المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌معرفة خصائص اللغة - المزهر في علوم اللغة وأنواعها - جـ ١

[الجلال السيوطي]

فهرس الكتاب

- ‌وهذا فهرست انواعه

- ‌(تصدير)

- ‌النوع الأول

- ‌معرفة الصحيح ويقال له الثابت والمحفوظ

- ‌(رأي ابن جني)

- ‌(آراء في علم اللغات)

- ‌تنبيهات

- ‌أقسام العرب

- ‌(حد الوضع)

- ‌مناسبة الألفاظ للمعاني

- ‌(شرائط اللغة)

- ‌(سعة اللغة)

- ‌(أبنية الكلام)

- ‌(بداية التصنيف في اللغة)

- ‌ذِكْرُ قَدْحِ الناس في كتاب العين

- ‌النوع الثاني

- ‌معرفة ما روي من اللغة ولم يصح ولم يثبت

- ‌النوع الثالث

- ‌معرفة المتواتر والآحاد

- ‌(ألفاظ مستعملة أصلها أعجمي)

- ‌النوع الرابع

- ‌معرفة المرسل والمنقطع

- ‌النوع الخامس

- ‌معرفة الأفراد

- ‌النوع السادس

- ‌معرفة من تُقْبَل روايته ومَن تُرَد

- ‌النوع السابع

- ‌معرفة طرق الأخذ والتحمل

- ‌(القراءة على الشيخ)

- ‌(السماع على الشيخ)

- ‌(الإجازة)

- ‌النوع الثامن

- ‌معرفة المصنوع

- ‌ذكر أمثلة من الألفاظ المصنوعة:

- ‌النوع التاسع

- ‌معرفة الفصيح

- ‌الفصل الأول في معرفة الفصيح من الألفاظ المفردة

- ‌ الغَرَابة

- ‌(التنافر)

- ‌(مخالفة القياس)

- ‌الفصل الثاني في معرفة الفصيح من العرب

- ‌النوع العاشر

- ‌معرفة الضعيف والمنكر والمتروك من اللغات

- ‌أسماء الأيام في الجاهلية

- ‌(أسماء الشهور)

- ‌النوع الحادي عشر

- ‌معرفة الردىء المذموم من اللغات

- ‌النوع الثاني عشر

- ‌معرفة المطرد والشاذ

- ‌النوع الثالث عشر

- ‌معرفة الحوشي والغرائب والشواذ والنوادر

- ‌ذكر أمثلة من النوادر

- ‌النوع الرابع عشر

- ‌النوع الخامس عشر

- ‌(معرفة المفاريد)

- ‌النوع السادس عشر

- ‌معرفة مختلف اللغة

- ‌فوائد:

- ‌النوع السابع عشر

- ‌معرفة تداخل اللغات

- ‌النوع الثامن عشر

- ‌معرفة توافق اللغات

- ‌النوع التاسع عشر

- ‌معرفة المعرَّب

- ‌ذكر أمثلة من المُعرَّب

- ‌فصل في المعرب الذي له اسم في لغة الغرب

- ‌ذكر ألفاظ شك في أنها عربية أو معربة

- ‌النوع العشرون

- ‌معرفة الألفاظ الإسلامية

- ‌النوع الحادي والعشرون

- ‌معرفة المولد

- ‌النوع الثاني والعشرون

- ‌معرفة خصائص اللغة

- ‌النوع الثالث والعشرون

- ‌معرفة الاشتقاق

- ‌النوع الرابع والعشرون

- ‌معرفة الحقيقة والمجاز

- ‌النوع الخامس والعشرون

- ‌معرفة المشترك

- ‌النوع السادس والعشرون

- ‌معرفة الأضداد

- ‌النوع السابع والعشرون

- ‌معرفة المترادف

- ‌فوائد

- ‌ذكر أمثلة من ذلك

- ‌النوع الثامن والعشرون

- ‌معرفة الإتباع

- ‌ذكر أمثلة من الإتباع

- ‌النوع التاسع والعشرون

- ‌معرفة العام والخاص

- ‌الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامس

- ‌النوع الثلاثون

- ‌معرفة المطلق والمقيد

- ‌النوع الحادي والثلاثون

- ‌معرفة المشجر

- ‌النوع الثاني والثلاثون

- ‌معرفة الإبدال

- ‌النوع الثالث والثلاثون

- ‌معرفة القلب

- ‌النوع الرابع والثلاثون

- ‌معرفة النحت (معرفته من اللوازم)

- ‌النوع الخامس والثلاثون

- ‌معرفة الأمثال

- ‌ذكر جملة من الأمثال

- ‌النوع السادس والثلاثون

- ‌معرفة الآباء والأمهات والأبناء والبنات والإخوة والأخوات والأذواء والذوات

- ‌الفصل الأول

- ‌في الآباء

- ‌الفصل الثاني

- ‌في الأمهات

- ‌الفصل الثالث

- ‌في الأبناء

- ‌الفصل الرابع

- ‌في البنات

- ‌الفصل الخامس

- ‌في الإخوة

- ‌الفصل السادس

- ‌في الأذواء والذوات

- ‌النوع السابع والثلاثون

- ‌معرفة ما ورد بوجهين بحيث يؤمن فيه التصحيف

- ‌النوع الثامن والثلاثون

- ‌معرفة ما ورد بوجهين بحيث إذا قرأه الألثغ لا يعاب

- ‌النوع التاسع والثلاثون

- ‌معرفة الملاحن والألغاز وفتيا فقيه العرب والثلاثة متقاربة وفي النوع ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأول

- ‌في الملاحن

- ‌الفصل الثاني

- ‌في الألغاز

- ‌الفصل الثالث

- ‌في فتيا فقيه العرب

الفصل: ‌معرفة خصائص اللغة

‌النوع الثاني والعشرون

‌معرفة خصائص اللغة

من ذلك: أنها أفضل اللغات وأوسعهاقال ابنُ فارس في فقه اللغة: لغةُ العرب أفضل اللغات وأوسعهاقال تعالى: وإنه لتنزيل رب العاملين نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتكُونَ مِنَ المُنْذِرين بِلِسَانٍ عَرَبيٍّ مُبِينٍ فوصفه - سبحانه - بأبلغ ما يُوصَف به الكلامُ وهو البيان.

