المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

كتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة "276هـ"، أسماء شعراء جاهليين، وقد - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ١٧

[جواد علي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد السابع عشر

- ‌الفصل الرابع والأربعون بعد المئة:‌‌ الأعراب والعربيةواللحن

- ‌ الأعراب والعربية

- ‌اللَّحْنُ:

- ‌الفصل الخامس والأربعون بعد المئة: النحو

- ‌الفصل السادس والأربعون بعد المائة: الشعر

- ‌مدخل

- ‌خبر شعراء الجاهلية

- ‌مدخل

- ‌الشَّاعِرُ:

- ‌عَدَدُ الشُّعَرَاءِ:

- ‌إنشاد الشعر

- ‌مدخل

- ‌سُوقُ عُكَاظٍ:

- ‌يَثْرِبُ:

- ‌تَطْوَافُ الشُّعَرَاءِ:

- ‌طِبَاعُ الشُّعَرَاءِ:

- ‌المغلبون:

- ‌بَدْءُ الشَّاعِرِ:

- ‌أَلْقَابُ الشُّعَرَاءِ:

- ‌الشُّهْرَةُ بالشِّعْرِ:

- ‌التَّكَسُّبُ بالشِّعْرِ:

- ‌الْخَمْرُ والشِّعْرُ:

- ‌شَيطَانُ الشَّاعِرِ:

- ‌الفصل السابع والأربعون بعد المائة: حد الشعر

- ‌مدخل

- ‌الْقَدِيمُ وَالْحَدِيثُ:

- ‌الفصل الثامن والأربعون بعد المئة: القريض والرجز والقصيد

- ‌مدخل

- ‌التمليط:

- ‌الفصل التاسع والأربعون بعد المئة: العروض

- ‌الفصل الخمسون بعد المئة: البصرة والكوفة

- ‌الفصل الحادي والخمسون بعد المئة: العصبية والشعر

- ‌مدخل

- ‌نَقْدُ الشِّعْرِ:

- ‌أَشْعَرُ النَّاسِ حيًّا:

- ‌الشِّعْرُ والإِسْلامُ:

- ‌الفصل الثاني والخمسون بعد المئة: تدوين الشعر الجاهلي

- ‌مدخل

- ‌رُوَاةُ الشِّعْرِ:

- ‌الشُّعَرَاءُ الرُّوَاةُ:

- ‌التَّصْحِيفُ والتَّحْرِيفُ:

- ‌الخَلْطُ بينَ الأَشْعَارِ:

- ‌الفصل الثالث والخمسون بعد المئة: أشهر رواة الشعر

- ‌مدخل

- ‌بَعْضُ رُوَاةِ الشِّعْرِ:

- ‌الفصل الرابع والخمسون بعد المئة: تنقيح الشعر والدواوين

- ‌مدخل

- ‌دَوَاوينُ الشِّعْرِ الْجَاهِلي:

- ‌الفصل الخامس والخمسون بعد المئة: الشعر المصنوع

- ‌الفصل السادس والخمسون بعد المئة: أولية الشعر الجاهلي

- ‌مدخل

- ‌تنقل الشعر وانتشاره بين القبائل:

- ‌فِهْرِسُ الْجُزْءِ السَّابِعَ عَشَرَ:

الفصل: كتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة "276هـ"، أسماء شعراء جاهليين، وقد

كتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة "276هـ"، أسماء شعراء جاهليين، وقد أخذا علمهما بهم ممن تقدم عليهم فألف قبلهم في موضوع الشعر والشعراء، ودوَّن "اليعقوبي" في تأريخه جريدة بأسماء شعراء العرب، وقد جعل أولهم "امرئ القيس"، وذكر النابغة الذبياني بعده، وانتهى بالمخضرمين1، ولكنه لم ينص على اسم المورد الذي أخذ تلك الأسماء منه.

ولا نجد بين أسماء الشعراء الجاهليين اسم شاعر واحد نظم شعره وعاش في العربية الجنوبية أو نظم بلهجة متأثرة باللهجات العربية الجنوبية، فأكثر من ذكروهم من الشعراء إنما هم من الشعراء الذين قضوا أكثر حياتهم خارج العربية الجنوبية، وقد كان في هذه العربية شعراء ولا بد، فليس من المعقول خلوها من الشعر والشعراء، ولكن علماء العربية لم يعتنوا إلا بشعراء القبائل التي احتكوا بها والتي أخذوا العربية عنها، والتي اعتبروا لسانها من أفصح ألسنة العرب، فضاع بسبب ذلك شعر القبائل التي كانت بعيدة عنهم أو التي كان لسانها بعيدا بعض البعد عن العربية التي ارتضوها والتي نزلت بها القرآن الكريم.

