الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني
حكم عقد الزواج عن طريق المراكز الإسلامية
بعد ذكر التعريف، فإن مسألة عقد الزواج عن طريق المراكز الإسلامية للأقليات لا تخلو من حالتين:
الأولى: أن يكون الزواج بولي وشاهدين، والزوجان خاليان من الموانع، وبرضاهما، ففي هذه الحالة يجوز النكاح لتوفر الأركان والشروط، ويكون دور المراكز الإسلامية كدور الموثق.
الثانية: أن يكون الزواج بشهود وبلا وليٍّ، مع وجود الزوجين، فهل تقوم المراكز الإسلامية مقام الولي؟
هذه الحالة مرتبطة بالولي، فسأبين مَن هو الولي، وحكم الولي، ومَن هم الأولياء؟ ثم أذكر حكم هذه الحالة لارتباطها ارتباطًا مباشرًا بالولي.
الولي لغة:
الولي في اللغة: القرب والدُّنُوُّ، قال ابن فارس:«الواو واللام والياء أصل صحيح يدل على قرب، وكل من ولي أمرَ أحدٍ، فهو وليُّه» (1).
(1) معجم مقاييس اللغة، ص 1064 - 1065.
وقال الفيومي (1): «الولي فعيل بمعنى فاعل، من وَلِيَه: إذا قام به ومنه: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} (2)، وقال كذلك: «يكون الولي بمعنى مفعول في حق المطيع، فيقال: المؤمن ولي الله» (3).
ويطلق الولي على: المُعتِق، والعَتيق، وابن العمِّ، والناصر، وحافظ النسب، والصديق. (4)
الولي اصطلاحًا:
التعريف الأول: هو: العاقل البالغ الوارث (5).
التعريف الثاني: هو مَن له على المرأة ملك أو أبوّة أو تعصيب أو إيصاء أو كفالة أو سلطنة أو ذو إسلام (6).
التعريف الثالث: ولي النكاح الأقرب إلى العصبات (7).
التعريف الرابع: ولي المرأة أقرب رجل يوجد من عصبتها
(1) أحمد محمد علي الفيومي ثم الحموي، أبو العباس، لغوي اشتهر بكتابة المصباح المنير. ولد ونشأ بالفيوم بمصر، ورحل إلى حماة بسورية فقطنها، قال ابن حجر: كأنه عاش إلى ما بعد 770 هـ، من مؤلفاته: نثر الجمان في تراجم الأعيان، وديوان خطب. انظر: الدرر الكامنة، لابن حجر (1/ 314)، والأعلام، للزركلي (1/ 224).
(2)
سورة البقرة، آية:255.
(3)
المصباح المنير، ص 552.
(4)
معجم مقاييس اللغة، ص 1064 - 1065، والمصباح المنير، ص 552.
(5)
حاشية ابن عابدين (4/ 153)، وشرح فتح القدير، لابن الهمام (2/ 319).
(6)
شرح حدود ابن عرفة (1/ 241).
(7)
تحفة الطلاب بشرح تخريج تنقيح اللباب، للأنصاري، ص 479.
يوافقها في دينها (1).
التعريف الخامس: مَن له الولاية على المرأة (2).
يلاحظ على التعاريف التركيز على العصبة؛ لهذا فإن التعريف المختار: (هو أقرب العصبة أو ذو السلطان).
حكم الولي في النكاح:
تحرير محل النزاع:
- أن للمرأة أن تبرم عقود المعاملات المالية، وأن تليها بنفسها (3).
- اتفقوا أن الكافر لا يكون وليًّا لابنته المسلمة (4).
- اتفقوا على جواز نكاح الرجل إذا كان جائز التصرف، ومباشرته للعقد (5).
- اتفقوا على أن عقد النكاح لو باشره الولي الشرعي بإذن
(1) المحرر في الفقه، لأبي البركات، ص 355.
(2)
الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي، لابن المبرد (3/ 616).
(3)
بدائع الصنائع، للكاساني (5/ 201)، وتقريب المعاني على متن الرسالة، للأزهري، ص 152، ومغني المحتاج، للشربيني (2/ 11)، والروض المربع، للبهوتي، ص 310.
(4)
الإجماع، لابن المنذر، ص 74.
(5)
أحكام القرآن، للجصاص (1/ 486)، وتقريب المعاني، للأزهري، ص 134، ورحمة الأمة في اختلاف الأئمة، للعثماني، ص 387، والروض المربع، للبهوتي، ص 495.
من المرأة البالغة العاقلة وبرضاها، فإن العقد صحيح (1).
- واختلفوا في مباشرة البالغة العاقلة عقد نكاحها بنفسها.
القول الأول: النكاح لا يصح إلا بولي، ولا تملك المرأة تزويج نفسها ولا غيرها.
وهو مذهب المالكية (2) والشافعية (3) والحنابلة (4) وابن حزم (5)(6) ورواية عن أبي يوسف (7)(8).
(1) شرح فتح القدير، لابن الهمام 2/ 391 وما بعدها، وتقريب المعاني، للأزهري، ص 134، ومغني المحتاج، للشربيني 3/ 201 وما بعدها، والروض المربع، للبهوتي، ص 495.
(2)
الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، للأزهري (2/ 4).
(3)
مغني المحتاج، للشربيني (3/ 198).
(4)
الروض المربع، للبهوتي، ص 496.
(5)
المحلى، لابن حزم (9/ 588).
(6)
هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، أبو محمد، عالم الأندلس في عصره، ولد سنة 384 هـ، وتوفي سنة 456 هـ، من مؤلفاته: الفصل في الملل والأهواء، والناسخ والمنسوخ. وفيات الأعيان، لابن خلكان (3/ 325)، والأعلام، للزركلي (4/ 254).
(7)
شرح فتح القدير، لابن الهمام (2/ 391).