وقال تعالى: {خَلَق الإنسانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} فقدَّم - سبحانه - ذِكْرَ البيان على جميع ما توحَّد بخلقه وتفرد بإنشائهمن شمسٍ وقمر ونجْم وشجر وغير ذلك من الخلائق المُحْكَمَة والنشايا المتقنة فلما خصَّ - سبحانه - اللسانَ العربي بالبيان عُلم أن سائرَ اللغات قاصرةٌ عنه وواقعة دونه.

فإن قال قائلٌْ: فقد يقع البيان بغير اللسان العربيلأن كلَّ من أفهمَ بكلامه على شرط لُغته فقد بيَّن.

قيل له: إن كنتَ تريد أن المتكلم بغير اللغة العربية قد يُعْرِب عن نفسه حتى يفم السامع مراده فهذا أخس مراتب البيانلأن الأبْكم قد يدلُّ بإشارات وحركات له على أكثر مراده ثم لا يسمى متكلمافضلا عن أن يسمى بينا أو بليغاوإن أردت أنَّ سائرَ اللغات تُبِين إبانَةَ اللغة العربية فهذا غلطلأنا لو احتجنا إلى أن نُعَبِّر عن السيف وأوصافه باللغة الفارسية لما أمكننا ذلك إلا باسم واحد ونحن نذكر للسيف بالعربية صفاتٍ كثيرة وكذلك الأسد والفرس وغيرهما من الأشياء والمسميات بالأسماء المترادفة.

فأين هذا من ذاكوأين لسائر اللغات من السعة ما للغة العربهذا ما لا خفاء به على ذي نُهْية.

وقد قال بعض علمائنا - حين ذكر ما للعرب من الاستعارة والتمثيل والقَلْب والتقديم والتأخير وغيرها من سنن العرب في القرآن فقال: وكذلك لا يقدرُ أحدٌ من التَّراجم على أن ينقلَه إلى شيء من الألْسِنة كما نُقِل الإنجيل عن السريانية إلى الحبشية والرومية وترجمت التوارة والزَّبور وسائر كتب الله عز وجل بالعربية لأنَّ غيرَ العرب لم تتسع في المجاز اتساع العربألا ترى أنك لو أردتَ أن تنقلَ قوله

ص: 254

تعالى: {وإما تَخَافَنَّ من قومٍ خيانة فانبِذْ إليهم على سواءٍ} .

لم تستطع أن تأتي لهذه بألفاظ مؤدِّية عن المعنى الذي أودِعَتْه حتى تبسط مجموعها وتصل مقطوعها وتظهر مستورهافتقول: إن كان بينك وبين قوم هُدْنة وعَهْد فخِفْت منهم خيانة ونقضا فأعْلمهم أنك قد نقضت ما شرطته لهم وآذنهم بالحربلتكون أنتَ وهم في العلم بالنَّقْض على الاستواء.

وكذلك قوله تعالى: {فَضَرَبْنَا على آذانهم في الكَهْف} .

وقد تأتي الشعراء بالكلام الذي لو أراد مريد نَقْلَه لاعْتاصَ وما أمكن إلا بمبسوط من القول وكثير من اللفظولو أراد أن يعبر عن قول امرىء القيس: // من الطويل //

(فدع عنك نَهْباً صِيحَ في حَجَراته)

بالعربية فَضْلاً عن غيرِها لطالَ عليه.

وكذا قول القائل:

والظنُّ على الكاذب.

ونِجَارُها نارها.

وعَيَّ بالأسْناف.

وإنشأي يرم لك وهو باقِعَة.

وقلبٌ لو رَفع.

وعلى يدي فاخْضَم.

وشأنك إلا تركه مُتفاقم.

وهو

ص: 255

كثير بمثله طالت لغةُ العرب (دون) اللغات ولو أراد معبِّرٌ بالأعجمية أن يعبر عن الغنيمة والإخْفاق واليقين والشك والظاهر والباطن والحق والباطل والمُبين والمُشْكل والاعتزاز والاستسلام لعيَّ به والله تعالى أعلم حيث يجعل الفضل.

ومما اختصَّت به العربُ بعد الذي تقدم ذكرُه: قَلْبُهم الحروفَ عن جهاتها ليكون الثاني أخفَّ من الأولنحو قولهم مِيعاد ولم يقولوا مِوْعاد (وهما من الوعد إلا أن اللفظ الثاني أخف) .

ومن ذلك: تركُهم الجمع بين الساكِنَيْن وقد يجتمعُ في لغة العجم ثلاثة سواكن ومنه قولهم: يا حارميلا إلى التخفيف.

ومنه: اختلاسُهم الحركات في مثل: // من السريع //

(فاليوم أشْرَبْ غير مُسْتَحْقِبٍ)

ومنه الإدغامُ وتخفيفُ الكلمة بالحذف نحو: لم يَكُ ولم أُبَلْ.

ومن ذلك إضمارُهم الأفعال نحو: امرأ اتَّقى الله وأمْرَ مُبْكياتك لا أمْر مُضْحكاتك.

ومما لا يمكنُ نقلهُ البتَّة أوصافُ السيف والأسد والرُّمح وغير ذلك من الأسماء المُترادفة.

ومعلوم أن العجمَ لا تعرفُ للأسد أسماء غيرَ واحد.

فأما نحن فنخرج له خمسين ومائة اسم.

