المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل الحادي والخمسون بعد المئة: العصبية والشعر ‌ ‌مدخل … الفَصْلُ الْحَادِي والخمسونَ بَعْدَ - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ١٧

[جواد علي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد السابع عشر

- ‌الفصل الرابع والأربعون بعد المئة:‌‌ الأعراب والعربيةواللحن

- ‌ الأعراب والعربية

- ‌اللَّحْنُ:

- ‌الفصل الخامس والأربعون بعد المئة: النحو

- ‌الفصل السادس والأربعون بعد المائة: الشعر

- ‌مدخل

- ‌خبر شعراء الجاهلية

- ‌مدخل

- ‌الشَّاعِرُ:

- ‌عَدَدُ الشُّعَرَاءِ:

- ‌إنشاد الشعر

- ‌مدخل

- ‌سُوقُ عُكَاظٍ:

- ‌يَثْرِبُ:

- ‌تَطْوَافُ الشُّعَرَاءِ:

- ‌طِبَاعُ الشُّعَرَاءِ:

- ‌المغلبون:

- ‌بَدْءُ الشَّاعِرِ:

- ‌أَلْقَابُ الشُّعَرَاءِ:

- ‌الشُّهْرَةُ بالشِّعْرِ:

- ‌التَّكَسُّبُ بالشِّعْرِ:

- ‌الْخَمْرُ والشِّعْرُ:

- ‌شَيطَانُ الشَّاعِرِ:

- ‌الفصل السابع والأربعون بعد المائة: حد الشعر

- ‌مدخل

- ‌الْقَدِيمُ وَالْحَدِيثُ:

- ‌الفصل الثامن والأربعون بعد المئة: القريض والرجز والقصيد

- ‌مدخل

- ‌التمليط:

- ‌الفصل التاسع والأربعون بعد المئة: العروض

- ‌الفصل الخمسون بعد المئة: البصرة والكوفة

- ‌الفصل الحادي والخمسون بعد المئة: العصبية والشعر

- ‌مدخل

- ‌نَقْدُ الشِّعْرِ:

- ‌أَشْعَرُ النَّاسِ حيًّا:

- ‌الشِّعْرُ والإِسْلامُ:

- ‌الفصل الثاني والخمسون بعد المئة: تدوين الشعر الجاهلي

- ‌مدخل

- ‌رُوَاةُ الشِّعْرِ:

- ‌الشُّعَرَاءُ الرُّوَاةُ:

- ‌التَّصْحِيفُ والتَّحْرِيفُ:

- ‌الخَلْطُ بينَ الأَشْعَارِ:

- ‌الفصل الثالث والخمسون بعد المئة: أشهر رواة الشعر

- ‌مدخل

- ‌بَعْضُ رُوَاةِ الشِّعْرِ:

- ‌الفصل الرابع والخمسون بعد المئة: تنقيح الشعر والدواوين

- ‌مدخل

- ‌دَوَاوينُ الشِّعْرِ الْجَاهِلي:

- ‌الفصل الخامس والخمسون بعد المئة: الشعر المصنوع

- ‌الفصل السادس والخمسون بعد المئة: أولية الشعر الجاهلي

- ‌مدخل

- ‌تنقل الشعر وانتشاره بين القبائل:

- ‌فِهْرِسُ الْجُزْءِ السَّابِعَ عَشَرَ:

الفصل: ‌ ‌الفصل الحادي والخمسون بعد المئة: العصبية والشعر ‌ ‌مدخل … الفَصْلُ الْحَادِي والخمسونَ بَعْدَ

‌الفصل الحادي والخمسون بعد المئة: العصبية والشعر

‌مدخل

الفَصْلُ الْحَادِي والخمسونَ بَعْدَ المائةِ: العَصَبِيَّةُ والشِّعْرُ

رأيت أن أهل الكوفة كانوا يفضلون بعض الشعراء الجاهليين على غيرهم وأن أهل البصرة كانوا يرجحون غيرهم عليهم، فلا يرون التقدمة لمن اختارهم أهل الكوفة، ورأيت أن أهل الحجاز يقدمون شعراء آخرين على الشعراء الذين قدمهم أهل الكوفة أو أهل البصرة.

