المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التحكم في الماء: - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ١٣

[جواد علي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثالث عشر

- ‌الفصل الثامن والثمانون: أثر الطبيعة في اقتصاد الجاهليين

- ‌الفصل التاسع والثمانون: الزرع والمزروعات

- ‌مدخل

- ‌التربة:

- ‌الفصل التسعون: الزرع

- ‌مدخل

- ‌الحصاد:

- ‌الفصل الحادي والتسعون: المحاصيل الزراعية

- ‌الحبوب:

- ‌القطنية:

- ‌الكمأ:

- ‌فصيلة اليقطين:

- ‌النبات الشائك:

- ‌الفصل الثاني والتسعون: الشجر

- ‌مدخل

- ‌الجوز:

- ‌اللوز:

- ‌الثمر:

- ‌الأشجار العادية:

- ‌جماعة الشجر:

- ‌الفحم وقطع الشجر:

- ‌آفات زراعية:

- ‌الأسوكة:

- ‌الفصل الثالث والتسعون: المراعي

- ‌مدخل

- ‌الحمض والخلة:

- ‌أصناف الرعاة:

- ‌الرعاة والحضارة:

- ‌الفصل الرابع والتسعون: الثروة الحيوانية

- ‌مدخل

- ‌الطيور:

- ‌تربية النحل:

- ‌الأسماك:

- ‌الفصل الخامس والتسعون: الأرض

- ‌مدخل

- ‌ظهور القرى:

- ‌عقود الوتف:

- ‌الإقطاع:

- ‌الحمى:

- ‌الموات:

- ‌إحياء الموات:

- ‌الماء والكلأ والنار:

- ‌الأرض ملك الآلهة:

- ‌الخليط:

- ‌الفصل السادس والتسعون: الإرواء

- ‌مدخل

- ‌انحباس المطر:

- ‌أنواع السقي:

- ‌المطر:

- ‌الاستفادة من مياه الأمطار:

- ‌الذهب:

- ‌الحياض:

- ‌الأنهار:

- ‌الحسي:

- ‌الآبار:

- ‌العيون:

- ‌الكراف:

- ‌القنى:

- ‌التلاع:

- ‌التحكم في الماء:

- ‌المسايل:

- ‌المصانع:

- ‌السكر:

- ‌الأحباس:

- ‌السدود:

- ‌سد مأرب:

- ‌توزيع الماء:

- ‌حقوق الري:

- ‌الخصومات بسبب الماء:

- ‌الفصل السابع والتسعون: معاملات زراعية

- ‌المحاقلة

- ‌المساقاة:

- ‌إكراء الأرض:

- ‌بيوع زراعية:

- ‌جمعيات زراعية:

- ‌الهروب من الأرض:

- ‌العمري والرقبى:

- ‌العرية:

- ‌الفصل الثامن والتسعون: الحياة الاقتصادية

- ‌مدخل

- ‌التجارة البرية:

- ‌قوافل سبأ:

- ‌الفصل التاسع والتسعون: ركوب البحر

- ‌الفصل المائة: التجارة البحرية

- ‌الفصل الواحد بعد المائة: تجارة مكة

- ‌مدخل

- ‌السلع:

- ‌تجار يثرب:

- ‌فهرس الجزء الثالث عشر:

الفصل: ‌التحكم في الماء:

وقد أغتدي والطير في وكناتها

وماء الندى يجري على كل مذنب1

وإذا انحدر المطر إلى موضع واطئ، قيل إنشل، وانشل السيل وانسل ابتدأ في الاندفاع قبل أن يشتد2.

و"الوشل": ماء يخرج من شاهقة، فيسقط إلى منحدر3. وتوجد الأوشال في الجبال، وفي الشواهق وذكر علماء اللغة أن الوشل الماء القليل يتحلب من جبل أو صخرة، يقطر منه قليلًا قليلًا، أو الماء الكثير، فهو من الأضداد. وفي تهامة جبل يقال له الوشل فيه مياه كثيرة. وقد يقال للقطرات التي تنزل من سقف كهف أو لحف جبل فتجتمع في أسلفه الوشل4.

1 تاج العروس "1/ 255"، "ذنب".

2 تاج العروس "7/ 395"، "شلل".

3 عرام، أسماء جبال تهامة وسكانها "ص397"، "نوادر المخطوطات".

4 تاج العروس "8/ 154"، "وشل".

ص: 200

‌التحكم في الماء:

وللسيطرة على المياه، ولا سيما مياه الأمطار، عمد أهل الجاهلية إلى اتخاذ مختلف الوسائل في التحكم فيها. بعضها بدائية وبعضها راقية تدل على براعة وعلم وفن. منها اتخاذ السدود للهيمنة على الماء، وخزنه للاستفادة منه عند الحاجة، وتوجيهه الجهة التي يريدونها. وقد أظهر العرب الجنوبيون مقدرة كبيرة في الاستفادة من الأمطار ومن مياه الينابيع والأنهار لاستعمالها في الإرواء والشرب والسقي. وتحكم مهندس الإرواء عندهم في الماء وسيطر عليه، لكيلا يذهب هباء، فاستخدم لضبطه الأبواب والفتحات والحواجز والرحاب، ونوع في المجاري وفي مسايل المياه، ليستفيد من الماء قدر إمكانه فلا يفلت منه شيء.

