الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كبير بديار ضبة في بطنه أطواء كثيرة، منها الصاف واللهابة وثبرة، ومياهها عذبة1. ومنها "حفر سعد بن زيد مناة بن تميم"، بحذاء "العرمة" وراء الدهناء يستقي منها بالسانية2.
و"القلت" النقرة في الجبل تمسك الماء، وقيل كل نقرة في أرض يستنقع فيها الماء. وإذا سالت السيول ملأت القلات. وفي الحديث ذكر لقلات السيل3. ومثلها "الوقب". وهي نقرة في الجبل أو في الصخر يجتمع فيها الماء كالوقبة، أو هي نحو البئر في الصفا تكون قامة أو قامتين يستنقع فيها ماء السماء4.
1 تاج العروس "9/ 251"، "شجن".
2 تاج العروس "3/ 152"، "حفر".
3 تاج العروس "1/ 572"، "قلت".
4 تاج العروس "1/ 505"، "وقب".
الآبار:
وفي الأماكن التي تكون المياه الجوفية فيها غير بعيدة عن سطح الأرض، ويكون من السهولة حفر الآبار فيها، يحفر الناس آبارًا في بيوتهم وفي أملاكهم للشرب والزرع إن كانت عذبة وللتنظيف والاستعمال. ويستعان بالخدم وبالسقائين في جلب مياه الشرب من الآبار العذبة والعيون والنهيرات. كما حفروا الآبار في الحصون. وقد كانت في حصن الهجوم بئر عظيمة عميقة، عذبة الماء، وقد بني الحصن من حجارة ضخمة ذكر أن طول الحجر منها سبع أذرع في عرض ثلاثة أذرع، وأقام أصحابه عليه الأسوار والأبراج. وقد فتح في أيام الرسول1.
و"البئر" هي "بار" في كتابات المسند. والجمع "ابار" أي "آبار". وقد وصلت إلينا نصوص عديدة في حفر آبار أو في شرائها وبيعها، وفي تعميرها، وإصلاحها. وهي ثروة ورأس مال كبير في جزيرة العرب، تحيي الأرض وتميتها، وتفني الناس وتميتهم، ولذلك كانوا إذا حفروا بئرًا أو إذا ظهرت لهم مياه عذبة غزيرة، يقدمون إلى آلهتهم الشكر والحمد والنذور. وقد أقامت الآبار الكبيرة العميقة العذبة مدنًا. وأماتت مدنًا بسبب نضوب مياهها وجفافها، وهي على هذه الأهمية الخطيرة إلى الآن.
1 ابن المجاور "1/ 21".
وللأهمية المذكورة للآبار في حياة العرب، كثرت في لغتهم المصطلحات الخاصة بها، من أسماء لأنواع الآبار ومن مصطلحات للحفر ولوسائل الحفر، ومن ألفاظ للمواد التي تستعمل في بناء البئر وفي استخراج الماء منها، ومن كلمات تشير إلى أبعاد البئر، ومقدار ما فيها من ماء، وأبعاد أفواهها. ومن أسماء البئر "الطوى" و"الطوية"، إذا بنيت بالحجارة1. و"الجب"، البئر، وقيل البئر الكثيرة الماء البعيدة القعر، ولا تكون جبًّا حتى تكون مما وجد، لا مما حفره الناس2. و"القليب" البئر ما كانت. وقيل: البئر قبل أن تطوى، فإن طويت فهي الطوي، أو العادية القديمة منها التي لا يعلم لها رب ولا حافر يكون في البراري3. وقد عرفت بـ"الرس" كذلك4.
ومن أنواع الآبار التي ذكرها علماء اللغة: الشبكة، ويراد بالشبكة الآبار المتقاربة والأرض الكثيرة الآبار. وأما "الفقر"، فهي ركايا تحفر ثم ينفذ بعضها إلى بعض حتى يجتمع ماؤها في ركي. وإذا اجتمعت ركايا ثلاث فما زاد إلى ما بلغ من العدة قيل له "فقير"، ولا يقال ذلك لأقل من ثلاث. وورد أن الفقير فم القناة، والمكان السهل تحفر فيه ركايا متناسقة، وفم القناة التي تجري تحت الأرض، ومخرج الماء منها5. وأما "الكظامة"، فإنها بئر إلى جنبها بئر بينهما مجرى في بطن الأرض. وقيل: كل ما سددت من مجرى ماء أو باب أو طريق، فهو كظم، والذي يسد به الكظامة. وقيل: هي آبار متناسقة تحفر ويباعد ما بينها، ثم يخرق ما بين كل نهرين بقناة تؤدي الماء من الأولى إلى التي تليها تحت الأرض فتجتمع مياهها جارية ثم تخرج عند منتهاها فتسيح على وجه الأرض6.
و"الجفر" البئر التي ليست بمطوية، وتجمع على جفار. وأما "الجد"، فالبئر الجيدة الموضع من الكلأ، والجمع أحداد، والملك البئر ينفرد بها الرجل،
1 تاج العروس "10/ 229"، "طوي".
2 تاج العروس "1/ 172"، "جبب".
3 تاج العروس "1/ 437 وما بعدها"، "قلب".