(8)
هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي البغدادي، أبو يوسف، صاحب الإمام أبي حنيفة وتلميذه، وأول من وضع الكتب في مذهب أبي حنيفة. ولد سنة 113 هـ، وتوفي سنة 182 هـ، من مؤلفاته: كتاب الخراج. وفيات الأعيان، لابن خلكان (6/ 378)، والفوائد البهية في تراجم الحنفية، للكنوي، ص 225.
وروي عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم وغيرهم (1).
أدلة القول الأول:
الدليل الأول: قال تعالى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ} (2).
وجه الدلالة من الآية من وجهين:
أولاً: وجه الدلالة الأول من جهة اللفظ:
أولاً: معنى العضل: التضييق والمنع، يقال: الأمر المعضل هو: الممتنع، وداء عضال: أي ممتنع.
وفي التضييق يقال: عضلت عليهم الأمر: إذا ضيقت، وعضلت المرأة بولدها: إذا عسر ولادها (3).
ثانيًا: من جهة المخاطب في {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} :
دلت الآية على ثبوت الولاية من وجهين (يعني أن المخاطب هم الأولياء):
الأول: نهي الأولياء عن عضلهن، والعضل: المنع أو التضييق، فلو جاز أن تنفرد بالعقد لما أثر عضل الأولياء، ولما توجه إليهم نهي.
الثاني: قوله: {إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالمَعْرُوفِ} .
(1) المغني، لابن قدامة (9/ 345).
(2)
البقرة، آية:232.
(3)
أحكام القرآن، للجصاص (1/ 483)، والجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (4/ 105).
وجه الدلالة: المعروف ما تناوله العرف بالاختيار، وهو الولي وشاهدان (1).
الرد على وجه الاستدلال:
أن الآية دلت على جواز النكاح إذا عقدت على نفسها بغير ولي، وذلك من وجهين:
الأول: إضافة العقد إليها من غير شرط الولي.
الثاني: نهيه عن العضل إذا تراضى الزوجان (2).
مناقشة الرد:
إضافة النكاح إليهن ليس فيه دليل على اختصاصهن بالعقد (3).
أن الولي يملك منعها من النكاح، ولولا ذلك لما نُهي عنه (4).
الرد على المناقشة:
أن النهي يمنع أن يكون له حق، فكيف يستدل به على إثبات الحق؟ ويمكن أن يكون المنع حسًّا بأن يمنعها من الخروج، أو يحبسها في بيت كيلا تتزوج (5).
الوجه الثاني: وجه الدلالة من الآية من جهة سبب نزولها:
اعترض من لا يرى مشروعية الولي بأن سبب نزول الآية
(1) الحاوي الكبير، للماوردي (9/ 39).
(2)
أحكام القرآن، للجصاص (1/ 484).
(3)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لابن رشد (3/ 952).
(4)
أحكام القرآن، للجصاص (1/ 484).
(4)
المرجع السابق، واالبحر الرائق شرح كنز الرقائق، لابن نجيم (3/ 158).
(5)
شرح معاني الآثار، للطحاوي (3/ 11)، ومختصر اختلاف العلماء، للجصاص (2/ 248).
والقصة التي ذكرت لا تُروى في حديث متصل الإسناد، ولا يحتج بها (1).
الرد:
أن سبب النزول رواه البخاري في «صحيحه» ، عن الحسن قال:(فلا تعضلوهن)، قال: حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه، قال: زوجتُ أختًا لي من رجل فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوجتك وأفرشتك وأكرمتك، فطلقتها ثم جئت تخطبها؟ ! لا والله لا تعود إليك أبدًا. وكان رجلاً لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله هذه الآية:{فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} ، فقلت: الآن أفعل يا رسول الله، قال: فزوجتها إياه (2).
وبهذا الحديث يتبين لنا أن العضل متوجه إلى الأولياء، وأن لهم حقًّا في العقد، وأن للمرأة حقًّا في الاختيار، أي اختيار الزوج.
الدليل الثاني:
قوله تعالى: {وَلَا تُنكِحُوا المُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} (3).
قال القرطبي: في هذه الآية دليل بالنص على أن: لا نكاح إلا بولي (4).
(1)
(2)
صحيح البخاري (6/ 162)، كتاب النكاح، باب من قال لا نكاح إلا بولي، ح (5130).
(3)
سورة البقرة، آية:221.
(4)
الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (3/ 462).
الرد على الاستدلال:
الآية خطاب لأولي الأمر من المسلمين أو لجميع المسلمين، فأحرى به أن يكون خطابًا للأولياء، وبالجملة فالآية مترددة بين أن تكون خطابًا للأولياء، أو لأولي الأمر، فمن احتج بهذه الآية؛ فعليه البيان أنه أظهر في خطاب الأولياء منه في أولي الأمر (1).
مناقشة الرد:
الأظهر أن الآية خطاب لكافة المؤمنين المكلفين الذين خوطبوا بصدرها في قوله: {وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} ، والمراد: لا ينكحهنَّ من إليه الإنكاح، وهم الأولياء، أو خطاب للأولياء، ومنهم الأمراء، عند فقدهم أو عضلهم (2).
الدليل الثالث:
وجه الدلالة من الآية:
أن الآية خطاب للأولياء أن يزوجوا من لا زوج له؛ لأنه طريق التعفف (4).
الرد على الاستدلال:
أن الخطاب في الآية للأزواج، وليس للأولياء (5).
(1) بداية المجتهد، لابن رشد (3/ 951).
(2)
سبل السلام، للصنعاني (6/ 36).
(3)
سورة النور، آية:32.
(4)
الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (15/ 229).
(5)
المرجع السابق.
مناقشة الرد:
الصحيح أن الخطاب للأولياء؛ إذا لو أراد الأزواج لقال: (وانْكحُوا) بغير همز، وكانت الألف للوصل.
وفي هذه الآية دليل على أن المرأة ليس لها أن تُنْكِح نفسها بغير ولي (1).
الدليل الرابع:
قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ .. } (2).
وجه الدلالة من الآية:
أن الولاية من القوامة المنصوص عليها (3).
