الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يجوزُ أن تكون اللغةُ إلا توقيفا.
ومن قائل: لا يجوزُ أن تكون إلا اصطلاحا.
والثاني أنه ما الذي وقع على تقدير جوازِ كلٍّ من الأمرين والقول بِتجْويز كل من الأمرين هو رأيُ المحققين ولم أرَ مَن صَرّح عن الأشعري بخلافه.
والذي أراه أنه إنما تكلم في الوقوع وأنه يجوز صدور اللغة اصطلاحا ولو مَنع الجواز لنَقَله عنه القاضي وغيره من محقِّقي كلامِه ولم أرَهم نقلوه عنه بل لم يَذكره القاضي وإمام الحرَمَين وابن القُشَيري والاشعري في مسألة مبدأ اللغات البتَّة وذكر إمامُ الحرَمين الاختلافَ في الجواز ثم قال: إن الوقوعَ لم يثبت وتبعه القشيري وغيره.
(آراء في علم اللغات)
تنبيهات
أحدها - إذا قلنا بقول الأشعري إن اللغات توقيفيَّة - ففي الطريق إلى علمها مذاهب حكاها ابنُ الحاجب وغيره: أحدُها بالوَحْي إلى بعض الأنبياء والثاني بخَلق الأصوات في بعض الأجسام والثالث بعلمٍ ضروري خلَقه في بعضهم حَصَل به إفادةُ اللَّفظِ للمعنى.
قال ابنُ السبكي في رفع الحاجب: والظاهرُ من هذه هو الأول لأنه المعتادُ في عِلْم الله تعالى.
الثاني - قول الإمام الرازي فيما تقدم: لم لا يجوز أن تكون هذه الألفاظ وضَعَها قومٌ آخرون قبلَ آدم.
قال في رَفْع الحاجب: لسنا ندَّعي أن قبل آدم الجِنّ والبن فذلك لم يَثْبُت عندنا بل قال القاضي في التقريب: جاز تواضُع الملائكةِ المخلوقة قبله.
قال ابنُ القشيري: وقد كانوا قبلَه يتخاطبون ويفهمون.
الثالث - قولُ أهل الاصطلاح: لو كانت اللغات توقيفية لتقدمت واسطة البعثة
على التوقيف أحسنُ من جواب الإمام عن جواب ابن الحاجب حيث قال: إذا كان آدمُ عليه السلام هو الذي عُلِّمَها اندفع الدور.
قال في رفع الحاجب: لأنَّ لآدم حالتين: حالة النبوة وهي الأولى وفيها الوحْيُ الذي من جملته تعليمُ اللغات وعلمها الخلق إذ ذاك ثم بُعِث بعد أن عَلَّمَها قومَه فلم يكن مبعوثا لهم إلا بعد علمهم اللغات فبُعِث بلسانهم.
قال: وحاصلُه أن نبوَّته متقدمةٌ على رسالته والتعليمُ متوسط فهذا وجهُ اندفاع الدَّوْر.
الرابع - قال في رفع الحاجب: الصحيحُ عندي أنه لا فائدة لهذه المسألة وهو ما صحَّحه ابنُ الأنباري وغيرُه ولذلك قيل ذِكْرُها في الأصول فضولٌ.
وقيل: فائدتها النظرُ في جواز قَلْب اللغة فحُكِي عن بعض القائلين بالتَّوْقيف منعُ القَلْب مطلقا فلا يجوزُ تسمية الثَّوْب فرسا والفرس ثوبا.
وعن القائلين بالاصطلاح تجويزُه.
وأما المتوقِّفون - قال المازَرِي - فاختلَفوا فذهب بعضُهم إلى التجويز كمذهبِ قائلِ الاصطلاح وأشار أبو القاسم عبد الجليل الصَّابوني إلى المَنْع وجوَّزَ كونَ التوقيف واردا على أنه وجبَ ألَاّ يقعَ النطقُ إلا بهذه الألفاظ.
قال ابن السبكي.
والحقُّ عندي - وإليه يشيرُ كلامُ المازَري - أنه لا تَعَلُّقَ لهذا بالأصل السابق فإن التوقيفَ لو تمَّ ليس فيه حجرٌ علينا حتى لا يُنْطَقُ بسِواه فإن فُرِض حجرٌ فهو أمرٌ خارجي والفرعُ حكمُه حكم الأشياءِ قبل وُرودِ الشرائع فإنا لا نعلمُ في الشَّرْع ما يدلُّ عليه وما ذكره الصابوني من الاحتمال مدفوعٌ.