وموضوع من هو أشعر شعراء أهل الجاهلية، موضوع تضاربت فيه الآراء كثيرًا، وكثرت فيه الأقوال، لما له من تماس بروح العصبية، والعصبية إذا دخلت قضية أفسدتها. ثم إنه قائم على أحكام الأذواق، وأذواق الناس في الشعر وفي الذوق والتذوق متفاوتة متباينة، ثم هو لا يستند إلى أسس مقررة تعود إلى أيام الجاهلية، كنقد علمي ودراسة عامة شاملة قام بها الجاهليون في أيامهم، وإنما مرجعه أقوال قيل إنها صدرت من خبراء الشعر وعلمائه، لا أدري مقدار ما فيها من صدق أو كذب. وكل ما أستطيع أن أقوله: إنها آراء دونت في الإسلام، وهي مرسلة، محمولة على المبالغة في الاستحسان لقصيدة أو لقطعة أو لبيت، بل ولنصف بيت أحيانًا، وهي تمثل تذواقًا شخصيًّا، لحالة من الحالات، لا لغالب شعر الشاعر وعامة ما روي عنه، ولما فيه من فن وإبداع، ثم إنك تجدها أحيانًا متناقضة متضاربة، تجد رواية تقول إن الشاعر الفلاني، أو عالم الشعر فلان قال: أشعر الناس فلانًا ثم تجد رواية ثانية تذكر أنه قدم شاعرًا آخر محله فجعله أشعر الشعراء، ثم لا تلبث أن تجد رواية ثالثة، تذكر

ص: 228

أنه اختار شاعرًا غيرهما، فجعله أشعر شعراء الجاهلية، وأشعر الناس، فتحتار في أمر هذا التناقض، كيف وقع، وكيف حدث والحاكم رجل واحد؟ هل وقع هذا حقًّا، أو أنه كان من وضع المتعصبين للشعراء، أرادوا تقديم شاعر لهم على سائر الشعراء، فاحتاجوا إلى حجة وسند وإثبات، لإثبات دعواهم، وتأكيدها، فاختلقوا قولا نسبوه إلى عالم معروف وصنع قوم غيرهم مثل ما صنعوا، فاختلقوا قولا نسبوه إلى هذا العالم أيضًا، فمن ثم تعددت الأقوال وتصادمت، فليس للعماء إذن يد في هذا التناقض أو أي ذنب، وإنما الذنب هو ذنب المختلقين الذي دسوا دسهم على العلماء.

وقد لا يكون للاختلاق يد في ظهور هذا التناقض، وإنما سببه، أن شخصًا يسأل عن شاعر، فيخطر بباله خاطر عن شعره، جعله يستعذبه أو يستعذب جزءًا منه، يراه أنه أحسن ما قيل من نحوه، فيرجحه على الجميع، ويحكم من هذه الناحية على أنه أشعر الناس، ثم يمضي وقت، ينسى فيه ما قال، فيسأله أشخاص: من أشعر الناس: فيتخطر خاطرًا، أو يحمله المجلس الذي كان يدور فيه الحديث إذ ذاك على خاطر، يحمله على الحكم بتفوق شاعر آخر، وهكذا ومن هنا كان سبب هذا التناقض والاختلاف في الرأي.

وقد كان من السهل وقوع مثل هذا التناقض، لأن العلم كان بالمشافهة، ولم يكن عن تدوين وقراءة كتب، وكان بالذاكرة والتذكر، وكان حكمهم بنصف البيت وبالبيت وبالقطعة وبالقصيدة، أو بجملة قصائد، لا بمراجعة شعر كل شاعر، وبمقابلته بشعر الشعراء الآخرين، واستنباط ما في مجموع شعر كل شاعر من مزايا، للمقابلة بينهما، ثم الحكم للمتفوق الأجود، فذلك أمر لم يكن من الممكن حدوثه، لعدم وجود التدوين عندهم، ثم إنه لم يكن معروفًا عندهم، فلما وقع التدوين، وأخذ علماء الشعر في التنقير في كل جهة بحثًا عن الشعر وما قيل فيه، ظهر ذلك التناقض وبان، ودون كل ما أمكن تدوينه، بعد أن ضاع من الشعر ومن الآراء التي قيلت عنه ما ضاع، وكانت الخلاصة هذا الواصل إلينا.