ص: 256

وحدثني أحمد بن محمد بن بندار قال: سمعتُ أبا عبد الله بن خالَويْه الهمذاني يقول: جمعت للأسد خمسمائة اسم وللحيَّة مائتين.

قلت: ونظيرُ ذلك ما في فقه اللغة للثعالبي: قد جمع حمزة بن حسن الأصبهاني من أسماء الدواهي ما يزيد على أربعمائة وذكر أن تكاثر أسماء الدواهي من الدواهي.

قال: ومن العجائب أن أمة وسَمت معنى واحدا بمئين من الألفاظ.

ثم قال ابن فارس: وأخبرني عليُّ بن أحمد بن الصباح قال: حدثنا أبو بكر بنُ دُريد قال: حدثنا ابن أخي الأصمعي عن عمِّه أن الرشيد سألَه عن شعر لابن حزام العُكْلي فسره فقال: يا أصمعي إن الغريب عندك لغيرُ غريب.

قال: يا أمير المؤمنين ألا أكون كذلك وقد حفِظت للحَجَر سبعين اسما.

قال ابن فارس: فأين لسائر الأمم ما للعربومن ذا يُمكنُه أن يُعبّر عن قولهم: ذَات الزُّمَين وكثرة ذات اليد ويد الدهر وتخَاوَصَت النجوم ومجت الشمس ريقها ودرأ الفيءومفاصل القول وأتى بالأمر من فصه وهو رَحْب العطن وغمر الرداءويخلق ويَفْرِي وهو ضيق المَجَم قَلِق الوضِين رابط الجأش وهو ألْوى بعيد المُسْتَمَرّ وهو شَرَّاب بأنقُع وهو جُذَيلُها المُحَكّك وعُذَيقُها المرَجَّب وما أشبه هذا من بارع كلامهم ومن الإيماء اللطيف والإشارة الدالة.

وما في كتاب الله تعالى من الخطاب العالي أكثر وأكثركقوله تعالى: ولكم

ص: 257

في القِصاص حياةٌ) .

و {يحسبون كلَّ صَيحةٍ عليهم} .

{وأُخْرَى لم تَقْدِرُوا عليها قد أحاطَ اللهُ بها} .

و {إن يتَّبعون إلَاّ الظَّنَّ وإنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِى من الحقّ شيئاً} .

ولا يحيق المكر السيىء إلا بأهله وهو أكثر من أن نأتي عليه.

وللعرب بعد ذلك كَلَِم تلوح في أثناء كلامهم كالمصابيح في الدُّجى كقولهم للجَمُوع للخير (قَثوم) وهذا أمر قاتِم الأعماق أسودُ النَّواحي.

واقْتَحَفَ الشرابَ كلَّه.

وفي هذا الأمر مصاعب وقُحَم.

وامرأة حَييَّة قَدِعة وقد تقادعوا تقادُع الفراش في النار.

وله قدمُ صِدق.

وذا أمر أنت أدرته ودبَّرته.

وتقاذَفَتْ بنا النَّوى.

واشْتَفَّ الشراب.

ولك قُرْعة هذا الأمر: خياره.

وما دخلت لفلان قَرِيعة بيت.

وهو يَبْهَرُ القرينة إذا جاذبته.

وهم على قَرْو واحد: أي طريقة واحدة.

وهؤلاء قرابين الملك.

وهو قَشْع: إذا لم يثبت على أمرٍ.

وقَشَبه بقبيح: لطخه.

وصبي قصيع: لا يكاد يشب.

أقبلت مقاصر الظلام.

وقطَّع الفرس الخيلَ تقطيعا: إذا خلفها.

وليلٌ أقْعس: لا يكاد يبرح.

وهو منزول قفز.

وهذه كلمات من قدحة واحدة فكيف إذا جال الطّرْف في سائر الحروف مجالهولو تقصَّينا ذلك لجاوزنا الغَرضَ ولما حوته أجْلاد وأجلاد.

هذا ما ذكره ابن فارس في هذا الباب.

وقال في موضع آخر: باب ذكر ما اختصت به العربُ:

من العلوم الجليلة التي اختصت بهاالأعراب الذي هو الفارق بين المعاني

ص: 258

المتكافئة في اللفظ وبه يُعْرف الخبر الذي هو أصل الكلام ولولاه ما مُيِّزَ فاعلٌ من مفعول ولا مضافٌ من منعوت ولا تعجب من استفهام ولا صَدْر من مصدر ولا نعتٌ من تأْكيد.

وزعم ناسٌ يُتَوَقَّفُ عن قبول أخبارهم أن الفلاسفة قد كان لهم إعرابٌ ومؤلفاتُ نحو وهو كلامٌ لا يُعَرَّج على مثله وإنما تشبَّه القوم آنفا بأهل الإسلام فأخذوا من كتب علمائنا وغيَّروا بعضَ ألفاظها ونسبُوا ذلك إلى قومٍ ذوي أسماء مُنكرة بتراجم بَشِعة لا يكاد لسانُ ذي دينٍ ينطق بها وادَّعَوا مع ذلك أن للقوم شعراوقد قرأناه فوجدناه قليل المآثر والحلاوة غير مستقيم الوَزْن.

بلى الشعرُ شعرُ العرب وديوانُهم وحافظُ مآثرهم ومقيِّد حسابهم.

ثم للعرب العَرُوض التي هي ميزان الشِّعْرِ وبها يُعْرَف صحيحُه من سقيمه ومَن عَرف دقائقه وأسرارَه وخفاياه علم أنه يُرْبي على جميع ما يحتجُّ به هؤلاء الذين ينتحلون معرفة حقائق الأشياء من الأعداد والخُطوط والنُّقَط التي لا أعرف لها فائدة غيرَ أنها مع قلَّة فائدتها تُرِقّ الدين وتنتجُ كلَّ ما نعوذُ بالله منه.

هذا كلام ابن فارس.

