المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل التاسع والتسعون: ركوب البحر - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ١٣

[جواد علي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثالث عشر

- ‌الفصل الثامن والثمانون: أثر الطبيعة في اقتصاد الجاهليين

- ‌الفصل التاسع والثمانون: الزرع والمزروعات

- ‌مدخل

- ‌التربة:

- ‌الفصل التسعون: الزرع

- ‌مدخل

- ‌الحصاد:

- ‌الفصل الحادي والتسعون: المحاصيل الزراعية

- ‌الحبوب:

- ‌القطنية:

- ‌الكمأ:

- ‌فصيلة اليقطين:

- ‌النبات الشائك:

- ‌الفصل الثاني والتسعون: الشجر

- ‌مدخل

- ‌الجوز:

- ‌اللوز:

- ‌الثمر:

- ‌الأشجار العادية:

- ‌جماعة الشجر:

- ‌الفحم وقطع الشجر:

- ‌آفات زراعية:

- ‌الأسوكة:

- ‌الفصل الثالث والتسعون: المراعي

- ‌مدخل

- ‌الحمض والخلة:

- ‌أصناف الرعاة:

- ‌الرعاة والحضارة:

- ‌الفصل الرابع والتسعون: الثروة الحيوانية

- ‌مدخل

- ‌الطيور:

- ‌تربية النحل:

- ‌الأسماك:

- ‌الفصل الخامس والتسعون: الأرض

- ‌مدخل

- ‌ظهور القرى:

- ‌عقود الوتف:

- ‌الإقطاع:

- ‌الحمى:

- ‌الموات:

- ‌إحياء الموات:

- ‌الماء والكلأ والنار:

- ‌الأرض ملك الآلهة:

- ‌الخليط:

- ‌الفصل السادس والتسعون: الإرواء

- ‌مدخل

- ‌انحباس المطر:

- ‌أنواع السقي:

- ‌المطر:

- ‌الاستفادة من مياه الأمطار:

- ‌الذهب:

- ‌الحياض:

- ‌الأنهار:

- ‌الحسي:

- ‌الآبار:

- ‌العيون:

- ‌الكراف:

- ‌القنى:

- ‌التلاع:

- ‌التحكم في الماء:

- ‌المسايل:

- ‌المصانع:

- ‌السكر:

- ‌الأحباس:

- ‌السدود:

- ‌سد مأرب:

- ‌توزيع الماء:

- ‌حقوق الري:

- ‌الخصومات بسبب الماء:

- ‌الفصل السابع والتسعون: معاملات زراعية

- ‌المحاقلة

- ‌المساقاة:

- ‌إكراء الأرض:

- ‌بيوع زراعية:

- ‌جمعيات زراعية:

- ‌الهروب من الأرض:

- ‌العمري والرقبى:

- ‌العرية:

- ‌الفصل الثامن والتسعون: الحياة الاقتصادية

- ‌مدخل

- ‌التجارة البرية:

- ‌قوافل سبأ:

- ‌الفصل التاسع والتسعون: ركوب البحر

- ‌الفصل المائة: التجارة البحرية

- ‌الفصل الواحد بعد المائة: تجارة مكة

- ‌مدخل

- ‌السلع:

- ‌تجار يثرب:

- ‌فهرس الجزء الثالث عشر:

الفصل: ‌الفصل التاسع والتسعون: ركوب البحر

‌الفصل التاسع والتسعون: ركوب البحر

والبحر في رأي علماء العربية الماء الكثير، ملحًا كان أو عذبًا. وقد غلب على الملح فقط، حتى قل في العذب، وهو خلاف البر1. وأطلق أهل العربية الجنوبية على البحر اللفظة نفسها التي نطلقها عليه، فيقولون "بحرم" أي بحر. وقد ذكر البحر في معاهدة التآخي والأخوة "تاخين" التي عقدت في القرن الرابع للميلاد بين ملك الحبشة "جدرت" والملك "يدع اب غيلان" ملك حضر موت، لمقاومة ملك سبأ وذي ريدان2. وذكر في النص المعروف بنص "أبنة"، حيث ورد: "وكل الت ذ بحرم ويبسم ومشرقم ومغربم": ومعناه الحرفي "وكل آلهة البحر واليابسة والمشرق والمغرب". وقد ذهب "رودوكناكس" إلى أن لفظة البحر تعني الجنوب، وأن لفظة "يبسم""يابس""يبس""يابسة" تعني الشمال، وأن معنى الجملة المذكورة:"وكل آلهة الجنوب والشمال والمغرب"3. وقد وردت اللفظة بمعنى "بحر" في نص "Glaser 830"، حيث جاء: "ببحرم ويبسم وكل تشعث وزبد"4، أي "ببحر ويابسة وكل العطايا والهدايا".

1 تاج العروس "3/ 27"، "بحر".

2 السطر الخامس عشر والسادس عشر من النص: Glaser 850

3 Rhodokanakis، Stud. Lexi.، Ii، S. 10، 166.

4 السطر الخامس عشر من النص،

Rhodokanakis، Ii، S. 10. Mordtmann، Himj. Inschi.، S. 21.

ص: 243

ووردت لفظة "اليم" في القرآن الكريم1، ويراد بها البحر. وقد ذكر بعض علماء اللغة أنها لغة سريانية2. وفي اللغة العربية ألفاظ أخرى مرادفة للبحر أيضًا، منها "القلمس"، و"الدأماء"، و"الكافر"، و"الحنبل"، و"الخضم"، و"العيلم"، وغير ذلك من ألفاظ ترد في كتب اللغة3. ولجزيرة العرب سواحل طويلة تحيط بها من جميع جهاتها الثلاث، أما حدها الشمالي فهو أرض تتصل بالعراق وببلاد الشأم. وقد عرف أهل السواحل البحر وعركوه، وعملوا على استغلال ثرواته قدر طاقتهم، وتعاملوا مع أهل السفن الذين كانوا يقصدونها من مسافات بعيدة، وركب جمع منهم السفن، للاتجار مع السواحل المقابلة لهم. فباعوا في أسواقها واشتروا، وقد أظهر أهل السواحل العربية الجنوبية والشرقية نشاطًا في ركوب البحر، لا نجده عند أهل السواحل الغربية، على ما يتبين من روايات أهل الأخبار.