وقد أشار أهل الأخبار إلى ما كان للعصبية من أثرها في تفضيل الشعراء بعضهم على بعض: عصبية قبلية، وعصبية محلية، وعصبية منافسة وتراكض على الزعامة. فالقبائل تقدم شعراءها على شعراء غيرها وتجعل في أيديهم ألوية الشعر، وقيادة الشعراء في معارك القصيد، وأهل العصبية إلى عدنان، يقدمون شعر ربيعة وأولهم

ص: 229

المهلهل على غيره، ويرون أنه مفتق الشعر ومهلهله، وأول من قصد القصائد1، وأهل اليمن يرون تقدمة الشعر لليمن، يزعمون أنه بدأ في الجاهلية بامرئ القيس، وفي الإسلام بحسان بن ثابت، وفي المولدين بالحسن بن هانئ، وأصحابه: مسلم بن الوليد، وأبي الشيص، ودعبل، وكلهم من اليمن، وفي الطبقة التي تليهم بالطائيين: حبيب، والبحتري، ويختمون الشعر بأبي الطيب، وهو خاتمة الشعراء لا محالة، ويرجعون نسبه إلى اليمن2.

قال ابن رشيق في "العمدة": "والشعراء أكثر من أن يحاط بهم عددًا، ومنهم مشاهير قد طارت أسماؤهم، وسار شعرهم، وكثر ذكرهم، حتى غلبوا على سائر من كان في أزمانهم، ولكل أحد منهم طائفة تفضله وتتعصب له، وقل ما يجتمع على واحد، إلا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في امرئ القيس: "أنه أشعر الشعراء

"3.

وكان علماء البصرة يقدمون امرأ القيس، أما أهل الكوفة فكانوا يقدمون الأعشى، وأما أهل الحجاز والبادية، فقدموا زهيرًا والنابغة. وكان أهل العالية لا يعدلون بالنابغة أحدًا، كما أن أهل الحجاز لا يعدلون بزهير أحدًا. وهذا ما أتت به الرواية عن يونس بن حبيب النحوي4.

ولكنك إذا تتبعت وأحصيت ما قيل على ألسنة أهل البصرة أو الكوفة أو الحجاز من أقوال، ترى تناقضًا بين هذه الرواية وبين ما حصلت عليه من دراسة تلك الأقوال، تناقضًا ينبئك أن هذا المروي، هو وجهات نظر وآراء أشخاص، ولا يمثل إجماع أهل الكوفة، أو إجماع أهل البصرة ولا إجماع أهل الحجاز، أو إجماع أهل البادية، ثم هو كله آراء وردت في الإسلام، وإن حاولت إرجاع أصلها إلى الجاهلية.

ويذكر من يقدم امرأ القيس على غيره، أن الرسول ذكره يومًا، فقال: "ذلك رجل مذكور في الدنيا، منسي في الآخرة، يجيء يوم القيامة وبيده

1 العمدة "1/ 86 وما بعدها"، "باب تنقل الشعر في القبائل".

2 راجع رأي علماء الشعر في أصل نسب المتنبي، العمدة "1/ 89 وما بعدها".

3 العمدة "1/ 94"، المزهر "2/ 478".

4 ابن سلام، طبقات "16"، العمدة "1/ 98"، المزهر "2/ 482".

ص: 230

لواء الشعراء يقودهم إلى النار"1. أو أنه قال: "إنه أشعر الشعراء، وقائدهم إلى النار. يعني شعراء الجاهلية والمشركين"2.