ولم يكن من السهل على حكومات ذلك الزمن السيطرة على مياه السيول والاستفادة منها، فكانت تذهب سدى، بعد أن كانت تصيب الأرض والناس بالأضرار وحين تنحدر هذه السيول من النجاد والجبال والأمكنة المرتفعة، تتحول الأودية فجأة وبسرعة أنهارًا عريضة كبيرة، تسيل مياهها مندفعة هدارة، لكنها لا تلبث

ص: 200

طويلًا، بل تزول وتذهب وتجف الأودية ولا يبقى فيها من الماء شيء، إذ يسيل إلى البحر أو يغور في التربة. وقد اجتهد الجاهليون أن يستفيدوا من هذه السيول فأقاموا السدود على قدر إمكانهم كما فعلوا في سد مأرب وفي سدود أخرى كما يظهر من الآثار، ولكن قدرتهم الفنية والمالية لم تكن من الاتساع والقوة بحيث تساعدهم على السيطرة على السيول.

وقد عثر على آثار سدود في مختلف أنحاء جزيرة العرب. وقد أنشئت في المواضع التي يزورها الغيث وتنهمل عليها الأمطار. وقد تقام لضبط مياه النهيرات والينابيع، لجمعها، ثم إعادة توزيعها. وبعض هذه السدود المندثرة هو اليوم في مناطق صحراوية لا ماء فيها لا بشر، مما يشير إلى أنها كانت مأهولة، ثم عفى على أهلها الدهر، فأهملت وتهدمت.

وبعض هذه السدود، سدود بسيطة، صنعت من تراب أو من تراب وحجارة لمنع ماء المطر من الذهاب عبثًا، فيسد طريقه ويحبس في منخفض أو حوض ليستفاد منه. وقد أمر الرسول بسد ماء السماء في موضع ليستفاد من الماء، فعرف بـ"سد". ويطل جبل "شوران" على السد1. وأمر "معاوية" بسد الوادي الذي يمر بحرة المدينة، فحبس سيله بسد، عرف بسد معاوية فهو يحتبس فيه الماء، يرده الناس بمواشيهم يسقونها2. ويمر على طرف "قدوم" ويصب في "أحد"3. و"قدوم" جبل على ستة أميال من المدينة4.

وتتخذ "المُسُك" لمسك الماء وحبسه، تمنعه من الذهاب عبثًا. كأن تمنعه من أن ينصب في البحر5.

ويقال للسد "عرمن" في العربيات الجنوبية، أي "العرم". فلفظة "العرم" تعني السد عند اليمانيين القدماء، ولم تكن علمًا على سد معين. أعني سد مأرب. وقد وردت في القرآن الكريم في قوله تعالى:{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} 6.

1 عرام، أسماء جبال تهامة "ص425".

2 بلاد العرب "401".

3 البلاذري، فتوح "26".

4 تاج العروس "9/ 20"، "قدم".

5 تاج العروس "7/ 177 وما بعدها"، "مسك"، عرام، أسماء جبال تهامة "397".

6 سورة سبأ، الآية 16.

ص: 201

وفي هذه الآية إشارة إلى حادث انفجار سد مأرب كما يذهب إلى ذلك المفسرون.

وتولت الحكومات في اليمن إنشاء السدود وحفر القنوات والسواقي، وأنفقت على الأعمال من أموالها، وقدمت المواد الغذائية وبعض الأجور إلى العمال. وكانت تطلب إلى سادات القبائل والقرى تقديم الرجال للعمل وتقوم هي بإعاشتهم طوال أيام عملهم، كالذي ورد في نص "أبرهة" عامل الحبشة على اليمن، فقد كان يقدم الطعام إلى العمال لقاء اشتغالهم ببناء السد. وقد ذكر مقدار ما قدمه وما صرفه عليهم من طحين وبر وتمر ولحم وقد يشغل العمال سخرة، فلا تدفع الحكومة أو سيد القبيلة أو الموضع إليهم شيئًا. وقد كانت السخرة شائعة في ذلك العهد، لا في اليمن حسب، بل في العالم القديم كله، فيسخر العمال بتكسير الحجارة واقتلاعها من المحاجر ونقلها إلى الأماكن التي يراد إقامة السدود أو منشآت البناء فيها أو غير ذلك، ثم بإصلاحها وببقية أعمال البناء اللازمة، إلى أن تنجز، وعندئذ يسمح لهم بالانصراف إلى حيث يشاؤون.

وفي الحالات الاضطرارية يحشر الناس حشرًا، كما في الفيضانات المفاجئة التي تنشأ عن السيول. فتحشر الحكومة ورؤساء المدن والعشائر كل من يجدونه أمامهم للعمل على إنشاء الحواجز والسدود وفتح المجاري لمرور المياه لإنقاذ الأرواح والأموال من الكوارث والأضرار.

وقد تتولى المعابد هذه الأعمال، فتصرف عليها من واردها، تعد ذلك هبة أو دينًا تتقاضاه من أصحاب الأرض ومن المستأجرين في المدن والقرى، كما يتولاها أيضًا رؤساء القبائل، بأن يكلفوا القبيلة القيام بذلك العمل، مقابل تعهدهم بتقديم الطعام للمشتغلين به، وقد يكلفونهم ذلك سخرة مستخدمين حق القوة التي يتمتعون بها إن كانوا رؤساء أقوياء.

وفي كتب أهل اللغة والأخبار تعابير عديدة عن سيل السيول، وأثرها في الأرض وجرفها التربة وما عليها، وتفتيتها أشفار الأودية والأماكن التي تنحدر منها وكيفية قلعها الأشجار والصخور1. يظهر منها كلها أن أثر السيول كان شديدًا مؤذيًا، وهو ما زال على أذاه إلى هذا اليوم.

1 المخصص "9/ 126 وما بعدها".

ص: 202