الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذي لا يليق بالعالم المتزن أن يحفل به. وقد تفيدنا دراسة شعر القبائل العربية، الناطقة بلهجات بعيدة عن عربيتنا بعض البعد، فائدة كبيرة في الحكم على طبيعة ونوع الشعر عند العرب الجنوبيين قبل الإسلام، فألسنة هذه القبائل هي من وحي الألسنة العربية الجنوبية الجاهلية، ونظم الشعر بها بأسلوب خاص وببحور متميزة، هو دليل قاطع على وجود الشعر عند العرب الجنوبيين، وهو شعر لا نعرف اليوم من أمره أي شيء، لعدم وصول نماذج مدونة منه إلينا حتى الآن، ولعدم اهتمام العلماء القدامى به، لاختلافه عن عربية القرآن الكريم، وفي الشعر اليماني القديم الذي نجد نماذج منه في المؤلفات اليمانية، مثل مؤلفات "الهمداني"، فائدة في تشخيص الشعر اليماني الجاهلي، وإن كان هذا الشعر قد صبغ وفقًا للشعر العربي القرآني، بفعل دخول أهل العربية الجنوبية في الإسلام، وأخذهم بلغة القرآن الكريم.
ولا أستبعد احتمال ترك علماء الشعر واللغة كثيرًا من الشعر الجاهلي، لأنه شعر لم ينظم وفق عربية القرآن الكريم أو وفق البحور "الكلاسيكية" المعروفة التي اعتبرت الصور الرفيعة لبحور الشعر العربي الصحيح، نبذوه لأنه كان في أعينهم من الشعر العامي المبتذل الذي لا يليق بالعالم المدقق توجيه عنايته إليه، على نحو ما فعلوه بالنسبة إلى اللهجات العربية الأخرى التي كانت تختلف عن العربية المألوفة التي أخذوها من أفواه القبائل التي اعتبروا لسانها هو اللسان العربي الفصيح، وأما ما سواها فألسنة رديئة لا يؤخذ بها ولا يحتج بما ورد فيها من نثر أو نظم.
خبر شعراء الجاهلية
مدخل
…
خبرُ شعراءِ الجاهليةِ:
وقد حصلنا على أسماء شعراء الجاهلية من الموارد الإسلامية، فقد ذكرتُ أن النصوص الجاهلية لم تتعرض لأمر الشعر الجاهلي ولا للشعراء الجاهليين. ونجد أسماء هؤلاء الشعراء في مختلف الموارد، في كتب الأدب وفي ضمنها دواوين الشعر، وفي كتب النثر الباحثة عن الشعر، وفي كتب التفسير والحديث واللغة والمعاجم، بل وفي الشعر الجاهلي كذلك، إذ ذكر بعض أسماء الشعراء، ونجد في شعر بعض الشعراء الذين ظهروا في العصر الأموي أسماء شعراء جاهليين، فنجد في شعر للفرزدق أسماء جاهليين، إذ يقول:
وهب القصائد لي النوابغ إذ مضوا
…
وأبو يزيد وذو القروح وجرولُ
والفحل علقمة الذي كانت له
…
حلل الملوك كلامه لا ينحلُ
وآخو بني قيس وهن قتلنه
…
ومهلهل الشعراء ذاك الأولُ
والأعشيان كلاهما ومرقش
…
وأخو قضاعة قوله يتمثلُ
وأخو بني أسد عبيد إذ مضى
…
وأبو داود قوله يتنخل ُ
وابنا أبي سلمى زهير وابنه
…
وابن الفريعة حين جد المقولُ
والجعفري وكان بشر قبله
…
لي من قصائده الكتاب المجملُ
ولقد ورثت لآل أوس منطقًا
…
كالسم خالط جانبيه الحنظلُ