ثم قال: وللعرب حفظُ الأنساب وما يُعْلمُ أحدٌ من الأمم عُنيَ بحفظ النسب عناية العرب.

قال الله تعالى: {يا أيها الناسُ إنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ} .

فهي آيةٌ ما عمِل بمضمونها غيرُهم.

فصل - قال ابنُ فارس: انفردت العرب بالهَمْزِ في عَرض الكلام مثل قرأولا يكون في شيء من اللغات إلا ابتداء.

قال: ومما اختصت به لغة العرب الحاءُ والطاءوزعم قومٌ أن الضادَ مقصورةٌ على العرب دونَ سائرِ الأمم.

وقال أبو عبيد: قد انفردت العربُ بالألف واللام التي للتَّعريف كقولنا: الرجل والفرسفليستا في شيء من لغات الأمم غير العرب.

انتهى.

فصل - وقال ابن فارس في فقه اللغة في موضع آخر: باب الخطاب الذي يقعُ به الإفهامُ من القائل والفهمُ من السامع:

ص: 259

يقع ذلك من المُتَخاطبين من وجهين: أحدهما الإعرابُ والأخر التَّصْريف.

فأما الإعراب فَبِه تميَّزُ المعاني ويُوقَف على أغراض المتكلمين وذلك أنَّ قائلا لو قال: ما أَحْسن زيد غيرَ معربلم يُوقف على مراده فإذا قال: ما أحسَنَ زيداأو ما أحسن زيد أو ما أحسن زيدأبان بالإعرابِ عن المعنى الذي أرادَه.

وللعرب في ذلك ما ليس لغيرهمفهم يفرقون بالحركات وغيرها بين المعانييقولون: مِفْتَح للآلةِ التي يُفْتح بها ومَفْتح لموضع الفتحِ ومِقَص لآلة القص ومَقصّ للموضع الذي يكون فيه القص ومِحْلب للقدَح يُحْلَب فيه ومَحْلَب للمكان يُحْتَلب فيه ذَواتُ اللبن.

ويقولون: امرأة طاهر من الحيضلأن الرجل لا يَشْرَكها في الحيض وطاهرةٌ من العيوبلأن الرجلَ يشْرَكُها في هذه الطهارة.

وكذلك قاعدٌ من الحَبَل وقاعِدةٌ من القعود.

ويقولون: هذا غلاما أحسن منه رجل يريدون الحالَ في شخص واحد.

ويقولون: هذا غلامٌ أحسنُ منه رجلٌ فهما إذن شخصان.

ويقولون: كم رجلا رأيتفي الاسْتخبار.

وكم رجلٍ رأيت في الخبر يراد به التكثير.

وهُنَّ حَوَاجُّ بيتِ الله إذا كنَّ قد حَجَجْنَ.

وحَوَاجّ بيتَ الله إذا أردنَ الحج.

ويقولون: جاء الشتاء والحطبَ إذا لم يرد أنَّ الحطَب جاء إنما أريدَ الحاجةُ إليه.

فإن أريد مجيئُهما قال: والحطبُ.

وأما التصريف فإن مَنْ فاته عِلْمُه فاتَه المعظملأنا نقول: وَجَد وهي كلمة مُبْهمة فإذا صرفت أفصحتفقلت في المال: وجداوفي الضالة: وجداناوفي الغضب: مَوْجِدَةً وفي الحُزْن: وَجْداً.

ويقال: القاسِط للجائر والمقسط للعادلفتحول المعنى بالتصريف من الجَوْر إلى العَدْل.

ويقولون للطريقة في الرَّمْل: خِبَّة.

وللأرض (بين المخْصبَة والمجْدبة) خُبَّة.

(ونقول في الأرض السهلة الخوارة: خارت تخور خورا وخؤوراوفي الإنسان إذا ضعف: خار خوراوفي الثور: خارَ خُوَاراً) .

وللمرأة الضخمة: ضِنَاك وللزُّكْمَة: ضُنَاك ويقولون للإبل التي ذهبتْ ألبانها: شَوْل وهي جمع شائلة وللتي شالَتْ أَذْنَابُها لِلَّقْح: شولوهي جمع شائل ولبَقيَّةِ الماء في الحوض: شَوْل.

ويقولون للعاشق: عَمِيد وللبعير المتأكل السَّنَام: عمِد إلى غير ذلك من الكلام الذي لا يحصى.

ص: 260

فصل - وقال ابنُ فارس في موضع آخر: بابُ نظم للعرب لا يقولُه غيرهم:

يقولون: عاد فلان شيخاوهو لم يكن شيخا قط.

وعاد الماء آجناوهو لم يكن آجنا فيعود.

قال تعالى: {حتى عادَ كالعُرْجُون القديم} .

(فقال: عاد) ولم يكن عُرْجوناً قبلُ.

وقال تعالى حكاية عن شعيب عليه السلام: {قَد افْتَرَينا على الله كَذِباً إنْ عُدْنَا في مِلَّتِكُم} .

ولم يكن في ملتهم قط.

ومثله: {يُرَدُّ إلى أرْذَل العُمر} وهو لم يكن في ذلك قط.

{يُخْرِجونهم من النُّور إلى الظلمات} .

وهم لم يكونوا في نورٍ قطُّ.

فصل - في جملة من سنن العرب التي لا توجد في غير لغتهم:

قال ابنُ فارس: فمن سنن العرب مخالفة ظاهر اللفظ معناهكقولهم عند المدح: قاتله الله ما أشعرهفهم يقولون هذا ولا يُريدون وقوعَه.

وكذا هَوَت أمهو هبلته وثكِلَتْه وهذا يكون عند التعجب من إصابة الرَّجل في رَمْيه أو في فعل يفعله.

قال: ومن سنن العرب: الاستعارة وهي أن يضعوا الكلمة للشيء مستعارة من موضع آخرفيقولون: انشقَّتْ عَصَاهم إذا تفرَّقُوا.

