الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوائد:
الأولى - قال ابنُ جني في الخصائص: اللغاتُ على اختلافها كلُّها حجة ألا ترى أن لغةَ الحجاز في إعمال ما ولغةَ تميم في تَرْكِه كلٌّ منهما يَقْبلهُ القياس فليس لك أن ترد إحدى اللغتين بصاحبتها لأنها ليست أحقَّ بذلك من الأخرى لكن غايةُ مَا لَك في ذلك أن تتخيَّر إحداهما فتقوِّيها على أختها وتعتقد أن أقوى القياسين أقبلُ لها وأشدُّ نسبا بها فأما رد إحداهما بالأخرى. فلا
ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم (نزل القرآنُ بسبع لغاتٍ كلُّها شافٍ كافٍ) هذا إذا كانت اللغتان في القياس سواء أو متقاربتين فإن قلت إحداهما جدا وكثرت الأخرى جدا أخذتَ بأوسعها رواية وأقواهما قياسا. ألا ترى أنك لا تقول: المال لِك ولا مررت بَك قياسا على قول قُضاعة المال لِه (ومررت بَه) ولا أكرَمْتُكِش قياسا على قول من قال: مررت بكِش فالواجبُ في مثل ذلك استعمالُ ما هو أقوى وأشيع ومع ذلك لو استعمله إنسان لم يكن مُخْطِئاً لكلام العرب فإن الناطق على قياس لغةٍ من لغات العرب مصيب غير مخطئ لكنه مخطئ لأجود اللغتين فإن احتاج لذلك في شعر أو سجع فإنه غير ملوم ولا منكَر عليه.
انتهى.
وقال ابو حيان في شرح التسهيل: كلُّ ما كان لغة لقبيلة قِيسَ عليه.
وقال أيضا: إنما يسوغ التأويل إذا كانت الجادة على شيء ثم جاء شيء يخالف الجادة فيتأوَّل أما إذا كان لغة طائفة من العرب لم يتكلَّم إلا بها فلا تأويل.
ومن ثم رُدَّ تأويل أبي على قولهم: ليس الطيبُ إلا المسكُ على أن فيها ضمير الشأن لأن أبا عمرو نقل أن ذلك لغة بني تميم.
وقال ابن فارس: لغةُ العرب يُحْتَجَّ بها فيما اختُلِف فيه إذا كان التنازع في اسم أو صفة أو شيء مما تستعملُه العرب من سُنَنها في حقيقةٍ أو مجاز أو ما أشبه
ذلك فأما الذي سبيلُه سبيلُ الاستنباط وما فيه لِدلائل العقل مَجال أو من التوحيد وأصول الفقه وفروعه فلا يحتجُّ فيه بشيءٍ من اللغة لأن موضوع ذلك على غير اللغات فأما الذي يختلف فيه الفقهاء من قوله تعالى: {أوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} وقوله: {وَالمُطَلَّقَات يَتَرَبَّصْنَ بأنْفُسِهِنَّ ثَلَاَثةَ قُرُوء} وقوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النعَمِ} .
وقوله تعالى: {ثمَّ يَعُودُونَ لمَا قَالُوا} فمنه ما يصلُح الاحتجاجُ فيه بلغة العرب ومنه ما يُوكَل إلى غير ذلك.
الفائدة الثانية - في العربي الفصيح ينتقل لسانه:
قال ابن جني: العمل في ذلك أن تنظر حالَ ما انتقل إليه (لسانه) فإن كان فصيحا مثل لغته أُخِذَ بها كما يؤخذ بما انتقل منها أو فاسدا فلا ويؤخد بالأولى.
فإن قيل: فما يُؤْمنك أن يكون كما وجدتَ في لغته فسادا بعد أن لم يكن فيها (فيما علمت) أن يكون فيها فسادٌ آخر (فيما) لم تعلمه
قيل: لو أخذ بهذا لأدَّى إلى ألا تطيب نفسٌ بلغة وأن تتوقَّف عن الأخذ عن كل أحدٍ مخافةَ أن يكون في لغته زَيْغ (حادث) لا نعلمه الآن ويجوزُ أن يعلَم بعد زمان وفي هذا من الخَطَل ما لا يخفي فالصوابُ الأخذُ بما عُرف صحته ولم يظهر فساده ولا يلتفت إلى احتمال الخلَل فيه ما لم يبين.
الفائدة الثالثة - قال ابن فارس في فقه اللغة: باب انتهاءِ الخلاف في اللغات.
يقع في الكلمة الواحدة لغتان كقولهم: الصِّرَام والصَّرام والحِصاد والحَصاد.
ويقع في الكلمات ثلاثُ لغات نحو الزُّجاج والزَّجاج والزِّجاج.
ووَشْكانَ ذَا ووُشْكانَ ذا ووِشْكانَ ذا.
ويقعُ في الكلمة أربعُ لغات نحو الصِّداق والصَّداق والصَّدَقة والصُّدُقة.
ويكون فيها خمسُ لغات نحو: الشَّمال والشَّمْل والشَّمْأل والشَّيمْلَ والشَّمَل.
ويكون فيها ستُّ لغات نحو: قُسْطاس وقِسْطاس وقِصْطَاس وقُسْتَاط وقِسَّاط وقُسَّاط.
ولا يكون أكثر من هذا.
والكلام بعد ذلك أربعة أبواب:
الباب الأول - المجمع عليه الذي لا علةَ فيه وهو الأكثر والأعم مثل: الحمد والشكر لا اختلافَ فيه في بناء ولا حركة.
والباب الثاني - ما فيه لغتان وأكثرُ إلا أن إحدى اللُّغاتِ أفصح.
نحو بَغْذَاذ وبَغْدَاد وبَغْدان هي كلها صحيحة إلا أن بعضها في كلام العرب أصح وأفصح.
والباب الثالث - ما فيه لغتان أو ثلاثٌ أو أكثر وهي متساوية كالحَصاد والحِصاد والصَّداق والصِّداق فأيا ما قال القائل فصيح.
والباب الرابع - ما فيه لغة واحدة إلا أن المُولَّدين غيَّروا فصارتْ ألسنتهُم فيه بالخَطأ جارية نحو قولهم: أَصْرَف اللَّه عنك كذا.
وانْجَاص.
وامرأة مُطاوعة وعِرْق النِّسا بكسر النون.
وما أشبه ذا.
وعلى هذه الأبواب الثلاثة بنى أبو العباس ثعلب كتابه المُسمَّى (فصيح الكلام) أخبرنا به أبو الحسن القطان عنه - انتهى كلامُ ابن فارس.
الرابعة - قال ابنُ هشام في شرح الشواهد: كانت العربُ ينشد بعضهم شعرَ بعض وكلٌّ يتكلم على مقتضى سجيته التي فُطِر عليها ومن هاهنا كثرت الرواياتُ في بعض الأبيات.
انتهى.