الدليل الخامس:
قوله تعالى: {فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} (4).
وجه الاستدلال من الآية:
أنه اشترط لصحة النكاح إذن ولي الأَمَةِ، وهذا يدل على أنه لا يكفي عقدها النكاح لنفسها (5).
الدليل السادس:
قوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} (6).
(1) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (15/ 229)، والمحلى، لابن حزم (9/ 595).
(2)
سورة النساء، آية:34.
(3)
الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (6/ 280)، وأحكام الزواج في ضوء الكتاب والسنة، للأشقر، ص 130.
(4)
سورة النساء، آية:2.
(5)
الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (6/ 234)، وأحكام الزواج، للأشقر، ص 131.
(6)
القصص، آية:27.
وجه الاستدلال من الآية:
في هذه الآية دليل على أن النكاح إلى الولي، لا حظ للمرأة فيه؛ لأن صالح مدين تولاه (1)،
والآية صريحة في إضافة النكاح إلى الولي.
الدليل السابع:
عن أبي موسى رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا نكاح إلا بولي» (2).
وجه الاستدلال من الحديث:
أن الحديث صريح في نفي النكاح من دون ولي، والأصل في النفي- شرعًا- أن يتجه إلى الحقيقة الشرعية، أي لا نكاح شرعي أو موجود في الشرع إلا بولي (3).
قال الشوكاني (4): «الأحاديث الواردة في اعتبار الولي قد
(1) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (16/ 261).
(2)
رواه الترمذي في سننه، ص 339، كتاب النكاح، باب ما جاء لا نكاح إلا بولي، ح (1102)، وأبو داود في سننه (3/ 20)، كتاب النكاح، باب في الولي، ح (2078)، وابن ماجه في سننه (2/ 428)، كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بولي، ح (1881)، وصححه الألباني. إرواء الغليل (6/ 235).
(3)
شرح الزركشي (5/ 8).
(4)
محمد بن علي محمد عبد الله الشوكاني، ثم الصنعاني، فقيه مجتهد من كبار علماء اليمن. ولد سنة 1173 هـ، وتوفي سنة 1250 هـ، من مؤلفاته: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، وإرشاد الفحول في علم الأصول. الأعلام، للزركلي (6/ 298).
سردها الحاكم من طريق ثلاثين صحابيًّا، وفيها التصريح بالنفي؛ كحديث أبي موسى عند أحمد وأبي داود والترمذي وابن ماجه، وابن حبان والحاكم، وصححاه بلفظ:«لا نكاح إلا بولي» ، فأفاد انتفاء النكاح الشرعي بانتفاء الولي، ولما أفاد هذا المفاد اقتضى أن ذلك شرطًا لصحة النكاح؛ لأن الشرط لا يلزم من عدمه عدم المشروط، كما تقرر في الأصول.
فكيف وقد أخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه حديث عائشة الذي قدمناه، وفيه:«أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل» ؟ .
وقد قدمنا أيضًا حديث أبي هريرة: أن المرأة لا تزوج المرأة، ولا تزوج نفسها، فالولي شرط من شروط النكاح التي لا يصح إلا بها إذا كان موجودًا، وإلا فولاية ذلك إلى السلطان، على ما تقدم.
وقد قدمنا أيضًا أن ابن المنذر قال: "إنه لا يُعرف عن أحد من الصحابة خلاف اعتبار الولي"(1).
وقال الترمذي: «والعمل في هذا الباب على حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولي» عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، وأبو هريرة وغيرهم، وهكذا رُوي عن بعض فقهاء التابعين» (2).
الرد على وجه الاستدلال:
نحن نقول بهذا الحديث، وأن المرأة وليّ نفسها، كما أن
(1) السيل الجرار على حدائق الأزهار، للشوكاني (2/ 261 - 262).
(2)
رواه الترمذي، كتاب النكاح، باب ما جاء لا نكاح إلا بولي (341).
الرجل وليّ نفسه، فلا يتعرض الحديث لموضع الخلاف؛ لأن هذا عندنا نكاح بولي (1).
رد آخر:
لهذا الحديث احتمالات أخرى: فيحتمل أن يكون الولي هو أقرب العصبة، أو مَن توليه المرأة من الرجال وإن كان بعيدًا، أو غيرها، فإن احتمل الحديث هذه التأويلات، انتفى أن يصرف إلى بعضها دون بعض، إلا بدلالة تدل عليه من كتاب أو سنة أو إجماع (2).
مناقشة الرد:
الحديث صريح في اشتراط الولي، و"لا نكاح إلا بولي" يقتضي أن يكون الولي رجلاً، ولو كانت هي المراد لقال: لا نكاح إلا بولية (3).
وتقدم كلام الشوكاني في دلالة اللفظ.
الرد على المناقشة:
بأن الحديث لم يثبت، وأن فيه اضطرابًا في إسناده، وفي وصله وانقطاعه وإرساله (4).
الرد عليه من وجهين:
الوجه الأول: قال ابن القيم: «الترجيح لحديث إسرائيل في وصله من وجوه عديدة:
(1) أحكام القرآن، للجصاص (1/ 487).
(2)
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب، للمنبجي (2/ 662).
(3)
الحاوي الكبير، للماوردي (9/ 40).
(4)
شرح فتح القدير، لابن الهمام (2/ 394).
أحدها: تصحيح الأئمة له، وحكمهم لروايته بالصحة؛ كالبخاري وعلي بن المديني والترمذي، وبعدهم الحاكم وابن حبان وابن خزيمة.
الثاني: ترجيح إسرائيل في حفظه وإتقانه لحديث أبي إسحاق، وهذا بشهادة الأئمة له، وإن كان شعبة والثوري أجلَّ منه، لكنه لحديث أبي إسحاق أتقن، وبه أعرف.