وروي أن عمر بن الخطاب كان يفضل امرأ القيس على غيره، ذكر أنه قال للعباس بن عبد المطلب، "وقد سأله عن الشعراء: امرؤ القيس سابقهم: خَسَفَ لهم عين الشعر، فافتقر عن معانٍ عور أصح بصر"3. "يريد أنه أول من فتق صناعة الشعر وفنَّن معانيها واحتذى الشعر على مثاله"4. وذكر أن علي بن أبي طالب كان يرى له التقدم على غيره، وذلك بقوله "رأيته أحسنهم نادرة، وأسبقهم بادرة، وأنه لم يقل لرغبة ولا لرهبة"5. فأنت ترى أن الرسول وعمر وعلي، قدَّما امرأ القيس على غيره، وهم من أهل الحجاز. ولكننا نجد في الوقت نفسه رواية تذكر أن ابن عباس قال: قال لي عمر: أنشدني لأشعر شعرائكم. قلت من هو يا أمير المؤمنين؟ قال: زهير، قلت: ولِمَ كان ذلك؟ قال: كان لا يعاضل بين الكلام، ولا يتتبَّع حوشيه، ولا يمدح الرجل إلا بما فيه"6. فهو يفضل في هذه الرواية زهيرًا على غيره، بما فيهم امرئ القيس، إذ لم يشر إليه باستثناء.

تم نجد رواية أخرى تذكر أن عمر بن الخطاب قال: أي شعرائكم يقول:

ولست بمستبق أخا لا تلمه

على شعث أي الرجال المهذب

قالوا: النابغة. قال هو: أشعرهم"7. "وكان أبو بكر رضي الله عنه يقدم النابغة، ويقول: هو أحسنهم شعرًا، وأعذبهم بحرًا، وأبعدهم قعرًا"8. فأبو بكر وعمر في هذا الموقف سواء، فَضَّلا النابغة على سائر الشعراء.

1 بلوغ الأرب "3/ 93"، المزهر "2/ 478".

2 العمدة "1/ 94".

3 العمدة "1/ 94"، الفائق "1/ 343".

4 تاج العروس "3/ 475"، "فقر".

5 العمدة "1/ 41 وما بعدها، 94"، تاج العروس "7/ 412"، "ضلل".

6 طبقات ابن سلام "18"، العمدة "1/ 98"، الفائق "2/ 165"، الشعر والشعراء "1/ 76".

7 ابن سلام، طبقات "17"، السيوطي، شرح شواهد "1/ 79 وما بعدها".

8 العمدة "1/ 95".

ص: 231

ولو استعرضنا رأي الشعراء في أشعر الشعراء، وجدناه غير متفق، فقد يفضل شاعرٌ شاعرًا، وقد يخالفه فيه شاعر آخر، وقد ينسب لشاعر رأي، ثم ينسب له رأي مخالف. سئل "لبيد":"من أشعر الناس؟ قال: الملك الضليل، قيل: ثم من؟ قال: الشاب القتيل، قيل: ثم من؟ قال: الشيخ أبو عقيل -يعني نفسه". و"روى الجمحي أن سائلا سأل الفرزدق: من أشعر الناس؟ قال: ذو القروح، قال: حين يقول ماذا؟ قال: حين يقول:

وقاهم حدهم ببني أبيهم

وبالأشقين ما كان العقاب

وأما دعبل فقدمه بقوله في وصف عقاب:

ويلمَّها من هواء الجو طالبةً

ولا كهذا الذي في الأرض مطلوب

وهذا عنده أشعر بيت قالته العرب"2.

وقد سئل الفرزدق مرة: "من أشعر العرب؟ فقال: بشر بن أبي خازم، قال: بماذا؟ قال: بقوله:

ثوى في ملحدٍ لا بدَّ منه

كفى بالموت نأيًا واغترابا

ثم سئل جرير فقال: بشر بن أبي خازم قال: بماذا؟ قال بقوله

رهينُ بِلَى، وكلُّ فتى سيبلى

فَشُقِّي الجيب وانتحبي انتحابا

فاتفقا على بشر بن أبي خازم كما ترى"3. وقد رأيت أن الفرزدق كان قد سئل السؤال نفسه: من أشعر الناس؟ فأجاب: ذو القروح، أي امرئ القيس. بسبب بيت فوَّقه به على غيره من الشعراء. بينما هو يقدم بشر بن أبي خازم في هذه الرواية. وينسب أهل الأخبار لجرير رواية أخرى تزعم أنه سئل من أشعر الناس، فقال: النابغة4. فخالفت هذه الرواية ما جاء في الرواية الأخرى.

1 العمدة "1/ 95"، المزهر "2/ 479"، ابن سلام، طبقات "16".

