الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول
تعريف الزواج العرفي
الفرع الأول: تعريف الزواج العرفي لغة:
العرف في اللغة يطلق على معانٍ متعددة، وقبل ذكرها نذكر الأصل الذي يطلق عليه العرف، قال ابن فارس:(حرف العين والراء والفاء أصلان صحيحان، يدل أحدهما على تتابع الشيء متصلاً بعضه ببعض، والآخر يدل على السكون والطمأنينة)(1).
ومن معانيه:
- الجود: اسم ما تبذله وتعطيه الرائحة الطيبة؛ لأن النفس تسكن إليها، يقال: ما أطيب عَرْفه، قال تعالى:{وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)} (2).
- المعروف والعرفان: تقول عَرَفَ فلان فلانًا عرفانًا ومعرفة، وهذا أمر معروف، وهو أخص من العلم، ويضاده الإنكار.
- الصبر: العارف: الصابر، يقال: أصابته مصيبة فوجد عروفًا، أي صابرًا.
- الاعتراف والإقرار: تقول له عليّ ألف عرفًا، أي: اعترافًا.
(1) معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، ص 732.
(2)
سورة محمد، آية:6.
- ويطلق على كل مرتفع عالٍ ظهره، ويقال: عرف الأرض: ما ارتفع منها، وأعراف الرياح والسحاب: أوائلها وأعاليها (1).
العرف في اصطلاح الأصوليين:
التعريف الأول: ما يغلب على الناس من قول أو فعل أو ترك (2).
التعريف الثاني: عادة جمهور قوم في قول أو عمل (3).
التعريف الثالث: ما ألفه المجتمع واعتاده وسار عليه في حياته من قول أو فعل (4).
التعريف الرابع: ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول، وتلقته الطبائع بالقبول (5).
التعريف الخامس: ما عرفه العقلاء بأنه حسن، وأقرهم الشارع عليه (6).
(1) مفردات ألفاظ القرآن الكريم، للأصفهاني، ص 560، والقاموس المحيط، للفيروزآبادي، ص 771، ولسان العرب، لابن منظور، مادة (عرف)، والتعريفات، للجرجاني، ص 225، والمصباح المنير، للفيومي، ص 329، ومختار الصحاح، للرازي، ص 406، مادة:(عرف).
(2)
المناهج الأصولية، للدريني، ص 441.
(3)
المدخل الفقهي، للزرقا، ص 141.
(4)
الوجيز في أصول الفقه، لزيدان، ص 252.
(5)
التعريفات، للجرجاني، ص 225، وهو نفس تعريف النسفي الحنفي، صاحب كتاب المستصفى، مخطوط نقل عنه كثير من المعاصرين، والعرف والعادة، لحسنين، ص 15، ورفع الحرج، لباحسين، ص 338.
(6)
العرف والعادة، لحسنين، ص 19.
التعريف المختار هو التعريف الأول، لأمور، هي:
1 -
لعمومه؛ لأنه شمل القول والفعل والترك.
2 -
أن التعريف الثاني والثالث نصَّا على تعريف العرف بالعادة، وهذا فيه خلاف بين العلماء، والثالث فيه تكرار، وهو قوله: ألفه المجتمع وسار عليه واعتاده.
3 -
قوله في التعريف الرابع: "وتلقته الطبائع" فيه نظر؛ لأنه لا يلزم أن يتلقاه كل الناس؛ لأنه عرف الطباع، فدلت على العموم، ويكفي أغلب الناس أو الأكثرية ليكون عرفًا.
4 -
قوله في التعريف الخامس عرف العرف بما عرفه، وهذا ما يسميه الأصوليون الدور، وهو من أسباب نقض التعريف، وكذلك قوله:"وأقرهم الشارع عليه" يخرج العرف الفاسد.
- وهل العرف هو العادة؟ اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:
الأول: أنهما مترادفان، فالعادة والعرف بمعنى واحد، والكثير من الأصوليين حينما يذكر العرف يقرنه بالعادة دون تمييز أو تفريق بينهما (1).
