الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع والتسعون: الثروة الحيوانية
مدخل
…
الفصل الرابع والتسعون: ثروة الحيوانية
والحيوان ثروة مهمة وخاصة لتلك البلاد الفقيرة التي لا تملك صناعة، والتي تكون مواردها الطبيعية محدودة. فتعوض عن الصناعة بتربية الحيوان وبالزراعة إن توفر الماء. والإبل مصدر ثروة عظيمة في الجاهلية، لاستفادتهم منها في أمور كثيرة عديدة. وبعدد الإبل تقاس الثروات. والإبل المال عند العرب، وأساس التعامل بينهم. قال بعض العلماء:"المال في الأصل ما يملك من الذهب والفضة، ثم أطلق على كل ما يقتنى ويملك من الأعيان. وأكثر ما يطلق المال عند العرب على الإبل؛ لأنها كانت أكثر أموالهم"1. وفي الحديث نهي عن إضاعة المال. قيل أراد به الحيوان، أي يحسن إليه ولا يهمل2.
ويطلق العرب على الإبل والبقر والشاء "النعم"، وزاد بعض علماء اللغة المعز والضأن. وذكر بعض آخر، أن النعم، إنما خصت بالإبل، لكونها عندهم أعظم نعمة. وقيل إن العرب إذا أفردت النعم، لم يريدوا بها إلا الإبل، فإذا قالوا الأنعام: أرادوا بها الإبل والبقر والغنم3.
ويراد بـ"الماشية"، الإبل والغنم، وقيل الإبل والبقر والغنم، وقال بعض العلماء، وأكثر ما يستعمل في الغنم، وقيل: كل مال يكون سائمة للنسل والقنية
1 تاج العروس "8/ 121"، "مول".
2 تاج العروس "8/ 121"، "موّل".
3 تاج العروس "9/ 79 وما بعدها"، "نعم".
من إبل وشاء وبقر، فهي ماشية. وأصل المشاء النماء والكثرة. ومشت الماشية مشاءً كثرت أولادها1.
و"الشاة"، الواحدة من الغنم، تكون للذكر والأنثى، أو يكون من الضأن، والمعز، والظباء، والبقر، والنعام، وحمر الوحش. وفي الحديث: فأمر لها بشياه غنم، إنما أضافها إلى الغنم؛ لأن العرب تسمي البقرة الوحشية شاة، فميزها بالإضافة لذلك، وشاء، وشياه، وشواه، وأشاوه، وشوي، وشيه، في حالة الجمع2.
و"السوام" و"السائمة"، الإبل الراعية، وقيل كل ما رعي من المال في الفلوات، إذا خلى وسومه يرعى حيث شاء. والسائم الذاهب إلى وجهه حيث شاء، يقال سامت السائمة، وأسأمها هو، أي أرعاها أو أخرجها إلى الرعي، وذكر أن السوام والسائمة كل إبل ترسل ترعى ولا تعلف في الأصل. وسوم الخيل، أرسلها إلى المرعى، ترعى حيث شاءت3.
والجمل هو الحيوان الوحيد الذي رضي بمرافقة الأعراب وبمشاطرتهم حياتهم في البوادي. ألفهم وعاشرهم وشاركهم في مسراتهم وفي أحزانهم، صابرًا راضيًا، يحملهم ويحمل أثقالهم، لا يسألهم على ذلك أجرًا، وهو مع ذلك طعامهم إذا جاعوا، أو شعروا أنه قد مرض مرضًا لا يرجى شفاؤه، أو أنه قد كبر وأسن، فصار لا يصلح للعمل، ومن وبره صنعوا خيامهم. وهو قنوع يقنع بالقليل ولا يطالب بالكثير. ويصبر على العطش والجوع، لا يباريه في هذا الصبر أي حيوان من الحيوانات التي ألفت الإنسان وقاسمته حياته. إذا اخضرت الأرض، وجد طعامه هبة، لا يكلف مالكه شيئًا عن اقتضامه له، وإذا يبست الأرض قنع بالتهام اليابس، وبتناول العوسج ونباتات البر، التي يكون عمرها أطول من عمر الكلأ، وإذا بعد الماء صبر على العطش حتى يجده، لا يلح على صاحبه بوجوب تقديم الماء له، كما تفعل الخيل والحمير والبغال.
وتعد لحوم الإبل من اللحوم اللذيذة الطيبة عند العرب. وتنحر عند قدوم شخصية كبيرة تقديرًا لها، وتنحر تقربًا إلى الأصنام وفي المناسبات الدينية، وتعقر
1 تاج العروس "10/ 343"، "مشى".
2 تاج العروس "9/ 395 وما بعدها"، "شوه".
3 تاج العروس "8/ 350"، "سوم".
