المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الله وخمسمائة راحلة، وكان أكثر ماله من التجارة. وذكروا أنه - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ١٣

[جواد علي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثالث عشر

- ‌الفصل الثامن والثمانون: أثر الطبيعة في اقتصاد الجاهليين

- ‌الفصل التاسع والثمانون: الزرع والمزروعات

- ‌مدخل

- ‌التربة:

- ‌الفصل التسعون: الزرع

- ‌مدخل

- ‌الحصاد:

- ‌الفصل الحادي والتسعون: المحاصيل الزراعية

- ‌الحبوب:

- ‌القطنية:

- ‌الكمأ:

- ‌فصيلة اليقطين:

- ‌النبات الشائك:

- ‌الفصل الثاني والتسعون: الشجر

- ‌مدخل

- ‌الجوز:

- ‌اللوز:

- ‌الثمر:

- ‌الأشجار العادية:

- ‌جماعة الشجر:

- ‌الفحم وقطع الشجر:

- ‌آفات زراعية:

- ‌الأسوكة:

- ‌الفصل الثالث والتسعون: المراعي

- ‌مدخل

- ‌الحمض والخلة:

- ‌أصناف الرعاة:

- ‌الرعاة والحضارة:

- ‌الفصل الرابع والتسعون: الثروة الحيوانية

- ‌مدخل

- ‌الطيور:

- ‌تربية النحل:

- ‌الأسماك:

- ‌الفصل الخامس والتسعون: الأرض

- ‌مدخل

- ‌ظهور القرى:

- ‌عقود الوتف:

- ‌الإقطاع:

- ‌الحمى:

- ‌الموات:

- ‌إحياء الموات:

- ‌الماء والكلأ والنار:

- ‌الأرض ملك الآلهة:

- ‌الخليط:

- ‌الفصل السادس والتسعون: الإرواء

- ‌مدخل

- ‌انحباس المطر:

- ‌أنواع السقي:

- ‌المطر:

- ‌الاستفادة من مياه الأمطار:

- ‌الذهب:

- ‌الحياض:

- ‌الأنهار:

- ‌الحسي:

- ‌الآبار:

- ‌العيون:

- ‌الكراف:

- ‌القنى:

- ‌التلاع:

- ‌التحكم في الماء:

- ‌المسايل:

- ‌المصانع:

- ‌السكر:

- ‌الأحباس:

- ‌السدود:

- ‌سد مأرب:

- ‌توزيع الماء:

- ‌حقوق الري:

- ‌الخصومات بسبب الماء:

- ‌الفصل السابع والتسعون: معاملات زراعية

- ‌المحاقلة

- ‌المساقاة:

- ‌إكراء الأرض:

- ‌بيوع زراعية:

- ‌جمعيات زراعية:

- ‌الهروب من الأرض:

- ‌العمري والرقبى:

- ‌العرية:

- ‌الفصل الثامن والتسعون: الحياة الاقتصادية

- ‌مدخل

- ‌التجارة البرية:

- ‌قوافل سبأ:

- ‌الفصل التاسع والتسعون: ركوب البحر

- ‌الفصل المائة: التجارة البحرية

- ‌الفصل الواحد بعد المائة: تجارة مكة

- ‌مدخل

- ‌السلع:

- ‌تجار يثرب:

- ‌فهرس الجزء الثالث عشر:

الفصل: الله وخمسمائة راحلة، وكان أكثر ماله من التجارة. وذكروا أنه

الله وخمسمائة راحلة، وكان أكثر ماله من التجارة. وذكروا أنه أعتق ثلاثين ألف نسمة وأنه أوصى لكل من شهد بدرًا بأربعمائة دينار، فكانوا مئة رجل1. وذكروا أنه كان تاجرًا مجدودًا في التجارة، وكسب مالًا كثيرًا، وخلف ألف بعير وثلاثة آلاف شاة، ومائة فرس ترعى بالبقيع، وكان يزرع بالجرف على عشرين ناضحًا فكان يدخل منه قوت أهله سنة. وذكروا أنه صالح امرأته التي طلقها في مرضه من ثلث الثمن بثلاثة وثمانين ألفًا، وقيل عن ربع الثمن من ميراثه. ورووا أنه أعتق في يوم واحد ثلاثين عبدًا. وأنه كان يقول:"قد خشيت أن يهلكني كثرة مالي. أنا أكثر قريش كلهم مالًا"2.

وكان "أبو بكر" تاجرًا معروفًا بالتجارة بمكة قبل الإسلام، ولقد بعث النبي وعنده أربعون ألف درهم، ولما أسلم كان يعتق منها ويعول المسلمين، حتى قدم المدينة بخمسة آلاف3.

