الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع والتسعون: معاملات زراعية
المحاقلة
…
الفصل السابع والتسعون: معاملات زراعية
وقد تطرقت كتب الحديث والفقه إلى ذكر معاملات زراعية، كان المزارعون في الجاهلية يمارسونها. وهي عبارة عن عقود ومواثيق كانوا يأخذونها على أنفسهم بالقيام بأعمال زراعية معينة، مثل: المحاقلة، والمخابرة، والمزارعة، والمساقاة.
المحاقلة:
ولم ترد في نصوص المسند معلومات مسهبة عن المحاقلة عند العرب الجنوبيين. ولكن في استطاعتنا أن نقول إنها لم تكن تختلف في أسلوبها عن المحاقلة عند أهل الحجاز قبيل الإسلام. والمحاقلة عندهم اكتراء الأرض بالحنطة أو الذهب أو شيء آخر، والمزارعة على نصيب معلوم يتفق عليه بالثلث أو الربع أو أقل من ذلك أو أكثر، أو على الأوسق من التمر والشعير، أو على الدينار والدرهم1. ويقال للمحاقلة "نحقل" في المسند2.
1 القاموس "3/ 359"، جامع الأصول "11/ 478"، تاج العروس "7/ 281"، "حقل"، عمدة القارئ "12/ 180 وما بعدها"، إرشاد الساري "4/ 187"، صحيح مسلم "5/ 26".
2 Rhodokanakis، Katab. Texte، I، S. 84.
والمخابرة هي المؤاكرة، وهي المزارعة على نصيب معلوم مما يزرع في الأرض1. وقيل: المخابرة المزارعة على النصف ونحوه، أي الثلث والمزارعة على نصيب معين كالثلث والربع وغيرهما وقيل المزارعة ببعض ما يخرج من الأرض2. والمؤاكرة المزارعة على نصيب معلوم مما يزرع. وهي المخابرة3. وفي الحديث كنا نخابر ولا نرى بذلك بأسًا حتى أخبر رافع أن رسول الله نهى عنها. وقد اختلف علماء اللغة في أصل اللفظة، فقال بعضهم: هي من خبرت الأرض خبرًا كثر خبارها، وقال بعض آخر من خيبر؛ لأن النبي أقرها في أيدي أهلها على النصف من محصولها، فقيل خابرهم، أي عاملهم في خيبر4. و"الخبر" في قول علماء اللغة الزرع، ومن هذه اللفظة يجب أن يكون أصل المخابرة. ويظهر من اختلاف العلماء في تعريف المراد من لفظة المخابرة، التي تعني المزارعة أنهم لما أرادوا وضع حد لمعناها، وجدوا المخابرين أي المزارعين أنماطًا وأشتاتًا في تثبيت حصص المخابرة ونصيبها، فحفظ كل ما سمعه، وظن أن ما وعاه وسمعه هو المخابرة، فجاءت تعاريفهم من ثم على هذا النحو. ولو أخذناها ودققناها، وجدنا أنها كلها شيء واحد، هو: المخابرة المزارعة على نصيب معلوم مما يزرع في الأرض. أما تثبيت الأنصبة، فلا دخل له بالتعريف؛ لأنه مجرد تعامل أشخاص واتفاق أفراد، منهم من كان يزيد في النصيب ومنهم من كان ينقص منه، حسب الحاجة، على نحو ما يقع في كل تعامل مثل البيع والشراء.
والمزارعة المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها ويكون البذر من مالكها5. فإن كان من العامل، فهي مخابرة6.
وقد كانوا يتعاملون مع المزارعين أو الأجراء على "القصارة". وهي ما يبقى في المنخل بعد الانتخال، أو ما بقي في السنبل من الحب، مما لا يتخلص بعدما
1 جامع الأصول "11/ 472"، شرح النووي "6/ 406 وما بعدها".
2 تاج العروس "3/ 167"، "خبر".
3 تاج العروس "3/ 17"، "أكر".
4 تاج العروس "3/ 167"، "خبر".
5 تاج العروس "5/ 368"، "زرع".
6 إرشاد الساري "4/ 170"، "ما جاء في الحرث".
يداس، أو ما يبقى على الأرض من حب بعد التذرية1. فيشترط بعضهم أن تكون القصارى للمذري، وقد لا يوافق على ذلك صاحب الزرع، فتكون له. وقد يحدث الاختلاف بين صاحب الزرع وبين المذري، بسبب اتهامه للمذري، باستغلال الشرط، والإفراط في إسقاط الحب على الأرض للاستفادة منه.
وذكر أن أحدهم كان يشترط في المزارعة ثلاثة جداول والقصارة، أي ما سقى الربيع. وقد نهى النبي عن ذلك2. والجدول النهر الصغير، ونهر الحوض ونحو ذلك من الأنهار الصغار3.
ولما جاء المهاجرون إلى يثرب، وكان بينهم قوم يحسنون الزراعة، وكانوا يريدون عملًا يعتاشون منه، حاقلوا أصحاب الأرض على زرع أرضهم في مقابل نصيب معلوم، كانوا يتفقون عليه. وقد نجح بعض منهم في استغلال الأرض، وكسبوا منها. غير أن قسمًا منهم اختصموا مع الملاك، بسبب توزيع الحاصل أو الماء، فكان الرسول يتداخل بنفسه لحسم الخلاف. وقد صار الصحابة من أهل مكة بين تاجر وبين زراع، ورد في حديث "أبي هريرة":"لم يشغلني عن النبي غرس الودي، أي صغار النخل"4. وورد أن الأنصار قالوا للمهاجرين: تكفونا المؤونة في النخل بتعهده بالسقي والتربية ونشرككم في الثمرة، واتفقوا على ذلك5.
وقد نهى الإسلام عن المحاقلة والمزارعة والمؤاكرة، وذلك لما كان يقع بسببها من خلاف بين المالك والفلاح، وما كان يقع من ظلم في القسمة أو اختلاف على توزيع الحاصل. فلما جاء الرسول إلى "يثرب"، ورأى هذه الخصومات، نهى عن إيجار الأرض وكرائها بقوله:"من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها، فإن لم يفعل فليمسك أرضه"6. وفي رواية أخرى أنه لم "يحرم المزارعة، ولكن قال أن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ شيئًا معلومًا،
1 اللسان "5/ 100 وما بعدها"، "قصر".
2 اللسان "5/ 101"، "قصر".
3 اللسان "11/ 106"، "جدل".
4 تاج العروس "10/ 387"، "ودى".
5 إرشاد الساري "4/ 175".
6 عمدة القارئ "12/ 180 وما بعدها"، تاج العروس "5/ 368"، "زرع".