصحكفما رأينا الذي هو أعرب منك.
قال: حق لي فإنما أنزل القرآن علي بلسان عربي مبين) وقال الخطابي: اعلم أن اللهَ لما وضعَ رسوله صلى الله عليه وسلم موضع البلاغ من وَحْيه ونَصَبه مَنْصِب البيان لدينه اختار له من اللغات أعربَها ومن الألْسُن أفصحَها وأبينَها ثم أمدَّه بجوامع الكَلم.
قال: ومِنْ فصاحته أنه تكلم بألفاظ اقْتَضَبَها لم تُسْمَع من العرب قبله ولم توجد في مُتقدّم كلامها كقوله: (مات حَتْف أَنْفه)(وحَمِيَ الوطيس)(ولا يُلْدَغُ المؤمنُ من جُحرٍ مرَّتين)
في ألفاظ عديدة تَجْري مَجْرى الأمثال.
وقد يدخل في هذا إحْدَاثُه الأسماء الشرعية.
انتهى.
وأفصح العرب قريش قال ابنُ فارس في فقه اللغة: باب القول في أفصح العرب.
أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد مولى بني هاشم بقَزْوين قال حدثنا أبو الحسن محمد بن عباس الحشكي حدثنا إسماعيل بن أبي عبيد الله قال: أَجْمَع علماؤنا بكلام العرب والرُّواة لأشعارهم والعلماءُ بلُغاتهم وأيامهم ومحالِّهم أن قُرَيْشاً أفصحُ العربِ أَلْسِنَةً وأَصْفَاهُمْ لَغةً وذلك أن الله تعالى اختارَهم من جميع العرب واختارَ منهم محمدا صلى الله عليه وسلم فجعلَ قريشا قُطَّانَ حَرَمه ووُلَاةَ بَيْته فكانت وفودُ العرب من حجَّاجها وغيرهم يَفِدُونَ إلى مكة للحج ويتحاكمون إلى قريش وكانت قريشٌ مع فصاحتها وحسْن لُغاتها ورِقَّة أَلْسِنتها إذا أتتهم الوفود من العرب تخَيَّرُوا من كلامهم وأشعارهم أحسنَ لُغَاتهم وأصْفَى كلامهم فاجتمعَ ما تخَيَّرواْ من تلك اللغات إلى سلائقِهم التي طُبعوا عليها فصاروا بذلك أفصحَ العرب.
ألا ترى أنك لا تجدُ في كلامهم عَنْعَنة تميم ولا عَجْرفية قَيْس ولا كشْكَشَة أسد ولا كَسْكَسَة ربيعة ولا كَسْر أسد وقيس.
وروى أبو عبيد من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال نزل القرآن على سبع لغات منها خمسٌ بلغة العَجُز من هوازن وهم الذين يقال لهم عُلْيا هوازن وهم خمس قبائل أو أربع منها سعد بن بكر وجُشَم بن بكر ونَصْر بن معاوية وثقيف.
قال أبو عبيد: وأحسب أفصحَ هؤلاء بني سعد بن بكر وذلك لقول رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (أنا أفصح العرب بَيْدَ أني من قريش وأني نشأْتُ في بني سعد بن بكر) وكان مُسْتَرْضعاً فيهم وهم الذين قال فيهم أبو عمرو بن العلاء: أفصحُ العرب عُلْيا هَوازن وسُفْلَى تميم.
وعن ابن مسعود: إنه كان يُسْتَحَبُّ أن يكون الذين يكتبون المصاحفَ من مُضَر.
وقال عمر: لأايملين في مصاحفنا إلا غِلْمان قريش وثقيف.
وقال عثمان: اجعلوا المُمْلِي من هُذَيل والكاتبَ من ثقيف.
قال أبو عبيدة: فهذا ما جاء في لغات مضر.
وقد جاءت لغاتٌ لأهلِ اليمن في القرآن معروفةٌ ويروى مرفوعا: نزل القرآن على لغة الكَعْبَيْن كعب بن لُؤَيّ وكعب بن عمرو وهو أبو خزاعة.