وكان "طلحة بن عبيد الله بن عثمان" القرشي التيمي، من تجار مكة، ولما قدم المدينة مهاجرًا، أخذ يتاجر مع "الشأم"، وذكر أنه اشترى مالًا بـ"بيسان"، وأن غلته تبلغ ألفًا وافيًا كل يوم. والوافي في وزنه وزن الدينار، وعلى ذلك وزن دراهم الفرس التي تعرف بالبغلية. وقد ساهم في حرب الجمل، التي وقعت سنة ست وثلاثين4.

والزبير من رعيل التجار كذلك، وكان تاجرًا مجدودًا في التجارة، كان له ألف مملوك يؤدون إليه الخراج5، وله أرضون واسعة وأموال طائلة.

1 الإصابة "2/ 408"، "رقم 5181".

2 الاستيعاب "2/ 385 وما بعدها"، "حاشية على الإصابة".

3 الإصابة "2/ 333"، "رقم 4817".

4 الاستيعاب "2/ 210 وما بعدها"، "حاشية على الإصابة".

5 الاستيعاب "1/ 563"، "حاشية على الإصابة".

ص: 311

‌تجار يثرب:

ولم يشتهر أهل "يثرب" في كتب أهل الأخبار بالتجارة، وإنما اشتهروا فيها بالزراعة، ولا سيما بزراعة النخيل. ولكننا نجد أن من بينهم من كان يتاجر مع

ص: 311

بلاد الشأم واليمن، وله أموال شغلها في التجارة، كما أن من بينهم من كان يعطي فضل ماله بالربا للمحتاج إلى المال، وكان منهم من حصل على مال كثير فابتنى له "الأطم" و"الحصون" ليحصن نفسه وماله بها، ولما هاجر المهاجرون إليها، فتعاظم شأن التجارة بها، إذ أخذ المهاجرون والأنصار يتاجرون مع الشأم، فيبيعون ويشترون ويستوردون التجارة إلى المدينة، بقوافل تأتي محملة بالزيوت وبتجارة الشأم إليها، حتى أمر الرسول باتخاذ سوق بها، يتاجر فيه التاجر دون أن يدفع خراجًا، بقوله: هذا سوقكم لا خراج عليكم فيه1. فرفع عن تجار يثرب ما كان يدفعه تجار الأسواق الأخرى من خراج الأعشار.

ويظهر من دراسة وتشريح كتب التفسير والحديث والسير والأخبار. أنه قد كان بين أهل "يثرب" وأهل مكة فروق في أصول التعامل التجاري، فوزن أهل يثرب يختلف عن وزن أهل مكة، وكيلهم يختلف عن كيلهم أيضًا، وتعاملهم في السوق يختلف بعض الاختلاف عن تعامل أهل مكة. ثم هم فوق ذلك يختلفون عن أهل مكة في أنهم أصحاب زرع، وأهل مكة أصحاب تجارة، ولما جاء الرسول إلى المدينة، وجد لهم معاملات تخص أكثرها الزراعة لم تكن معروفة بمكة، فسألهم عنها، وحدد لهم موقف الإسلام منها.

وسبب هذا الاختلاف، هو اختلاف طبيعة المكانين. فمكة بلد غير ذي زرع فقل عندهم التعامل الزراعي، لعدم احتياجهم إليه. أما "يثرب"، فبلد زراعة عيشة أهله على الزراعة واستغلال الأرض، لذلك صار أكثر تعاملهم بأعمال تتعلق بالزراعة وباستغلال الأرض، وبالاشتراك والتعاون في استغلال الملك الفائض على حاجات صاحبه، فظهرت عندهم أعراف زراعية، لم تعرف بمكة. وكانت عندهم بعض حرف، لم تشتهر بمكة. ومن هنا راعى التشريع الإسلامي في التجارة أعراف أهل مكة فيها، وراعى في التشريع الزراعي وفي الحرف، أعراف أهل يثرب في الاثنين.

واقتصاد يثرب اقتصاد زراعي، الإنتاج فيه إنتاج زراعي، ثم حيواني، عماد الإنتاج فيه التمور والخضر، أما اقتصاد مكة، فهو اقتصاد تجاري عماده التجارة القائمة على أساس شراء السلع من الأسواق ونقلها إلى مكة، وتصريفها من هناك

1 البلاذري، فتوح "28".