2 العمدة "1/ 95"، ابن سلام، طبقات "16"، المزهر "2/ 481".

3 العمدة "1/ 96".

4 العمدة "1/ 97".

ص: 232

"وكتب الحجاج بن يوسف إلى قتيبة بن مسلم يسأله عن أشعر الشعراء في الجاهلية وأشعر شعراء وقته، فقال: أشعر شعراء الجاهلية امرؤ القيس، وأضربهم مثلا طَرَفَة. وأما شعراء الوقت، فالفرزدق أفخرهم، وجرير أهجاهم، والأَخْطَل أوصفهم"1. "وفضل النقاد العرب طَرَفَة على سائر الشعراء بإجادته وصف الناقة في معلقته على نحو لم يسبق إليه، ويميل بعضهم إلى عَدِّه أشعر شعراء الجاهلية"2.

"وقيل لكثير أو لنصيب: من أشعر العرب؟ فقال: امرؤ القيس إذا ركب، وزهير إذا رغب، والنابغة إذا رهب، والأعشى إذا شرب"3. فهو رأي قدم الشعراء المذكورين على غيرهم في حالات معينة، ولم يقدم امرأ القيس على غيره بصورة مطلقة. وزعم ابن أبي الخطاب أن أبا عمرو كان يقول: أشعر الناس أربعة: امرؤ القيس، والنابغة، وطرفة، ومهلهل"4.

"وقالت طائفة من المتعقبين: الشعراء ثلاثة: جاهلي: وإسلامي، ومُوَلَّد، فالجاهلي امرؤ القيس، والإسلامي ذو الرُّمة، والمولد ابن المعتز. وهذا قول من يفضل البديع وبخاصة التشبيه على جميع فنون الشعر"5.

وحجة من قدم امرأ القيس على غيره "أن امرأ القيس لم يتقدم الشعراء لأنه قال ما لم يقولوا، ولكنه سبق إلى أشياء فاستحسنها الشعراء، واتبعوه فيها، لأنه أول من لطف المعاني، ومن استوقف على الطلول، ووصف النساء بالظباء والمها والبيض، وشبه الخيل بالعقبان والعصي، وفرق بين النسيب وما سواه من القصيد، وقرَّب مأخذ الكلام، فقيَّد الأوابد وأجاد الاستعارة والتشبيه""وكان أحسن طبقته تشبيهًا"7.

1 العمدة "1/ 96"، المزهر "2/ 481".

2 بروكلمن "1/ 92".

3 العمدة "1/ 95".

4 العمدة "1/ 97"، المزهر "2/ 481".

5 العمدة "1/ 100".

6 الشعر والشعراء "1/ 478 وما بعدها"، العمدة "1/ 94"، ابن سلام، طبقات "16 وما بعدها"، الرواية ترجع إلى "يونس" وقد دونها ابن سلام وابن قتيبة المتوفى بعده "276هـ"، مع شيء يسير من الاختلاف في النص.

7 ابن سلام، طبقات "16 وما بعدها".

ص: 233

ووجد زهير له أنصارًا وأعوانًا، من المعجبين به في الإسلام بالطبع، قدَّموه على غيره من شعراء الجاهلية. وقد سبق أن شارت إلى رواية زعمت أن عمر فضله على غيره من شعراء أهل الجاهلية1. وذكر أن عكرمة بن جرير سأل أباه جريرًا: من أشعر الناس؟ قال: أعن الجاهلية تسألني أم الإسلام؟ قال: ما أردت إلا الإسلام؟ فإذا ذكرت الجاهلية فأخبرني عن أهلها، قال: زهير شاعرهم"2. وزعم أن ابن عباس سأل الحطيئة عن أشعر الناس، فقال: الذي يقول:

ومن يجعل المعروف من دون عرضه

يفره ون لا يتسق الشَّتمَ يشتمِ

وليس الذي يقول:

ولست بمستبق أخًا لا تلمه

على شعث أي الرجال المهذب

بدونه، ولكن الضراعة أفسدته، كما أفسدت جرولا، والله لولا الجشع لكنت أشعر الماضين، وأما الباقون فلا شك أني أشعرهم. قال ابن عباس: كذلك أنت يا أبا مُلَيكة"3. وقائل البيت الأول زهير، وقائل البيت الثاني هو النابغة.