وقال ثعلب في أماليه: ارتفعت قريشٌ في الفصاحة عن عَنْعَنَةِ تميم وتَلْتَلةِ بَهْرَاء وكَسْكَسَة ربيعة وكشكشة هوازن وتضجع قريش وعجرفية ضبة وفسر تَلْتَلَة بَهْرَاء بكسر أوائل الأفعال المُضَارعة.
وقال أبو نصر الفارابي في أول كتابه المسمى (بالألفاظ والحروف) : كانت قريشٌ أجودَ العرب انتقادا للأفصح من الألفاظ وأسهلها على اللسان عند النُّطْق وأحسنها مسموعا وأبينها إبانَة عما في النفس والذين عنهم نُقِلت اللغة العربية وبهم اقْتُدِي وعنهم أُخِذَ اللسانُ العربيٌّ من بين قبائل العرب هم: قيس وتميم وأسد فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثرُ ما أُخِذ ومعظمه وعليهم اتُّكل في الغريب وفي الإعراب والتَّصْريف ثم هذيل وبعض كِنانة وبعض الطائيين ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم.
وبالجملة فإنه لم يؤخذ عن حضَريٍّ قط ولا عن سكَّان البَرَاري ممن كان يسكنُ أطرافَ بلادِهم المجاورة لسائر الأمم الذين حولهم فإنه لم يؤخذ لا مِنْ لَخْم ولا من جذَام لِمُجاوَرتهم أهل مصر والقِبْط ولا من قُضاعة وغَسَّان وإياد لمجاورتهم أهل الشام وأكثرهم نصارى يقرؤون بالعبرانية ولا من تغلب واليمن فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونان ولا من بكر لمجاورتهم للقبط والفرس ولا
من عبد القيس وأزد عمان لأنهم كانوا بالبحرين مُخالطين للهِند والفُرس ولا من أهل اليمن لمخالطتهم للهند والحبشة ولا من بني حنيفة وسكان اليمامة ولا من ثقيف وأهل الطائف لمخالطتهم تجار اليمن المقيمين عندهم ولا من حاضرة الحجاز لأن الذين نقلوا اللغة صادفوهم حين ابتدؤوا ينقلون لغةَ العرب قد خالطوا غيرهم من الأمم وفسدت أَلسِنتهم والذي نقل اللغةَ واللسانَ العربيَّ عن هؤلاء وأَثْبَتها في كتاب فصيَّرها عِلْماً وصناعة هم أهلُ البصرة والكوفة فقط من بين أمصار العرب.
انتهى.
فرع - رَُتَبُ الفصيح متفاوتةٌ ففيها فصيحٌ وأفصح ونظيرُ ذلك في علوم الحديث تفاوت رُتَبِ الصحيح ففيها صحيحٌ وأَصَحّ.
ومن أمثلة ذلك: قال في الجمهرة: البُرُّ أفصحُ من قولهم القَمْح والحنْطة.
وأنصَبَه المرضُ أعْلى من نَصَبَه.
وغلب غَلَباً أفصح من غلبا. والمغوت أفصحُ من اللَّغْب.
وفي الغريب المصنف: قَرَرت بالمكان أجود من قَرِرت.
وفي ديوان الأدب: الحبر: العالم وهو بالكسر أصح لأنه يجمع على أفْعال والفَعل يجمع على فُعُول.
ويقال: هذا مَلْك يميني وهو أفصحُ من الكسر.
وفي أمالي القالي: الأَنملة والأُنملة لغتان: طرف الأصبع وأَنملة أفصح.
وفي الصحاح: ضَرْبة لازب أفصحُ من لازم وبُهِت أفصحُ من بَهُتَ وبَهِت.
وقال ابنُ خالويه في شرح الفصيح: قد أجمع الناس جميعا أن اللغة إذا وَرَدت في القرآن فهي
أفصح مما في غير القرآن لا خلافَ في ذلك.
فائدة - قال ابنُ خالويه في شرح الدريدية: فإن سأل سائل فقال: أوفى