الثالث: متابعة من وافق إسرائيل على وصله؛ كشريك ويونس بن أبي إسحاق، قال عثمان الدارمي: سألت يحيى بن معين: شريك أحب إليك من أبي إسحاق أو إسرائيل؟ فقال: شريك أحب إلي، وهو أقدم، وإسرائيل صدوق، قلت: يونس بن أبي إسحاق أحب إليك أو إسرائيل؟ فقال: كلُّ ثقة.
الرابع: ما ذكره الترمذي، وهو أن سماع الذين وصلوه عن أبي إسحاق كان في أوقات مختلفة، وشعبة والثوري سمعاه منه في مجلس واحد.
الخامس: أن وصله زيادة من ثقة ليس دون من أرسله، والزيادة إذا كان هذا حالها فهي مقبولة، كما أشار إليه البخاري- والله أعلم» (1).
الوجه الثاني:
أنه لا يضر على مذهب الأحنافِ الإرسالُ، وإنما أوردوا هذا الاعتراض مع أنهم يقولون بالأخذ بالمرسل (2).
(1) تهذيب السنن، لابن قيم الجوزية (2/ 764 - 766).
(2)
شرح فتح القدير، لابن الهمام (2/ 394)، والتبيين، للفارابي (1/ 575).
الدليل الثامن: عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها؛ فنكاحهما باطل، باطل، باطل، فإن أصابها؛ فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا؛ فالسلطان ولي من لا ولي له» (1).
وجه الاستدلال من الحديث:
أن في الحديث دليلاً على اعتبار إذن الولي في النكاح، وهو يعقده لها أو يعقده وكيله (2).
الرد على وجه الاستدلال من وجوه:
الوجه الأول: أن هذا على الأمَة تزوِّج نفسها بغير إذن مولاها (3).
مناقشة الوجه الأول:
1 -
أن (أيما) من ألفاظ العموم في سلب الولاية عنهن، من غير تخصيص ببعض دون بعض (4).
(1) رواه الترمذي في سننه، ص 340، كتاب النكاح، باب ما جاء لا نكاح إلا بولي، ح (1103)، قال الترمذي:"هذا حديث حسن"، وأبو داود في سننه (3/ 20)، كتاب النكاح، باب في الولي، ح (2076)، وابن ماجه في سننه (2/ 427)، كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بولي، ح (1879)، وصححه الألباني. إرواء الغليل (6/ 243).
(2)
سبل السلام، للصنعاني (6/ 29).
(3)
أحكام القرآن، للجصاص (1/ 487).
(4)
تحفة الأحوذي، للمباركفوري (4/ 236).
2 -
وأن التخصيص يحتاج إلى دليل يدل عليه لعموم اللفظ، ولا دليل يدل على التخصيص، فلزم أن يعمَّ.
الوجه الثاني: يفهم من الحديث من لفظه أنه يصح عقد المرأة النكاح لنفسها إذا أذن لها وليها (1).
مناقشة الوجه الثاني:
أن هذا اللفظ خرج مخرج الغالب، وأن هذا المفهوم لا يعارض العموم في قوله:«لا نكاح إلا بولي» المنطوق (2).
الوجه الثالث:
أن الحديث ضعيف؛ فقد ضعفه البخاري وأسقط روايته (3).
مناقشة الوجه الثالث:
لم يتكلم فيه أحد من المتقدمين إلا البخاري وحده؛ لأحاديث انفرد بها، ومثل هذا لا يرد به الحديث، ولهذا كان المشهور عن أئمة الحديث تصحيحه (4).
الدليل التاسع:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزوج المرأةُ المرأةَ، ولا تزوج المرأةُ نفسَها؛ فإن الزانية هي التي تزوِّج نفسَها» (5).
(1) المغني، لابن قدامة (9/ 346).
(2)
المغني، لابن قدامة (9/ 346).
(3)
الاختيار لتعليل المختار (3/ 66).
(4)
شرح الزركشي (5/ 18).
(5)
رواه ابن ماحه في سننه (2/ 429)، كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بولي، ح (182)، وصححه الألباني دون الجملة الأخيرة:«فإن الزانية هي التي تزوج نفسها» . إرواء الغليل (6/ 248).
وجه الاستدلال من الحديث:
أن الحديث صريح الدلالة على أن المرأة ليس لها ولاية في النكاح لنفسها ولا لغيرها، فلا عبارة لها في النكاح إيجابًا ولا قبولاً، فلا تزوج نفسها بإذن الولي ولا غيره بولاية ولا وكالة (1).
الرد على وجه الاستدلال من وجهين:
الوجه الأول:
فيه رجل غير معروف (2).
مناقشة الوجه الأول:
أن الحديث رجاله ثقات (3).
الوجه الثاني:
لو صح الحديث لحُمل على الكراهة؛ لمعارضته الحديث الصحيح الذي رواه مسلم: «الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها» (4).
مناقشة الوجه الثاني:
بأنه لا تعارض بين الحديثين، وأن الحديث صريح الدلالة، وتؤيده أحاديث أخرى.
(1) سبل السلام، للصنعاني (6/ 34).
(2)
اللباب، للمنبجي (2/ 664).
(3)
بلوغ المرام من أدلة الأحكام، لابن حجر، كتاب النكاح، ح 837، ص 254.
(4)
رواه مسلم (4/ 141)، كتاب النكاح، باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق، والبكر بالسكوت، ح (3541).
القول الثاني: أن للمرأة الحرة البالغة العاقلة أن تزوج نفسها وغيرها مطلقًا. وهو مذهب الحنفية، ورواية عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن (1)(2)، ورواية عند الحنابلة (3).
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول: قوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} (4).
وجه الدلالة:
دلت الآية من وجوه على: جواز النكاح إذا عقدت على نفسها بغير ولي ولا إذن وليها، من وجوه:
أحدها: إضافة العقد إليها من غير شرط الولي.
الثاني: نهيه عن العضل إذا تراضى الزوجان (5).
الثالث: لأنه حق خالص لها، وهي من أهل المباشرة؛ فصحَّ منها كبيع أمتها (6).
