المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الذي يجب أن يشتري منه بالنسبة إلى تجار قتبان وإلى - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ١٣

[جواد علي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثالث عشر

- ‌الفصل الثامن والثمانون: أثر الطبيعة في اقتصاد الجاهليين

- ‌الفصل التاسع والثمانون: الزرع والمزروعات

- ‌مدخل

- ‌التربة:

- ‌الفصل التسعون: الزرع

- ‌مدخل

- ‌الحصاد:

- ‌الفصل الحادي والتسعون: المحاصيل الزراعية

- ‌الحبوب:

- ‌القطنية:

- ‌الكمأ:

- ‌فصيلة اليقطين:

- ‌النبات الشائك:

- ‌الفصل الثاني والتسعون: الشجر

- ‌مدخل

- ‌الجوز:

- ‌اللوز:

- ‌الثمر:

- ‌الأشجار العادية:

- ‌جماعة الشجر:

- ‌الفحم وقطع الشجر:

- ‌آفات زراعية:

- ‌الأسوكة:

- ‌الفصل الثالث والتسعون: المراعي

- ‌مدخل

- ‌الحمض والخلة:

- ‌أصناف الرعاة:

- ‌الرعاة والحضارة:

- ‌الفصل الرابع والتسعون: الثروة الحيوانية

- ‌مدخل

- ‌الطيور:

- ‌تربية النحل:

- ‌الأسماك:

- ‌الفصل الخامس والتسعون: الأرض

- ‌مدخل

- ‌ظهور القرى:

- ‌عقود الوتف:

- ‌الإقطاع:

- ‌الحمى:

- ‌الموات:

- ‌إحياء الموات:

- ‌الماء والكلأ والنار:

- ‌الأرض ملك الآلهة:

- ‌الخليط:

- ‌الفصل السادس والتسعون: الإرواء

- ‌مدخل

- ‌انحباس المطر:

- ‌أنواع السقي:

- ‌المطر:

- ‌الاستفادة من مياه الأمطار:

- ‌الذهب:

- ‌الحياض:

- ‌الأنهار:

- ‌الحسي:

- ‌الآبار:

- ‌العيون:

- ‌الكراف:

- ‌القنى:

- ‌التلاع:

- ‌التحكم في الماء:

- ‌المسايل:

- ‌المصانع:

- ‌السكر:

- ‌الأحباس:

- ‌السدود:

- ‌سد مأرب:

- ‌توزيع الماء:

- ‌حقوق الري:

- ‌الخصومات بسبب الماء:

- ‌الفصل السابع والتسعون: معاملات زراعية

- ‌المحاقلة

- ‌المساقاة:

- ‌إكراء الأرض:

- ‌بيوع زراعية:

- ‌جمعيات زراعية:

- ‌الهروب من الأرض:

- ‌العمري والرقبى:

- ‌العرية:

- ‌الفصل الثامن والتسعون: الحياة الاقتصادية

- ‌مدخل

- ‌التجارة البرية:

- ‌قوافل سبأ:

- ‌الفصل التاسع والتسعون: ركوب البحر

- ‌الفصل المائة: التجارة البحرية

- ‌الفصل الواحد بعد المائة: تجارة مكة

- ‌مدخل

- ‌السلع:

- ‌تجار يثرب:

- ‌فهرس الجزء الثالث عشر:

الفصل: الذي يجب أن يشتري منه بالنسبة إلى تجار قتبان وإلى

الذي يجب أن يشتري منه بالنسبة إلى تجار قتبان وإلى التجار الغرباء عن تمنع.