ولتكوين رأي عن مدى وقوف الجاهليين على البحار وعلى مدى توغلهم فيها، وركوبهم أمواجها للتجارة أو للاستيطان في مواطن جديدة غريبة، لا بد لنا من الرجوع إلى مراجع لتستحلب منها مادة نكون منها علمنا عن هذا الموضوع. والآثار هي أول ما يجب الرجوع إليه لاستخلاص هذه المادة، ولكنا ويا للأسف شحيحة، ليس فيها شيء كاف منها. وأما الموارد الأعجمية، مثل الموارد المدونة باليونانية واللاتينية والسرياينة، فلم تتحرش بموضوع العرب والبحار وبتجارتهم في البحر. وأما الموارد الإسلامية، فهي بخيلة، ليس فيها ما يفيدنا عن العرب والبحر غير نزر يسير يفيد، أن أهل الجاهلية، كانوا يكرهون ركوب البحر، ويتهيبون منه، وأنهم لم يكونوا يملكون سفنًا لعبوره، حتى أن المهاجرين الأولين من المسلمين، لما هربوا من مكة إلى الحبشة، ركبوا سفنًا بدائية حبشية، أوصلتهم إلى الحبشة، وأن الخليفة "عمر" كان يتهيب ركوب البحر، وكان يوصي قواده بتجنيب جيوشهم مخاطره، والابتعاد عنه قدر الإمكان. وبضرورة وضع أرض آمنة وراء الجيش ليكون في وسعهم الرجوع إليها عند المهالك والمآزق4.

1 طه، الآية 39، 78، 92، القصص، الآية 7، الأعراف، الآية 135.

2 المخصص "10/ 163"، تاج العروس "9/ 114"، "يمم"، اللسان "4/ 42"، "بحر".

3 راجع الألفاظ المذكورة في كتب اللغة والمعجمات.

4 إرشاد الساري "4/ 14 وما بعدها".

ص: 244

وأنه لما كتب إلى "عمرو بن العاص"، يسأله عن البحر، فقال: خلق عظيم يركبه خلق ضعيف، دود على عود. كتب إليه "عمر" أن لا يركبه أحد طول حياته، فلما كان بعد "عمر" لم يزل يركب حتى كان زمن "عمر بن عبد العزيز"، فاتبع فيه رأي "عمر". وكان منع عمر شفقة على المسلمين1.

وقد عرف العربي عند الأعاجم ببغضه للبحر وبخوفه منه وبابتعاده عنه. ورد في حكم "أحيقار": "لا تر العربي البحر، ولا تر الصيدوني "الصيداني" الصحراء"2. وذلك لاشتهار العربي عندهم بسكنه في البوادي وبابتعاده عن البحر ولاشتهار أهل "صيدا" بركوبه وبقهر أمواجه.

وإذا كنا قد فشلنا في الحصول على صورة مفصلة واضحة عن العرب والبحر من الموارد التي أشرت إليها، وهي مادة المؤرخ في حصوله على مادته التأريخية، فليس لنا من سبيل لتكوين صورة ولو باهتة عن الموضوع، سوى الرجوع إلى اللغة نستلهم من ألفاظها المتعلقة بالبحر وبوسائل ركوبه، ما فات وروده في تلك المصادر. فاللغة كما نعلم مظهر من مظاهر الحياة العقلية والعملية لكل أمة، وهي لم تخلق دفعة واحدة، ولم يأخذها الخلف عن السلف كاملة، وإنما خلقت بالتدريج وعلى قدر الحاجة، فإذا ظهرت أشياء جديدة خلق المتكلمون بها لها ألفاظًا جديدة وإذا اندثرت أشياء، فقد تندثر ألفاظها. واللغة مثل الناطقين بها في حياة وموت مستمرين. وإذا حصرنا الألفاظ التي أطلقها الجاهليون على البحر وعلى وسائل ركوبه وعلى ما فيه، نستطيع إذن أن نعرف ماذا كانوا يعرفونه عنه وماذا كانوا يجهلون من أمره.

فنأخذ الألفاظ المتعلقة بالبحر إذن سندًا لنا، من لغتنا العربية نستنبط منها علم الجاهليين به، مع العلم بأن هذه اللغة التي نزل بها القرآن الكريم لا يمكن أن تؤدي المهمة على أحسن وجه؛ لأنها لغة أهل بر، وليس لأهل البر علم أهل الساحل به. والأحرى بنا الاستعانة بلغات أهل السواحل في مثل هذه الدراسة، لكننا لا نملك نصوصًا جاهلية مدونة بها، حتى نستنبط منها ما نريد، وليس في لهجات المسند عن البحر سوى نزر يسير، ولكنا ما دمنا لا نملك وسيلة للإحاطة

1 إرشاد الساري "4/ 15".

2 A. T. Olmstead، History Of The Persian Empire، P.326.

ص: 245

بعلم الجاهليين بالبحر سوى دراسة هذه اللغة، فما علينا إلا أن نتتبع ما جاء فيها عنه، وفي هذا الذي سنقف عليه تصوير لرأي المتكلمين بها بالبحر، وهو تصوير يمثل رأي أهل البر عنه.

يقال لشاطئ البحر "الساحل" في عربية القرآن الكريم، وهو بمعنى ريف البحر وشاطئه1. وقد وردت اللفظة في كتاب الله2. وقد خصصت هذه اللفظة بالبحر، أما شط النهر، فقد عرف بـ"الشاطئ"3. ويقال للساحل أيضًا "السيف" و"سيف البحر"4. وذكر علماء اللغة أن "العيقة" ساحل البحر وناحيته5. وأن "العدان"، موضع كل ساحل. وقيل هو الساحل نفسه6. وذكر أن "السيف ساحل الوادي، أو لكل ساحل سيف، وإنما يقال ذلك لسيف عمان"7. وورد أن "الطف" و"الطفطاف" ساحل البحر8.