القبور إكرامًا لصاحب القبر، ويبيع الجزارون لحومها وسائر اللحوم الأخرى. ونظرًا إلى أهمية الإبل بالنسبة إلى حياة الأعراب، ولغلاء ثمنها، ولعدم تمكنهم من شراء عدد كثير منها، إلا بالنسبة للموسر منهم، اقتصدوا في ذبحها، إلا لعلة قاتلة ومرض مهلك؛ لأنها أصول أموالهم، فهم يريدون إكثارها، وفي إكثارها إكثار لأموالهم، ولا سيما في إكثار الإبل النجيبة التي لا توازى عندهم بثمن، والتي تعد مقياس الثراء والجاه والغنى عند العرب.
وإذا مات فصيل الناقة أو ذبح، سلخ برأسه وقوائمه ثم حشي جلده تبنًا لتزأمه أمه وتشم رائحته، فتدر عليه ولا ينقطع لبنها، فتحلب. ويقال للجلد المحشو بالتبن "البو"1.
و"الأشراط" الإبل أو الغنم تعزل للبيع. و"الشريطة"، الجماعة المعزولة منها، المعدة للبيع2.
والجمل، هو الحيوان الوحيد الذي لم يجد الأعرابي في تربيته بأسًا ولا غضاضة، ولا حطة لقدر ومنزلة. فاجتناه وتباهى به وافتخر، وجعله مقياس ثرائه وماله، وأعز شيء عنده في حياته، وما الذي يملكه الأعرابي في دنياه غير هذا الجمل! أما البقر والغنم والحمير والبغال، فهي دون الجمل في المكانة والمنزلة عنده، فترفع لذلك عن تربيتها، واعتبر تربيتها وخدمتها وبيعها عملًا من أعمال "النبط" والخدم والعبيد والأعاجم، وكيف يقبل أن ينظف تلك الحيوانات وأن يجمع روثها، ويتحمل سقوط أبوالها عليه، وأن يشم رائحة أرواثها وبولها، وهي حوله أو في بيته، والروث قذارة. وكيف يرضى أن يحشها ،أن يقدم لها العلف والقت، ثم تروث له. جاء في المثل: أحشك وتروثني3؟.
والجمل قليل الكلفة، لا يكلف أكله صاحبه كثيرًا، يعيش على ما تنبته الأرض، وعلى ما يجده على وجهها من يابس النبات، ومن عوسج ونبات ذي شوك، ومن نباتات أخرى تتبطر عليها بقية الماشية. وهو لا يطلب من صاحبه علفًا غاليًا، أو متنوعًا، كما تفعل بقية الماشية، مثل البقر والخيل والغنم
1 الفاخر "249".
2 تاج العروس "5/ 167"، "شرط".
3 تاج العروس "1/ 626"، "راث".
والحمير، مع أنها ليست في صبر الجمل ولا في قدرته على تحمل المشقات وحمل الأثقال على مسافات طويلة في البوادي، وفي الرمال التي تفزع منها بقية الماشية، وتهلك إن أجبرت على السير بها.
والإبل من حيث الأصالة والعرق أجناس وأصناف، فيها الإبل الأصيلة التي يفتخر أصحابها بها، ويظنون على غيرهم بها. ولا يعطون منها لأحد، وفيها الإبل الرخيصة، من الصنف الواطيء المعدود للبيع، لخساسة جنسه، ولعدم نجابته. وكان الملوك وسادات القبائل يجنون الأصيل من الإبل، فكان "النعمان بن المنذر"، وهو من أصحاب الهوايات في حيازة النادر من الأشياء، يمتلك الإبل الجيدة، ومنها إبل عرفت بـ"عصافير النعمان". وقد أمر للنابغة بمائة ناقة من عصافيره بريشها وحسام وآنية من فضة، أعطاها بريشها ليعلم أنها من عطايا الملوك. وكان للملك "المنذر" ملك الحيرة إبل نجائب منهن إبل عرفت بـ"عصافير المنذر"1.
ومن الإبل الجيدة الشهيرة، النجائب القطريات. نسبت إلى قطر وما والاها من البر2. و"المهرية"، وقد نالت حظًّا واسعًّا من الشهرة حتى زعم أنها من إبل الجن3. وقد اشتهرت "جرش"، باليمن بإبلها، فقيل "ناقة جرشية" وبعير جرشي4. والأرحبيات من نجائب الإبل الكريمة، منسوبة إلى بني أرحب من همدان5، والصدفية، والجرمية، والداعرية6.
وكانوا لا يبيعون الإبل النجيبة، إلا عن اضطرار. ويسمونها "الحرائز". ذكر علماء اللغة أن الحرائز من الإبل التي لا تباع نفاسة. ومنه المثل: لا حريز من بيع، أي إن أعطيتني ثمنًا أرضاه لم أمتنع من بيعه. والحرزة خيار المال؛ لأن صاحبها يحرزها ويصونها، ومنه الحديث في الزكاة: لا تأخذوا من حرزات أموال الناس شيئًا، أي من خيارها7.
1 تاج العروس "3/ 408"، "عصفر".
2 تاج العروس "3/ 500"، "قطر".
3 تاج العروس "3/ 551"، "مهر".
4 تاج العروس "4/ 387"، "جرش".
5 تاج العروس "1/ 268"، "رحب".
6 الصفة "201".
7 تاج العروس "4/ 24"، "حرز".