وقد حدد هذا القانون حقوق الـ"خدر"، أي التاجر النازل والمقيم في إمارة "شمر"، والذي يتجول فيذهب إلى قتبان للاتجار فيها والتسوق من أسواقها، ويذهب إلى قبائلها لبيع ما عنده إليها أو لشراء ما يحتاج إليه من تجارة منها، وعليه أن يفعل ذلك، ولكنه ملزم بأخبار "عهر شمر"، وبذلك، وذلك لتسوية المشكلات والحسابات التي تتولد من المعاملات التجارية. وقد تطرق النص إلى الأضرار التي قد تصيب الأجانب أو القتبانيين، وإلى إحقاق الحقوق، ولهذا وضع الملك هذا الأمر. وجاءت في آخر النص هذه الجملة:"وخمسي ورقم" أي "خمسين ورق"، وقد سقطت كلمات قبلها، فلم يعرف المراد من ذكر هذا الرقم، أقصد وضع تأمينات بهذا القدر المذكور، أم قصد جزاءً يفرض على المخالفين، أو غير ذلك.

وهذه القوانين القتبانية، هي من أقدم وأشهر القوانين التي وصلت إلينا باللهجات العربية القديمة في كيفية تنظيم الاتجار والتعامل في السوق وفي تعيين حقوق الحكومة ونصيبها من الأرباح المتأتية من التجارة. وهي دليل ناطق على مقدار عناية القتبانيين بأمور التجارة بالنسبة لذلك الوقت.

ص: 232

‌التجارة البرية:

والتجارة البرية، هي عماد تجارة الجاهليين، ولا سيما الجاهليين القريبين من الإسلام وسندهم الأول في رخائهم وفي كسب ثرواتهم. وعماد هذه التجارة وسندها القوافل. فقد كان الملوك وسادات القبائل والأشراف يرسلون تجارتهم بقوافل إلى مواضع اتجارهم، فتبيع ما تحمل وتشتري ما تحتاج إليه من تجارة، لتبيعها في مكان آخر بثمن غال، ويكسب أصحاب هذه القوافل كسبًا حسنًا من هذا الاتجار.

والتجارة البرية: إما تجارة داخلية، أي داخل قطر من أقطار جزيرة العرب وبين أقطارها، وإما تجارة خارجية، كانت تتم مع بلاد الشأم والعراق، أي خارج حدود جزيرة العرب في اصطلاح الجغرافيين المسلمين.

وقد أشير في التوراة وفي الكتابات الآشورية والمؤلفات اليونانية واللاتينية إلى

ص: 232

اتجار العرب مع الخارج، كما أشير إلى اتجار الآشوريين والفرس والرومان والروم مع العرب، وإلى طمع الدول الكبرى لعالم ذلك الوقت في جزيرة العرب، نظرًا لما كانوا يسمعونه عن ثرائها وغناها، ولموقعها الجغرافي المهم الذي يقع بين أفريقية وآسية. ويهيمن على المياه الدافئة ذات المنافع الكبيرة بالنسبة للتجارة العالمية في كل وقت وزمان.

والعربية الجنوبية في كتب اليونان والرومان وفي التوراة، بلاد غنية ذات خيرات وثروات وتجارات وأموال، قوافلها تخترق جزيرة العرب إلى بلاد الشأم والعراق، وفي بلادها الذهب والفضة والحجارة الكريمة، تتاجر مع الخارج فتربح بتجارتها هذه كثيرًا، وبذلك اكتنزت المعادن الثمينة المذكورة والأموال النفسية حتى صارت من أغنى شعوب جزيرة العرب.

وفي "المزامير" أن "شبا" ستعطي "الذهب" لملك العبرانيين في جملة الشعوب التي ستخضع له، تقدم له الجزية1. وورد في "أرميا" أن "شبا" كانت ترسل "اللبان" إلى إسرائيل2. وقد ذكروا في سفر "حزقيال" في جملة كبار التجار. كانوا يتاجرون بأفخر أنواع الطيب وبكل حجر كريم وبالذهب3. وأشير في "أيوب" إلى قوافل "شبا" التي كانت تسير نحو الشمال حتى تبلغ إسرائيل4.

وفي هذه الإشارات دلالة على الصلات المستمرة التي كانت بين العبرانيين والسبئيين، وعلى أن السبئيين كانوا هم الذين يذهبون إلى العبرانيين، يحملون إليهم الذهب والأحجار الكريمة والطيب واللبان. فتبيع قوافلهم ما عندها في أسواق فلسطين، ثم تعود حاملة ما تحتاج إليه من حاصلات بلاد الشأم ومصر وفلسطين.