قال المازَرِي: وقد عُلِم أن الفقهاءَ المحققين لا يحرِّمون الشيء بمجرد احتمالِ ورود الشرع بتحريمه وإنما يحرِّمونه عند انْتهاضِ دليلِ تحريمه.
قال: وإن اسْتُنِد في التحريم إلى الاحتياط فهو نظرٌ في المسألة من جهة أخرى وهذا كله فيما لا يؤَدِّي قلبهُ إلى فسادِ النظام وتغييرُه إلى اختلاطِ الأحكام فإن أدَّى إلى ذلك - قال المازَري: فلا نختلفُ في تحريم قَلبِه لا لأَجل نفسه بل لأجلِ ما يُؤدِّي إليه.
قال في شرح المنهاج: إن بناءَ المسألة على هذا الأصل غيرُ صحيح فإن هذا الأصل في أن هذه اللغاتِ الواقعة بين أظْهُرِنا هل هي بالاصطلاح أو التوقيف لا في شخْصٍ خاصٍّ اصطلح مع صاحبه على إطلاق لفظِ الثوب على الفرس مثلا.
وقال الزَّرْكشِي في البحر: حكى الأستاذ أبو منصور قولا: إن التوقيف وقع
في الابتداء على لُغَة واحدة وما سواها من اللغات وقعَ التوقيف عليها بعد الطوفان من الله تعالى في أولاد نوح حين تفرَّقوا في أقطار الأرض.
قال: وقد رُوي عن ابن عباس: أول من تكلم بالعربية المحضة إسماعيل.
وأَرادَ به عربيةَ قريش التي نزل بها القرآن.
وأما عربية قَحْطان وحِمْير فكانت قبلَ إسماعيل عليه السلام.
وقال في شرح الأسماء: قال الجمهور الأعظم من الصحابة والتابعين من المفسرين: إنها كلَّها توقيفٌ من الله تعالى.
وقال أهلُ التحقيق من أصحابنا: لا بد من التوقيف في أصل اللغةِ الواحدة لاسْتِحَالة وقوعِ الاصطلاح على أوَّل اللغات من غيرِ معرفةٍ من المصطلحين بعَينِ ما اصطلحوا عليه وإذا حصلَ التوقيفُ على لغةٍ واحدة جاز أن يكونَ ما بعدَها من اللغات اصطلاحا وأن يكون تَوقيفاً ولا يُقْطَع بأحدهما إلا بدلالة.
قال: واختلفوا في لغة العرَب فمَن زعم أن اللغاتِ كلَّها اصطلاحٌ فكذا قوله في لغة العرب ومن قال بالتَّوقيف على اللغةِ الأولى وأجاز الاصطلاحَ فيما سواها من اللغات اختلفوا في لغة العرب فمنهم من قال: هي أول اللغات وكلُّ لغةٍ سواها حدثَتْ بعدها إما توقيفا أو اصطلاحا واستدلوا بأن القرآن كلامُ الله وهو عربي وهو دليلٌ على أن لغةَ العربِ أسبقُ اللغات وجودا.
ومنهم من قال: لغة العرب نوعان:
أحدهما - عربيةُ حِمْير وهي التي تكلموا بها من عَهْد هود ومَنْ قَبله وبقي بعضُها إلى وقتنا.
- والثانية - العربيَّةُ المحْضَة التي نزل بها القرآن وأولُ من أُنْطقَ لسانُه بها إسماعيل فعلى هذا القول يكون توقيف إسماعيل على العربية المحْضة يَحْتَمِل أمرين: إما أن يكون اصطلاحا بينه وبين جُرْهم النازلين عليه بمكة وإما أن يكون توقيفا من الله تعالى وهو الصواب. انتهى.
- ذكر الآثار الواردة في أن الله تعالى علم آدم عليه السلام اللغات: -
قال وَكِيع في تفسيره: حدَّثنا شَريك عن عاصم بن كليب الجرمي عن سعيد ابن معبد عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وعلم آدم الأسماء كلها} .