و"القاموس"، بمعنى معظم ماء البحر، أو البحر، أو أبعد موضع فيه غورًا، ووسط البحر9، ولجة البحر، معظم البحر، ومنه بحر لجي10، و"الشرم"، لجة البحر، وقيل موضع، وقيل هو أبعد قعره، أو الخليج منه. وقد ذكر "أمية بن أبي الصلت "الشروم" في وصفه جهنم".

فتسمو لا يغيبها ضراء

ولا تخبو فتبردها الشروم

والشرم، مرسى من مراسي خليج السويس، بينهما ستة مراحل11.

و"العوطب"، لجة البحر، أو المطمئن بين الموجتين، أو أعمق موضع

1 القاموس "3/ 294"، "سحل"، تاج العروس "7/ 371"، "سحل".

2 سورة طه، الآية 39.

3 المخصص "10/ 20"، القاموس "3/ 368"، تاج العروس "1/ 80"، "شطأ".

4 القاموس "3/ 156"، المخصص "10/ 20".

5 القاموس "3/ 275"، تاج العروس "7/ 275"، تاج العروس "7/ 31"، "عيق".

6 القاموس "4/ 247"، تاج العروس "9/ 275"، "عدن".

7 تاج العروس "6/ 149"، "سيف".

8 تاج العروس "6/ 182"، "طفف".

9 القاموس "2/ 243"، تاج العروس "4/ 223"، "قمس".

10 القاموس "1/ 205"، تاج العروس "2/ 92"، "لج".

11 تاج العروس "8/ 357"، "شرم".

ص: 246

في البحر1، و"الدردور" موضع في البحر يجيش ماؤه، قلما تسلم منه السفينة، ويخاف منه الغرق2. و"الخليج"، وهو من البحر، سمي بذلك؛ لأنه يجذب من معظم البحر3، والحور الخليج من البحر، وقيل مصب الماء في البحر، وقيل مصب المياه الجارية في البحر إذا اتسع وعرض، وقيل: عنق من البحر يدخل في الأرض4. والغب الضارب من البحر حتى يمعن في البر5.

وذكر علماء اللغة أن الجزيرة إنما سميت جزيرة لانقطاعها عن معظم الأرض أو لما جزر عنه6. و"البضيع"، الجزيرة في البحر، والبحر نفسه7. وأما "الدبر"، فقطعه تغلظ في البحر كالجزيرة يعلوها الماء وينضب عنها8.

والسفينة هي واسطة النقل على وجه الماء في الأنهار وفي البحار. وهي من الكلمات المعروفة في عربيتنا، وقد أشير إليها في شعر عمرو بن كلثوم:

ملأنا البر حتى ضاق عنا

وموج البحر نملؤه سفينا9

وقد وردت لفظة "سفينة" و"السفينة" في القرآن الكريم10، ويدل ذلك على أنها من الألفاظ التي كانت معروفة ومستعملة بهذا المعنى في أيام ظهور الإسلام.

وعبر عن السفينة بلفظة أخرى هي "الفلك"، وتقع على الواحد والاثنين والجمع. وقد وردت في مواضع متعددة من القرآن الكريم11. كما يعبر عنها

1 القاموس "1/ 106"، تاج العروس "1/ 387"، "عطب".

2 تاج العروس "3/ 205"، "در".

3 القاموس "1/ 186"، تاج العروس "2/ 34"، "خلج".

4 تاج العروس "3/ 192"، "خار".

5 القاموس "1/ 109"، تاج العروس "1/ 403"، "غب".

6 المخصص "10/ 11"، القاموس "1/ 389"، تاج العروس "3/ 89"، "جزر".

7 القاموس "2/ 6"، تاج العروس "5/ 278"، "بضع".

8 القاموس "2/ 26"، تاج العروس "3/ 198"، "دبر".

9 اللسان "13/ 209 وما بعدها"، "سفن"، تاج العروس "9/ 236"، "سفن".

10 الكهف، الآية 72، 80، العنكبوت، الآية 15.

11 المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم "526"، اللسان "10/ 479".

ص: 247

بـ"مركب"، والجمع مراكب1. ولو أن المركب كلمة عامة تطلق على كل ما يركب عليه، فالدواب هي مركب أيضًا لمن يركبها، غير أن "المركب" السفينة على سبيل التغليب والاصطلاح، وقد عبر القرآن الكريم عن السفن والمراكب بلفظة "الجاريات" و"الجوار"، و"الجارية" كما في هذه الآية: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ} ، وكما في هذه الآية: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ} ، وفي مواضع أخرى2. و"الجارية" المركب أيضًا، صفة غالبة؛ لأنها تجري على الماء3.

وقد وردت لفظة "الفلك" بصورة خاصة تعبيرًا عن سفينة نوح الواردة في الطوفان. ويذكر بعض المفسرين أن السفينة، أي "الفلك"، كانت مصنوعة من خشب الساج، وكانت "ذات أرواح ودسر"، أي أن ألواحها قد التصقت بعضها ببعض بـ"دسر" وهي المسامير4.

وورد في القرآن الكريم: {وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ} 5. وورد في الشعر:

جوافل في السراب كما استقلت

فلوك البحر زال بها الشرير

والفلوك هنا جمع "الفلك"، وأما الشرير، فشجر البحر6. ويظهر من هنا أن "الفلك" هي سفينة من سفن البحر. وهي من السفن الكبيرة. وقد ورد في القرآن أيضًا {فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} أي السفينة المشحونة المملوءة كما ورد:{حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيْحٍ طَيِّبَةٍ} . وفي هذه الآية معنى مهم، يدل على إحاطة الجاهليين بالبحر وركوبهم فيه، وتسييرهم لها بفعل الرياح. وقد وردت في القرآن الكريم إشارات إلى صنع الفلك وإلى سيرها مواخر في البحر.

1 اللسان "8/ 292".