ويظهر من سفر "يوئيل" أن السبئيين كانوا يشترون السبي من فلسطين، من "بني يهوذا"، حيث جاء فيه تهديد لأهل صور وصيدا بأن رب إسرائيل سينتقم منهم جزاء اعتدائهم على الإسرائيليين ونهبهم ذهبهم وفضتهم. وسيجعلهم عبيدًا يباعون في الأسواق إلى السبئيين: "وأبيع بنيكم وبناتكم بيد بني يهوذا

1 المزامير، المزمور الثاني والسبعون، الآية 15.

2 أرمياء، الإصحاح السادس، الآية 20.

3 حزقيال، الإصحاح السابع والعشرون، الآية 22 وما بعدها.

4 أيوب، الإصحاح السادس، الآية 19.

ص: 233

تبيعونهم للسبئيين، لأمة بعيدة؛ لأن الرب قد تكلم". مما يدل على أنهم كانوا من المشترين للرقيق، ينقلونه إلى بلادهم للاستفادة منهم في مختلف نواحي الحياة، يتخذون النساء الجميلات زوجات لهم، ويتخذون البشعات والقويات للخدمة، ويعهدون للرجال بالأعمال المختلفة التي تحتاج إلى ذكاء ومهارة وفن وإتقان، وبأعمال أخرى صناعية وزراعية، وأمثال ذلك.

وقد أشير إلى ثراء السبئيين وامتلاكهم للذهب والفضة في بعض الكتابات الآشورية، فذكر "تغلاتبليزر" الثالث مثلًا أنه أخذ الجزية من السبئيين، أخذها ذهبًا وفضة وإبلًا: جمالًا ونوقًا ولبانًا وبخورًا من جميع الأنواع، كما ذكر "سرجون" أنه أخذ الجزية من "يثع أمر" ملك سبأ، أخذها ذهبًا وخيلًا وجمالًا ومن مصنوعات الجبال1.

وقد سبق لي أن تحدثت عن هذا الموضوع في أثناء حديثي عن صلات الآشوريين مع العرب، وعندي أن هذه الجزية التي دفعت إلى الآشوريين، قد تكون جزية بالمعنى المفهوم من اللفظة، أي نتيجة قهر وإكراه وخضوع لحكم الآشوريين وهزيمة لحلقت بالسبئيين في حرب أو حروب وقعت مع الآشوريين، وقد تكون بمعنى ضريبة دفعها السبئيون إلى الآشوريين في مقابل السماح لهم بالاتجار في أسواق الحكومة الآشورية، فهي ضرائب يدفعها التجار أو تدفعها الحكومات إلى الحكومات الأخرى في مقابل السماح لها بالاتجار معها، وفتح أبواب أسواقها لرعاياها، للبيع والشراء.

وفي كتب اليونان واللاتين تأييد واتفاق تام على ما جاء في التوراة عن ثراء السبئيين، وعن امتلاكهم الذهب والفضة والأحجار الكريمة. وقد بالغت في ذلك مبالغة أخرجتها من حدود الواقع إلى الخيال. فنسبوا لهم استعمال الأثاث المصنوع من الذهب والأواني المستعملة من الذهب والفضة، وغير ذلك مما أخرج وصفهم من حدود المعقول وأدخله في عالم القصص والأساطير.

وقد بالغ "سترابو" في وصف ثراء السبئيين بسبب اتجارهم بنوع من العطور الزكية، دعاها باسم "اللاريم" Larimum وبالمواد الأخرى النفيسة، وذكر أنه كانت "لديهم كميات كبيرة من مصوغات الذهب والفضة، كالأسرة والموائد

1 Hastings، P.842.

ص: 234

الصغيرة، والآنية والكؤوس، أضف إليها فخامة منازلهم الرائعة، فإن الأبواب والجدران والسقوف مختلفة الألوان بما يرصع فيها من العاج والذهب والفضة والحجارة الكريمة"1.