4 المخصص "10/ 24".
5 تاج العروس "3/ 474"، "فقر".
6 تاج العروس "9/ 47"، "كظم"، المخصص "10/ 34 وما بعدها".
والبود البئر كذلك1. والسهبرة من أسماء الركايا2. و"القليب" البئر ما كانت، والبئر قبل أن تطوى، فإذا طويت فهي "الطوي"، أو العادية منها التي لا يعلم لها رب ولا حافر يكون في البراري3. و"الطوي" البئر المطوية بالحجارة4.
ومن المواضع التي عرفت بأطوائها موضع "الأطواء" باليمامة، قرب "قر قرى"، ذو نخل وزرع كثير5.
وقد تكون الآبار ذات مياه غزيرة كبيرة، تخص المدينة بأسرها، أو القبيلة بأسرها، وقد تكون ملك أسرة تستغلها الأسرة لحسابها، أو ملك فرد يستفيد منها مباشرة أو يبيع مياهها للناس، لإسقاء الأرضين أو الماشية. وقد تباع لأشخاص آخرين، وقد تؤجر. وطالما كانت الآبار مصدر نزاع خطير بين القبائل وسببًا في إثارة الحروب.
و"العد" البئر لها مادة من الأرض، فهي كثيرة الماء دومًا ولا تنزح. وأما "المفهاق" فإنها البئر الكثيرة الماء، و"الغروب" الدلاء، واحدها "غرب" وهي التي تجرها الإبل، و"الاسجل" الواسع من الدلاء بمائها، والغلل الماء الجاري يجري تحت النخيل، و"اليعبوب" النهر الجاري وتسلسله مضيه في جريته. و"الخسف" البئر ذات الماء الكثير6.
وقد اشتهرت بعض الآبار بغزارة مياهها، ذكر "الهمداني" أن "بئر النقير" بناحية البحرين "على عشر قبم لا تنكش، ويجتمع عليها كثير من وراد العرب وربما سقى عليها عشرة آلاف بعير"7. وهناك آبار أخرى عرفت بغزارة مياهها.
وقد يحفرون سلسلة آبار يخرق أسافلها، ليفرغ بعضها في بعض من موضع الماء. مثل "الهباءة". وكانوا يزرعون عليها الحنطة والشعير وما أشبه8.
1 تاج العروس "2/ 307"، "البود".
2 تأريخ العرب قبل الإسلام، جواد علي "8/ 323 وما بعدها"، تاج العروس "3/ 285"، "السهبرة".
3 تاج العروس "1/ 437 وما بعدها"، "قلب".
4 تاج العروس "1/ 229"، "طوى".
5 تاج العروس "10/ 229"، طوى".
6 العمدة "94".
7 الصفة "163".
8 عرام، أسماء جبال تهامة "435".
ولم يكن من السهل في ذلك الزمن حفر الآبار، لعدم توفر الآلات والأدوات الفنية. فإن حفر البئر على عمق بعيد الغور كما تتطلبه الأماكن المرتفعة يحتاج إلى آلات كثيرة وإلى علم وتدبير وفن وذكاء في محافظة جدران البئر من الانهيار على الحفارين، وعلى الماء بعد الانتهاء من الحفر، فتندثر ويذهب المجهود في حفرها عبثًا. هذا ولا بد لمهندس الآبار من معرفة بطبيعة الأرض ومظنة وجود الماء فيها أو عدمه ومدى عمقه، فلا يعقل إقدام شخص على حفر بئر في أرض لا يعرف من أمرها شيئًا. وحفر البئر في النجاد عمل مكلف باهظ، فلا بد إذن من تخصص أناس بهندسة الآبار، ليقوموا بهذا العمل الذي لا يمكن القيام به ما لم يسنده علم وفهم.
وقد تخصص أناس بحفر الآبار واختيار المواضع التي يحتمل وجود المياه العذبة بها. ولهم في ذلك علم ودراية وخبرة. وكانوا إذا قربوا من الماء احتفروا بئرًا صغيرة في وسط البئر بقدر ما يجدون طعم الماء، فإن كان عذبًا حفروا بقيتها، ولذلك يقال "التعاقب" و"الاعتقام"1. فالاعتقام "إذن عملية تجريبية لاختبار طعم ماء البئر وتجربته من حيث العذوبة والملوحة وعليها تتوقف عملية الحفر.
ومتى حفرت البئر ووصل إلى الماء، قيل: أمهت البئر، وأموهت، وأمهيت، ويقال ابتأرت بئرًا، أي حفرتها. ويقال أيضًا: حفرت البئر حتى نهرت، أي بلغت الماء. وإذا بلغ الحفارون الأرض الغليظة قيل: بلغت الكدية. وإذا وصلوا موضعًا صعبًا فصعب الحفر، قيل: بلغ مسكة البئر. ويقال أجبلت، أي انتهيت إلى جبل. ويقال الصلود، وهي الأرض التي تحفر فيغلب جبلها الحافر. فيصلد الحفر على الحافر لصعوبة الأرض. وإذا حفر الحفارون حتى يبلغوا الطين، فيقال عندئذ: أثلجت، فإذا بلغ الماء، قيل: أنبط ونبط. والنبط أول ما يظهر من ماء البئر حين تحفر. وإن بلغ الرمل، قيل: أسهب، وإن انتهى إلى سبخة، قيل: أسبخت. ويقال: تأثل البئر إذا حفرت البئر، وهزمت البئر حفرتها2.