وكشَفَتْ عن ساقها الحربُ.

ويقولون للبليد: هو حِمَار.

قال: ومن سنن العرب الحذف والاختصاريقولون: والله أفعل ذاكتريد لا أفعل.

وأتانا عند مَغِيب الشمس أو حين أرادت أو حين كادت تَغْرُب.

قال ذو الرمة: // من الطويل //

(فلما لَبسْن الليل أو حين نصَّبتْ

له من خَذَا آذانها وهو جانحُ)

قال: ومن سنن العرب الزيادةُ إما للأسماء أو الأفعال أو الحروف نحو

ص: 261

{ويبقى وجهُ ربك} أي ربك.

ليس كَمِثِله شيء.

{وشَهِد شَاهِدٌ من بني إسرائيل على مثله} أي عليه.

قال: ومن سنن العرب الزيادة في حروف الاسمإما للمبالغة وإما للتسوئة والتقبيحنحو رَعْشَن للذي يرتعش وزُرْقُم للشديد الزَّرَق وشَدْقَم للواسع الشدق وصِلْدِم للناقة الصُّلبة والأصل صَلْد.

ومنه كُبّار وطُوَّال وطِرِمَّاح للمفرط الطول وسِمْعَنَّةٌ نِظْرَنّة للكثيرة التسَمُّع والتَّنَظُّر.

ومن سننهم الزيادةُ في حروفِ الفعل مُبالغةً يقولون: حلا الشيء فإذا انتهى قالوا: احْلَوْلَى ويقولون: افْلَوْلَى واثْنَوْنَى.

قال: ومن سنن العرب: التكرير والإعادة إرداة الإبلاغ بحسب العناية بالأمرقال الحارث بن عباد: // من الخفيف //

(قَرِّبا مَربط النَّعامةِ منِّي

لَقَحَتْ حربُ وائلٍ عن حِيال)

فكرر قوله: (قربا مربط النعامة مني) في رؤوس أبياتٍ كثيرة عناية بالأمر وإرادةَ الإبلاغ في التنبيه والتحذير.

قال: ومن سنن العرب إضافةُ الفعل إلى ما ليس فاعلا في الحقيقة يقولون: أراد الحائطُ أن يقعَ: إذا مال وفلان يريد أن يموت: إذا كان مُحْتضراً.

قال: ومن سنن العرب ذكر الواحد والمراد الجمعكقولهم للجماعة: ضيف وعدوقال تعالى: {هؤلاءِ ضَيْفِى} وقال: {ثم يُخْرجكُم طِفْلاً} .

وذكر الجمع والمراد واحد أو اثنانقال تعالى: (إنْ نَعْف عن طائفة) .

ص: 262

والمراد واحد.

{إنَّ الذين يُنادونك من وراء الحُجُرات} والمنادى واحد.

(بِمَ يَرْجِع المُرْسلون) وهو واحد بدليل ارجع إليهم.

{فقد صَغَتْ قلوبكما} .

وهما قلبان.

وصفة الجمع بصفة الواحد نحو {وإن كنتُم جُنُباً} .

{والملائكةُ بعد ذلك ظَهِير}

وصفة الواحد أو الاثنين بصفة الجمعنحو برمة أعشاروثوب أهدام وحبل أحذاق.

قال: // من الرجز //

(جاء الشتاء وقَمِيصِي أخلاقْ)

وأرض سَبَاسِبٌ يسمُّون كلَّ بُقعة منها سَبْسَباً لاتِّساعها.

قال: ومن الجمع الذي يُراد به الاثنان قولهم: امرأة ذات أوْراكٍ ومآكِم.

قال: ومن سنن العرب مخاطبة الواحد بلفظ الجمعفيقال للرجل العظيم: انظُرُواْ في أمْري وكان بعضُ أصحابنا يقول: إنما يُقال هذا لأن الرجلَ العظيم يقول: نحن فعلنافعلى هذا الابتداء خُوطبوا في الجواب.

ومنه في القرآن: {قال ربِّ ارْجعون} .

ص: 263

قال: ومن سنن العرب أن تذكر جماعة وجماعة أو جماعة وواحداثم تخبر عنهما بلفظ الاثنين كقوله: // من الكامل //

(إنَّ المنيَّة والحتوفَ كلاهما

يُوفِي المخارمَ يَرْقُبان سوادي)

وفي التنزيل: {أن السماوات والأرض كانتا رَتْقَاً ففَتَقْنَاهُما} .

قال: ومن سنن العرب أن تخاطب الشاهدثم تحوِّل الخطاب إلى الغائب أو تخاطب الغائبَ ثم تحوِّله إلى الشاهد وهو الالْتِفاتُ وأن تخاطب المخاطب ثم يرجع الخطاب لغيرهنحو: {فإن لم يَسْتَجيبوا لكم} .

الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ثم قال للكفار: {فاعْلَمُوا أنما أُنْزِل بعلم الله} .

يدل على ذلك قوله: {فهل أنتم مُسلمون} .

وأن يُبتدأ بشيءٍ ثم يخبر عن غيرهنحو: {والذين يُتَوَفَّوْنَ منكم ويَذَرون أزْواجاً يَتَرَبَّصْن} .

فخبَّر عن الأزواج وترك الذين.

قال: ومن سنن العرب أن تَنْسُِب الفعل إلى اثنين وهو لأحدهمانحو: {مَرَجَ الْبَحْرَين} إلى قوله: {يَخْرُجَ منهما اللُّؤْلُؤُ والمَرْجان} .

وإنما يخرَجان من المِلْح لا العَذْب.

وإلى الجماعة وهو لأحدهمنحو: وإذ قَتَلْتُمْ نَفْساً فادّرَأْتُمْ فيها والقاتل واحد.