وقد كانت هذه الشهرة من أهم العوامل التي دفعت بالقيصر "أغسطس" إلى إرسال حملته المشهورة المخفقة على اليمن. وهاك ما كتبه المؤرخ "بلينيوس" Pliny عن ثروة العرب وعن تجارتهم، لترى ما كان ماثلًا في مخيلة الرومان واليونان عن العرب. قال: ومن الغرابة أن نقول: إن نصف هذه القبائل التي تفوق الحصر، يشتغل بالتجارة، أو يعيش على النهب وقطع الطرق. والعرب أغنى أمم العالم طرًّا، لتدفق الثروة من روما وبارثيا إليهم، وتكدسها بين أيديهم. فهم يبيعون ما يحصلون عليه من البحر ومن غاباتهم. ولا يشترون شيئًا مقابل ذلك"2.

وقد أشار "بلينيوس" إلى أن المعينيين كانوا يملكون أرضًا غنية خصبة، يكثر فيها النخيل والأشجار، وكان لهم قطعان كثيرة من الماشية، وأن السبئيين كانوا أعظم القبائل ثروة بما تنتجه غاباتهم الغنية بالأشجار من عطور وبما يملكونه من مناجم الذهب والأرضين المزروعة المرواة، وما ينتجونه من العسل وشمع العسل. كما كانوا ينتجون العطور3.

وقد عد "سترابو" العسل في جملة المحصولات التي اشتهرت بها العربية الجنوبية، وذكر أنه كثير جدًّا فيها4.

وقد كان العرب الجنوبيون يتاجرون مع بلاد الشأم، فيرسلون إليها قوافلهم مارة بالحجاز إلى أسواق بلاد الشأم بالطرق البرية التي لا يزال الناس يسلكونها حتى اليوم مع شيء من التحوير والتغيير. وقد عثر على كتابة دونها كبيران شكرا فيها الإله "عثتر"؛ لأنه نجاهما مع قافلتهما من الحرب التي كانت قد وقعت بين "مصر" وبين "مذي"، فوصلا معها سالمين إلى مدينة "قرنو"، أي

1 مجلة المجمع العلمي العراقي "2/ 262"، "1952".

2 مجلة المجمع العلمي العراقي "ج1 م3 ص129".

3 مجلة المجمع العلمي العراقي "الجزء الأول: المجلد الثالث"، "1954م""ص139".

4 مجلة المجمع العلمي العراقي "2/ 247".

ص: 235

عاصمة "معين". وقد ورد أنهما كانا يتاجران مع "مصر" و"ااشر"، أي "آشور"، و"عبر نهرن""عبر نهران"1. وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن هذه الكتابة تشير إلى حرب وقعت فيما بين السنة "220" والسنة "205" قبل الميلاد. أي في عهد "البطالمة"، وأن تلك الحرب كانت بين "الميديين" الذين أشير إليهم بـ"مذى" وبين "البطالمة" الذين أشير إليهم بـ"مصر"؛ لأنهم حكام مصر، أو الحرب التي وقعت فيما بين "السلوقيين" وبين "البطالمة"، والتي أدت إلى الاستيلاء على "غزة" سنة "217" قبل الميلاد. وقد كان العرب الجنوبيون يتاجرون مع هذه المدينة التي تعتبر الميناء الذي يؤدي بالتجار إلى موانئ مصر2.

وقد كانت "البتراء" أي "سلع" Sela، أهم عقدة طرق يمر بها المعينيون والسبئيون. ومنها يتجه طريق نحو البحر الميت، لمن يريد الاتجار مع بلاد الشأم وطريق آخر ينتهي بغزة، لمن يريد الاتجار مع هذا الميناء المهم، الذي بقي العرب يتاجرون معه إلى أيام الرسول. وقد كان "هاشم بن عبد مناف" ممن يتاجر معه، وبه توفي كما تذكر الأخبار.