ويتحايل الحفارون في الحفر إذا فوجئوا بصخرة أو أرض صلدة، تمنعهم من
1 تاج العروس "8/ 403"، المخصص "10/ 41".
2 المخصص "10/ 40 وما بعدها".
الاستمرار في الحفر. خاصة إذا كانوا قد بلغوا عمقًا بعيدًا في باطن الأرض. وقد كلفهم الحفر صرف مال كثير، فإذا تركوه أصيب صاحب البئر بخسارة، لذلك يتحايل الحفارون على الأرض بالتعاريج في الحفر، يمنة ويسرة، للعثور على موضع ينزلون منه إلى موضع وجود الماء، ويقولون لذلك:"التلجيف". ويراد به الحفر في جوانب البئر1.
وقد تنقر آبار صغيرة ضيقة الرؤوس في نجفة صلبة، لئلا تهشم، ويقال لمثل هذه الآبار المناقر. وأما المنقر، فيراد بها البئر التي يكثر فيها الماء2. وفي بعض المناطق الصخرية والجبلية آبار منقورة تتجمع فيها مياه جوفية تنحدر إليها من المواضع المرتفعة أو من مياه الأمطار التي تتساقط على المواضع المرتفعة فتسيل إلى أفواه تلك الآبار وتدخل إليها وتتجمع فيها، فيستفيد منها الناس.
وفي جملة الألفاظ الواردة في الكتابات العربية الجنوبية والمستعملة في حفر الآبار وتوسيعها وتعميقها، لفظة "حفر"، وهي بالمعنى المفهوم منها في عربيتنا. ولفظة "سنبط"، ويقصد بها معنى "استنبط"، من "نبط" ويراد بها ظهور الماء واستخراجه من باطن الأرض وأما لفظة "سبحر"، فتعني "استبحر"، من أصل بحر، بمعنى التعميق. ولا يزال حفرة الآبار في العراق يستعملون لفظة تبحير البئر بمعنى تعميقها3. وفسرت لفظة "ضفر"، بمعنى الدعم بالحجارة، أي كسوة جدار البئر بالحجارة4.
وللمحافظة على البئر من الانهيار بسبب رخاوة جدرانها وتساقط المياه الممتوحة منها، عمدوا إلى ربرها من قعرها إلى أعلاها بالحجارة، ويعبر عن هذا الجدار بلفظة "كولم" "كول" في المسند. وبـ"جول" في عربيتنا. ورد في كتب اللغة:"الجول: جدار البئر"5. ويقال لمثل هذه البئر "المزبورة" أي المطوية
1 تاج العروس "6/ 243"، "لجف"، المخصص "10/ 41".
2 المخصص "10/ 46"، تاج العروس "3/ 581"، "نقر".
3 "يوم حفر وسنبط وسبحر"، بمعنى "يوم حفر واستنبط وعمق"، أو "حين حفر واستنبط وعمق"، النقش رقم16 المنشور في "ص23" من كتاب "نقوش خربة معين".
4 نقوش خربة معين "ص23".
5 تاج العروس "7/ 267". Rhodokanakis، Stud.، Lexi.، Ii، S. 28.
بالزبر. وأما "المعروشة"، فالتي تطوى قدر قامة من أسفلها بالحجارة، ثم يطوى سائرها بالخشب وحده، وذلك الخشب هو العرش، فإن كانت كلها بالحجارة، فهي مطوية، وليست معروشة. وهناك تعابير أخرى تشير إلى تبطين البئر وكساء جدرانها بمواد مقوية تمنعها أن تنهار. فإذا بنيت البئر بالحجارة، قيل بئر مضروسة وضريس، وهو أن يسد ما بين خصاص طيها بحجر، وكذلك سائر البناء. ويقال الأعقاب للخزف الذي يدخل بين الآجر في الطي لكي يشتد. والوسب خشب يطوى به أسفل البئر إذا خافوا أن تنهال، والجمع الوسوب1. والحامية الحجارة تطوى بها البئر2.
وهناك ألفاظ عديدة ذكرها علماء اللغة للآبار التي تكثر مياهها أو تقل. فورد: بئر غزيرة بمعنى كثيرة الماء، وورد بئر ميهة وماهة إذا كثر ماؤها، والعيلم البئر الكثيرة الماء. والخسيف التي تحفر في حجارة فلا ينقطع ماؤها كثرة، وهي التي خسفت إلى الماء الواتن تحت الأرض، ويقال بئر سجر ومسجورة بمعنى مملوءة، وبئر ذات غيث أي مادة. والقيلذم، البئر الكثيرة الماء، وبئر مقيضة كثيرة الماء قد قيضت عن الجبال. والبئر الماكدة التي يثبت ماؤها على قرن واحد لا يتغير، وإن كثر منها، وأن وضع عليها قرنان أو أكثر، غير أن ذلك إنما يكون على قدر ما يوضع عليها من القرون بقدر مائها، وبئر مكود وماكدة لا تنقطع مادتها، والهزائم الآبار الكثيرة الماء، وبئر زغربة كثيرة الماء، وبئر ذمة وذميم وذميمة كثيرة الماء كذلك، والنقيع البئر الكثيرة الماء3.