2 سورة الشورى، الآية 32، والرحمن، الآية 24، والحاقة، الآية 11، اللسان "8/ 292"، شمس العلوم "حـ1 ق7 ص318"، القاموس "4/ 312".

3 تاج العروس "10/ 72"، "جرى".

4 قصص الأنبياء "ص34"، تاج العروس "3/ 316"، "دسر" Ency.، Ii، P.117.

5 البقرة، الآية 164.

6 المخصص "10/ 23"، القاموس "2/ 57".

ص: 248

ويقال للسفينة: "البارجة" أيضًا، والجمع "البوارج". وذكر أنها السفن الكبار، وأنها سفينة من سفن البحر تتخذ للقتال1.

و"القرقور": ضرب من السفن، وقيل: هي السفينة العظيمة أو الطويلة والقرقور من أطول السفن. وجمعه قراقير. وفي الحديث: "فإذا دخل أهل الجنة الجنة ركب شهداء البحر في قراقير من در"2.

و"الخلية" العظيمة من السفن، والجمع خلايا. قال طرفة:

كأن حدوج المالكية، غدوة

خلايا سفين بالنواصف من دد

وقال الأعشى:

يكب الخلية ذات القلاع

وقد كان جؤجؤها ينحطم3

وقيل: هي التي يتبعها زورق صغير4.

وذكر أن من أسماء السفن الكبيرة "الخلج". وقيل: إنها دون العدولية. وأما "الصلفة" فسفينة كبيرة، و"الزنبرية" نوع من أنواع السفن الكبيرة5. و"القادس": السفينة العظيمة، وقيل صنف من أصناف المراكب، أو لوح من ألواحها6.

وقد ضرب "لبيد بن ربيعة العامري" مثلًا بسفينة "الهندي" في طولها وعرضها وفي إحكام عملها، عملها صانعها من صفائح مشبوحة ودهنها وسد المسافات التي تكون بين صفائح الخشب حتى لا ينفذ منها ماء البحر7. مما يدل بالطبع على وقوفه عليها وعلى شهرة تلك السفن في تلك الأيام.

1 اللسان "2/ 213"، القاموس "1/ 178"، تاج العروس "2/ 7"، "برج"، المخصص "10/ 26".

2 اللسان "5/ 91".

3 اللسان "14، 241"، تاج العروس "10/ 119"، "خلا".

4 تاج العروس "10/ 119"، "خلا"، القاموس "4/ 325".

5 المخصص "10/ 25 وما بعدها".

6 القاموس "2/ 239"، تاج العروس "4/ 213"، "قدس".

7 شرح ديوان لبيد "ص142".

ص: 249

وقد أشار بعض الكتبة من اليونان واللاتين إلى نوع من السفن دعوه "Madarata"، ذكروا أن ميناء "عمانه""Omana" كان قد اشتهر ببنائه. وقد صنعت هذه السفن من الألواح المشدودة بالليف. وقد رأى بعض الباحثين أن هذه اللفظة من أصل عربي، هو "مدرعات"، ويراد بها السفن المشدودة بدروع النخل. ورأى آخرون أنها من أصل "Mabarata"، جمع "معبر" من أسماء السفن في لغة بني "إرم"1.

وذكر علماء اللغة أن "المعبر" ما عبر به النهر من فلك أو قنطرة أو غيره، والمعبرة سفينة يعبر بها النهر2. فالمعابر إذن من الوسائل المستعملة في عبور النهر على ما يظهر من شرح أولئك العلماء.

وقريب من هذا الوصف وصف نوع من السفن عرف بـ"العمائم". ذكر علماء العربية أنه: عيدان مشدودة تركب في البحر ويعبر عليها3. وهو نوع بدائي بالطبع لا يمكن أن يقارن بالسفن التي كانت عند الرومان واليونان. و"الطوف" قرب ينفخ فيها ويشد بعضها إلى بعض، فتجعل كهيئة السطح يركب عليها في الماء ويحمل عليها الميرة والناس، ويعبر عليها، وهو الرمث. وربما كان من خشب والجمع أطواف. وذكر بعض العلماء أن الطوف التي يعبر عليها الأنهار الكبار تسوى من القصب والعيدان يشد بعضها فوق بعض، ثم يقمط بالقمط حتى يؤمن انحلالها ثم تركب ويعبر عليها، وربما حمل عليها الحمل على قدر قوته وثخانته، ويسمى:"العامة"4.

والرمث خشب يضم بعضه إلى بعض كالطوف ويركب عليه في البحر، وفي الحديث أن رجلًا أتى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: إنا نركب أرماثًا لنا في البحر ولا ماء معنا، أفنتوضأ بماء البحر، فقال: هو الطهور ماؤه الحل ميتته. قال أبو صخر الهذلي:

1 العرب والملاحة في المحيط الهندي في العصور القديمة وأوائل القرون الوسطى، تأليف جورج فضلو حوراني، وترجمة الدكتور السيد يعقوب بكر "ص60 وما بعدها".

2 اللسان "4/ 530"، "عبر".

3 اللسان "12/ 425"، القاموس "4/ 154"، تاج العروس "6/ 184"، المخصص "10/ 79".

4 تاج العروس "6/ 184"، "طوف"، القاموس "3/ 170".

ص: 250

تمنيت من حبي علية أننا

على رمث في الشرم ليس لنا وفر1

وذكر علماء العربية اسم نوع من السفن قالوا له: "البوصي". وقالوا أنه فارس معرب، وأن الكلمة وردت في شعر للأعشى2. وذكر أن "البوصي" الملاح، وقيل الزورق، وأن الكلمة معربة "بوزي"3.

وذهب بعض علماء اللغة إلى أن "العدولية" الواردة في قول طرفة بن العبد:

عدولية أو من سفين بن يامن

يجور بها الملاح طورًا ويهتدي

سفنًا منسوبة إلى قرية بالبحرين يقال لها "عدولي"، أو إلى قوم كانوا ينزلون هجر، أو إلى عدول، رجل كان يتخذ السفن4. ولا يستبعد أن يكون مراد الشاعر من السفن "العدولية"، السفن القادمة من ميناء "أدولس"، "عدولي" ميناء تجاري على ساحل الحبشة اشتهر بالتجارة قبل الإسلام.

