الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول
إعلان المرأة للزواج في وسائل الاتصال الحديثة
الإعلان ضد الأسرار، ومنه قوله تعالى:{ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (1)} ، أي سرًّا وعلانية (2).
وقال ابن فارس: «العين واللام والنون أصل صحيح يدل على إظهار الشيء والإشارة إليه» (3).
ومما سبق يتبين أن المراد من الإعلان هو إظهار رغبة المرأة في الزواج. وأما المقصود من وسائل الاتصال الحديثة، فمن حيث العموم؛ أي سواء كانت عن طريق الإنترنت- كما في مواقع الزواج، وهي كثيرة في هذا الزمان- أو القنوات الفضائية، أو غيرهما من الوسائل الحديثة.
الأصل- غالبًا- أن إظهار الرغبة في الزواج تكون من قبل الرجل؛ لذلك جاءت أغلب الأدلة الشرعية بصيغة المذكر؛ لأن الغالب أن يكون الرجل هو الذي يطلب المرأة؛ للحياء الفطري في المرأة، والأعراف والعادات التي بين الناس، قال تعالى:{فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ} (4)، وقوله:{إِذَا نَكَحْتُمُ المُؤْمِنَاتِ} (5)، وقوله:
(1) سورة نوح، آية:9.
(2)
مفردات ألفاط القرآن، للأصفهاني، ص 582.
(3)
معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، ص 664.
(4)
سورة النساء، آية:3.
(5)
سورة الأحزاب، آية:49.
{فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} (1)، وغير ذلك من الآيات 0
ومن الأحاديث حديث ابن عمر رضي الله عنهما: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه (2) 0
وحديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل» (3).
حديث فاطمة بنت قيس أنها خطبها معاوية وأبو جهم، فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عليهما، وخطبها لأسامة (4).
وغير ذلك من الأدلة الكثيرة من القرآن والسنة، التي تدل على أن الغالب أن المُخاطَب فيها الرجل، وأن هذا ما جرى عليه العرف والعادة بين الناس.
ويجوز كذلك للولي أن يعرض ابنته أو أخته على الرجل
(1) سورة النساء، آية:25.
(2)
رواه البخاري في صحيحه (6/ 166)، كتاب النكاح، باب لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع، ح رقم (5142).
(3)
رواه أبو داود في سننه (3/ 19 - 20)، كتاب النكاح، باب الرجل ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجها، ح رقم (2075). قال الألباني: حديث حسن. الإرواء (6/ 200).
(4)
رواه مسلم في صحيحه (4/ 196)، كتاب الطلاق، باب المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها، حديث (1480)(39)، ورواه أحمد في مسنده (45/ 317)، حديث (27333)، والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 288)، كتاب النكاح، باب التعريض بالخطبة، ح (14015)، وصححه الشيخ شعيب الأرناءوط في تحقيق المسند، وهو من متابعات مسلم.
الصالح، وكان هذا ما عليه السلف وأهل الدين والعلم والصلاح إلى يومنا هذا، لا يتحرجون في ذلك (1).
ومن الأدلة على ذلك:
قال تعالى: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} (2).
قال القرطبي: «فيه عرض الولي ابنته على الرجل، وهذه سنة قائمة» (3).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، أنّ عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصه بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي (4)، وكان من أصحاب رسول الله فتوفي بالمدينة، قال عمر بن الخطاب: أتيت عثمان بن عفان، فعرضت عليه حفصة، فقال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي، ثم لقيني فقال: قد بدا لي ألَاّ أتزوج يومي هذا، قال عمر: فقليت أبا بكر الصديق فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئًا، وكنت أوجد عليه مني على عثمان،
(1) أحكام الزواج في ضوء الكتاب والسنة، للأشقر، ص 38.
(2)
سورة القصص، آية:27.
(3)
الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (16/ 261). على خلاف بين المفسرين هل ولي المرأة شعيب عليه السلام أم غيره؟ على أقوال. تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (6/ 12 - 13).
(4)
خنيس- بالتصغير- بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم القرشي السهمي، أخو عبد الله، كان من السابقين، وهاجر إلى الحبشة، ثم رجع فهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا، وأصابته جراحة يوم أحد فمات منها، وكان زوج حفصة بنت عمر، فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعده. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر (3/ 321).
فلبثت ليالي، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إيّاه
…
» (1).
ويجوز للمرأة كذلك أن تبدي رغبتها في الزواج من الرجل الصالح، وإن كان الأفضل في حقها أن تلمح لوليها برغبتها في الزواج دون التصريح؛ لقوله تعالى:{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِينُ} (2).
ويمكن ان يستدل بهذه الآية: بما قالته لأبيها أنها تلمح (3) له برغبتها بالزواج.
الأدلة على مشروعية إظهار المرأة رغبتها في الزواج من الرجل الصالح، سواء مباشرة أم لا، منها قوله تعالى:{وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ} .
وجه الدلة من الآية:
أن المرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلسه، وأظهرت رغبتها في أن تهب نفسها له لكي يتزوجها (4).
عن سهل بن سعيد، «أن امرأة عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له رجل: يا رسول الله، زوِّجنيها، فقال:"ما عندك"؟ فقال: ما عندي شيء، قال: "فالتمس ولو خاتمًا من حديد
…
» (5). الحديث
(1) رواه البخاري (6/ 158 - 159)، كتاب النكاح، باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير، ح رقم (5122).
(2)
سورة القصص، آية:26.
(3)
موقع الإسلام سؤال وجواب، فتوى رقم (20916): 20916 http://islamqa.info/ar/ref/
(4)
تفسير القرآن العظيم (6/ 212).
(5)
رواه البخاري في كتاب النكاح، باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح (6/ 129)، ح (5121)، ومسلم في صحيحه (4/ 143)، كتاب النكاح، باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن.
صريح في عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح للزواج، ولو كان الأمر غير جائز لما أقره النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنكر عليها، ولكن سكوته عليه السلام دليل الجواز (1).
وعلى هذا نقول بجواز عرض المرأة نفسها في وسائل الاتصال الحديثة إن لم يَشُبْها شيء من المحرمات؛ كالمواقع التي تعرض صور النساء الراغبات بالزواج وهي حاسرة الرأس، وبلباس يظهر تقاسيم جسمها، ووضع رقم هاتفها أو بريدها الإلكتروني، فهذا محرم لأجل ما شابَه من المحرمات، وأما أصل العرض فجائز، وإن كنت أرى أن أفضل طريقة هي التي تكون عن طريق المشايخ المحتسبين، الذين يدلون الشباب الراغب في الزواج على النساء الراغبات في الزواج.
(1) فتح الباري (9/ 80)، وإحكام الأحكام، لابن دقيق، ص 785، وسبل السلام، للصنعاني (6/ 20).