(1) شرح فتح القدير، لابن الهمام (2/ 391).
(2)
هو محمد بن الحسن بن فرقد، من موالي بني شيبان، أبو عبد الله، إمام بالفقه والأصول، وهو الذي نشر علم أبي حنيفة، أصله من قرية حرسته في غوطة دمشق. ولد سنة 131 هـ، ومات سنة 189 هـ، من مؤلفاته: المبسوط، والجامع الصغير. وفيات الأعيان، لابن خلكان (4/ 184)، والفوائد البهية، للكنوي، ص 163.
(3)
شرح الزركشي (5/ 11). وحمل الحنابلة هذه الرواية على حال العذر، كما لو عدم الولي والسلطان.
(4)
سورة البقرة، آية:232.
(5)
أحكام القرآن، للجصاص (1/ 484).
(6)
المغني، لابن قدامة (9/ 345).
سبق مناقشة الآية (1) في القول الأول، وقد قال الشافعي:«هذه أبين ما في القرآن من أن للولي مع المرأة في نفسها حقًّا، وأن على الولي ألَاّ يعضلها إذا رضيت أن تنكح بالمعروف» (2).
الدليل الثاني:
وجه الدلالة من الآية:
جاز فعلها في نفسها من غير شرط الولي، وفي إثبات شرط الولي في صحة العقد نفي لموجب الآية (4).
الرد على وجه الاستدلال من الآية:
أن المراد بذلك اختيار الأزواج، وأنه لا يجوز العقد عليها إلا بإذنها (5).
مناقشة الرد من وجهين:
أحدهما: عموم اللفظ في اختيار الأزواج وفي غيره.
الثاني: أن اختيار الأزواج لا يحصل لها به فعل في نفسها، وإنما يحصل ذلك بالعقد الذي تتعلق به أحكام النكاح (6).
(1) سبق مناقشة الآية ص 255 وما بعدها.
(2)
الأم، للشافعي (3/ 13).
(3)
سورة البقرة، آية:234.
(4)
أحكام القرآن، للجصاص (1/ 484).
(5)
أحكام القرآن، للجصاص (1/ 484).
(6)
أحكام القرآن، للجصاص (1/ 485).
مناقشة الرد على المناقشة:
1 -
ظاهر الآية أن لها أن تعقد النكاح، وللأولياء الفسخ إذا لم يكن بالمعروف، وهو الظاهر من الشرع، إلا أنه لم يقل به أحدٌ، وأنْ يُحتج ببعض ظاهر الآية على رأيهم، ولا يحتج ببعضها فيه ضَعفٌ.
2 -
وأما إضافة النكاح إليهن؛ فليس فيه دليل على اختصاصهن بالعقد (1).
3 -
كذلك المراد برفع الجناح عنهن ألَاّ يمنعن من النكاح إذا أردْنَه، فلا يدل على تفردهن بغير ولي، كما لم يدل على تفردهن بغير شهود. وأما قوله:{فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْروفِ} (2)، فيقتضي فعل ما جرى به العرف من المعروف الحسن، وليس من المعروف الحسن أن تنكح نفسها بغير ولي (3).
الدليل الثالث:
وجه الدلالة من الآية من وجهين:
أحدهما: إضافة النكاح إليهن من غير ذكر الولي (5).
الثاني: قوله تعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} . فنسب التراجع إليهما من غير ذكر الولي (6).
(1) بداية المجتهد، لابن رشدد (3/ 952).
(2)
سورة البقرة، آية:234.
(3)
الحاوي الكبير، للماوردي (9/ 42 - 43).
(4)
سورة البقرة، آية:230.
(5)
بدائع الصنائع، للكاساني (2/ 370)، واللباب، للمنبجي (2/ 656).
(6)
أحكام القرآن، للجصاص (1/ 484).
الرد على وجه الدلالة:
أنه معارض بالأدلة السابقة للقول الأول التي ذكرت الولي، وكذلك عدم ذكره ليس فيه دليل على اختصاصها بالعقد.
الدليل الرابع:
قوله تعالى: {وَامْرَأَة مُؤْمِنَة إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} (1).
وجه الاستدلال من الآية:
أن الآية نص في انعقاد النكاح بعبارتها، وانعقاده بلفظ الهبة (2).
الرد على وجه الاستدلال من الآية:
أن هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم في النكاح؛ كالتخيير، والعدد في النساء، فليس للمرأة أن تهب نفسها لرجل بغير شهود ولا ولي ولا مهر، إلا النبي صلى الله عليه وسلم، والنص صريح في خاصية النبي بالحكم في قوله:{وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} ، ولم يقل: لك (3).
وكذلك قوله: {خَالِصَةً لَكَ} ، أي هبة النساء أنفسهن خاصة ومزيَّة، فلا يجوز أن تهب المرأة نفسها لرجل، وأجمع الناس على أن ذلك غير جائز، إلا ما روي عن أبي حنيفة ومحمد بن الحسن وأبي يوسف أنهم قالوا: إذا وهبتْ وأَشهَد هو على نفسه بمَهْرٍ، فذلك جائز (4).
(1) الأحزاب، آية:50.
(2)
بدائع الصنائع، للكاساني (2/ 370).
(3)
التفسير الكبير، للطبراني (5/ 206).
(4)
المحرر الوجيز، لابن عطية (7/ 133)، طبعة دار الخير.
الدليل الخامس:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها» (1).
وجه الدلالة:
الأيم اسم لامرأة لا زوج لها، بكرًا كانت أو ثيبًا، وأنه- أي الحديث- أثبت لكل من الأيم والولي حقًّا في قوله:«أحق» ، ومعلوم أنه ليس للولي سوى مباشرة العقد إذا رضيتْ، وقد جعلها أحق منه به.