ولكنَّا نقرأ في رواية أخرى ما يخالف هذا الرأي، نقرأ فيها أن سائلا سأل الحطيئة عن أشعر الناس، فقال أبو دؤاد حيث يقول:

لا أعدُّ الإقتار عدمًا، ولكن

فقد من قد رزئته الإعدام

وهو رأي لم يقبل به أحد من النقاد4. وجعل بعده عُبَيدًا5.

ورجح بعضهم الأعشى على غيره، رجحه الشاعر الأخطل مثلا، فزعم أنه قال:"الأعشى أشعر الناس"6. وكان خلف الأحمر يقول: الأعشى

1 العمدة "1/ 98".

2 العمدة "1/ 96".

3 العمدة "1/ 97"، المزهر "2/ 481".

4 العمدة "1/ 97"، المزهر "2/ 481".

5 الشعر والشعراء "1/ 242"، "دار الثقافة، بيروت".

6 العمدة "1/ 97"، المزهر "2/ 481".

ص: 234

أجمعهم. وقال أبو عمرو بن العلاء مثله مثل البازي يضرب كبير الطير وصغيره، وكان أبو الخطاب الأخفش يقدمه جدًّا، لا يقدِّم عليه أحدًا"1. "وقال بعض متقدمي العلماء: الأعشى أشعر الأربعة"2، والأربعة هم: امرؤ القيس، وزهير، والنابغة، والأعشى، أو زهير، والنابغة، والأعشى، وعنترة3. "حكى الأصمعي عن ابن أبي طرفة: كفاك من الشعراء أربعة: زهير إذا رغب، والنابغة إذا رهب، والأعشى إذا طرب، وعنترة إذا كلب. وزاد قوم: وجرير إذا غضب"، "وقيل لكثير، أو لنصيب، من أشعر العرب؟ فقال: امرؤ القيس إذا ركب، وزهير إذا رغب، والنابغة إذا رهب، والأعشى إذا شرب"4.

وحجة من قدَّم الأعشى، أنه كان "أكثرهم عروضًا وأذهبهم في فنون الشعر، وأكثرهم طويلة جيدة، وأكثرهم مدحًا وهجاءً ونظرًا وصفة كل ذلك عنده"5.

ووجد النابغة من فضله على غيره من شعراء الجاهلية، وفيهم الخليفة أبو بكر الذي كان يقول عنه "هو أحسنهم شعرًا، وأعذبهم بحرًا، وأبعدهم قعرًا"6 و"عمر"7 والشاعر "جرير"8، وحجة من قدم النابغة على غيره أنه:"كان أحسنهم ديباجة عشر، وأكثره رونق كلام، وأذهبهم في فنون الشعر، وأكثرهم طويلة جيدة، ومدحًا، وهجاء، وفخرًا، وصفة"9، و"أجزلهم بيتًا. كان شعره كلام ليس فيه تكلُّف"10.

وزعم أن الكُمَيت كان يقول: "عمرو بن كلثوم أشعر الناس"،

1 العمدة "1/ 95".

2 العمدة "1/ 99".

3 العمدة "1/ 95".

4 العمدة "1/ 95".

5 ابن سلام، طبقات "1/ 18".

6 العمدة "1/ 95".

7 ابن سلام، طبقات "17"

8 "وقال جرير: النابغة أشعر الناس"، المزهر "2/ 481".

9 العمدة "1/ 99".

10 ابن سلام، طبقات "17".

ص: 235

وأن الشاعر ذا الرُّمَّة" فضل لبيدًا على كل الشعراء1.

وكان ابن أبي إسحاق، وهو عالم، ناقد، ومتقدم مشهور، يقول:"أشعر الجاهلية مرقش"، وسأل عبد الملك بن مروان الأخطل: من أشعر الناس؟ فقال: العبد العجلاني، يعني تميم بن أبي مقبل"2، وهو من المخضرمين3، "وقيل لنصيب مرة: من أشعر العرب؟ فقال: أخو تميم، يعني علقمة بن عبدة، وقيل أوس بن حجر، وليس لأحد من الشعراء بعد امرئ القيس، ما لزهير والنابغة، والأعشى في النفوس"4.