وقد كان الذهب في رأس السلع التي حملها تجار العرب إلى الآشوريين وحكومات العراق وبلاد الشأم، وفي التوراة ذكر للذهب الذي كان يجلبه العرب إلى العبرانيين، وقد أشرت إلى ما ذكره الكتبة اليونان عن الذهب عند العرب، ولعلهم كانوا يحملون الفضة إليهم كذلك. فقد كانت للفضة مناجم في جزيرة العرب. وقد ورد في أخبار أهل الأخبار أن "أبا سفيان" كان قد حمل فضة كثيرة معه لبيعها في أسواق بلاد الشأم، كما سأتحدث عن ذلك فيما بعد، فلا يستبعد تصدير العرب للفضة لبيعها في تلك الأسواق في ذلك العهد.

أما منتوجات الحديد أو مصنوعات معادن أخرى، فلا نجد لها ذكرًا في قائمة السلع التي كان يحملها التجار العرب إلى الخارج، بل يظهر أن أهل جزيرة العرب، كانوا هم الذين يستوردون مصنوعات المعادن من الخارج إلى جزيرتهم،

1 Rep. Epigr. 3022، J. Pirenne. Paleographie Des Inscriotions Sud-Arabes، I، “1956”، P.211.

2 Die Araber، I، S. 74. F.

ص: 236

فنجد في الأخبار أنهم كانوا يفتخرون بالسيوف الهندوانية، أي المصنوعة بالهند، أو المعمولة من حديد هندي، أو المعمولة على طراز سيوف الهند، وقد عثر المنقبون على مصنوعات معدنية، تبين لديهم أنها من مصنوعات الرومان والروم، مما يدل على أنها قد استوردت من الخارج، أو أن العمال والمشتغلين في الصناعات المعدنية، كانوا قد رأوا تلك النماذج فعملوا على محاكاتها وصنع أمثالها. ونظرًا لتأخر الصناعة عند الجاهليين، وإلى نظرتهم الازدرائية إليها واحتقارهم لمن كان يشتغل بها، فلا يعقل أن تجد مصنوعاتهم المعدنية مكانة لها بين المنتوجات المماثلة لها في الأسواق الخارجية. لهذا اقتصرت صادرات جزيرة العرب إلى الخارج على المواد الخام، المتيسرة في بلاد العرب، أو المستوردة من أفريقية أو من الهند ومن وراء بلاد الهند، وأهما العطور والطيب والجلود.

وكان "الطيب"، من أهم المواد التي تاجر بها العرب الجنوبيون. تاجروا بتصديره إلى خارج العربية الجنوبية إلى بلاد الشأم ومصر والعراق وتاجروا به في الداخل أي في العربية الجنوبية. وفي مواضع أخرى من جزيرة العرب. وقد عرف "الطيب" بـ"طب""طيب" في لغة المسند1. ويستخرج الطيب من أنواع متعددة من الأشجار، ويجلب بعضه من الخارج من الهند وأفريقية، ويصدر إلى مصر وأسواق بلاد الشأم والعراق.

والبخور من المواد الثمينة ذات السعر العالي بالنسبة لتجارة ذلك الوقت. والبخور ما يتبخر به، وثياب مبخرة مطيبة2. وقد كانوا يحرقون البخور في المباخر، ويبخرون به المعابد والأصنام، كما كانوا يبخرون الضيوف، ويطيبون ثيابهم به. ومنه "القسط"، وهو عود هندي يتبخر به، يجاء به من الهند، يجعل في البخور والدواء. ويوجد قسط عربي. وورد "قسط أظفار"، قيل هو ضرب من الطيب، وقيل من العود3. وعندي أنه "قسط ظفار"، نسبة إلى "ظفار" قرب مرباط بالعربية الجنوبية، وتعرف بـ"ظفار الساحل"، نسب إليه العود الذي يتبخر به؛ لأنه يجلب إليها من الهند، ومنها إلى اليمن، كنسبة الرماح إلى "الخلط"، فإنه لا ينبت به، وإنما تجلب من الهند4. وقد أشير

1 Muller، Biblische Studien، Iii، S. 85.

2 تاج العروس "3/ 32"، "بخر".