الثاني: ومن العلماء من قال: العادة هي المتكررة من دون علاقة عقلية، والعرف هو العملي، فالعادة هي العرف العملي، فهي أخص منه (2).
(1) العرف والعادة، لحسنين، ص 13، والعرف وأثره في الشريعة والقانون، لسير مباركي، ص 48.
(2)
التقرير والتحبير، لابن أمير الحاج (1/ 282).
الثالثة: أن العادة أعم من العرف، وبينهما العموم والخصوص المطلق، فالعادة أعم مطلقًا من العرف، والعرف عادة مقيدة، فكل عرف عادة، ولا عكس (1).
والإطلاق الثالث هو الصحيح، لما يلي:
1 -
لموافقته للمدلولات اللغوية للمعنيين، فالعادة الأمر المتكرر مطلقًا.
2 -
الواقع والتطبيق: فإن هناك أمورًا تتكرر بصورة فردية ولا ينطبق عليها اسم العرف، بل يطلق عليها عادة، مثل عادة المرأة في حيضتها، أما العادة الجماعية قولية أو فعلية، فيصح أن يطلق عليها اسم العرف، كما يطلق اسم العادة (2).
- حجية العرف: الاحتجاج بالعرف والعادة من الأمور المتفق عليها بين العلماء (3) إذا كان لهما مجال، ولم يخالفا دليلاً شرعيًّا، وإنما الخلاف في تفاوتهم بالأخذ به بالكثرة والقلة، حتى قال العز بن عبد السلام (4): إن دلالة العرف عليها- أي على المسائل الفقهية
(1) المدخل الفقهي، للزرقا (2/ 874).
(2)
العرف وأثره في الشريعة والقانون، لسير مباركي، ص 50، والعرف حجيته وأثره في فقه المعاملات، لقوته (1/ 117).
(3)
المبسوط، للسرخسي (13/ 14)، والأشباه والنظائر، لابن نجيم، ص 101، والفروق، للقرافي (1/ 377)، والموافقات، للشاطبي (2/ 483)، والأشباه والنظائر، للسيوطي، ص 142، والأشباه والنظائر، لابن الوكيل (2/ 77)، وشرح الكوكب المنير، للفتوحي (4/ 448)، وأصول الأمام أحمد، للتركي، ص 593.
(4)
هو أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم السلمي الدمشقي، ثم المصري، الملقب بسلطان العلماء، واختلفوا في سنة ولادته بين سنة 577 هـ أو 578 هـ، وتوفي سنة 660 هـ، ومن مؤلفاته: أحكام الجهاد وفضائله، وترغيب أهل الإسلام في سكن الشام. طبقات الشافعية الكبرى، للسبكي (5/ 80)، والأعلام، للزركلي (4/ 21).
التي ذكرها- كدلالة اللفظ (1)، وكذلك هل هو دليل مستقل أو تابع.
بعض الأدلة على مشروعية العرف:
الدليل الأول: قال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} (2).
وجه الدلالة من الآية:
أن هذا أمر من الله عز وجل بالأخذ بالعرف، وهو دليل على اعتبار العرف، وهو ما عرفته النفوس مما لا تردُّه الشريعة (3).
الدليل الثاني: قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (4).
وجه الاستدلال من الآية:
أن الله أمر الرجال بأن يعاشروا زوجاتهم بما تعارف عليه الناس، مما من شأنه أن يحسن العِشْرة، فدلَّ على أن العرف حجة (5).
الدليل الثالث: قال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} (6).
(1) القواعد الكبرى، لابن عبد السلام (2/ 228).
(2)
سورة الأعراف، آية:199.
(3)
المحرر الوجيز، لابن عطية (6/ 186).
(4)
سورة النساء: آية: 19.
(5)
شرح الكوكب المنير، للفتوحي (4/ 449).
(6)
سورة الطلاق، آية:7.