ويظهر من شعر طرفة المذكور، أن رجلًا اسمه "ابن يامين" كان تاجرًا يملك سفنًا، وأن سفنه كانت تمخر العباب. وذكر أيضًا أنه كان بحارًا، وورد "ابن نبتل" بدلًا من "ابن يامين"5.

وذكر علماء اللغة أن من أسماء المراكب المائية الصغيرة: الزورق والقارب والركوة. والزورق، السفينة الصغيرة، وقيل هو القارب الصغير6. و"الركوة" زورق صغير7.

وقد عرفت السفن المستعملة في القتال بأسماء خاصة، منها البارجة، وهي سفينة من سفن البحر تتخذ للقتال8.

1 تاج العروس "1/ 625"، "رمث"، القاموس "1/ 162"، "رمث".

2

مثل الفراتي إذا ما طما

يقذف بالبوصي والماهر

تاج العروس "4/ 376"، القاموس "2/ 296"، المخصص "10/ 23"، بلوغ الأرب "2/ 367".

3 تاج العروس "4/ 376"، اللسان "7/ 9".

4 القاموس "4/ 14"، تاج العروس "8/ 11"، "عدل"، بلوغ الأرب "3/ 365".

5 بلوغ الأرب "3/ 265 وما بعدها".

6 تاج العروس "6/ 369"، "زرق".

7 تاج العروس "10/ 155"، "ركا".

8 المخصص "10/ 26"، القاموس "1/ 178"، تاج العروس "2/ 7".

ص: 251

والشراع هو "ماكنة" السفينة وقوتها المحركة الدافعة لها. ويقال له "القلع" أيضًا1، وجل كذلك2. وقد ذكر علماء اللغة، أن الشراع كالملاءة الواسعة فوق خشبة من ثوب أو حصير مربوع وتر على أربع قوى، تصفقه الريح فيمضي بالسفينة3. ويظهر من هذا الوصف أن أشرعة أهل الجاهلية كانت بسيطة، ولم تكن متداخلة كأشرعة الروم. والشراع البسيط على النحو المذكور، يكون ضعيفًا فاتر الهمة لا يتمكن من دفع السفن الكبيرة، بل وقد لا يتمكن حتى من دفع السفن الصغيرة بسرعة، بسبب صغر حجمه، ثم إنه لا يتمكن من الاستفادة من قوة الريح، ومن استخدام هذه القوة في توجيه السفينة بسرعة نحو هدفها، والسير بها في عرض البحر، بينما يتمكن الشراع المكون من عدة أقلعة، من الاستفادة من الريح، ومن دفع السفينة دفعًا سريعًا، ومن حملها إلى عرض البحر، فيقلص من المسافات ويبعدها عن أخطار لصوص البحر، ولذلك لم تتمكن سفن أهل الجاهلية من مواجهة سفن الروم ومن تحديها، حين دخلت سفنهم البحر الأحمر والبحر العربي والمحيط.

والدقل: سهم السفينة، وهو خشبة طويلة تشد في وسط السفينة، يمد عليها الشراع4. والجؤجؤ: صدر السفينة5، و"المرنحة": صدر السفينة كذلك6. وعرف "الدقل" بـ"الدوقل" كذلك، وتسميه البحرية "الصاري"7. و"الصاري" الملاح أيضًا، لحفظه السفينة8. و"القب"، رأس الدقل، و"القرية" خشبة مربعة على رأس القب9.

وأما الذي يعدل اتجاه السفن ويغير من اتجاهها، فهو "السكان"، وهو "الكوثل" أيضًا. وذكر أيضًا أن "السكان" ما تسكن به السفينة تمنع به

1 بالكسر، اللسان "8/ 292"، القاموس "3/ 74".

2 اللسان "11/ 121"، "والجل بالفتح: الشراع"، تاج العروس "7/ 260"، "جلل".

3 تاج العروس "5/ 395"، "شرع".

4 تاج العروس "7/ 323"، "دقل".

5 تاج العروس "1/ 49"، "جأجأ".

6 تاج العروس "2/ 147"، "رنح".

7 اللسان "11، 246"، تاج العروس "7/ 323"، "دقل".

8 تاج العروس "10/ 209"، "صرى".

9 اللسان "2/ 455"، تاج العروس "2/ 147"، "رنح".

ص: 252

من الحركة والاضطراب1. وذكر بعض علماء العربية أن "الكوثل" مؤخر السفينة، وفيه يكون الملاحون ومتاعهم2، والأغلب أنه "السكان"، ويعبر عنه بـ"الخيزرانة" كذلك3. وبلفظة أخرى هي "الدويطرة". وقد عرفت بأنها كوثل السفينة4.

ويعرف سكان السفينة بـ"الخيزرانة" وبـ"الخيزران". قال النابغة يصف الفرات وقت مده:

يظل من خوفه الملاح معتصمًا

بالخيزرانة بعد الأين والنجد5

ويستعمل الملاحون "المجاديف""المجاذيف" في تجديف السفينة6. و"المجداف" خشبة رأسها لوح عريض تدفع بها7. ويقال له "المقذف" و"المقذاف" أيضًا8. ولم يتطرق علماء اللغة ولا أهل الأخبار إلى عدد "مجاديف" السفينة الواحدة، أي إلى عدد رجالها الذين كانوا يجدفون بالمجاديف، فالسفن الكبيرة الضخمة تحتاج إلى عدد من المجدفين، قد يبلغون العشرات، وقد كانت سفن الروم، ذات طابقين بالنسبة للمجدفين، فيجلس عدد منهم في الطابق الأسفل، ويجلس فوقهم عدد آخر من المجدفين، لتسير السفينة بسرعة، وقد استخدموا هذه الطريقة في سفنهم الحربية بصورة خاصة؛ لأنها سفن، يجب أن تعتمد على السرعة وعلى خفة الحركة لتتمكن من التغلب على سفن الأعداء.