وإلى أحد اثنين وهو لهمانحو: (واللَّه ورسولُه أحقُّ أن يُرْضُوه) .

قال: ومن سنن العرب أن تأمرَ الواحد بلفظ أمرِ الاثنيننحو: افعلا ذلك ويكون المخاطبُ واحدا.

ص: 264

أنشد الفراء: // من الوافر //

(فقلتُ لصاحبي لا تَحْبِسَنَّا

بنَزْع أُصوله واجْدَزَّ شيحا)

وقال: // من الطويل //

(فإن تزجراني يابن عَفّان أنْزَجِر

وإن تَدَعاني أحْمِ عِرْضاً ممنَّعا)

وقال الله تعالى: {ألقِْيَا في جهنم} وهو خطاب لخزنة النار والزَّبانِية) قال: ونرى أن أصلَ ذلك أن الرُّفقَة أدنى ما تكون ثلاثة نفر فجرى كلام الواحد على صاحبيهألا ترى أن الشعراء أكثرُ الناس قولا: يا صاحبي ويا خَلِيليّ.

قال: ومن سنن العرب أن تأتي بالفعل بلفْظِ الماضي وهو حاضر أو مستقبل أو بلفظ المستقبل وهو ماضنحو قوله تعالى: {أتى أمرُ الله} أي يأتي. {كنتُم خيرَ أُمَّة} أي أنتم.

واتَّبعوا ما تَتْلو الشياطينُ أي ما تَلَت.

وأن تأتي بالمفعول بلفظ الفاعلنحو سرٌّ كاتم أي مكتوم.

وماء دافق أي مَدفوق.

وعيشة راضية أي مرْضيّ بها وحرَماً آمناأي مأمونا فيه.

وبالفاعل بلفظ المفعولنحو عيش مغبون أي غابنذكره ابن السِّكيت.

قال: ومن سنن العرب وصفُ الشيء بما يقع فيهنحو يوم عاصِف وليل نائمٌ وليلٌ ساهر.

ص: 265

قال: ومن سنن العرب التوهم والإيهام وهو أن يتوهم أحدهم شيئاثم يجعل ذلك كالحقِّ منه قولهم: وقفتُ بالرَّبع أسأله.

وهو أكملُ عقلا من أن يسأل رسمايعلم أنه لا يسمعُ ولا يَعْقِلُ لكنه تفجَّع لما رأى السَّكْن رَحلوا وتوهَّم أنه يسأل الرَّبع أين انْتَأوْا وذلك كثيرٌ في أشعارهم.

قال: ومن سنن العرب الفرقُ بين ضدين بحرف أو حركة كقولهم: يَدْوَى من الداء ويُدَاوي من الدواء ويُخْفِر إذا نَقض من أخفر ويخفر إذا أجارمن خَفَر ولُعَنَة إذا أكثر اللَّعن ولُعْنَة إذا كان يلعنوهزأة وهُزْأة وسُخَرة وسُخْرة.

قال: ومن سنن العرب البسطُ بالزيادة في عدد حروف الاسمِ والفعل ولعل أكثر ذلك لإقامة وزن الشعروتسوية قوافيهكقوله: // من الرجز //

(وليلةٍ خامِدةٍ خُمُودا

طخْياءِ تُعْشِي الجَدْي والفُرْقودا)

فزاد في الفرقد الواو وضم الفاءلأنه ليس في كلامهم فعلولوكذلك زاد الواو في قوله:

(لو أنَّ عمرا هم أن يَرْقُودا) أي يَرْقد.

قال: ومن سنن العرب القَبْضُ محاذاة للبسْطِ وهو النُّقْصانُ من عدد الحروفكقوله: // من الرجز //

(غَرْثَى الوِشاحَيْن صَموتُ الخَلْخَل)

أي الخَلْخال.

ص: 266

ويقولون: دَرَس المَنا يريدون (المنازل ونار الحُباحب) .

ومنه بابُ الترْخيم في النداء وغيره ومنه قولهم: لاه ابن عمكأي لله ابنُ عمك.

قال: ومن سنن العرب الإضمارُ إما للأسماء نحو ألا يا اسْلَمى أي يا هذه أو للأفعال نحو: أثعلبا وتفر: أي أترى ثعلبا.

ومنه إضمار القول كثيرا.

أو للحروف نحو: // من الطويل //

(ألا أيهذا الزَّاجري أشهدَ الوَغى)

أي أن أشْهد.

قال: ومن سنن العرب التعويضُ وهو إقامةُ الكلمة مقامَ الكلمة كإقامة المصدر مقامَ الأمرنحو {فضرب الرقاب} والفاعل مقام المصدرنحو {ليس لوَقْعتها كاذبة} أي تكذيب.

والمفعول مقامَ المصدر نحو بِأيّيِكُمُ المَفْتُون أي الفتنة.

والمفعول مقام الفاعل نحو: {حجابا مَسْتوراً} أي ساترا.

ص: 267

قال: ومن سنن العرب تقديمُ الكلام وهو في المعنى مؤخر وتأخيرهُ وهو في المعنى مقدم كقوله: // من البسيط //

(ما بالُ عينيك منها الماءُ يَنْسَكِب)

أراد ما بال عينك ينسكب منها الماءوقوله تعالى: {ولولا كلمةٌ سَبقَتْ من رَبّك لكان لِزاماً وأجَلٌ مسمى} (فأجل معطوفة على (كلمة) والتأويل: ولولا كلمةٌ سبقت من ربِّك وأجل مسمى لكان العذابُ لازِماً لهم)

قال: ومن سنن العربِ أن يَعْترضِ بين الكلام وتمامِه (كلام) نحو: اعملْ - والله ناصِري - ما شئت.

قال: ومن سنن العرب أن تُشيرَ إلى المعنى إشارة وتومىء إيماء دون التصريح نحو طويلُ النِّجاد يريدون طولَ الرَّجل وغَمْر الرِّداء: يُومِئون إلى الجُود وطَرِب العِنان: يُومِئون إلى الخفَّةِ والرَّشاقة.