ويقال حبض ماء البئر، وذلك إذا انحدر ونقص، ونكزت البئر أي قل ماؤها، وبئر نزح ماء فيها، وبئر مكول وهي التي يقل ماؤها فيستجم حتى يجتمع الماء في أسفلها، واسم ذلك الماء المكلة، وبئر قطعة وبئر ذمة قليلة الماء، وبئر ضهول قليلة الماء، والخليقة البئر التي لا ماء فيها، وقيل هي الحفيرة في الأرض المخلوقة، والضغيط بئر تحفر إلى جنبها بئر أخرى فيقل ماؤها، وبئر فروع قليلة الماء وهي كالضنون سميت بذلك؛ لأنها تقرع قرعًا كلما فني ماؤها،
1 تاج العروس "1/ 503"، "وسبب".
2 المخصص "10/ 42 وما بعدها".
3 المخصص "10/ 27 وما بعدها".
وبئر رشوح وبروض وبضوض قليلة الماء1.
وتستخرج المياه من الآبار بالدلاء، تربط بالحبال إلى الأعمدة المثبتة فوق البئر. ويقال للعمود "عمد""عامود" والجمع "عُمُد" و"أعمد"2. وأما "الدلو" وهو الوعاء أو القربة المصنوعة من الجلد في الغالب، فيقال له "علبت" و"علبم" في المسند3، تمتلئ بالماء حين دخولها في ماء البئر، فتسحب وهي مملوءة به، فإذا بلغت موضع سكب الماء سحبت إلى ذلك المكان لتفريغ مائها فيه، فيسناب إلى "مسقيت" أي "مسقية"، بمعنى الساقية لإروارء المزرعة، أو لإيصاله إلى المدينة أو البيوت.
وأما الآلة التي تعلق عليها الدلاء والمتصلة بالأعمدة فتعرف بـ"اعزر" في المسند4. ويقال للدولاب الذي يستقى عليه: المنجنون، وذلك في عربيتنا5.
ويقال لتفريغ الركية وأخذ ما فيها من ماء "حبض" في لغة المسند. وهي بهذا المعنى أيضًا في عربية القرآن الكريم. والاحباض أن يذهب ماء الركية فلا يعود، و"أحبض الركية" احباضًا، فلم يترك فيها ماء6.
ولا بد للدلاء من حبال قوية متينة تتحمل الاحتكاك بينها وبين البكرة وتساعدها في حمل الدلو. وهذه الحبال تتخذ من مواد مختلفة، تفتل وتبرم، والعادة أن يقوى الحبل بحملة حبال تبرم بعضها فوق بعض وتشد شدًّا قويًّا لئلا تتهرأ بسرعة فينقطع. وقد يتكون الحبل الواجد من مجموع عشرة حبال. أما مادة الحبل فالليف والخوص والجلود ولا سيما جلود الإبل والابق والمصاص، وهو نبات، ولحاء الشجر والقنب، ومشاقة "السلب"، وهو ضرب من الشجر ينبت متسلقًا فيطول. ويؤخذ فيحل ثم يشقق فتخرج منه مشاقة بيضاء كالليف يتخذ منها أجود ما يكون من الحبال. وقد تصنع من القطن ومن ليف جوز الهند7.
1 المخصص "10/ 39 وما بعدها".
2 Rhodokanakis، Stud. Lexi، Ii، S. 115، 152.
3 Rhodokanakis، Stud. Lexi.، Ii، S. 132.
4 Cih 303، Rhodokanakis، Stud. Lexi.، Ii، S. 131.
5 تاج العروس "9/ 166"، "جنن".
6 تاج العروس "5/ 18"، "حبض".
7 المخصص "9/ 170 وما بعدها".
ولفتل الحبال تستعمل المغازل والمبارم، لغزل الألياف وبرمها بعضها فوق بعض، كما تستعمل بعض المواد المقوية للألياف مثل الزيوت لتحافظ على قوة الحبل وعلى تماسكه فتبقيه طريًّا، فلا ينقطع بسهولة. وقد تخصص أشخاص بصناعة الحبال وعاشوا عليها، وقد كانت ذات أهمية بالنسبة لذلك الزمن.
ويقال للدلو العظيمة: "الغرب". ويتخذ من مسك ثور، والغرب الراوية1، و"السانية" الغرب وأداته، والناقة إذا سقت الأرض، وسنيت الدابة، إذا استقى عليها، والقوم يسنون لأنفسهم إذا استقوا2. والسناية والسناوة السقي، وهو سان. والساني، يقع على الرجل والجمل والبقر، كما أن السانية على الجمل والناقة. والمسنوية، البئر التي يسنى منها، وركية مسنوية، إذا كانت بعيدة الرشاء لا يستقى منها إلا بالسانية من الإبل3.