ولا نجد في الشعر الجاهلي الواصل إلينا شعرًا نظم في أغراض دينية وثنية، أي في عبادات القوم قبل الإسلام، اللهم إلا ما نسب إلى بعض الشعراء الأحناف من شعر فيه تحنف، وإلا ما نسب إلى بعض آخر من شعر فيه اشارات عابرة إلى عقائد يهودية أو نصرانية، أما شعر وثني خالص، من شعر فيه ترنيم بالأصنام والأوثان، وتحميد لها وتقديس، أو وصف لطقوس دينية وثنية، فهو شعر لم يصل إلينا منه شيء، وسبب عدم وصوله إلينا هو الإسلام، الذي اجتث كل ما يمت إلى الوثنية بصلة قريبة، وقضى عليه، فامتنع المسلمون من رواية هذا النوع من الشعر.

1 اليعقوبي "1/ 230 وما بعدها"، "شعراء العرب".

ص: 77

‌الشَّاعِرُ:

والشاعر متعاطي الشعر ومحترفه ومن يقوله، أو يكثر القول منه. ذكر علماء اللغة أنه إنما سمي شاعرًا، لانه يشعر ما لا يشعر غيره، أي يعلم، أو لفطنته1.

1 تاج العروس "3/ 301"، "شعر". العمدة "1/ 116".

ص: 77

ومن هنا قال البعض أن الشعراء في الجاهلية كانوا أهل المعرفة، يعنون أنهم كانوا من أثقف أهل زمانهم، وأنهم كانوا على مستوى في الفكر والرأي وفي فهم الأمور1.

وجعلوا للشعراء مزايا، ومنحهم العلماء امتيازات خاصة، وقالوا عنهم:"الشعراء أمراء الكلام، يقصرون الممدد، ويمدون المقصور، ويقدمون ويؤخرون، ويؤشرون ويشيرون، ويختلسون ويعيرون ويستعيرون. فأما لحن في إعراب، أو إزالة كلمة عن نهج صواب، فليس لهم ذلك"2.

وفي كتب أهل الأخبار تدل على اعتداد الشعراء بأنفسهم من ناحية الرقي العقلي، وعلى تقدير الناس لمدارك الشعراء. جاء أن "الطفيل الدوسي قدم مكة ورسول الله بها، فحذره رجال من قريش من سماع النبي حتى لا يتأثر بقوله: قال الطفيل: فما زالوا بي حتى أجمعت ألا أسمع منه شيئًا، ثم قلت في نفسي: وا ثكل أمي! والله إني لرجل لبيب شاعر، ما يخفى علي الحسن من القبيح، فما يمنعني من أن أسمع هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الذي يأتي به حسنًا قبلته، وإن كان قبيحا تركته"3، وجاء في خبر آخر، "أن الطفيل لما قدم مكة، ذكر له ناس من قريش أمر النبي صلى الله عليه وسلم وسألوه أن يختبر حاله فأتاه فأنشده شعره، فتلا النبي الإخلاص والمعوذتين فأسلم"4. وفي هذا الخبر أن صح دلالة على تقدير الناس لفطنة الشاعر ولسمو مداركه. وقد رأينا ما كتبه "هوذة بن علي" الحنفي، للرسول من أنه شاعر قومه وسيدهم، ونجد في خبر "جلاس بن سويد" الصامت الأنصاري، أن قومه أتوا عليه "فقالوا: إنك امرؤ شاعر

"5، وفي هذه الأخبار وغيرها دلالة على أن الشعراء كانوا يرون أنفسهم فوق الناس في اللفظة والفهم، وأن الناس كانوا يرون هذا الرأي فيهم، لما يجدونه فيهم من فطنة وذكاء.

1 فجر الإسلام "55 وما بعدها".

2 المزهر "2/ 471".

3 ابن هشام، سيرة "1/ 235"، فجر الإسلام "56".

4 الإصابة "2/ 217"، "رقم4254"، الاستيعاب "2/ 223"، "حاشية على الإصابة".

5 الإصابة "1/ 243"، "رقم1176".