قال: علمه كل شيء علَّمه القَصْعَةَ وَالْقُصَيْعَة والفَسوَة والفُسَيْوَةَ.
أخرجه ابنُ جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر في تفاسيرهم بلفظ: علَّمه اسمَ الصحْفَة والقدْر وكلَّ شيءٍ حتى الفسوة والفسية.
وأخرج وَكِيع عن سعيد بن جُبَير في قوله: {وعلم آدم الأسماء كلها} .
قال: علمه اسمَ كلِّ شيء حتى البعير والبقرة والشاة.
وأخرج وَكيع وعبد بن حميد في تفسيرهما عن مجاهد في قوله: {وَعَلَّم آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} قال: علَّمه كلَّ شيء.
ولفظ عبد بن حميد: ما خلقَ اللهُ كله.
وأخرج عبد بن حميد وابنُ أبي حاتم في تفسيرهما من طريق السدي عمن حدثه عن ابن عباس في قوله: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} .
قال: عرض عليه أسماءَ ولدِه إنسانا إنسانا والدَّوَاب فقيل: هذا الحمار هذا الجمل هذا الفرس.
وأخرج ابنُ جزي في تفسيره من طريق الضَّحاك عن ابن عباس في قوله: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} .
قال: هي هذه الأسماء التي يَتعارف بها الناسُ إنسان ودابة وأرض وسهل بحر وجَبَل وحمار وأشباه ذلك من الأمم وغيرها.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جُبَير في قوله: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} قال: اسم الإنسان واسم الدابة واسم كلِّ شيء.
وأخرج عبد عن بن قَتَادة فِي قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} قال: علم آدم من أسماء خَلْقه ما لم يُعَلِّم الملائكة فسمَّى كلَّ شيء بِاسْمِه وأَلْجَأ كلَّ شيء إلى جنسه.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله تعالى: {وعلم آدم الأسماء كلها} قال: علمه القصعة من القُصَيْعة والفسوة من الفسية.
وأخرج إسحاقُ بن بشر في كتاب المبتدأ وابن عساكر في تاريخ دمشق عن عطاء قال: {يا آدم أنْبئْهُم بأسمائهم} فقال آدم: هذه ناقةٌ جمل بقرة نعجة شاة وفرس وهو من خَلْق ربي فكلُّ شيء سَمَّى آدم فهو اسمُه إلى يوم القيامة وجعل يدعو كلَّ شيء باسمه وهو يمرُّ بين يديه فعلِمَت الملائكةُ أنه أكرمُ على الله وأعلمُ منهم.
قلت: في هذا فضيلةٌ عظيمة ومَنْقَبَةٌ شريفة لِعلْمِ اللغة
وأخرج الدَّيلمي في مسند الفردوس عن عطية بن بشر مرفوعا في قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} قال: علَّمه في تلك الأسماء ألْفَ حِرْفَة.
وأخرج ابنُ جرير عن ابن زيد في قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} قال: أسماء ذُرِّيته أجمعين.
وأخرج عن الربيع بن أنس في قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} قال: أَسماء الملائكة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن حميد الشامي قال: علَّم آدمَ أسماءَ النجوم.
وأخرج ابن عساكر في التاريخ عن ابن عباس أن آدم عليه السلام كان لغتُه في الجنة العربيةَ فلما عَصَى سلَبه اللهُ العربية فتكلم بالسريانية فلما تاب ردَّ الله عليه العربية.
قال عبد الملك بن حبيب: كان اللسانُ الأوّلُ الذي نزل به آدمُ من الجنة عربيا إلى أن بَعُد العهدُ وطال حرف وصار سُرْيانياً وهو منسوب إلى أرض سُورَى أو سوريانة وهي أرضُ الجزيرة بها كان نوح عليه السلام وقومه قبل الغَرَق.
قال: وكان يُشَاكِل اللسانَ العربي إلا أنه محرف وهو كان لسانَ جميع مَنْ في سفينة نوح إلَاّ رجلا واحدا يقال له جُرهم فكان لسانه لسانَ العربي الأول فلما خرجُوا من السفينة تزوج إرَم بن سام بعض بناته فمنهم صار اللسانُ العربي في ولده عَوْص أبي عاد وعَبيل وجاثر أبي ثمود وجديس وسُمِّيَت عادٌ باسم جرهم لأنه كان جدهم من