وأما "المردي"، فخشبة يدفع بها الملاح السفينة. وذلك كي يحركها عند

1 اللسان "13/ 211"، قال طرفة:

كسكان بوصي بدجلة مصعد

2 اللسان "11/ 583 وما بعدها".

3 قال الأعشى:

من الخوف كوثلها يلتزم

اللسان "11/ 584".

4 اللسان "11/ 584"، "2/ 455".

5 اللسان "4/ 238".

6 بالدال والذال جميعًا، لغتنان فصيحتان.

7 اللسان 9/ 23".

8 اللسان "9/ 277، القاموس "3/ 122"، تاج العروس "6/ 54"، "جدف"، "6/ 218"، "قذف".

ص: 253

الشواطئ والسواحل حيث تكون المياه ضحلة1. والقيقلان خشبة يدفع بها السفينة أيضًا2.

ويقال للذي يشتغل في السفينة ويعمل على تسييرها "الملاح"، ويقال له "صار" و"الصاري" أيضًا3. وحرفته "الملاحة". ويقال للملاح:"السفان" كذلك، وهو الذي يشتغل في السفن، ويعبر عنه بـ"النوتي"4. والجمع "نوتية" و"نواتين". "وفي حديث علي، كرم الله وجهه: كأنه قلع داري عنجه نوتية". وورد أن "النوتي" البحار، وهو من كلام أهل الشأم5. واللفظة من أصل يوناني6.

و"الربان"، أو "ربان السفينة"، هو قائدها الذي يجريها. ويرى علماء اللغة أنها دخيلة معربة7.

ويقال للموضع الذي ترفأ إليه السفن "المرفأ". من أصل "رفأ" بمعنى أدنى. وورد في حديث "تميم الداري": "أنهم ركبوا البحر ثم أرفأوا إلى جزيرة"8. ويعبر عن "المرفأ" بلفظة "الكلاء" و"المكلا" أيضًا؛ لأنه يكلأ السفن من الريح، وذلك بحبس السفن فيه لحمايتها من الريح ولإنزال ما فيها، وأخذ ما فيه من تجارة وناس9. ويقال للمرفأ "الميناء" كذلك، وعرفوه بأنه الموضع الذي ترفأ فيه السفن10. كما يقال له:"فرضة"

1 اللسان "3/ 402"، القاموس "4/ 334"، تاج العروس "10/ 148".

2 بلوغ الأرب "3/ 366".

3 اللسان "11/ 121"، "14/ 460".

4 اللسان "2/ 600 وما بعدها".

5 اللسان "2/ 101".

6 غرائب اللغة "271".

7 اللسان "13/ 175".

8 اللسان "1/ 87"، "وفي حديث أبي هريرة في القيامة، فتكون الأرض كالسفينة المرفأة في البحر تضربها الأمواج"، تاج العروس "1/ 71"، "رفأ".

9 اللسان "1/ 146"، تاج العروس "1/ 112"، "كلأ"، "سوق الكلأ"، بالبصرة، موضع يكلئون سفنهم به، أي يحبسونها.

10 اللسان "13/ 426"، "ميني"، كل مرسى السفن، تاج العروس "9/ 355"، "مان".

ص: 254

و"فرضة البحر"1 و"المرساة"، البقعة التي ترسو فيها السفينة2.

ومن مصطلحات السفن في العربية، الشحن، فيقال شحنت السفينة شحنًا بمعنى ملئت، ومخرت السفينة، أي جرت3 وحبت السفينة، أي جرت4، وجنحت السفينة جنوحًا إذا انتهت إلى الماء القليل فلزقت بالأرض فلم تمض، وجمحت جموحًا إذا تركت قصدها فلم يضبطها الملاحون، ويقال ماهت السفينة إذا دخل فيها الماء، ورست وأرست، إذا بلغ أسفلها القعر فثبتت، وإذا أرسيت وسخرت أطاعت وطاب لها السير، وحدرت السفينة أحدرها، وتقاذفت في البحر جرت، وشجت البحر قطعته5. وهناك مصطلحات عديدة أخرى يشير ورودها في اللغة إلى معرفة في البحر وفي استخدام السفن في البحار.

وعند دنو السفينة من الأماكن التي تريدها، ترسو في مرفأ لتفرغ حمولتها أو لتحميلها أو لتزود بما تحتاج إليه من زاد وطعام، فتلقي بمراسيها في المرفأ تثبيتًا لها فلا تتحرك ولا تأخذها الأمواج ولا الرياح. ويسمى الملاحون المرساة "الأنجر"، ويكون من الخشب الصلب الثقيل أو حديدًا أو حجرًا كبيرًا، وقد يكون على شكل كرة، وقد يكون على شكل مربع أو مستطيل، أو على شكل "خطاف" أو حديد محجن6. فإذا أرادت السفينة الرسو أنزل إلى الماء ليستقر على القاع فتثبت السفينة7. وقد وصف "الأنجر"، أنه خشبات يخالف بينها وبين رؤوسها وتشد أوساطها في موضع واحد، ثم يفرغ بينها الرصاص المذاب فتصير كصخرة، ورؤوس الخشب ناتئة تشد بها الحبال وترسل في الماء إذا رست السفينة، تعريب لنكر من أصل فارسي8.

وقد ذكر علماء اللغة أن "السبابجة"، هم قوم من السند يستأجرون ليقاتلوا، وكانوا قومًا جلاوزة وحراس السجن في البصرة أيام الإسلام. وكان رئيس السفينة

1 اللسان "7/ 206".

2 القاموس "4/ 334"، تاج العروس "10/ 149"، "رسا".

3 القاموس "2/ 131"، "نحر".

4 تاج العروس "10/ 81"، "حبو".

5 المخصص "10/ 23 وما بعدها".

6 تاج العروس "3/ 557"، "نجر".

7 تاج العروس "10/ 149"، "رسا".

8 تاج العروس "3/ 557"، "نجر".