وذكر ابن سلام أن أبا عمرو بن العلاء كان يرى أن خداش بن زهير أشعر في قريحة الشعر من لبيد، وأبى الناس إلا تقدمة لبيد. وكان يهجو قريشًا"5. ولعل هذا الهجاء هو الذي جعل الناس يأبون تقديمه في الشعر.

وروي عن الأصمعي، أن أبا عمرو بن العلاء كان يقول:"كان أوس بن حجر فحل العرب، فلما أنشأ النابغة طأطأ منه"، وذكر عنه أيضا، وقد سئل عن النابغة وزهير، أنه قال:"ما كان زهير يصلح أن يكون أخيذًا للنابغة، يعني روايًا عنه". وروي أن أهل البصرة أجمعوا على امرئ القيس وطرفة بن العبد، وأجمع أهل الكوفة على بشر بن أبي خازم والأعشى الهمداني، وأجمع أهل الحجاز على النابغة وزهير6.

وليونس النحوي رأى في أشعر الشعراء، قيل إنه سئل "عن أشعر الناس فقال: لا أومئ إلى رجل بعينه، ولكني أقول: امرؤ القيس إذا غضب، والنابغة إذا رهب، وزهير إذا غضب"7. فربط الشاعرية بحالة من الحالات النفسية. وورد التفضيل على هذا النحو: "أشعر الناس امرؤ القيس إذا ركب،

1 المزهر "2/ 481".

2 العمدة "1/ 97"، ابن سلام، طبقات "16".

3 الشعر والشعراء "1/ 366".

4 العمدة "1/ 97 وما بعدها".

5 ابن سلام، طبقات "32 وما بعدها".

6 السيوطي، شرح شواهد "1/ 80".

7 ياقوت، إرشاد "7/ 310".

ص: 236

وزهير إذا رغب، والنابغة إذا رهب، والأعشى إذا طرب. وكان زهير أجمع الناس للكثير من المعاني في القليل من الألفاظ، وأحسنهم تصرفًا في المدح والحكمة"1.

ترى مما تقدم أن موضوع من كان أشعر شعراء الجاهلية موضوع حساس، لما كان للعصبية وللذوق الشخصي دخل فيه، ثم إنهم لم يكونوا يحكمون من دراسة الكل، أي بدارسة كل ما ينسب إلى الشاعر من شعر، وإنما كانوا ربما حكموا على الشاعر ببيت أو ببيتين، وحكم مثل هذا يمكن أن يتخذ حكمًا علميًّا، أضف إلى ذلك أنهم لم يميزوا بين ما نسب إلى الشاعر من شعر، وبين ما صح له من شعر، ولا يكون الحكم في المثل هذا الأمور حكمًا علميًّا، إلا بدراسة عميقة لشعر كل شعر، بعد تمييز صحيحه من فاسده، ثم مطابقته ومقابلته بشعر الشعراء الآخرين. إلى أمور أخرى من هذا القبيل، يطرقها نقاد الشعر والأدب، بمقاييس ثابتة، أما مقاييس تلك الأيام فقد اختلفت، وخضعت للعواطف والأهواء، والسيوطي على حق حين يقول في هذا الموضع:"وهذا يدلك على اختلاف الأهواء وقلة الاتفاق"2.

وقد يعمد علماء الشعر إلى بيت من شعر، فيجعلونه أحسن بيت قيل في الجاهلية، أو عند العرب، فقد قالوا: أن الاتفاق قد وقع على أن أمدح بيت للجاهلية، هو قول زهير:

نراه إذا ما جئته متهللا

كأنك تعطيه الذي أنت سائلُهُ3

ولكنهم قالوا إن الشاعر "دعبل" قال: إن أمدح بيت قالته العرب في الجاهلية قول أبي الطمحان القيني:

وإن بني أوس بن لأم أرومة

علت فوق صعب لا ترام مراقبه

أضاءت لهم أحسابهم ووجوهم

دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه4

1 بلوغ الأرب "3/ 98".

2 المزهر "2/ 482".

3 بلوغ الأرب "3/ 99".

4 بلوغ الأرب "3/ 128".

ص: 237