وتستخدم الثيران والجمال والحمير والبغال في متح الماء بالدلاء من الآبار الكبيرة الواسعة لسقي المزارع والبساتين والناس، ويشرف على ذلك العبيد أو الفلاحون أو أصحاب البئر. أما الآبار الصغيرة الخاصة بشرب الناس، فيستخرج الماء منها الإنسان، وتصب الدلاء المياه في أحواض أعدت لذلك، لها منفذ يسيل منه الماء إلى السواقي.
وقد تحمى البئر من الأدران ومن الأتربة ومن أخذ الماء منها، بإقامة بناء فوقها على هيأة غرفة، فإذا أقيم ذلك على البئر عرف بـ"منشا" في المسند. وقد تؤدي هذه اللفظة معنى أخذ الماء وتوجيهه إلى الجهة المراد إرسال الماء إليها بمجرى يأخذ ماءه من "فنوت"4. وفسرت لفظة "ثقول" بمعنى تعليق. وتعليق شيء فوق
بئر، أو إنشاء سقف فوقها لحماية البئر ولتعليق الأدوات التي يمتح بها الماء من البئر عليها، وذلك كما في هذه الجملة:"ابارسم وثقولسم"، ومعناها:"وكل آبارهم وسقوفها" أو "كل آبارهم والأعمدة المقامة فوقها للاستقاء بها"5.
1 تاج العروس "1/ 405"، "غرب"، الخراج "96"، المبرد، الكامل "2/ 732".
2 تاج العروس "10/ 185"، "سني".
3 تاج العروس "10/ 186"، "سني".
4 Rhodkanakis، Stud. Lexi.، I، S. 113.
5 Kat. Texte، Ii، S. 28.
وتتعرض الآبار لسقوط الأتربة والرمال فيها، وقد تنهار جدرانها فينضب ماؤها، ولا تمكن الاستفادة منها إلى بنزحها. ويقال لنزح البئر جهرت البئر واجتهرت، أي نزحت. وقيل المجهورة المعمورة منها عذبة كانت أو ملحة1. ولا بد من نزح هذه الآبار دائمًا، إذا أريد بقاء الماء فيها، وإلا ذهب ماؤها وانتفت فائدتها، فتترك وتهمل.
وتنظف الآبار بنزول الرجال فيها فيشد الرجل وسطه بالحبل، ويترك طرفه في يد رجل، أو مشدودًا بشيء ثابت قوي. ويقال لهذا الحبل "الجعار"2. وذكر أن "الجعار" حبل يشد به المستقي وسطه إذا نزل في البئر لئلا يقع فيها، وطرفه في يد رجل، فإن سقط مده به. وقيل هو حبل يشده الساقي إلى وتد ثم يشده في حقوه3. وتعمل في جدر الآبار في العادة مواضع للأقدام متقابلة يضع النازل في البئر رجليه عليها، تمكنه من النزول لمتح البئر، واستخراج ما قد يتساقط فيها من أتربة ورمال، أو لحفر قاعها لزيادة الماء فيها.
ويعبر عن انهيار البئر وسقوطها بألفاظ، مثل:"صقعت"، وانقاصت، وانقاضت، وانهارت، وتنقضت، وتجوخت، وانقارت. والهدم ما تهدم من نواحي البئر في جوفها، وانخسفت البئر، تهدمت4.
وتنظف الآبار بالجبجبة، تملأ بالأتربة وبالطين وبالأوساخ المتراكمة في قاع البئر وترفع، وتصنع من جلود وأدم، وهي نوع من الزبيل. ويستعمل في التنظيف "الثوج" كذلك، وهو زبيل، يعمل من خوص، يحمل فيه التراب وغير ذلك. ويستعمل القفير كذلك، وهو الزبيل بلغة أهل اليمن، ومن أسماء الزبيل أيضًا "الصن" وهو زبيل كبير، والحفص زبيل صغير من أدم، والعرق نوع من أنواع الزبيل. ويقال للخشبتين اللتين تدخلان في عروتي الزبيل إذا أخرج به التراب من البئر "المسمعان". وقيل المسمع العروة التي تكون في وسط المزادة5.
1 المخصص "10/ 39 وما بعدها".
2 المخصص "9/ 171".
3 قال أحدهم:
ليس الجعار ما نعي من القدر
ولو تجعرت بمحبوك ممر
تاج العروس "3/ 102"، "جعر".
4 المخصص "10/ 44".
5 المخصص "10/ 45 وما بعدها".
وتسحب الزبيل بحبال أعلى لاستخلاص ما فيها من تراب وطين ووسخ حتى تنظف.
ومن الألفاظ المعبرة عن تنقية البئر ونزولها وتنظيفها من الأوساخ والأتربة قولهم: نثلت البئر، أي أخرج ترابها، واسم ذلك التراب النثيلة والنثالة والثلة والنبيثة. ويقال نبيثة النهر كذلك. وأما خمامة البئر، فيراد بها ما كنس منها. ويقال جهرت البئر، بمعنى أخرجت ما فيها من الحمأة. وأما الشأو، فما يخرج من ترابها، وقد شأوت البئر نقيتها، ويقال للذي يخرج به المشآة، ويقال أخرجت من البئر شأوًا أو شأوين، وهو ملء الزبيل من التراب. وجششت البئر أجشها جشًا، أي كنستها. ونكشت البئر، أخرجت ما فيها من الحمأة والجيئة والطين1.