والحارثي أخو الحماس ورثته
…
صدعًا كما صدع الصفاة المعولُ1
ونجد في شعر "جرير" الذي نقض على الفرزدق قصيدته المذكورة، وفي شعر سراقة البارقي، ذكرًا لأسماء بعض الشعراء إذ يقول:
ولقد أصبت من القريض طريقة
…
أعيت مصادرها قرين مهلهل
بعد امرئ القيس المنوه باسمه
…
أيام يهذي بالدَّخول فَحَومَل
وأبو داود كان شاعر أمة
…
أفلت نجومهم ولما يأفل
أبو ذؤيب قد أذل صعابة
…
لا ينصبنَّك رابض لم يذلل
وأرادها حسان يوم تعرضت
…
بردى يصفق بالرحيق السلسل
ثم ابنه من بعده فتمنعت
…
وإخال أن قرينه لم يخذل
وبنو أبي سلمى يقصر سعيهم
…
عنا كما قصرت ذراعًا جرول
وأبو بصير ثم لم يبصر بها
…
إذا حل من وادي القريض بمحفل
واذكر لبيدًا في الفحول وحاتما
…
يلومك الشعراء إن لم تفعل
ومعقِّرًا فاذكر وإن ألوى به
…
ريب المنون وطائر بالأخيل
وأمية البحر الذي في شعره
…
حكم كوحي في الزبور مفصل
واليذمري على تقادم عهده
…
ممن قضيت له قضاء الفيصل
1 ديوان الفرزدق "720". النقائض "1/ 189 وما بعدها".
واقذف أبا الطمحان وسط خوانهم
…
وابن الطرامة شاعر لم يجهلِ
لا والذي حجت قريش بيته
…
لو شئت إذ حدثتكم لم آثل
ما نال بحري منهم من شاعر
…
ممن سمعت به ولا مستعجل1
وجمع رواة الشعر شعر شعراء الجاهليين وأخبارهم من موارد متعددة، من الشعراء أنفسهم، مثل الحطيئة الذي أدرك الإسلام، ومثل حسان وبقية الشعراء المخضرمين، فقد أمدوا الخلفاء وعشاق الشعر بأخبار من تقدم عليهم من الشعراء. وبما حفظوه من شعرهم، وبما استحسنوه من أشعارهم، كما مونوهم بأخبارهم التي بقيت عالقة في أذهانهم عن الجاهلية، وعن أيامهم في الإسلام. كما جمعوا أخبارهم من أبناء الشعراء الجاهليين من ذوي رحمهم وآلهم، ونجد في كتب الأخبار والأدب أخبارًا كثيرة من شعراء جاهليين، نقلها الرواة من أبناء أولئك الشعراء، أو من ذوي قرابتهم، فقد جاء قسط كبير من شعر الشاعر" تميم بن مقبل" عن ابنته أم شريك، وجاء من شعر "حاتم" وأخباره عن ابنه "عدي"2.
وأخذ الرواة شعر الشعراء الجاهليين من قبائلهم كذلك، فقد كان في القبيلة من يحفظ شعر شعرائها أو شعر المبرزين منهم. وقد رأينا كيف استعزت تغلب بقصيدة "عمرو بن كلثوم" فكانت ترددها دومًا حتى عيبت على ذلك3، وكان في القبائل الأخرى من حفظ شعر شعرائها ونجد كتب الأدب والأخبار تنص على أسمائهم فتذكر اسم الشخص، وتنص على اسم قبيلته، وقد تذكر جملا مثل "سمع أشياخًا من طيء"4، أو "حدثني الطائيون"5، وأمثال ذلك، من جمل تنص على اسم المورد الذي استقى منه الراوية خبره أو شعر الشاعر من القبيلة.
ونجد في كتاب طبقات الشعراء لمحمد بن سلام الجمحي "231هـ"، وفي
1 ديوان سراقة "64 وما بعدها".
2 ديوان حاتم "31".
3 الأغاني "11/ 54".
4 المعمرون "72".
5 ديون حاتم "30".