قال: ومن سنن العرب الكفُّ وهو أن تكفَّ عن ذكر الخبر اكتفاء بما يدلُّ عليه الكلام كقوله: // من الطويل //

(إذا قلتُ سيروا نحو ليلى لعلَّها

جرى دونَ ليلى مائلُ القَرْن أعْضَبُ)

ترك خَبَر لعلها.

قال: ومن سُنَن العرب أن تُعيرَ الشيءَ ما ليس له فتقول: مرَّ بين سَمْع الأرض وبَصَرِها.

قال: ومن سنن العرب أن تُجْري المواتَ وما لا يَعْقل في بعض الكلام مَجْرى بني آدم كقوله في جمعِ أرض أرضون وقال تعالى: {كلٌّ في فلك يسبحون} .

ص: 268

قال: ومن سنن العرب المُحاذاة وذلك أن تجعل كلاما ما بِحذاء كلام فيُؤْتى به على وزنه لفظاوإن كانا مختلفينفيقولون: الغَدَايا والعَشايا.

فقالوا: الغَدَيا لانضمامها إلى العَشايا.

ومثلُه قولهم: (أعوذُ بك من السامَّةِ واللامة) فالسامة من قولك: سمت إذا خصَّتْ واللامة أصلها من ألمَّت لكن لما قُرِنت بالسامَّة جُعِلتْ في وزنها.

قال: وذكر بعضُ أهل العلم أن من هذا الباب كتابه المصحف كتبوا: {والليل إذا سَجَى} بالياءوهو من ذوات الواو لمَّا قُرِن بغيره ممَّا يُكْتَب بالياء.

قال: ومن هذا الباب قوله تعالى {ولو شاء الله لسلطهم عليكم} اللام في (لَسَلَّطَهُمْ) جوابُ لو.

ثم قال: {فَلقَاتَلُوكُم} فهذه حُوذِيتْ بتلك اللام وإلا فالمعنى لسلَّطهم عليكم فقاتلوكم.

ومثله: لأعذبنه عذابا شديداأو لأذْبَحَنَّه.

فهما لاما قَسَمٍ ثم قال: {أو ليأتيني} فليس ذا موضع قسملأنه عذر للهدهدفلم يكن ليقسم على الهدهد أن يأتي بعذرلكنه لما جاء به على أثر ما يجوز فيه القسم أجراه مجراهفكذا باب المحاذاة.

قال: ومن الباب وزَنْتُه فاتَّزَن وكِلْته فاكْتال أي استوفاه كَيْلاً ووَزْناً.

ومنه قوله تعالى: {فما لكم عليهن من عِدَّةٍ تعتدونها} أي تستوفونه الأنها حق للأزواج على النساء.

قال: ومن هذا الباب الجزاءُ عن الفِعْل بمثل لفظه نحو: إنما نحن مستهزئون الله يستهزىء بهم.

أي يجازيهم جزاء الاستهزاء.

ومكروا ومكر

ص: 269

الله) {فَيَسْخَرُون منهم سَخِر اللهُ منهم} .

ونَسُوا الله فنسيهم.

{وجزاء سيئة سيئة مثلها} مثل هذا في شعر العرب قول القائل: // من الوافر //

(ألا لا يَجْهلن أحدٌ علينا

فنجهلَ فوقَ جهلِ الجاهلينا)

انتهى ما ذكره ابن فارس.

ومن نظائر الغَدَايا والعشايا ما في الجمهرة تقول العربُ للرجل إذا قدم من سفَر: أوْبَةً وطَوْبة أي أُبْتَ إلى عيش طيِّب ومآبٍ طيب والأصل طيبَة فقالوه بالواو لمحاذاة أوبة.

وقال ابن خالويه إنما قالوا: طَوْبة لأنهم أزْوَجوا به أوْبة.

وفي ديوان الأدب: يقال: بِفيهِ البَرَى وحُمّى خَيْبَرَى وشرُّ ما يُرَى فإنه خَيْسَرى يعني الخسران وهو على الازدواج.

وفيه: يقال أخذني (من ذلك) ما قَدُم وما حَدُث لا يُضَمّ حدَث في شيء من الكلام إلا في هذا الموضع وذلك لمكان قدم على الازدواج.

وفي أمالي القالي: قال أبو عبيدة: يقال (خيرُ المال سِكَّةٌ مأبُورة أو مُهْرة مأْمُورة) أي كثيرةُ الولد وكان ينبغي أن يقال: مُؤْمَرة ولكنه اتبع مأبورة.

ص: 270

والسكة: السطر من النَّخْل.

وفي الصحاح: قال الفراء يقال: هَنأني الطعام ومَرأني إذا أتبعوها هَنأني قالوها بغير ألف فإذا أفردوها قالوا: أمرأني.

وفيه: يقال له عندي ما ساءه وناءه قال بعضهم: أراد ساءه وأناءه وإنما قال ناءه - وهو لا يتعدى - لأجل ساءه ليزْدَوِج الكلام كما يقال: إني لآتيه بالغَدَايا والعشايا والغَداةُ لا تجمع على غدايا.

وفيه: جمعوا الباب على أبوبة للازدواج قال: // من البسيط //

(هَتَّاكِ أخْبِيَةٍ ولاج أبْوبِة)

ولو أفرده لم يجز.

وفيه يقال: تَعْساً له ونَكْساً.

وإنما هو نُكس بالضم وإنما فُتح هنا للازدواج.

وقال الفراء: إذا قالوا: النجس مع الرجس أتْبَعوه إياه فقالوا: رِجْس نِجْس بالكسر وإذا أفردوه قالوا: نَجس بالفتح: قال تعالى {إنما المشْركون نَجَس} .