ص: 255

البحرية يستأجرهم ليكونوا معه يبذرقونها، أي يخفرونها ويقاتلون من يتصدى لها بسوء1. وقد كانت بالأبلة التي عاشت قبل البصرة جاليات جاءت إليها من الهند، فقد كان الاتجار بين الهند وجنوبي العراق وسواحل جزيرة العرب اتجارًا قديمًا، وقد أقامت جاليات أخرى منها في مواضع من هذه السواحل، وقد أشرت إلى عثور العلماء على هياكل بشرية بأرض عمان، تمثل "الدرافيديين"، أي سكان الهند القدامى، وإلى وجود أثر لملامح هندية في سكان ساحل عمان تظهر عليهم حتى اليوم.

وصناعة السفن الكبيرة تحتاج إلى أخشاب صلدة قوية وإلى مسامير من حديد تستعمل في ربط الألواح والأخشاب بعضها ببعض، وإلى أيدي فنية عاملة، وعلم بهندسة بناء السفن. ولم تتيسر هذه الأشياء في جزيرة العرب. فالخشب الصالح لبناء السفن غير موجود في أكثر أنحائها، ولهذا اقتصرت صناعة السفن على السفن الصغيرة في الغالب، وهي سفن ليس في مقدورها اختراق آفاق البحار الكبيرة والمحيطات، والتجول بحرية في أية ناحية كانت من نواحي البحر الواسعة. ولم يكن لها إلا السير في محاذاة السواحل، وهو سير يكلفها كثيرًا، فعلى السفن أن تقطع مسافات طويلة معرضة نفسها لمخاطر الاصطدام بالصخور الكامنة في المياه ولهجمات لصوص البحر الجائعين وللجوء إلى مراسي كثيرة طلبًا للماء العذب والزاد، ولتمضية وقت طويل، على حين لا تحتاج السفن الكبيرة إلى كل ذلك، فهي قادرة بفضل متانتها وقوة صنعها من اختصار المسافات وتقصير الوقت وحماية نفسها من هجمات لصوص البحر باستخدام الرياح البحرية، وقطع البحر باستقامة وبحرية إلى أي ميناء يريده الربان.

وكان على أصحاب معامل السفن العرب استيراد الخشب القوي الصالح لبناء السفن من الخارج، أو شراء السفن جاهزة من الأسواق الخارجية، وفي كلتا الحالتين يتكلف المشتغلون بالتجارة البحرية تكلفًا باهظًا، ويكونون عالة في قوتهم وفي أعمالهم على الخارج. وهذا ما سهل للرومان واليونان والفرس مزاحمة الدول العربية الجنوبية في البحر الأحمر وفي المحيط الهندي، ومن إنزال خسائر فادحة في ثروة العرب، أثرت أثرًا كبيرًا في الأوضاع السياسية والاقتصادية لجزيرة العرب،

1 اللسان "2/ 294"، "10/ 14".

ص: 256

كما أثرت عليها من الناحية العسكرية إذ جعلت السواحل مكشوفة مفتوحة من الوجهة الحربية فأنزلت الدول الكبرى في مواضع منها قواتًا لحماية مصالحها التجارية وقوافلها البحرية وذلك قبل الميلاد وبعد الميلاد إلى ظهور الإسلام.

والساج من أثمن الأخشاب وأنفسها في صناعة السفن، فهو خشب مقاوم صلب، وقد استورد من الهند1. ويظهر أنه هو الخشب الذي ذكر "ثيوفراستسوس" "Theophrastus"، أنه كان بجزيرة "تيلوس" "Tylus"، ويقصد بها البحرين، والخشب الذي كان في ميناء "عمانة" عمان الذي أشار إليه صاحب مؤلف "الطواف حول البحر الأريتري"، والذي ذكر أنه خشب مستورد من ميناء "بريجازا" بالهند2.

وقد صنع الجاهليون سفنهم وقواربهم بأيديهم، مستعينين بالخشب المستورد وبالخشب المحلي. صنعوها في مواضع متعددة من سواحل جزيرة العرب، ولا سيما على سواحل الخليج، حيث تيسر لسكانها استيراد الخشب الصالح لبناء السفن من الهند. وهي صناعة لا تزال حية، إلا أن الهرم بدأ يظهر عليها، وأخذت تتقلص، وأوشكت على توديع الدنيا، لتراكم الأمراض عليها، ولعجزها عن مد نفسها بمقومات الحياة الملائمة لعصر السرعة.

وتتكون السفن الكبيرة الجدية من سقائف، وهي ألواح السفينة. وكل لوح سقيفة3. وقيل إن اللوح من ألواح السفينة، هو القادس4. وأما ما بين كل خشبتين من السفينة، فيقال له الطائق5. وتخرز السفن بالليف، ويجعل في خللها القار6. والجلفاظ الذي يجلفظ السفن، وهو أن يدخل بين مسامير الألواح، وخروزها مشاقة الكتان، ويمسحه بالزفت والقار7. وقد تطلى السفن بالقار، وتدسر. ويراد بالدسر المسامير لغاية التسمير والتدسير8. ويقال للموضع الذي يجتمع

1 القاموس "1/ 195"، تاج العروس "2/ 61".

2 حوراني "ص244" وما بعدها".

3 القاموس "3/ 152".

4 القاموس "2/ 239"، تاج العروس "4/ 213".

5 القاموس "3/ 260"، "طوق".

6 المخصص "10/ 25 وما بعدها"، القاموس "2/ 124"، تاج العروس "3/ 512".

7 القاموس "2/ 394"، القاموس "2/ 353".

8 القاموس "2/ 29"، تاج العروس "3/ 206".

ص: 257

فيه الماء الراشح جمة المركب1.