وقد يتغير طعم مياه الآبار وألوانها لعوامل عديدة. وهناك مصطلحات عديدة ذكرها علماء اللغة للدلالة على فساد ماء البئر ونتنه. مثل: المسيط والضغيط، والحمأة الطين الأسود المنتن، وقد يحمئ ماء البئر فيكدر وتخالطه الحمأة فتتغير رائحته. وتنزع حمأة الآبار وتنظف ليمكن الاستفادة منها2. والجيئة والجيأة: البئر المنتنة3.
وقد كان أهل المدن والقرى يشربون من العيون ومن موارد المياه الطبيعية الأخرى إن كانت في قراهم عندها أو على مقربة منها، كما كانوا يحتفرون الآبار في بيوتهم أو في خارجها للاستفادة من مياهها، فإن كانت. عذبة فرحوا بها وشربوا منها. وكانت قريش قبل جمع قصي إياها وقبل دخولها مكة تشرب من حياض ومصانع على رؤوس الجبال، ومن بئر حفرها "لؤي بن غالب" خارج الحرم تدعى "اليسيرة"، ومن بئر حفرها "مرة بن كعب" تدعى "الروي"، وهي ما يلي "عوقة" ثم حفر "كلاب بن مرة" خم ورم، و"الجفر" بظاهر مكة4. وورد أن الذي حفر بئر "خم" هو "عبد شمس بن عبد مناف"، حفرها بمكة5. وأن الذي حفر بئر "رم" هو "مرة بن كعب" أو "كلاب بن مرة" حفرها بمكة6. وذكر أن "الجفر" بئر بمكة كانت لبني تميم بن
1 المخصص "10/ 45"، تاج العروس "4/ 359"، "نكش".
2 تاج العروس "1/ 58"، "حمئ".
3 المخصص "10/ 47".
4 البلاذري، فتوح "60".
5 تاج العروس "8/ 283"، "خم".
6 تاج العروس "8/ 318"، "رمم".
مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي1.
ثم إن "قصي بن كلاب" حفر بئرًا سماها "العجول" واتخذ سقاية، ثم إنه سقط في العجول بعد ممات "قصي" رجل فعطلت2. وورد أن الذي احتفرها "قصي" أو "عبد شمس"3. وحفر "هاشم بن عبد مناف""بذر"، وهي البئر التي عند حطم الخندمة على فم شعب أبي طالب، وهي لبني عبد الدار4. وحفر "هاشم" أيضًا "سجلة"، وقد دخلت في المسجد5. وحفر "عبد شمس بن عبد مناف""الطوى" وهي بأعلى مكة، و"الجفر"، وحفر "ميمون بن الحضرمي""بثرة"، وهي آخر بئر حفرت في الجاهلية بمكة. وعندها قبر "المنصور". وورد أن "عبد شمس" حفر أيضًا بئرين وسماهما "خم" و"رم"، على ما سمى "كلاب بن مرة" بئريه6. فأما "خم" فهي عند "الردم". وأما "رم"، فعند دار "خديمة بنت خويلد"7.
وحفرت بنو أسد بئر "شفية"8. وحفر "بنو عبد الدار" "أم أحراد"، وقد أشير إليها في الحديث9. وحفر "ينو جمح""السنبلة". وذكر أن الذي حفرها "بنو جمح" و"بنو عامر"10. وحفر "بنو سهم" "الغمر"، وهي بئر "العاص بن وائل". وحفرت "بنو عدي""الحفير". وحفرت "بنو مخزوم""السقيا"، و"بنو تيم""الثريا"، وهي بئر "عبد الله بن جدعان". وحفرت "بنو عامر بن لؤي""النقيع"، وكانت لجبير بن مطعم بئر، وهي بئر بني نوفل، وكان عقيل بن أبي طالب، حفر في الجاهلية بئرًا،
1 تاج العروس "3/ 105"، "جفر".
2 البلاذري، فتوح "60".
3 تاج العروس "8/ 8". "عجل".
4 تاج العروس "3/ 36"، "بذر"، البلاذري، فتوح "61".
5 البلاذري، فتوح "61".
6 البلاذري، فتوح "61".
7 وقال عبد شمس:
حفرت خما وحفرت دما
…
حتى أرى المجد لنا قد تما
البلاذري، فتوح "61".
8 البلاذري، فتوح "61"، تاج العروس "10/ 201"، "شفى".
9 البلاذري، فتوح "61"، تاج العروس "2/ 335"، "حرد".
10 البلاذري، فتوح "62"، تاج العروس "7/ 383"، "سنبل".
وهناك آبار أخرى غيرها، ذكرها "البلاذري" في كتابه "فتوح البلدان"1.