وفي الصحاح يقال: لا دَرَيْتَ ولا تليتتزويجا للكلام والأصلُ ولا ائتليت وهو افتعلت من قولك: ما ألوت هذا: أي ما استعطته أي ولا استطعْتَ.

قال ابن فارس: ومن سنن العرب الاقتصارُ على ذكر بعض الشيء وهم يريدونه كلهفيقولون: قَعد على صَدْر رَاحلِته ومضى. ويقول قائلهم: // من الكامل //

(الواطِئِين على صُدُور نعالهم)

ص: 271

ومن هذا الباب: {ويَبْقَى وجْهُ رَبِّك} .

{ويُحَذِّرُكم اللهُ نفسَه} أي إياه وتواضعت سورُ المدينة.

قال: وقد جاء القرآن بجميع هذه السننلتكون حجة الله عليهم آكد ولئلا يقولوا: إنما عجزنا عن الإتيان بمثله لأنه بغير لُغَتِنا وبغير السنن التي نستنهافأنزله جلَّ ثناؤه بالحروفِ التي يعرفونها وبالسنن التي يسلكونها في أشعارهم ومخاطباتهم ليكون عجزُهم عن الإتيان بمثله أظْهر وأشعر.

انتهى.

وقال الفارابي في ديوان الأدب: هذا اللسانُ كلامُ أهل الجنة وهو المُنَزَّه من بين الألسنةِ من كلِّ نقيصة والمعلى من كل خسيسة والمهذَّب ما يُسْتَهجن أو يُسْتَشْنع فبنى مباني باينَ بها جميع اللغات من إعراب أوْجده الله له وتأليف بين حركة وسكون حلَاّه به فلم يجمع بين ساكنين أو متحرِّكين متضادين ولم يلاقِ بين حرفين لا يأْتلفان ولا يعذب النطق بهما أو يشنع ذلك منهما في جرس النغمة وحس السمعكالغين مع الحاء والقاف مع الكاف والحرف المُطْبَق مع غير المطبق مثل تاء الافتعال مع الصاد والضاد في أخوات لهما والواو الساكنة مع الكسرة قبلها والياء الساكنة مع الضمة قبلها في خلالٍ كثيرة من هذا الشكل لا تُحْصى.

وقال في موضع آخر: العربُ تَميل عن الذي يُلْزِم كلامها الجفاء إلى ما يُلين حواشيه ويُرِقّها وقد نزه الله لسانَها عما يجفيه فلم يجعل في مباني كلامها جيما تُجاورها قاف متقدمة ولا متأخرة أو تجامعها في كلمة صاد أو كاف إلا ما كان أعجميا أُعرب وذلك لجُسْأة هذا اللَّفظ ومباينته ما أسَّس اللهُ عليه كلام العرب من الرَّونق والعُذوبة وهذه علة أبواب الإدغام وإدخالُ بعضِ الحروف في بعض وكذلك الأمثلة والموازين اختِير منها ما فيه طِيبُ اللفظ وأُهْمِل منها ما يجفُو اللسانُ عن النطق به أولا مكرهاكالحرف الذي يبتدأ به لا يكون إلا متحركاوالشيء الذي تتوالى فيه أربعُ حركات او نحو ذلك يسكن بعضها.

فائدة جليلة - قال الزمخشري في (ربيع الأبرار) قالوا: لم تكن الكُنَى

ص: 272

لشيءٍ من الأمم إلا للعرب وهي من مفاخرها والكُنية إعظام وما كان يُؤْهَل لها إلا ذو الشرف من قومهم قال: // من البسيط //

(أكْنيه حين أُناديه لأكْرِمَه

ولا ألقبه والسوءة اللَّقب)

والذي دعاهم إلى التكنية الإجلال عن التصريح بالاسم بالكناية عنه ونظيرهُ العدولُ عن فعلٍ إلى فعل في نحو قوله: {وغِيضَ الماءُ وقُضِي الأمر} .

ومعنى كَنَيْتُه بكذا: سمَّيتُه به على قَصْد الإخفاء والتورية ثم ترقَّوْا عن الكُنَى إلى الألقاب الحسنة فقلَّ من المشاهير في الجاهلية والإسلام مَنْ ليس له لقب إلا أن ذلك ليس خاصا بالعرب فلم تزل الألقابُ في الأمم كلِّها من العرب والعجم.

خاتمة: - قال المطرزي في شرح المقامات: كان يقال: اختصَّ اللهُ العرب بأربع: العمائمُ تيجانها والحِبا حِيطانها والسيوف سِيجانها والشِّعر ديوانها.

قال: وإنما قيل: الشعر ديوان العربلأنهم كانوا يرجعون إليه عند اختلافهم في الأنساب والحروب ولأنه مستودعُ علومهم وحافظُ آدابهم ومعدنُ أخبارهمولهذا قيل // من البسيط //

(الشعرُ يحفظ ما أودى الزمانُ به

والشعرُ أفخر ما يُنْبي عن الكرم)

(لولا مقال زهير في قصائده

ما كنت تعرف جودا كان في هَرِم)

وأخرج ابنُ النجار في تاريخه من طريق إبراهيم بن المنذر.

قال: حدثني أبو سعيد المكي عمَّن حدثه عن ابن عباس: أنه دخل على معاوية وعنده عمرو بن العاص فقال عمرو: إنَّ قريشا تزعم أنك أعلمهافلم سميت قريش قريشاقال: بأمرٍ بيِّنٍ.

قال: فسِّرْه لنا.

ففسَّرَه قال: هل قال أحد فيه شعراقال: نعم.

قال: سمِّيت قريش بدابة في البحر.

وقد قال المشمرج بن عمرو الحميري: // من الخفيف //

(وقُرَيشٌ هي التي تَسْكُنَ البَحْرَ

بها سُمِّيت قريش قريشا)

ص: 273