ص: 312

على أهل مكة ومن حولهم، ونقل الفائض إلى الأسواق الموسمية وأسواق العراق وبلاد الشأم والعربية الجنوبية. فهو اقتصاد لا يعتمد على الإنتاج المحلي ولا على حرف محلية، إنما يقوم على أساس شراء المنتجات الأجنبية من مصادرها بأسعار أعلى، للحصول على الأرباح عن طريق الفرق بين السعرين: سعر الشراء وسعر البيع، أو عن ثمن التوسط في معاملات البيع والشراء.

ويظهر أن أهل يثرب لم يكونوا قد أقبلوا على الزراعة إقبالًا كافيًا، وأن الأرض لم تكن قد استغلت استغلالًا جيدًا، لهذا نجد الرسول بعد هجرته إلى هذه المدينة يحث المسلمين على الإقبال على الزراعة وعلى العمل بها، وعلى استغلال الأرض؛ لأن فيها قوت المسلمين، فأراد بذلك سد النقص الذي كان يجابه أهل المدينة وغيرها في الحبوب وفي أقواتهم الأخرى، وهذا مما أدى إلى إحياء بعض أرضها في أيامه، أحياها أهل يثرب وأحياها بعض المهاجرين.

وكان بعض تجار مكة يمرون بيثرب في طريقهم من مكة إلى بلاد الشأم، وفي عودتهم منها إلى مكة. ولما خرج "هاشم" في عير لقريش فيها تجارات، كان طريقه على المدينة، ثم نزل بسوق النبط، وهي سوق تقوم بها في السنة يحشدون لها، يبيعون ويشترون1. وهي سوق يظهر أنها كانت تقام في موسم معين من السنة، فيتجمع فيها التجار للبيع والشراء. ولما خرج "عبد الله" والد الرسول إلى الشأم إلى غزة في عير من عيرات قريش يحملون تجارات، ففرغوا من تجارتهم ثم انصرفوا، مروا بالمدينة، وبها توفي فدفن هناك، في دار النابغة، وهو رجل من بني عدي بن النجار2.

وقد كان الأنباط يتاجرون مع المدينة، يأتون إليها بـ"الدرمك"، وهو الدقيق الحواري، وهو دقيق أبيض، وبالزيت. وكانوا يأتون إليهم بأخبار الروم3. ولعلهم كانوا يتاجرون في موضع معين من أسواق يثرب، فعرف لذلك بسوق النبط.

وقد نافست "يثرب" مكة في التجارة بعد هجرة الرسول إليها، إذ أخذ المهاجرون يتاجرون منها مع بلاد الشأم والعراق، وصارت القوافل ترد إليها محملة

1 ابن سعد، طبقات "1/ 78".

2 ابن سعد، طبقات "1/ 99".

3 إمتاع الأسماع "1/ 445 وما بعدها".

ص: 313

ببضائع بلاد الشأم، وأخذ الأنصار والمهاجرون يتاجرون معًا في الأسواق، وقد تضخمت هذه التجارة بعد فتح مكة، ودخول القبائل في الإسلام ووصول الصدقات إلى بيت المال في المدينة، فتحسن حال أهل المدينة وصار لهم رأس مال مكنهم من تشغيله في التجارة وفي الزراعة، فاستغلوا أرض يثرب بزرعها زروعًا مختلفة، ثم استغلوا أموالهم هذه في الخارج بعد الفتوح.

وقد نشأت يثرب وتوسعت لوجود الماء بها، وهذا الماء هو الذي صيرها مستوطنة زراعية، كما صير غيرها من المستوطنات العديدة التي تقع في شمالها وتمتد حتى تتصل في فلسطين مستوطنات زراعية منتجة ذات بساتين ومزارع يعتمد في زرعها على العيون والآبار. وكان عماد حاصلها التمر. وقد أحاطت بيثرب هالة من "الحوائط" المغروسة بالنخيل، غرسها سادات يثرب، فصارت من أهم موارد رزقهم، وقد زرعوا بعض الخضر والبقول تحت النحيل، لسد حاجتهم وبيع الفائض منه في الأسواق. ولكبار الملاكين فيها "أطم" يعيشون فيها ويخزنون بها ميراتهم وحاصلهم، ويحتمون بها عند الخطر. وأما سواد الناس، فلهم بيوتهم، وبعضها بيوت ذات طابقين. ولم تكن المدينة مسورة ولا محاطة بخندق على ما يظهر من روايات أهل الأخبار، بل كانت مدينة مكشوفة، إذا داهمها خطر، قام أهلها بسد منافذ طرقها، وبالدفاع عنها من السطوح، وبمقاومته في الأزقة.