وقد اشتهرت بعض الآبار وعرفت، ولا تزال معروفة نقرأ أسماءها في الكتب، ومن أشهرها "بئر زمزم"، ذات الشهرة البعيدة، بسبب مكانتها من الكعبة، وبئر "طوى". وهي بئر حفرها عبد شمس بن مناف2. وبئر "ذروان"، وهي لبني زريق، جاء ذكرها في حديث سحر النبي3. و"بئر رومة"، وهي ليهودي كان يبيع الماء منها للناس، وقد حصل على مال كثير منها، وكان إذا غاب، قفل عليها بقفل، فلا يستطيع أحد أخذ الماء منها. فشكا المسلمون ذلك إلى الرسول، فقال:"ومن يشتريها ويمنحها للمسلمين ويكون نصيبه كنصيب أحدهم. فله الجنة". فاشتراها "عثمان" بخمسة وثلاثين ألف درهم، فوقفها4.
وبيثرب وأطرافها آبار عديدة، كان يستقي منها أهلها للشرب، منها بئر "غرس". ويظهر أنها كانت من أجود وأحسن آبار يثرب. وقد ورد ذكرها في الحديث، حيث ورد: نعم البئر بئر غرس، هي من عيون الجنة. وغسل رسول الله منها5. وذكر أنها كانت بقباء، وأنه برك فيها6. ويستقى منها على حمار7. ومنها بئر "مالك بن النضر بن ضمضم"، وهي التي يقال لها بئر "أبي أنس"8. ولما نزل الرسول منزل "أبي أيوب"، كان أبو أيوب يخدمه ويستعذب له هذه البئر9. ولما صار الرسول إلى منزله، كان خدمه يحملون قدور الماء إلى بيوت نسائه من بئر السقيا، ومن بئر غرس10.
وبئر "بضاعة" بئر معروفة بالمدينة، قطر رأسها ستة أذرع، وهي في بستان، وكان أهل يثرب يطرحون فيها خرق الحيض ولحوم الكلاب والمنتن11.
1 "من ص26 فما بعدها".
2 تاج العروس "10/ 229"، "طوى".
3 تاج العروس "10/ 126"، "ذرو".
4 المعارف "ص83".
5 تاج العروس "4/ 201"، "غرس".
6 ابن سعد، طبقات "1/ 503".
7 ابن سعد، طبقات "1/ 503".
8 ابن سعد، طبقات "1/ 503".
9 ابن سعد، طبقات "1/ 504".
10 ابن سعد، طبقات "1/ 504".
11 تاج العروس "5/ 278"، "بضع".
وكان أهل العربية الغربية يحفرون حفرًا، يجعلونها كالبئر، يلقون بها الجيف وما شاكلها. وذكر أن "الجباجب"، حفر بمنى كان يلقى بها الكروش، كروش الأضاحي في أيام الحج، أو كان يجمع فيها دم البدن والهدايا، والعرب تعظمها وتفخر بها1. وقد ورد أن الرسول كان يشرب من بئر "بضاعة" وأنه بصق فيها وبرك2. وأن خيل رسول الله كانت تسقى منها، وأن أهل المدينة كانوا يغسلون مرضاهم بمائها، لاعتقادهم أنه يشفي من المرض3. ولعل قصة رمي الجيف والمنتن بها من القصص الموضوع المصنوع، أو أن ذلك حدث فيما بعد، حين أهمل شأنها، فلم يعد الناس يستقون منها، فاتخذت موضعًا يرمى فيه الجيف.
ومن بقية الآبار "البقع" وقيل هي السقيا التي بنقب بني دينار، وبئر "جنب"، وبئر "جاسم"، بئر أبي الهيثم بن التيهان براتج4، وبئر "العبيرة، بئر "بني أمية بن زيد"، وقد شرب منها الرسول وسماها "اليسيرة"5. وبئر "رومة" بالعقيق، وكانت لرجل من مزينة يسقى عليها بأجر، فقال رسول الله: نم صدقة المسلم هذه من رجل يبتاعها من المزني فيتصدق بها6. وكان المزني، قد ضرب خيمة إلى جنب البئر، يأخذ أجوز الدلاء، وله جرار بها ماء بارد، مر الرسول به مرة فشرب منها ماءً باردًا، فقال: هذا العذب الزلال7.
ويرد في كتب السير مصطلح "بئر السقيا"، و"بيوت السقيا"، و"السقيا" ورد أن الرسول كان يشرب من بيوت السقيا8، وورد أن خدمه كانوا يحملون قدور الماء إلى نسائه من "بئر السقيا"، وأنه شرب حين خرج إلى "بدر" من "بئر السقيا"9. وقد ذكر بعض العلماء، أن "بيوت السقيا" موضع في
1 تاج العروس "1/ 174"، "جبب".
2 ابن سعد، طبقات "1/ 503".
3 ابن سعد، طبقات "1/ 505".
4 تاج العروس "5/ 280"، "بقع".
5 ابن سعد، طبقات "1/ 503 وما بعدها".
6 ابن سعد، طبقات "1/ 506".
7 ابن سعد، طبقات "1/ 506".
8 ابن سعد، طبقات "1/ 503".
9 ابن سعد، طبقات "1/ 504، 506".
