الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معارضة الآية التي صرحت بإباحة نساء أهل الكتاب (1).
وبهذا يتضح أن الراجح- والله أعلم- قول الجمهور؛ لأن الآية عامة، فلا تصرف عن عمومها إلا بدليل صريح، والذي روي عن ابن عمر رضي الله عنهما مرة بالكراهة، ومرة بالتحريم، فعلم من ذلك أنه اجتهاد منه (2).
المسألة الثانية: الشهود لم يتطرق لهم عقد النكاح المدني:
تحرير محل النزاع:
اتفق أهل العلم على بطلان النكاح الذي يتم بغير شهود ولا إعلان.
قال ابن تيمية: «نكاح السر الذي يتواصون بكتمانه، ولا يشهدون عليه أحدًا، باطل عند عامة العلماء، وهو من جنس السفاح» (3).
واتفق أهل العلم على صحة النكاح الذي شهد عليه رجلان فصاعدًا، وتم الإعلان عنه.
قال ابن تيمية: «إذا اجتمع الإشهاد والإعلان؛ فهذا لا نزاع في صحته» (4).
(1) السيل الجرار، للشوكاني (2/ 253).
(2)
هذا في الجملة، وإلا في دار الحرب فقد اختلفوا على قولين كذلك. المراجع السابقة.
(3)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام (33/ 158).
(4)
المرجع السابق (32/ 130).
واختلف العلماء في النكاح الذي شهد عليه الشهود، ولكنهم لم يعلنوه للناس، وتواصوا بكتمانه، واختلفوا في النكاح الذي أعلن عنه ولم يحضر أحد الشهود.
وقبل أن أدخل في الخلاف بالمسألة، أود أن أشير إلى قول ابن رشد (1) رحمه الله:«واتفقوا على أن الشهادة من شرط النكاح، واختلفوا هل هي شرط تمام يؤمر به عند الدخول، أو شرط صحة يؤمر به عند العقد؟ » (2)، وعلى ذلك متأخري المالكية (3)، أن الإشهاد ركن من عقد النكاح لا يصح النكاح بدونه، وبهذا فلا خلاف بينهم وبين الجمهور، وقال بعض المالكية: إن مذهب مالك عدم الإشهاد، وإنه يكتفي بالإعلان (4).
القول الأول: يصح عقد الزواج من غير إشهاد، وإنما هو شرط كمال وفضيلة، ويُكتفى بالإعلان. وهو وقول المالكية (5) ورواية عن أحمد (6).
(1) هو الإمام محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الوليد بن رشد الشهير بالحفيد. ولد سنة 520 هـ، وتوفي سنة 595 هـ، من مؤلفاته: الكليات في الطب، واختصار المستصفى في الأصول. شجرة النور الزكية، لمخلوف، ص 146، والأعلام، للزركلي (5/ 318).
(2)
بداية المجتهد، لابن رشد (3/ 963).
(3)
تقريب المعاني على متن الرسالة، للأزهري، ص 134، والشرح الصغير، للدردير (2/ 335).
(4)
الاستذكار، لابن عبد البر (16/ 214)، والجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (3/ 472).
(5)
المرجعين السابقين، والمعونة، للقاضي عبد الوهاب (1/ 494).
(6)
المغني، لابن قدامة (9/ 347).
أدلة القول الأول:
الدليل الأول: أن البيوع ذكَر الله الإشهاد عليها، وقام الدليل على الإشهاد فيها، والنكاح لم يذكر الله فيه الإشهاد، فأحرى ألَاّ يكون الإشهاد فيه من شروطه وفرائضه، وأنه مما تعم به البلوى (1).
الرد على الدليل الأول:
ورد في الحديث: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» (2).
الدليل الثاني:
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دليل في الإشهاد على الزواج، فتبين أنه ليس مما أوجبه الله على المسلمين في مناكحهم، وإنما الذي ورد في نكاح لم يحضره إات رجل وامرأة (3).
الرد على الدليل:
ويمكن الرد أن الدليل قد صحَّ في الشهود.