ص: 78

ولا يعني هذا أن الشعراء كانوا كلهم من أرقى الناس عقلا، ومن أفهم الناس إدراكًا، ومن أعلمهم بالأمور وأبصرهم بالمعرفة، فبينهم ولا شك تفاوت في الإدراك، وفي مجتمعهم من هو أرقى منهم عقلا وأكثر منهم إدراكا، وهم مع ذلك لا يقولون الشعر أو لا يمارسونه، مثل الحكام والكهنة، وأصحاب الآراء، وإنما الشعر، ملكة، لا تكون إلا عند صاحب حس مرهف، ولا تظهر إلا في إنسان ذكي فطن لبيب، يذل الألفاظ والأبيات، لتنصاع لإرادته، فيخرجها أبياتًا وقصائد تعبر عن مشاعره ومداركه. فالشاعر من هنا من أذكى الناس، ومن أهل الإدراك والمعرفة.

والشعر ككل المبرزين من طبقات مختلفة تباينت في السويات، منهم من نبت من عائلة شريفة، ومنهم من نبت من عائلة أعرابية، ومنهم من نبغ من بيت فقير. وقد سمى أهل الأخبار شعراء بأسمائهم كانوا من أشراف قومهم، وسموا شعراء كانوا من أوساط أقوامهم، أو من النابتة، فالنبوغ لا يختص بجماعة دون جماعة، ولا بطبقة دون طبقة.

وشعر الشاعر هو دليل عقليته ومقدار مداركه، ولهذا تباين واختلف، فنجد في شعر شعراء البادية الروح الأعرابية والخشونة تتجسم في المعاني وفي الألفاظ، ونجد في شعر الحضر أثر النفس الحضرية، ونرى في شعر الجوابين القاصدين للملوك، والذاهبين إلى الحضر والأعاجم، أثر اختلاطهم بهم في شعرهم، كما هو في شعر الأعشى.

والشعراء الجاهليون، هم من قبائل متعددة ذات لهجات وحروف في الكلام مختلفة، ولكننا نرى أن لغة شعرهم وطريقة نظمهم واحدة، لا فرق فيها بين قحطاني وعدناني، ولا بين شاعر من عرب العراق أو بلاد الشأم وشاعر من أهل اليمن أو الحجاز أو نجد. ومعنى هذا أن الشعراء كانوا إذا نظموا شعرا، نظموه ببحور معروفة مقررة، وبلغة عالية، سمت فوق لهجات القبائل، على نحو ما نفعل في الزمن الحاضر من استعمال لغة عربية فصيحة هي لغة القرآن الكريم في النظم والنثر والإذاعة وما شابه ذلك من وسائل الإيضاح والإعلان، ومن استعمال لهجات محلية في الحياة اليومية الاعتيادية في مثل البيت والسوق والتفاهم بين الناس

ولكن هذا لا يعني أن الشعراء لم يكونوا ينظمون الشعر بألسنتهم القبلية،

ص: 79

ووفق قواعد منطقهم، فقد ثبت من أقوال علماء الشعر، ومن أخبار أهل الأخبار أن الجاهليين كانوا ينظمون بلهجاتهم، وكان نظمهم مفهومًا عند غيرهم، وقد تحتاج الأذن إلى تأمل وتفكير، لإدارك كلمات ومعاني ذلك الشعر. قال "ابن هشام" في شرح الشواهد:"كانت العرب ينشد بعضهم شعر بعض، وكل يتكلم على مقتضى سجيته التي فطر عليها، ومن هنا كثرت الروايات في بعض الأبيات"1. فالشاعر التميمي، ينظم بلهجته، والشاعر الأسدي ينظم بلهجة بني أسد قومه الذين ولد بينهم، والشاعر الثقفي ينظم بلهجة ثقيف، ولكنه إذا أنشده في غير قومه، فهم وعرف معناه، وإن احتيج إلى ترقيع أو تعديل في بعض الأحيان.

ودليل ما أقول: هو ما نجده في شعر الشواهد من اضطراب في القواعد، وخروج على أصول النحو والصرف، وورود ألفاظ في الشعر الجاهلي دعاها علماء اللغة غريبة أو وَحْشِيَّة، أو ألفاظ خاصة ذكروا أنها وردت في شعر الشاعر، لأنها من ألفاظ قبيلته، التي انفردت بها دون سائر القبائل، ولو كان نظم الشعر بغير لغة القبائل، لما شاهدنا فيه هذه الخصائص اللسانية التي وجدها علماء اللغة في شعر بعض الشعراء، ولجاء الشعر كله بلا خصائص قبلية وبلا ألفاظ غريبة، أما وقد صقل العلماء الشعر وحسنوا في بعض ألفاظه، ونقحوا منه ما نقحوه، فإن ذلك دليل في حد ذاته على أن الشعراء كانوا ينظمون الشعر بألسنتهم، وهي غير متباينة تباينًا كبيرًا، فلما ضبطه العلماء، ودونوه، هذبوا ما شذ منه وفق القواعد التي تثبتت في الإسلام، ففي الأخبار أن رواة الشعر، كانوا يجرون تغييرًا في نصوص الشعر، لتحسين الشعر وتصليحه، فقد رووا أن "الأصمعي" رفع لفظة "زنديه" من هذا البيت المنسوب إلى "امرئ القيس":

