الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جديدة لم تلبث أن شاعت تدريجيًّا في أوساط أخرى، وأخيرًا إلى اتجاه سياق الشعر نحو الاتساع وعدد أبيات القصيدة إلى الازدياد. إن تحليل هذا النمو السريع نسبيًّا، على ضوء ما نعرفه عن المخلفات القديمة ليحملنا على الاعتقاد بأن وضع تأريخ معين يحدد بدء الشعر العربي الفني أمر متعذر، ولكن الغالب على الظن أن أوائل هذا الشعر لا تتخطى أقدم المدونات التي بلغتنا بزمن طويل. وهذا الحكم إنما ينطبق على الطبقة الشعرية الثالثة والأخيرة لا غير. ولئن تعاصرت هذه الطبقات الشعرية الثلاث معًا في الفترة الجاهلية المذكورة، فمن البدهي أنها لم تبرز إلى الوجود في وقت واحد"1.
1 غرونباوم "135وما بعدها".
التمليط:
وهو أن يتساجل الشاعران فيصنع هذا قسيمًا وهذا قسيمًا لينظر أيهما ينقطع قبل صاحبه1، وفي الحكاية أن امرأ القيس قال للتوأم اليشكري: إن كنت شاعرًا كما تقول فملط أنصاف ما أقول فأجزها، قال نعم. فقال امرؤ القيس:
أحار ترى بريقًا هب وهنا
فقال التوأم اليشكري:
كنار مجوس تستعر استعارا
فقال امرؤ القيس:
أرقت له ونام أبو شريح
فقال التوأم:
إذا ما قلت قد هدأ استطارا
فقال امرؤ القيس:
كأن هزيمه بوراء غيث
1 اللسان "7/ 409"، "ملط".
فقال التوأم:
عشار وإله لاقت عشارا
فقال امرؤ القيس:
فلما أن علا كتفي أضاخ
فقال التوأم:
وهت أعجاز رييِّه فحارا
فقال امرؤ القيس:
فلم يترك بذات الشر ظبيًا
وقال التوأم:
ولم يترك بجهلتها حمارا
فلما رآه امرؤ القيس قد ماتنه، ولم يكن في ذلك الحرس من يمانته، آلى ألا ينازع الشعر أحدًا آخر الدهر.
وذكر أن شعر التوأم في هذا التمليط، أقوى من شعر امرئ القيس، لأن امرأ القيس مبتدئ ما شاء، وهو في فسحة مما أراد، والتوأم محكوم عليه بأول البيت، مضطر في القافية التي عليها مدارها جميعًا، ومن ههنا عرف له امرؤ القيس من حق المماتنة ما عرف. ونازع أيضًا علقمة بن عبدة، فكان من غلبة علقمة عليه ما كان1.
والمماتنة المعارضة في جدل أو خصومة، والمباهاة في الجري أو في الشعر، بأن يتماتن شاعران أو أكثر ليتبين أيهم أشعر2.
وقد يمتحن الشعراء بعضهم بعضًا قول الشعر، كأن يقول أحدهم بيتًا أو نصف بيت، ثم يقول لصاحبه: أجز، ليقدم مثله، قيل: قال زهير بن أبي سلمى بيتًا ثم أكدى، ومر به النابغة الذبياني، فقال له: يا أبا أمامة، أجز، قال: ماذا؟ قال:
1 العمدة "1/ 202 وما بعدها"، "2/ 91".
2 تاج العروس "9/ 240"، "متن".
تزال الأرض إما مت خفا
…
وتحيا ما خييت بها ثقيلا
نزلت بمستقر العز منها
…
....................
فماذا قال؟ فأكدى النابغة أيضًا، وأقبل كعب بن زهير، وهو غلام، فقال له أبوه: أجز يا بني، فقال: ماذا؟ فأنشده البيت الأول ومن الثاني قوله: نزلت بمستقر العز منها، فقال كعب:
فنمنع جانبيها أن يزولا1
ومن الإجازة قول حسان بن ثابت:
متاريك أرباب الأمور إذا اعترت
…
أخذنا الفروع واجتنبنا أصولها
وأجبل، فقالت ابنته: يا أبت، ألا أجيز عنك، فقال: أو عندك ذاك؟ قالت: نعم، قال: فافعلي، فقالت:
مقاويل للمعروف خرس عن الخنا
…
كرام يعاطون العشيرة سولها
فحمى حسان عند ذاك، فقال:
وقافية مثل السنان ردفتها
…
تناولت من جو السماء نزولها
فقالت ابنته:
يراها الذي لا ينطق الشعر عنده
…
ويعجز عن أمثالها أن يقولها2
1 أمالي المرتضى "1/ 97 وما بعدها".
2 العمدة "2/ 98".