الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأنهم كانوا يتنازعون في كراء الأرض حتى أفضى بهم إلى التقاتل بسبب كون الخراج واحدًا لأحدهما على صاحبه، فرأى أن المنحة خير لم من المزارعة التي توقع بينهم مثل ذلك"1.
وقد ذكر العلماء أن هذا النهي إنما وقع بسبب المنازعات التي كانت تقع فيما بين الطرفين المتعاقدين لاتفاقهما على شيء مجهول، وذكروا مثلًا آخر على ذلك هو كري المزارع على الأربعاء وبشيء من التبن. والربيع هو النهر الصغير. فتقع المنازعة ويبقى المزارع أو رب الأرض بلا شيء2. وقد كانوا يتعاقدون على ما ينبت على ربيع الساقي، أي النهر الذي يسقي الزرع. فيقع اختلاف بين المزارع والمالك، أو بين صاحب الماء والمزارع3. أما إذا كان الاتفاق على شيء واضح معلوم، في مثل استئجار الأرض البيضاء من السنة إلى السنة، أو في آجال يتفق عليها بالذهب والفضة، أي بالدنانير والدراهم، فقد جاز كذلك كما ورد في كتب الحديث4.
1 إرشاد الساري "4/ 187 وما بعدها".
2 عمدة القارئ "12/ 183"، شرح النووي، "6/ 400"، "حاشية على إرشاد الساري".
3 تاج العروس "5/ 342"، "ربع".
4 تاج العروس "12/ 184".
المساقاة:
وكما مارس أصحاب الأملاك والمزارعون الجاهليون طريقة المحاقلة والمزارعة، مارسوا "المساقاة" كذلك. وتكون بالاتفاق بين طرفين على قيام أحدهم بتوجيه الماء إلى صاحب أرض أو ملتزم لها أو غير ذلك، وهو محتاج إلى ماء مقابل تعهد يقدمه الطرف الثاني إلى صاحب الماء بعوض، مثل جزء من حاصل أو عين وما شابه ذلك، مقابل ذلك الماء. وذكر أن المساقاة، أن يستعمل رجلًا في نخيل أو كرم ليقوم بإصلاحها مقابل أن يكون له سهم معلوم مما تغله. وأهل العراق يسمونها معاملة1 وذكر العلماء أن أهل المدينة كانوا يقولون للمساقاة المعاملة،
1 تاج العروس "10/ 180"، "سقى"، "8/ 36"، "عمل"، اللسان "11/ 476".
وللمزارعة المخابرة، وللإجارة بيع، وللمضاربة مقارضة، وأن لهم لغات اختصوا بها1.
وقد يخصص الماء كله بالزرع، أي يكرى كله لمؤجره، وقد يكرى لما يسد حاجة الزرع، أي لإرواء الزرع الذي اتفق على إسقائه بالماء، في كل وقت، في النهار أو في الليل، وفي أي لحظة يشاء المستأجر لذلك الماء. وقد يكون على حظ من الماء، مثل ربع يوم أو ليلة، أو يوم معين، أو وقت يثبت. ويقال لهذا الماء "ربيع"، أي حظ2.
وطالما وقعت الخصومات بين المزارعين بسبب اختلافهم على الماء. فالماء هو رأس مال المزارع، فإذا انقطع عن زرعه، تأثر زرعه، وتعرض للهلاك، وزرعه هو رأس ماله وحياته. ومن هذا القبيل الخصومات التي تقع بسبب اشتراك جملة مزارعين في مورد ماء واحد، ومحاولة كل واحد منهم الحصول على أكبر مقدار من الماء، أو أخذه قبل غيره. والخصومات التي تقع من سيل الماء في الشرائج. والجداول التي تمر في عدة مزارع والينابيع والعيون التي تروي جملة أحواط ومحاقل. وقد أشير إلى جملة أنواع من هذه الخصومات في كتب الحديث3.
ومن عادة أهل "يثرب" أنهم كانوا يكرون الأرض، لأجل قصير أو لأجل طويل. فإذا كان الأجل طويلاً فربما غرسوا شجرًا، على نصيب معلوم من الثمر، وذلك؛ لأن أكثرهم لم يكونوا يملكون كثيرًا من الذهب والفضة، فكانوا يتعاملون على الشطر مما تغله الأرض. ولما جاء المهاجرون زارعوا الأنصار بالشكر على الثلث والربع، حتى ما كان بالمدينة بيت هجرة، إلا وزرع على الشطر4. أو على التبن أو على أوسق من تمر أو بر أو غير ذلك. وكرى بعضهم أرضه بالدراهم والدنانير وبالفضة وبالذهب. وقد أشير إلى ذلك في كتب الحديث5.
1 جامع الأصول "11/ 172"، شرح النووي "6/ 406 وما بعدها".
2 تاج العروس "5/ 342"، "ربع".
3 عمدة القارئ "12/ 188 وما بعدها"، "كتاب المساقاة".
4 إرشاد الساري "4/ 176 وما بعدها".
5 إرشاد الساري "4/ 188 وما بعدها".