رب رام بني ثعلٍ

مخرج زنديه من ستره

فجعله كفيه2، ورووا إجراء إصلاحات أخرى، أدخلها علماء اللغة على شعر امرئ القيس وغيره، اقتضتها قواعد الإعراب أو البلاغة والبيان3

1 المزهر "1/ 261"، "النوع السادس عشر".

2 الموشح "22".

3 الموشح "22، 28، 85، 95". مجالس ثعلب "481".

ص: 80

ونجد في "رسالة الغفران" ملاحظة طريفة عن التغيير الذي كان يجريه "المعلمون" في نصوص الشعر، فقد تصور أن "امرئ القيس" قد سئل عن كيفية وجود "الزحاف" في شعره، ثم أجاب على لسانه بقوله: "فيقول امرؤ القيس: أما أنا فما قلت في الجاهلية إلا بزحاف:

لك منهن صالح

وأما المعلمون في الإسلام، فغيَّروه على حسب ما يريدون"1.

وورد أن رواة الشعر كانوا ينقحون حتى في شعر الشعراء الإسلاميين، وحجتهم في ذلك أن "الرواة قديمًا تصلح من أشعار القدماء"2. وقد يقوم بذلك رواة الشاعر نفسه. ورد أن رواة الفرزدق كانوا "يعدلون ما انحرف من شعره"، وأن رواة جرير، فعلوا مثل فعلهم في إصلاح شعر صاحبهم3.

والتصحيح المذكور، وإن كان جزئيًا، تناول ألفاظا في الأكثر، لكنه في الواقع تحريف وتزييف، وتغيير للنصوص وتبديل لها، حرمنا من الوقوف على قواعد اللهجات العربية عند الجاهليين، بسبب أن المعدلين المصححين، لم يشيروا في كثير من الأحايين إلى المواضع التي غيروها وأجروا التصحيح فيها، ولو فعلوا ذلك، لكان الأمر علينا سهلا هينًا، إذ يكون في وسعنا إرجاع الأمور إلى نصابها والوقوف على النصوص، وإن كان عملهم هذا هو عمل مخالف للذمة وللحق، حتى في هذه الحالة، لأن من قواعد الأمانة وجوب المحافظة على الأصل.

وعندي أن اللغة التي نظم بها الشعر الجاهلي هي لغة الأعراب، وهي أصل اللغة العربية، ولغة أهل البوادي والقرى التي غذتها البادية بالسكان، ولهذا قال "الجاحظ":"ومن تمام آلة الشعر أن يكون الشاعر أعرابيًّا"4، دلالة على ما للبادية والبداوة من صلة به. ولهذا أيضًا جعل العلماء مقياس الشعر أن يكون عربيًّا بألفاظ نجدية، أي أعرابية خالصة، وهذه العربية كانت تمتد فتشمل لغة أعراب بادية الشأم، بما في ذلك قرى الفرات العربية، التي جاء سكانها العرب

1 رسالة الغفران "318".

2 الموشح "125".

3 الأغاني "4/ 258".

4 البيان والتبيين "1/ 94".

ص: 81

من البادية. ولهذا أيضًا حفلوا بالشعر الصلب الصلد، المنظوم بألفاظ بدوية صميمة تمثل الغلظة والشدة والمتانة، ولم يميلوا إلى شعر شعراء أهل القرى، لأنه شعر سهل سلس، خال من صلابة البوادي ومن غلظة الشعر الأعرابي.

وشعراء الجاهلية بعد، إما شعراء ظهروا بين أهل الوبر، فهم شعراء أعراب يمثل شعرهم نفس البادية، وطبيعة البداوة وعقليتها، وإما شعر أهل مدر، وهم الحضر، المستقرون، وسكان القرى. ولشعر شعرائهم طابع خاص يمثل الطبيعة الحضرية حسب درجاتها ومراتبها واختلاط أهلها بالأعاجم، أو انعزالهم في مستوطنات حضرية ظهرت في البادية، فمن سافر من شعرائهم واختلط بالأعاجم، وشاهد بلاد الشأم والعراق، تأثر بما شاهده، فبان ذلك الأثر في شعره، كما يظهر ذلك في شعر الأعشى، وعدي بن زيد العبادي، وأمية بن أبي الصلت.