الدليل الثالث:
عن أنس رضي الله عنه قال: أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاث ليالٍ يبنى عليه بصفية، فدعوت المسلمين إلى وليمته، وما كان فيها خبز ولا لحم، وما كان فيها إلا أن أمر بلا بالأنطاع فبسطت، فألقى عليها التمر والأقط والسمن، فقال المسلمون:
(1) الاستذكار، لابن عبد البر (16/ 214)، والجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (3/ 472)، والمغني، لابن قدامة (9/ 348)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام (32/ 127).
(2)
رواه الدارقطني في سننه (4/ 322)، كتاب النكاح، ح (3531)، والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 203)، كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بشاهدي عدل، ح (13721)، وقال الألباني: حديث صحيح. إرواء الغليل (6/ 258).
(3)
الاستذكار، لابن عبد البر (16/ 216).
إحدى أمهات المؤمنين هي، أو ما ملكت يمينه؟ قالوا: إن حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه. فلما ارتحل وطَّأ لها خلفه ومد الحجاب (1)(2).
وجه الدلالة من الحديث:
أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم استدلوا على أنها من أمهات المؤمنين بالحجاب، ولو كان أشهد على نكاحها لعلموا ذلك بالإشهاد، وهذا يدل على صحة العقد، وأنه لا يتوقف على الإشهاد (3).
الرد على الدليل:
نكاح النبي صلى الله عليه وسلم بلا شهود مِن خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أباح الله له الزواج ممن وهبته نفسها، فالتزوج بلا شهود من باب أولى (4).
القول الثاني: الإشهاد شرط لصحة النكاح. وهو مذهب الجمهور من الحنفية (5) ومتأخري المالكية (6) والشافعية (7) والحنابلة- في المشهور (8) -.
(1) رواه البخاري (5/ 91 - 92)، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، ح (4213).
(2)
المغني، لابن قدامة (9/ 348).
(3)
شرح ابن بطال على صحيح البخاري، لابن بطال (7/ 180).
(4)
المغني، لابن قدامة (9/ 348).
(5)
المبسوط، للسرخسي (5/ 28)، والاختيار لتعليل المختار، للموصلي (3/ 41).
(6)
تقريب المعاني على متن الرسالة، للأزهري، ص 134، والشرح الصغير، للدردير (2/ 335).
(7)
الأم، للشافعي (5/ 35)، والحاوي الكبير، للماوردي (4/ 64).
(8)
المغني، لابن قدامة (9/ 347)، والكافي، لابن قدامة (4/ 237).
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول:
أن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» (1).
وجه الدلالة:
النص واضح في اشتراط الولي والشهود.
الدليل الثاني:
لما خالف النكاح سائر العقود في تجاوزه عن المتعاقدينِ إلى ثالثٍ، هو الولد، الذي يَلْزم حفظُ نسبه، خالفهما في وجوب الشهادة عليه حفظًا لنسب الولد الغائب؛ لئلا يبطل نسبه بتجاحد الزوجين (2).
القول المختار- والله أعلم- القول بوجوب الشهود، وذلك لما يلي:
1 -
صحة الدليل في الشهود.
2 -
وضعف أدلة القول الأول.
تنبيه: قال الدكتور الأشقر: «وهذا الاختلاف ليس له أثر في هذه الأيام؛ لأن عقود النكاح لا تسجل إلا إذا أُشهد عليها، وإذا أشهد عليها وسجلت أُعلن عنها، وتكون بذلك قد صحَّت على مذاهب أهل العلم من غير خلاف» (3).
(1) سبق تخريجه ص 220.
(2)
الحاوي الكبير، للماوردي (9/ 58).
(3)
أحكام الزواج، للأشقر، ص 169.
وبعد هذا نستطيع أن نقول: إن الزواج المدني لا يجوز، وذلك لما يلي:
1 -
لعدم اشتراط الدين عند الزوجين.
2 -
ولإهمال الولي وعدم ذكره ولا اعتباره.
3 -
وأن صيغته استفهامية خلافًا للعلماء ولم تكن منجزة.
4 -
لا ذكر للمهر، ولا حق للزوجة فيه.
5 -
الشهود أمرهم اختياري.
6 -
والشهود ليس لهم شروط، بل له أن يحضر أي شاهد عدل أو غيره، مسلم أو كافر.