وبعد هذا، إما أن يجري بين هذا الحديث وحديث "لا نكاح إلا بولي" المعارضة والترجيح، أو الجمع، ففي حالة المعارضة والترجيح يقدم هذا الحديث لصحته، وللكلام في الحديث الآخر، وفي حالة الجمع يُحمل عموم الحديث على الخصوص، وهذا الحديث يخص حديث أبي موسى بعد جواز كون النفي للكمال والسنة
…
ويخص حديث عائشة من نكحتْ غير كفءٍ (2).
الرد على وجه الدلالة:
الأول: أنه لما قابل الأيم بالبكر اقتضى أن تكون البكر غير الأيم؛ لأن المعطوف غير المعطوف عليه، وليس غير البكر إلا الثيب (3).
(1) سبق تخريجه ص 266.
(2)
شرح فتح القدير، لابن الهمام (2/ 393 - 395)، بتصرف.
(3)
عون المعبود، للعظيم آبادي (6/ 81)، وتحفة الأحوذي، للمباركفوي (4/ 251). قال النووي:"الأيم هنا الثيب كما فسرته الرواية الأخرى التي ذكرنا. شرح النووي (9/ 173)، وقال ابن حجر: "وظاهر هذا الحديث أن الأيم هي الثيب التي فارقت زوجها بموت أو طلاق بمقابلة البكر". فتح الباري (9/ 98). الأيم قول مجمل، والرواية الثانية: الثيب أحق بنفسها، رواية مفسرة، والمصير إلى الرواية المفسرة أشهر في الحجة. الاستذكار، لابن عبد البر (16/ 21).
الثاني: أنه جعل لها وليًّا في الموضوع الذي جعلها أحق بنفسها فيه، وهذا موجب ألَاّ تسقط ولايته عن عقدها، ليكون حقها في نفسها، وحق الولي في عقدها، فيجمع بين هذا الخبر وبين قوله:«لا نكاح إلا بولي» في العقد (1).
الثالث: أن لفظة «أحق» موضوعة في اللغة للاشتراك في المُستَحَق إذا كان حق أحدهما فيه أغلب، كما يقال: زيد أعلم من عمرو، إذا كانا عالمين وأحدهما أفضل وأعلم، ولو كان زيد عالمًا وعمرو جاهلاً؛ لكان كلامًا مردودًا؛ لأنه يصير بمثابة قوله: العالم أعلم من الجاهل، وهذا الفرض إذا كان ذلك موجبًا لكل واحد منهما حقًّا، وحق الثيب أغلب، فالأغلب أن يكون من جهتها الإذن والاختيار من جهة قبول الإذن في مباشرة العقد (2).
(1) الحاوي الكبير، للماوردي (9/ 43).
(2)
الحاوي الكبير (9/ 43)، وشرح الزرقاني على الموطأ (3/ 164)، وقال ابن رشد:"حديث ابن عباس هو- لعمري- ظاهر في الفرق بين الثيب والبكر؛ لأنه إذا كان كل واحد منهما يستأذن ويتولى العقد عليهما الولي، فبماذا- ليت شعري- تكون الأيم أحق بنفسها من وليها". بداية المجتهد (3/ 952)، وقال النسفي:"البكر هي التي يكون واطِئُها مبتدِئًا لها، والثيب التي يكون واطئها راجعًا إليها، مِن ثاب يثوب إذا رجع". طلبة الطلبة، ص 127.
الدليل السادس:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم:«ليس للولي مع الثيب أمر، واليتيمة تستأمر، وإذنها صماتها» (1).
وجه الدلالة من الحديث:
فيه دليل بعدم اعتبار الولي في العقد (2).
الرد على وجه الدلالة:
أجيب عنه بأن الولي ليس له أن يزوجها دون رضاها إذا لم ترضَ، إذن لا أمر له معها، إذ حقيقة الأمر: ما وجب على المأمور امتثاله، والثيب لا تجبر على النكاح، وافتقار نكاحها إلى الولي لا يقتضي أن يكون له عليها أمر (3).
الدليل السابع:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت فتاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته، قالت: فجعل الأمر إليها، فقالت الفتاة: إني قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردتُ أن تعلم النساءُ أن ليس للآباء من الأمر شيء (4).
(1) رواه النسائي في سننه (6/ 393)، كتاب النكاح، باب استئذان البكر في نفسها، ح (3263)، وأبو داود في سننه (3/ 27)، كتاب النكاح، باب الثيب، ح (2093)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3/ 290)، وصحيح أبي داود (6/ 332).
(2)
أحكام القرآن، للجصاص (1/ 486)، وبدائع الصنائع، للكاساني (2/ 370).
(3)
شرح الزركشي (5/ 16)، وعون المعبود (6/ 127)، والحاوي الكبير، للماوردي (9/ 44)، وسبل السلام (6/ 32).
(4)
رواه النسائي (6/ 395)، كتاب النكاح، باب البكر يزوجها أبوها وهي كارهة، ح (3269)، وابن ماجه في سننه (2/ 424)، وكتاب النكاح، باب من زوج ابنته وهي كارهة، ح (1874) وغيرهما، وصححه الألباني في إرواء الغليل (6/ 229).
وجه الاستدلال من الحديث من وجوه:
أحدها: قولها ذلك، ولم ينكر عليها؛ فعُلم أنه ثابت، إذ لو لم يكن ثابتًا لما سكت عنه.
الثاني: "أجزت ما صنع أبي" يدل على أن عقده غير نافذ عليها (1).
الثالث: القياس؛ لأنه عقد يجوز أن يتصرف فيه الرجل، فجاز أن تتصرف فيه المرأة؛ كالبيع والإجارة والمهر (2).
مناقشة وجه الاستدلال من وجوه:
أحدها: أن الحديث لم يصح (3).
الثاني: على فرض صحة الحديث، فإنه ليس فيه حجة؛ لأنه رد نكاحًا انفرد به الولي، وإنما يكون حجة إذا أجاز نكاحًا تفردت به المرأة (4).
الثالث: أما قياسهم على الرجل، فالمعنى في الرجل أنه لمَّا لم يكن للولي عليه اعتراض في الكفاءة، لم يكن له في العقد عليه ولاية، بخلاف المرأة؛ فإن للولي على المرأة اعتراضًا في الكفاءة،
(1) الاختيار لتعليل المختار، للموصلي (6/ 63 - 64).