ولم ترد في نصوص المسند المصورة صورة سفينة نهتدي بها إلى معرفة أشكال السفن عند العرب الجاهليين. كذلك لم يعثر المنقبون حتى الآن على صورة لها في النصوص التي ظفر بها في أماكن أخرى من جزيرة العرب. ولا يستبعد أن تكون سفن العرب أنواعًا متعددة، بحسب أغراضها ووفرة الخشب الصالح لبناء السفن، وعلى قدر اختلاط سكان سواحل الجزيرة بغيرهم من أصحاب السفن. ولا أستبعد أن يكون أهل العربية الجنوبية والعربية الشرقية قد تأثروا بصناعة السفن اليونانية والساسانية والهندية والإفريقية لاختلاطهم بهم، ومجيء سفن هؤلاء إلى مراسي السواحل العربية، ولتمكنهم من شراء الخشب الصلد الصالح لبناء السفن من إفريقية والهند.

ولم تتمكن سفن ذلك اليوم، وحتى أعظمها وأكبرها من مناطحة عواصف البحار ومقاومة أمواجها، فكثرت أمراضها وعللها، وفي جملتها الخروق التي كانت تصيب مواضع اتصال ألواحها، فتفكك أوصالها فتهلك، ويتعرض أصحابها إلى خسائر كبيرة، أضف إلى ذلك تعرضها إلى تحرش لصوص البحر بها، الذين كانوا يترصدون السفن، فإذا وجدوا فرصة مناسبة، هاجموها لأخذ ما قد يقع في أيديهم من حمولتها النفيسة. ولهذا كانت أجور نقل التجارة بالسفن عالية، لتعوض عن خسائر السرقة والغرق، ثم إن أجواف تلك السفن كانت صغيرة، لا تتحمل حملًا كثيرًا، فصار أصحابها لا يحملونها إلا السلع الغالية التي لا تحتاج إلى مكان كبير والتي تتحمل أرباحها دفع الأجور الغالية عن نقلها إلى المواضع التي يراد إيصالها إليها.

ولا يتسع هذا المكان لذكر كل الألفاظ والمصطلحات التي لها علاقة بالبحر، فهناك أسماء لمختلف أنواع السفن، وأسماء أدوات كثيرة استعملت في السفن، وأسماء للساحل وللجزر وللنباتات البحرية وغير ذلك وردت في كتب اللغة، وإليها يجب أن يرجع من يريد المزيد من هذه الألفاظ والمصطلحات، غير أن علينا أن ننتبه إلى أن في هذه المصطلحات، مصطلحات عديدة دخلت العربية في الإسلام.

وتفيدنا هذه الألفاظ والمصطلحات فائدة كبيرة في الوقوف على مدى تأثر البحرية

1 القاموس "4/ 91".

ص: 258

العربية الجاهلية بالبحرية الأجنبية، وذلك بدراسة أصول هذه الألفاظ، والمصطلحات لمعرفة المكان الذي جاءت منه والشعب الذي مون البحارة العرب بها.

ونجد في مصطلحات البحر ألفاظًا يونانية، وألفاظًا لاتينية، وألفاظًا فارسية، وألفاظًا حبشية، ودخول هذه الألفاظ اللهجات العربية دليل على تأثر البحرية العربية ببحرية تلك الأمم واتصالها بها وأخذها منها. وقد أشار علماء اللغة إلى أصول بعض هذه الألفاظ، فذكروا أنها أعجمية. ولما كان علمهم باللغات الأعجمية غير الفارسية محدودًا، لم يتمكنوا من تشخيص أصول بعض المصطلحات المعربة عن اليونانية أو اللاتينية أو الحبشية أو الهندية، فرجعوها إلى أصل فارسي في الغالب، وهي ليست من الفارسية في شيء.

ولم يرد في الكتابات الجاهلية ما يفيد بدخول أهل العربية الغربية البحار، والأخبار الإسلامية لا تشير إلى ذلك أيضًا، بل الذي يفهم منها أن أهل الحجاز لم يكن لهم نصيب في البحر، وأنهم كانوا يركبون البحر في سفن حبشية توصلهم إلى السواحل الإفريفية للاتجار هناك. ولما خرج المسلمون الأولون مهاجرين إلى الحبشة، انتهوا إلى "الشعيبة"، فوجدوا سفينتين للتجار حملوهم فيهما إلى أرض الحبشة بنصف دينار1. و"الشعيبة"، مرسى السفن من ساحل بحر الحجاز، وكان مرسى مكة قبل جدة2.

ونجد في خبر عودة المهاجرين من الحبشة، أنهم حملوا في سفينتين، حملهم عليهما النجاشي. أي أن السفينتين كانتا من سفن الحبش3. ولم يرد في الخبر، اسم الموضع الذي أبحروا فيه منه إلى الحجاز، ولا اسم المرسى الذي رست السفينتان فيه، واتجه المسلمون منه إلى يثرب.

ويظهر أن تلك السفن كانت صغيرة مكشوفة الجوانب ولم تكن تتسع لعدد كبير من المسافرين، حتى أن حركات المسافرين كانت تؤثر فيها. روي أن "جعفر بن أبي طالب"، سأل رسول الله كيف نصلي في السفينة إذا ركبنا في البحر، لقال: صل قائمًا إلا أن تخاف الغرق، أو يصلي قائمًا إلا أن يضر بأهلها. وصلى أنس في السفينة جالسًا4.

1 الطبري "2/ 329".

2 تاج العروس "1/ 321"، "شعب".

3 الروض الأنف "2/ 250 وما بعدها".

4 الروض الأنف "1/ 215".

ص: 259

ومما يؤسف له أن أهل الأخبار لم يذكروا أسماء المواضع التي كان يتاجر معها العرب على السواحل الإفريقية المقابلة، ولم يذكروا حتى أسماء المرافئ التي نزل بها المهاجرون المسلمون الأولون من مكة على ساحل الحبشة، ولا اسم الموضع الذي نزل به وفد "قريش" إلى الحبشة، الذي جاء لتحريض الحبش على من هاجر إليهم من المسلمين، ولم يذكروا كذلك اسم الموضع الذي أبحر منه المسلمون للعودة إلى الحجاز، يوم أرسل الرسول "عمرو بن أمية الضمري" ليعود بهم إلى يثرب، ولا اسم الموضع الذي نزلوا به من ساحل الحجاز1.

1 الروض الأنف "2/ 250 وما بعدها".

ص: 260