وللعرب مصطلحات يقولونها في الإبل إذا كثر عددها. منها "الهجمة" القطعة الضخمة منها، قيل: أولها أربعون إلا ما زادت، و"الهنيدة"، المائة فقط، وقيل: هي ما بين الثلاثين والمائة، أو ما بين السبعين والمائة، أو ما بين السبعين إلى دوينها، أو هي ما بين التسعين إلى المائة. وقال بعض علماء اللغة: إذا بلغت الإبل ستين، فهي "عجرمة"، ثم هي "هجمة" حتى تبلغ المائة1.
وتطلق لفظة "الكور" على الجماعة الكثيرة من الإبل2.
والعارض الناقة المريضة أو الكسير، وهي التي أصابها كسر أو آفة، وكانوا ينحرون العوارض، ومن عادتهم أنهم لا ينحرون الإبل إلى من داء يصيبها، وتقول العرب للرجل إذا قدم إليهم لحمًا أعبيط أم عارضة. فالعبيط الذي ينحر من غير علة. والعرب تعير من يأكل العوارض، ومن ينحر الإبل المريضة للضيوف3.
ويقال للإبل وللبقر "العوامل"4، ويظهر أن ذلك بسبب تشغيل أهل القرى لها في كثير من الأعمال في مثل الحمل وسحب الماء من الآبار والحراثة وأمثال ذلك من أعمال. وأطلقت اللفظة على بقر الحراثة والدياسة. وفي حديث الزكاة: ليس في العوامل شيء
…
العوامل من البقر، هي التي يستقي عليها ويحرث وتستعمل في الأشغال5.
وذكر "الهمداني" أن بالعربية الجنوبية من البقر الجندية والخديرية والجبلانية، وهي قوية6. وقد استخدم أهل العربية الجنوبية البقر في الحراثة، وكذلك غيرهم في معظم أنحاء جزيرة العرب.
والخيل جماعة الأفراس7. و"الفرس" للذكر والأنثى، ولا يقال للأنثى فرسة8. و"الحصان" الفرس الذكر، أو هو الكريم المضنون بمائه، حتى
1 تاج العروس "9/ 99"، هجم"، "2/ 547"، "هند".
2 تاج العروس "3/ 530"، "كور".
3 تاج العروس "5/ 42"، "عرض".
4 تاج العروس "8/ 34"، "عمل".
5 تاج العروس "8/ 35"، "عمل".
6 الصفحة "201".
7 تاج العروس "8/ 315"، "خيل".
8 تاج العروس "4/ 206"، "فرس".
سموا كل ذكر من الخيل حصانًا1. و"الحجر"، الأنثى من الخيل2. و"الطحون" الكتيبة من الخيل3.
لم تكن الخيل كثيرة في الحجاز عند ظهور الإسلام. ففي معركة "بدر" لم يكن مع المسلمين سوى فرسين، فرس للمقداد بن عمرو، وفرس لمرثد بن أبي مرثد4، ولم يكن مع قريش سوى مائة فرس5. فقد كانت غالية الثمن، وتكاليفها عالية، فعسر على من لا مال له شراؤها والإنفاق عليها. وقد ورد في بعض الروايات أن "المقداد بن عمرو"، كان فارس يوم بدر، حتى أنه لم يثبت أنه كان فيها على فرس غيره. وكان اسم فرسه "سبحة"6.
والأخدرية من الخيل منسوبة إلى "أخدر" فحل أفلت فتوحش، ذكر أهل الأخبار أنه كان لسليمان، أو لأزدشير "أردشير". وهناك حمر عرفت بالأخدرية كذلك، ذكروا أنها منسوبة إليه أيضًا. والخدري، الحمار الأسود، والأخدري وحشيه، ويقال للأخدرية من الحمر بنات الأخدر7.
والأغنام عند الحضر وأشباههم، يربونها للاستفادة من لحومها وألبانها وأصوافها، ولحاجتها إلى الماء والكلأ والعلف بصورة دائمة، صارت من ماشية أهل الحضر والمراعي. وهي مصدر ثروة لأصحابها، تصدر إلى أسواق العراق وبلاد الشأم لبيعها هناك. ومن أنواعها المشهورة: الكباش العوسية. والعوس، ضرب من الكباش البيض8، ويكون صوفها أبيض، وهو مرغوب مطلوب.
و"المعز" خلاف الضأن من الغنم، والمعز ذوات الشعور، والضأن ذوات الصوف، و"الماعز" واحد المعز9. ويستفاد من لحوم المعز ومن ألبانها وشعرها. وكان أعراب بادية الشأم الساكنين على مقربة من فلسطين، يتخذون بيوتهم من
1 تاج العروس "9/ 180"، "حصن".
2 تاج العروس "3/ 125"، "حجر".
3 تاج "9/ 368"، "طحن".
4 الطبري "2/ 478".
5 الطبري "2/ 477".
6 الإصابة "3/ 434"، "رقم 8185".
7 تاج العروس "3/ 171"، "خدر".
8 تاج العروس "4/ 199". "العوس".
9 تاج العروس "4/ 82"، "معز".