(2)
المبسوط، للسرخسي (5/ 12)، والحاوي الكبير، للماوردي (9/ 39).
(3)
الحاوي الكبير، للماوردي (9/ 44).
(4)
الحاوي الكبير، للماوردي (9/ 44).
وكذا الجواب عن قياسه على عقد الإجارة أنه ليس للولي اعتراض فيه، فلم يكن له ولاية عليه، وليس كذلك عقد النكاح.
أما القياس على المهر، فعندهم أن للولي أن يعترض عليها فيه، ويمنعها أن تتزوج بأقل من مهرها (1).
الدليل الثامن: حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ بعد وفاة أبي سلمة، فخطبني إلى نفسي، فقلت: يا رسول الله، إنه ليس أحد من أوليائي شاهدًا، فقال: "إنه ليس منهم شاهد ولا غائب يكره ذلك، قلت: قم يا عمر، فزوِّج رسول الله صلى الله عليه وسلم. فزوجها (2).
وجه الاستدلال:
أنه كان لعمر بن أم سلمة لما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين، والصغير لا ولاية له، وقد ولَّته هي أن يعقد النكاح عليها، ففعل، فرآه رسول الله جائزًا، فكأن أم سلمة عقدت النكاح على نفسها (3).
مناقشة وجه الاستدلال من وجوه:
أحدها: أن الحديث لم يصح (4).
(1) الحاوي الكبير، للماوردي (9/ 44).
(2)
رواه النسائي في سننه (6/ 389)، كتاب النكاح، باب إنكاح الابن أمه، ح (3254)، وضعفه الألباني في إرواء الغليل (6/ 251).
(3)
اللباب، للمنبجي (2/ 662 - 663).
(4)
المحلى، لابن حزم (9/ 596).
الثاني: على فرض صحة الحديث، فإن العلماء قد اختلفوا فيمن عقد النكاح، فقد ذُكر أن لأبي سلمة من أم سلمة ابنًا آخر اسمه سلمة، وهو الذي عقد لرسول الله صلى الله عليه وسلم على أمه "أم سلمة"، وكان سلمة أسنَّ من أخيه عمر بن أبي سلمة (1).
الثالث: أن هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم بأن يتزوج بلا ولي (2).
الرابع: أنه لما نزلت: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} (3) كانت زينب تفاخر نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: زوجكن آباؤكن، وزوجني الله تعالى (4).
فدل على أن جميع نساء النبي صلى الله عليه وسلم إنما زوجهن أولياؤهن حاشا زينب رضي الله عنها، فإن الله تعالى زوَّجها منه عليه الصلاة والسلام (5).
الخامس: أنه مُعارَض بالأحاديث السابقة: «ولا تزوج المرأة نفسها» ، وحديث:«لا نكاح إلا بولي» .
السادس: لما قالت: إنه ليس أحد من أوليائها حاضرًا، لم يقل صلى الله عليه وسلم: أنكحي أنت نفسك، مع أنه مقام بيان، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة (6).
(1) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (3/ 470 - 471).
(2)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، للحطاب (5/ 16)، وروضة الطالبين، للنووي (3/ 178)، شرح الزركشي (5/ 16).
(3)
سورة الأحزاب، آية:37.
(4)
الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (17/ 160).
(5)
المحلى، لابن حزم (9/ 596).
(6)
سبل السلام، للصنعاني (6/ 35).
الدليل التاسع: القياس، فكما أنها تستقل بالبيع دون ولي، فكذلك النكاح (1).
الرد:
لا يصح هذا القياس؛ لأنه قياس مع النص، والذي رفع هذا القياس هو حديث معقل الذي أخرجه البخاري (2)(3).
الدليل العاشر: القياس على الصبي، فإنها لما بلغت عن عقل وحرية، فقد صارت ولية نفسها في النكاح كالصبي العاقل إذا بلغ (4).
الرد: ويمكن الرد أنه قياس مع النص.
الدليل الحادي عشر: أنها تصرفت في خالص حقها، ولم تلحق الضرر بغيرها، فينعقد تصرفها (5).
ومما سبق يتبين لنا- والله أعلم- أن الراجح قول الجمهور، وذلك لما يلي:
1 -
صحة الأدلة الدالة على ذلك وكثرتها.
2 -
صراحة الأدلة على قولهم.
3 -
ضعف أدلة القول الثاني.
(1) أحكام القرآن، للجصاص (1/ 486).
(2)
سبق تخريجه ص 257.
(3)
سبل السلام، للصنعاني (6/ 27 - 28)، وفتح الباري، لابن حجر (9/ 94).
(4)
بدائع الصنائع، للكاساني (2/ 370).
(5)
السرخسي، المبسوط (5/ 12).
4 -
طبيعة المرأة وما جبلت عليه من ضعف في الإدارة والرأي، وعاطفتها الغلابة عليها.
من هم الأولياء؟ وبمعنى آخر: ما أسباب الولاية؟ :
1 -
الأقارب أو العصبة: وهم كل قريب رجل اتصل بالمولى عليه اتصالاً ينفرد بالتوسط بينهما فيه أنثى (1).
2 -
السيد تثبت له الولاية على من يملك من العبيد والإماء (2).
3 -
الحاكم أو نائبه له الولاية إذا لم يوجد ولِيٌّ من الأقارب (3).
5 -
الوصي. وقد اختلف فيه العلماء؛ فأجازه المالكية (4)،
(1) الفتاوى الهندية (1/ 283)، وبدائع الصنائع، للكاساني (2/ 355)، وبداية المجتهد، لابن رشد (3/ 955)، ومواهب الجليل، للحطاب (5/ 65)، وروضة الطالبين، للنووي (3/ 203)، وكفاية الأخيار، للحصني (2/ 358)، والمغني، لابن قدامة (9/ 355)، وكشاف القناع، للبهوتي (11/ 267).