3 تاج العروس "5/ 205"، "قسط".

4 تاج العروس "3/ 370"، "ظفر".

ص: 237

إلى "العود" في الحديث. ورد: عليكم بالعود الهندي. وقيل هو القسط البحري1.

و"المسك" من أنواع الطيب التي ورد ذكرها في القرآن الكريم2، ويحفظ عادة في قوارير، وهو من الطيب الثمين الذي يباع بأثمان غالية. وكانت العرب تسميه "المشموم"، ويذكر علماء اللغة أن اللفظة معربة، عربت من أصل فارسي هو "مشك"3، ورد في الحديث أطيب الطيب المسك. واستعملوه في الطب، عالجوا به جملة أمراض4.

والعنبر من المواد التي تذكر بعد المسك في العربية، وللأخباريين آراء في أصل العنبر، وأجوده ما يجلب من شحر عمان5.

و"المر"، وهو "امرر" في المسند، من المواد الثمينة الغالية في قائمة المنتجات العربية التي تباع داخل البلاد العربية وخارجها، وقد أقبل العبرانيون والمصريون على استيراده وشرائه لاستعماله في الأغراض الدينية، فاستعمل في المعابد وفي التحنيط، واستعمل في جملة الأجزاء التي تدخل في الدهن المقدس6. وذكر علماء اللغة أن "المر" كالصبر، دواء سمي به لمرارته. وقد عالجوا به جملة أمراض7.

و"الصبر" عصارة شجر مر، وأجوده "السقطرى"، ويعرف أيضًا بالصبارة8.

وأما "القرفة"، فإنها من المواد الثمينة كذلك، وتنبت في جزيرة "سيلان" بصورة خاصة. وتقشر ويستعمل قشرها، أو يستعمل دهنها الحاصل من ثمرها في بعض الأحيان9. ويرى علماء اللغة أن "القرفة" ضرب من "الدار الصيني"، وهو أنواع، منه "الدار صيني" الحقيقي، ومنه المعروف بـ"قرفة القرنفل"10.

1 تاج العروس "2/ 437"، "عود".

2 سورة المطففين، الآية 26.

3 تاج العروس "7/ 176"، "مسك".

4 تاج العروس "7/ 176 وما بعدها"، "مسك".

5 تاج العروس "3/ 126"، "العنبر"، الإشارة إلى محاسن التجارة. "ص19 وما بعدها".

6 قاموس الكتاب المقدس "2/ 326"، Hastings، P.639.

7 تاج العروس "3/ 537"، "مرر".

8 تاج العروس "3/ 325"، "صبر".

9 قاموس الكتاب المقدس "2/ 212"، Hastings، P.786.

10 تاج العروس "6/ 219"، "قرف".

ص: 238

و"القرنفل" من المواد المستوردة من الهند وما وراءها. وقد استعملوه طيبًا، كما عالجوا به، وطيبوا به الأكل. وقد أشير إليه في شعر لامرئ القيس، حيث أشار إلى رائحته الطيبة، وأشير إليه في شعر لعمرو بن كلثوم1.

وقد ذكر "الكافور" في القرآن الكريم: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا} 2. وفي ذلك دلالة على معرفة العرب به ووقوف قريش عليه واستعمالها له. وذكر أن الكافور، طيب، أو أخلاط من الطيب تركب من كافور الطلع، وقيل يكون من شجر بجبال بحر الهند والصين3.

وأما "قصب "الذريرة""، فهو "قليمتن"، أي "القليمة" في المسند، وهو "قصب الطيب"4. و"الذرور" عطر يجاء به من الهند، كالذريرة، وهو ما انتحت من قصب الطيب، وقيل هو نوع من الطيب مجموع من أخلاط. وبه فسر حديث عائشة: طيبت رسول الله لإحرامه بذريرة5.