بلاد "عذرة"، يقال له "سقيا الجزل"، قريب من وادي القرى1. وهناك بئر قيل لها "السقيا" بنقب بني ديار، ورد ذكرها في الحديث2. وهناك مواضع أخرى عرفت بـ"السقيا"، و"سقيا"، منها سقيا غفار، و"السقيا الجزل"، "سقيا يزيد"، والسقيا للعنبر3.
وقد ذكر أن الرسول قد شرب من الآبار المذكورة، وبصق فيها وبرك4، ليبارك في مائها.
ولأبي عبيدة، معمر بن المثنى كتاب في الآبار، جمع فيه ما ورد ذكره من الآبار5.
وقد اتخذ النبط وغيرهم من القبائل آبارًا لشربهم ولشرب مواشيهم، لها فتحات تسد بالحجارة، فلا يمكن لأحد غريب الوقوف عليها، فإذا داهمهم عدو، أو أرادوا النقلة إلى أماكن أخرى، سدوا بها فتحاتها، ووضعوا فوقها من التراب ما يخفي معالمها. وقد أشار إليها الكتبة اليونان واللاتين.
ولا تزال بعض الآبار القديمة مستعملة ينتفع بمائها وهناك آبار طمرت، أو جفت مياهها، وقد عثر عند أفواهها على كتابات تشير إليها وإلى أسماء أصحابها. وهناك آبار أخرى عديدة عثر عليها في مواضع متعددة من جزيرة العرب، وبعضها عميقة جدًّا، وهي كلها "عادية" من أيام الجاهلية. والبئر العادية البئر القديمة التي لا يعرف لها مالك.
وقد استغلت بعض الآبار الجاهلية المندثرة، بتنظيفها وتطهيرها واستغلالها. ذكر "فؤاد حمزة" أن آبارًا عديدة جاهلية نظفت وأصلحت، فعادت إليها الحياة، واستغلت مياهها في إحياء الأرضين التي كانت خصبة مثمرة ثم تحولت إلى موات6. ولا يزال الناس يستغلون في اليمن وفي غير اليمن بعض الآبار القديمة للشرب، وذلك لصعوبة استخراج مياهها للزراعة لعمقها، واقتصار الناس هناك في استخراج
1 تاج العروس "10/ 180"، "سقى".
2 تاج العروس "5/ 280"، "بقع".
3 بلاد العرب "29، 330، 331، 396"،
4 ابن سعد، طبقات "1/ 503 وما بعدها".
5 "كتاب الآبار"، تاج العروس "3/ 36"، "بذر".
6 فؤاد حمزة "ص190".
الماء على الدلاء1. ويظهر من وجود بعض الآبار "العادية" في البراري أن تلك المواضع كانت في محلات مأهولة، ثم تركها أهلها فعميت، وبقيت آثارها تتحدث عن وجود سكن قديم في هذه المواضع. وفي اليمامة آبار عديدة عادية، لا تزال على وضعها، وهي من آبار ما قبل الإسلام. وأشار العلماء إلى مياه عادية، فقد ذكروا أن "لبينة" ماءة عادية، أي من المياه القديمة التي يعود عهدها إلى الجاهلية2.
وقد عثر المنقبون على نصوص جاهلية مدونة بالمسند، تتعلق بتملك الآبار وبحفرها وبإصلاحها. وقد أرخ بعض منها بأيام ملك، أو برجل عظيم كان معروفًا مشهورًا في زمانه، أو بحادث وقع لهم ذي بال. وقد أمدتنا هذه النصوص ببعض المعلومات عن الآبار وعن أصحابها وأسماء المواضع التي حفرت بها.
ويكون نضوب الماء من البئر، أو تحول مائها العذب إلى ماء ملح، نكبة بالنسبة لأهل البئر، ففي تبدل طعم الماء هذا خسارة كبيرة لأهل الماء، وعليهم البحث عن مورد آخر لسد رمقهم، وإطفاء ظمأ أموالهم، وحفر بئر أخرى في مكان آخر. ونقرأ في كتب أهل الأخبار واللغة أمثلة كثيرة عن هذا التبدل الذي حدث في طعم الماء، وسببه، هو انحباس المطر، وتحول مجاري المياه العذبة الجوفية من مكان إلى مكان، مما يسبب نضوب ماء الآبار والعيون التي كانت على المجاري القديمة، أو تقليل كمياته، فتظهر عندئذ ملوحة التربة، وقد تتغلب على طعم الماء العذب، فتحوله إلى ماء ملح3.
وقد هجرت مستوطنات عديدة بسبب وقوع هذه الظواهر المحزنة في موارد مياهها كانت تستمد مياهها من حوض ماء جوفي، فلما قلت المياه فيهما، أو تحولت إلى موضع آخر، لعوامل "جيولوجية"، تأثرت المنطقة التي فيها الماء، بهذا التحول، واضطر سكانها إلى تركها، نتيجة انقطاع موارد المياه عنها، أو تبدل طعمها، تبدلًا لا يطاق.
1 نزيه مؤيد العظم، رحلة في بلاد العرب السعيدة "ص45".
2 بلاد العرب "211".
3 تاج العروس "2/ 228 وما بعدها"، "ملح".