(2)
الفتاوى الهندية (1/ 283)، وحاشية ابن عابدين (4/ 154)، وحاشية الخرشي (4/ 152)، ومواهب الجليل، للحطاب (5/ 57)، وروضة الطالبين، للنووي (3/ 206)، وكفاية الأخيار للحصني (2/ 359)، والمغني، لابن قدامة (9/ 360)، وكشاف القناع، للبهوتي (11/ 269).
(3)
حاشية ابن عابدين (4/ 154)، وبدائع الصنائع، للكاساني (2/ 355)، وبداية المجتهد، لابن رشد (3/ 955)، ومواهب الجليل، للحطاب (5/ 57)، وروضة الطالبين، للنووي (3/ 206)، وكفاية الأخيار، للحصني (2/ 359)، والمغني، لابن قدامة (9/ 360)، وكشاف القناع، للبهوتي (11/ 269).
(4)
بداية المجتهد، لابن رشد (3/ 955)، والقوانين الفقهية، لابن جزي، ص 333.
والحنابلة (1) في رواية، ومنعه الحنفية (2) والشافعية (3)، ورواية عند الحنابلة (4).
مما سبق يتبين لنا صحة قول الجمهور بوجوب الولي، وفي هذه الحالة قد لا يكون للمرأة ولي أبدًا، بأن تكون أسلمت وأولياؤها كفار، أو ليس لها ولي أصلاً، وفي هذه الحالة فإن المراكز الإسلامية لا تمثل الولي الشرعي، وليست نائبة عن الحاكم، فيكون هذا من باب الحاجة والضرورة، وجلب المصالح، ودفع المفاسد.
حكمها عند الفقهاء الحنفية (5): يرون جواز النكاح بلا ولي أصلاً، كما سبق.
والمالكية يقولون بالجواز من باب الولاية العامة (6).
والشافعية (7) والحنابلة (8) يقولون بالجواز من باب الحاجة والضرورة وانعدام الولي أصلاً
(1) الروايتان والوجهان لأبي يعلي (2/ 80)، والمغني، لابن قدامة (9/ 365).
(2)
بدائع الصنائع، للكاساني (2/ 355)، وحاشية ابن عابدين (4/ 154)، والفتاوى الهندية (1/ 283).
(3)
كفاية الأخيار، للحصني (2/ 359).
(4)
الروايتان والوجهان لأبي يعلي (2/ 80)، والمغني، لابن قدامة (9/ 365).
(5)
شرح فتح القدير، لابن الهمام (2/ 391)، وبدائع الصنائع، للكاساني (2/ 368).
(6)
حاشية الخرشي (4/ 154)، ومواهب الجليل، للحطاب (5/ 58)، وقال:«وهي ولاية الدين، وهي جائزة مع تعذر الولاية الخاصة» ، ومقصود الولاية الخاصة: هي ولاية النسب والولاء والسلطان.
(7)
كفاية الأخيار، للحصني (2/ 356)، وروضة الطالبين، للنووي (3/ 201).
(8)
المغني، لابن قدامة (9/ 362)، وكشاف القناع، للبهوتي (11/ 271).
فعلى قول الجمهور- المشار إليه سابقًا- يزوجها رجل عدل عند الضرورة وانعدام الولي، فيكون ذلك عن طريق المراكز الإسلامية، وهو الغالب في الأقليات المسلمة، وإلا فيجوز للرجل العدل أن يكون وليها ولو لم يكن من أهل المراكز الإسلامية.
الأدلة على هذا القول:
الدليل الأول: قال تعالى: «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض» (1).
وجه الاستدلال في الآية:
ذكر الولاية هنا، ولا ولاية بين المنافقين ولا شفاعة، ولا يدعو بعضهم لبعض، وكأن المراد الولاية الخاصة (2).
الدليل الثاني:
قال تعالى: «إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا» (3).
وجه الاستدلال من الآية:
أن "إنما" أداة حصر، والولي اسم جنس، فتشمل كل ولاية (4).
الدليل الثالث:
دفع الحاجة، ورفع الحرج، ولا شك أن ترك تزويج المرأة المسلمة الصالحة للزواج الراغبة فيه أمرٌ تترتب عليه مفاسد عظيمة، لاسيما في الدول الغربية، فقد تقع المرأة بالفاحشة،
(1) سورة التوبة، آية:71.
(2)
المحرر الوجيز، لابن عطية (6/ 562).
(3)
سورة المائدة، آية:55.
(4)
المحرر الوجيز، لابن عطية (4/ 489).
وهذا فيه ضرر على دينها ودنياها (1)، وقد جاءت النصوص برفع الحرج عن الناس، قال تعالى:«وما جعل الله عليكم في الدين من حرج» (2)، كما جاءت القواعد الشرعية بجلب المصالح، ودفع المفاسد (3).
الدليل الرابع:
أن تزويج المراكز الإسلامية للمسلمة التي ليس لها ولي في مثل هذه المجتمعات يدفع ضررًا راجحًا يلحق بها في حال عدم تزويجها، ورفع الضرر أصل عظيم (4) نصت عليه القواعد الشرعية المندرجة تحت القاعدة الكلية: لا ضرر ولا ضرار (5).
(1) حكم تولي المراكز والجمعيات الإسلامية عقود تزويج المسلمين وفسخ أنكحتهم، للقعر، ص 414.
(2)
سورة الحج، آية:78.
(3)
المنثور في القواعد، للزركشي (2/ 375)، ورسالة في القواعد الفقهية، للسعدي، ص 41، وشرح القواعد الفقهية، للزرقا، ص 205.
(4)
حكم تولي المراكز والجمعيات الإسلامية عقود تزويج المسلمين وفسخ أنكحتهم، للقعر، ص 415.
(5)
الأشباه والنظائر، للسيوطي، ص 132، وشرح القواعد الفقهية، للزرقا، ص 165، والوجيز، للبورنو، ص 251.