و"السليخة" نوع من الـCassia، أي قشرة تؤخذ من شجرة القرفة، أو من أشجارها6، وذكر علماء اللغة أن السليخة عطر، وكأنه قشر منسلخ، ودهن ثمر البان قبل أن يربب بأفاويه الطيب، فإذا ربب بالمسك والطيب ثم اعتصر، فهو منشوش، أي اختلط الدهن بروائح الطيب7.

و"الكندر" ضرب من العلك، وقيل هو اللبان، وقد عولج به8. و"اللبان"، مشهور في العربية الجنوبية، وهو من حاصل الهند والعربية الجنوبية وأفريقية، وهو ضرب من الصمغ، وذكر أنه الكندر، وانه يصنع من عصير جملة أنواع من الشجيرات، ويستخرج من عصير يستنبط بشق قشر الشجيرة،

قال عمرو بن كلثوم:

كأن المسك نكهته بفيها

وريح قرنفل والياسمينا

تاج العروس "8/ 79"، "القرنفل".

2 سورة الدهر، الآية5.

3 تاج العروس "3/ 527"، "كفر".

4 قاموس الكتاب المقدس "2/ 216"، Hastings، P.786.

5 تاج العروس "3/ 223"، "ذر".

6 قاموس الكتاب المقدس "2/ 262"، Hastings، P.119.

7 تاج العروس "2/ 262"، "سلخ".

8 تاج العروس "3/ 529"، "الكندر".

ص: 239

وتجفيف العصير. وقد استخدم في المعابد. وأشير في سفري "أشعياء"1، و"أرمياء"2، إلى أن العبرانيين كانوا يستوردونه من "شبا"، أي من أرض "سبأ"، وأشهره من شحر عمان. وأحسنه ما يجمع من موضع تجمعه قبل سقوطه على الأرض، أو تلوثه بمادة غريبة قد تتساقط عليه3.

ولفظة "الكندر" من أصل أعجمي هو Cunduru، وهو من الألفاظ "السنسكريتية"، فيظهر أن الكلمة دخلت العربية من الهند4.

وقد كانت في المعابد مخازن تجمع فيها أصناف الطيب والمر والبخور، وذلك للتصدير والبيع. وقد كانت تقوم بمهمة وسيط في البيع والشراء، تبيع ما تخزنه وتحصل بذلك على عمولة تستفيد منها وتدر عليها أرباحًا طائلة جدًّا، تثري منها وهكذا نجد المعابد وهي تكاد تحتكر تلك المواد وتنفرد ببيعها إلى التجار5.

ويقسم الطيب إلى ذكور الطيب وإلى إناثه. وذكور الطيب ما يصلح للرجال دون النساء نحو المسك والعنبر والعود والكافور والغالية والذريرة. وعرف هذا النوع بـ"ذكارة الطيب". والمؤنث طيب النساء، كالخلوق والزعفران6. وورد أن "الغالية"، طيب عرف في زمن "معاوية"، وذلك أن "عبد الله بن جعفر" دخل عليه ورائحة الطيب تفوح منه، فقال له ما طيبك يا عبد الله؟ فقال: مسك وعنبر جمع بينهما دهن بان. فقال معاوية: غالية أي ذات ثمن غال، وقيل أول من سماها بذلك "سليمان بن عبد الملك"، وإنما سميت؛ لأنها أخلاط تغلي على النار مع بعضها7. والخلوق من طيب النساء، يتخذ من الزعفران وغيره، وتغلب عليه الحمرة والصفرة. وقد نهي عنه؛ لأنه من طيب النساء8.

1 أشعياء، الإصحاح 60، الآية 6.

2 أرمياء، الإصحاح6، الآية2.

3 تاج العروس "9/ 329"، "لبن"، الإشارة إلى محاسن التجارة "ص22".

4 W. Smith، A Dictionary Of The Bible، I، P.633.

5 Rhodokanakis، Stud. Lexi.، I، S. 6.

6 اللسان "4/ 310"، "ذكر".

7 تاج العروس "10/ 270"، "غلى".

8 تاج العروس "6/ 337"، "خلق".

ص: 240