الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني
حكم النكاح
اختلف العلماء في حكم النكاح على ثلاثة أقوال:
القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (1) والمالكية (2) والشافعية (3) والحنابلة (4) على أن الزواج مندوب إليه ومستحب في هذه الحالة.
أدلة القول الأول:
الدليل الأول: قال الله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} (5).
وجه الاستدلال من الآية من ثلاثة وجوه:
الأول: أن الأمر للاستحباب؛ لأن الله علقه على الاستطابة، ولو كان واجبًا لم يقف على الاستطابة (6).
(1) حاشية ابن عابدين (4/ 65)، وشرح فتح القدير، لابن الهمام (2/ 342)، وقالا:"سنة مؤكدة في الأصح".
(2)
مواهب الجليل، للحطاب (5/ 18، 19)، والمعونة على مذهب أعلام المدينة، للقاضي عبد الوهاب (1/ 473).
(3)
مغني المحتاج، للحصني (3/ 168)، وكفاية الأخيار، للحصني (2/ 346) وقالوا مستحب لمن يجد أهبته.
(4)
المغني، لابن قدامة (9/ 340).
(5)
سورة النساء، آية:3.
(6)
مغني المحتاج، للشربيني (3/ 168)، والحاوي الكبير في فقه الإمام الشافعي، وهو شرح مختصر المزني، للماوردي (9/ 31)، والمغني، لابن قدامة (9/ 341).
الثاني: قوله تعالى: {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} ، قال ابن قدامة:«ولا يجب ذلك بالاتفاق» (1)، ولو كان واجبًا لورد النقل به.
الثالث: أن الله تعالى خير بين النكاح والتسري في قوله: {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، والتسري ليس بواجب بالاتفاق، ولا يصح عند الأصوليين التسوية بين الواجب وغيره، فدل على عدم وجوبه (2).
الدليل الثاني: قوله تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} (3).
وجه الاستدلال من الآية:
أن الله تعالى أمر بالنكاح في هذه الآية، وأن أدنى مراتب الأمر الدلالة على الاستحباب والندب (4).
الدليل الثالث: قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} (5).
وجه الاستدلال من الآية:
أن طلب الأهل والولد هو دين الأنبياء، وأنه مما يحبه الله ويرضاه (6).
(1) المغني، لابن قدامة (9/ 341).
(2)
الحاوي الكبير، للماوردي (9/ 31)، وشرح صحيح مسلم، للنووي (9/ 148).
(3)
سورة النور، الآية:32.
(4)
الشرح الكبير، لابن قدامة (20/ 11)، مطبوع مع الإنصاف والمقنع.
(5)
سورة الرعد، الآية:38.
(6)
الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، للبعلي، ص 290.
الدليل الرابع: حديث ابن مسعود، قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج
…
» (1).
وجه الاستدلال بالحديث:
لما أقام الحديث الصوم مقام النكاح، والصوم ليس واجبًا، دلّ على أن النكاح ليس واجبًا، فلا يقوم غير الواجب مقام الواجب، فيتبين لنا أن النكاح مندوب (2).
القول الثاني: ذهب الظاهرية (3)، وبعض الحنفية (4)، وبعض الشافعية (5)، والإمام أحمد في رواية (6) إلى الوجوب.
استدل الظاهرية بظواهر الأدلة، وهي نفس أدلة الجمهور:
الدليل الأول: قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ} (7).
الدليل الثاني: قوله تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ} (8).
الدليل الثالث: حديث ابن مسعود قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب
…
فليتزوج
…
» (9).
(1) سبق تخريجه، ص 43
(2)
فتح الباري، لابن حجر (9/ 13)، وسبل السلام الموصل إلى بلوغ المرام، للصنعاني (6/ 6).
(3)
المحلى، لابن حزم (9/ 573).
(4)
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، للكاساني (2/ 342).
(5)
فتح الباري، لابن حجر (9/ 12).
(6)
المغني، لابن قدامة (9/ 340)، والكافي، لابن قدامة (4/ 212).
(7)
سورة النساء، آية:3.
(8)
سورة النور، آية:32.
(9)
سبق تخريجه ص 43.
القول الثالث: ذهب بعض الحنفية إلى أن النكاح فرض كفاية (1).
دليل القول الثالث: أن الأمر المطلق يحمل على الوجوب، ولا يحمل على التعيين؛ لأن آحاد الناس لا يأثمون بتركه، فيحمل على الفرضية والوجوب الكفائي؛ كالجهاد وصلاة الجنازة (2).
الرد على الدليل: ويمكن الرد أن هذا التفريق يحتاج إلى دليل، والأدلة السابقة تدل على خلافه.
القول الراجح- والله أعلم-: رأي الجمهور القائل بأن الزواج حال الاعتدال أنه سنة ومندوب إليه.
وذلك لقوة أدلة هذا القول؛ لوجود القرائن الصارفة عن الوجوب، وسلامة حجتهم؛ لأن النكاح نهج الأنبياء.
الحالة الثانية: لحكم النكاح من حيث الشخص، وبعبارة أخرى: أقسام الناس في الزواج، وذلك لأن الأمر مختلف من شخص لآخر من حيث الشهوة والقدرة على القيام بالحقوق والواجبات، ففي هذه الحالة تعتريه الأحكام التكليفية (3).
1 -
يكون النكاح واجبًا: إذا قدر على مؤنة الزواج، وخاف على نفسه الزنى، ولا يستطيع الاحتراز منه
(1) بدائع الصنائع، للكاساني 2/ 343.
(2)
المرجع السابق.
(3)
حاشية ابن عابدين (4/ 65)، وإحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، لابن دقيق، ص 766، والقوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية، لابن جزي، ص 326، والمغني لابن قدامة (9/ 340).
بالصوم، وغلب على ظنه عدم ظلمه للمرأة، وقدرته على أداء الحقوق والواجبات، وترك الحرام واجب، وهو الزنى، ولا يكون إلا بالنكاح، فوجب بحقه.
2 -
يكون النكاح حرامًا: إذا كان الشخص لا يخشى على نفسه الزنى، وتيقن أنه سيظلم المرأة بسبب عدم قدرته على أداء حقوقها الجسدية والمادية، أو كان سببًا في ترك الفرائض والواجبات، فيحرم النكاح في حقه.
3 -
يكون النكاح مكروهًا: إذا ظن أنه سيظلم زوجته، أو خاف التقصير في أداء الحقوق الزوجية، ونفسه غير تائقة للنكاح، ولا يخشى الوقوع في الزنى.
4 -
يكون الزواج مباحًا: إذا كان غير تائق للنكاح ولا يخاف الزنى، وتيقن عدم ظلم المرأة، وكان زواجه للأنس والألفة، وعلمت المرأة ذلك؛ ككبير السن.
5 -
يكون الزواج مندوبًا: إذا كانت نفسه تتوق للنكاح، ولا يخاف الوقوع في الزنى، ولا يخاف ظلم المرأة وعدم قدرته على الحقوق والواجبات. وهذه حالة الاعتدال التي وقع فيها الخلاف (1)(2).
(1) إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، لابن دقيق، ص 766، والقوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية، لابن جزي، ص 326.
(2)
والمرأة كالرجل في هذه الأقسام إلا في التسري. مواهب الجليل، للحطاب (5/ 20).