وأرض يثرب أرض خصبة كان من الممكن زرعها لو أقبل أهلها على الزراعة، ولكنهم لم يقبلوا عليها إقبالًا تامًّا، بل قام المتمكنون منهم بغرس الأرضين الغنية بالماء، والأرضين التي كان الماء فيها قريبًا من سطح الأرض بحفر الآبار بها، وتركوا الأرضين الأخرى مواتًا لم تزرع. وشغلوا الموالي والرقيق في الزراعة، ولو أجهدوا أنفسهم في استصلاح التربة وفي استنباط الماء، وحبس مياه السيول، لأحيوا بذلك أرضين واسعة. وبدليل أن بعض المهاجرين ممن كانت عندهم رغبة في الزراعة وأموالًا، عملوا في استصلاح أرضين مواتًا حتى أحيوها، وصارت تأتي إليهم بغلات وافرة.

ومن أثرياء يثرب "أحيحة بن الجلاح"، وهو من سادة الأوس1. وهو

1 تاج العروس "2/ 119"، "أحّ".

ص: 314

من أصحاب الأرض، وكان شريفًا في قومه، مات قبل الإسلام. وكانت تحته "سلمى بنت عمرو الخزرجية"، وتزوج "سلمى" بعده "هاشم بن عبد مناف" فولدت له "عبد المطلب" جد النبي1.

وسعد بن عبادة بن دليم، سيد الخزرج، هو من أغنياء يثرب ومن أصحاب الأطم فيها. وكان سيدًا كريمًا مضيافًا، جفنته تدور مع النبي في بيوت أزواجه وكان يأخذ كل ليلة جماعة من أهل الصفة يعيشهم، وكان أهل الحاجة يذهبون إلى أطمه ينالون الشحم واللحم2.

والطائف مصيف أهل مكة ومتمونها من الفواكه والزبيب والعسل والخضر. وقد اشترى أغنياء قريش بها الأملاك والبساتين وشاركوا أهل الطائف في التجارة. وهي بلاد "ثقيف". وثقيف من المتحضرين النشطين الأذكياء. وللطائف قرى، أولها "لقيم"، وآخرها "الوهط". وكان اسمها القديم "وج". ويذكر أهل الأخبار، أن "الطائف"، كانت في الأصل قرية بالشأم، أو قطعة من الجنة التي كانت لأصحاب الصريم، أو باليمن بنواحي صنعاء، فنقلت بدعوة "إبراهيم" إلى الحجاز، لتكون مصيفًا وجنة لأهل مكة. وكانت بغير سور، فلما جاء "الصدف بن الدمون" من حضرموت إلى "وج"، وكان قد أصاب دمًا في قومه، لحق بثقيف وأقام بها، وأقام لهم طوفًا أطاف بوج، فسميت بالطائف منذ ذلك الوقت. ومنهم من يزعم، أنها إنما سميت بذلك؛ لأن "جبريل" لما نقلها من موضعها، طاف بها بالبيت سبعًا، ثم وضعها بموضعها، فعرفت بالطائف3.

وكان أهل الطائف مزارعين، عاشوا على الزراعة، واتخذوها تجارة لهم. زراعة الكروم والفواكه والحبوب. وكسبوا من ذلك مالًا، وكان منهم من اشتغل بدبغ الجلود، وبيع "الأدم" أي الجلود المدبوغة أو تصديرها إلى الخارج، ومنهم من تاجر، وساهم مع تجار مكة في تجارتهم. فتجمع من كل ذلك رأس مال شغله أصحابه في الربا، فكانوا يقرضون المال لمن يحتاج إليه من أهل الطائف ومن غيرهم، لوجود مال فائض عندهم.

1 الإصابة "1/ 37 وما بعدها"، "رقم 55"، المحبر "456".

2 الإصابة "2/ 27 وما بعدها"، "رقم "3173".

3 تاج العروس "6/ 184"، "طوف".

ص: 315

ووجد التجار في كل مكان وجدت فيه أسواق وسلع وتجارة من بلاد العرب في الجاهلية وفي الإسلام، لم تكن تخلو منهم مدينة من المدن أو قرية كبيرة. فسوق الفلج كان سوقًا لبني نزار واليمن1. وبـ"العوسجة" وهي معدن، تجار2. من الجائز أن يكونوا قد تجمعوا في هذا المكان للاتجار بالمعدن الذي يستخرج منه، فكانوا يتعاطون الاتجار بالمعادن.

1 الصفة "160".

2 بلاد العرب "368".

ص: 316