وطبيعي أن يكون بين الشعراء تنافس وتحاسد وتقديم وتأخير وتفضيل. وفي كتب الأدب أمثلة على منافرات ومناظرات جرت بين شعراء، لبيان رأيهم في شعر شعراء آخرين. وطبيعي أيضًا أن يكون بين شعراء الجاهلية كالذي وقع في كل زمان ومكان، شعراء فحول، وشعراء دونهم في المنزلة والدرجة وفي القدرة في الشعر.

وذكر أن شعراء الجاهلية كانوا يتفاخرون بعضهم على بعض، ويتعارضون في قول الشعر، ويمالطون. والممالطة: أن يقول رجل نصف بيت ليتمه الآخر، ويقال لذلك التمليط، وأن يتساجل الشاعران فيصنع هذا قسيمًا وهذا قسيمًا، لينظر أيهما ينقطع قبل صاحبه1، وهو نوع من التفاخر والتنافر والتعجيز وإظهار النفس بالتغلب على المنافس.

وللشعراء بعد منازل في قول الشعر، فمنهم الشاعر الفحل، الذي لا يبارى، ذكر أنهم كانوا لا يسمون الشاعر فحلا، إلا إذا كانت له حكمة. ومنهم الشاعر الخنذيذ. والخنذيذ: الفحل، والشاعر المجيد المفلق، وتطلق اللفظة أيضًا على الخطيب البليغ المفوَّه الْمِصْقَع وعلى العالم بأيام العرب وأشعارهم2. وقيل:

1 العمدة "1/ 202"، "2/ 91"، "مالط فلان فلانًا إذا قال هذا نصف بيت وأتمه الآخر بيتًا، يقال ملط له تمليطًا"، اللسان "7/ 409"، "ملط".

2 تاج العروس "8/ 561"، "الخنذيذ"، المزهر "2/ 489".

ص: 82

الشاعر الخنذيذ، هو الذي يجمع إلى جودة شعره رواية الجيد من شعر غيره، والمفلق، هو الذي لا رواية له، إلى أنه مجود كالخنذيذ في شعره، وقيل: هو الذي يأتي في شعره بالفلق، وهو العجب. ثم يليه الشاعر فقط، وعرفوا الشاعر، أنه الذي لم ينعته علماء الشعر بنعت من هذه النعوت ومن كان فوق الرديء بدرجة. وأما الشعرور، فهو لا شيء، والشويعر، هو من كان دون الشاعر في الشعر1. ويذكرون أن الشعراء أربعة. ذكروا في شعر ينسبه بعضهم إلى الحطيئة، هو:

الشعراء فاعلمن أربعة

فشاعر لا يرتجى لمنفعةْ

وشاعر ينشد وسط المعمعةْ

وشاعر آخر لا يجرى معه

وشاعر يقال خمر في دعه

وقالوا: رابع الشعراء، إزدراء وتحقيرًا:

يا رابع الشعراء كيف هجوتني

وزعمت أني مفحم لا أنطق2

وقسم بعض العلماء الشعراء: ثلاث طبقات: شاعر، وشويعر، وشعرور3.

ورووا: أن امرأ القيس بن حجر أطلق لفظة "الشويعر" على "محمد بن حمران بن أبي حمران"، وهو ممن سمي محمدًا في الجاهلية، وهو شاعر قديم، فقال فيه:

أبلغا عني الشويعر أني

عمد عين نكبتهن حزيما

فسمى بهذا البيت الشويعر4.

قال "الجاحظ": "والشعراء عندهم أربع طبقات. فأولهم: الفحل الخنذيذ. والخنذيذ هو التام. قال الأصمعي: قال رؤبة: الفحولة هم الرواة. ودون الفحل

1 العمدة "1/ 114 وما بعدها".

2 العمدة "1/ 114 وما بعدها"، البيان والتبيين "2/ 9"، المزهر "2/ 490 وما بعدها".

3 البيان والتبيين "2/ 10"، الخزانة "1/ 130".

4 البيان والتبيين "2/ 10" الآمدي، المؤتلف "141"، السيوطي، شرح شواهد "1/ 26".

ص: 83