الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ، كَأَنْ تَكُونَ نَزَّةً - لَا تُمْسِكُ الْمَاءَ - أَوْ سَبِخَةً، لِعَدَمِ الاِنْتِفَاعِ بِهَا فِي الزِّرَاعَةِ، وَلأَِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه لَمْ يُدْخِلْهَا فِي الْوَقْفِ، وَلَمْ يَفْرِضْ عَلَيْهَا الْخَرَاجَ. (1)
رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَال: وَضَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَلَى أَهْل السَّوَادِ عَلَى كُل جَرِيبٍ (2) عَامِرٍ أَوْ غَامِرٍ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا، وَعَلَى جَرِيبِ الرَّطْبَةِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَخَمْسَةَ أَقْفِزَةٍ، وَعَلَى جَرِيبِ الشَّجَرَةِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَعَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ (3) .
وَقَدْ عَلَّقَ أَبُو عُبَيْدٍ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ: (وَفِي تَأْوِيل حَدِيثِ عُمَرَ مِنَ الْعِلْمِ أَنَّهُ جَعَل الْخَرَاجَ عَلَى الأَْرَضِينَ الَّتِي تُغِل مِنْ ذَوَاتِ الْحَبِّ وَالثِّمَارِ، وَالَّتِي تَصْلُحُ لِلْغَلَّةِ مِنَ الْعَامِرِ وَالْغَامِرِ، وَعَطَّل مِنْ ذَلِكَ الْمَسَاكِنَ وَالدُّورَ الَّتِي هِيَ مَنَازِلُهُمْ فَلَمْ يَجْعَل عَلَيْهَا فِيهَا شَيْئًا) . (4)
(1) الكاساني: البدائع 2 / 933، المبسوط للسرخسي 10 / 79، حاشية الدسوقي 2 / 198، الصاوي: بلغة السالك - دار الباز بمكة المكرمة 1 / 361، حاشية الشرقاوي 1 / 422، دار المعرفة ببيروت، النهاية للرملي 8 / 74، كشاف القناع للبهوتي 3 / 98، والمبدع لابن مفلح 3 / 382 - المكتب الإسلامي ببيروت، الأحكام السلطانية للفراء ص 169.
(2)
الجريب: الوادي، ثم استعير للقطعة المتميزة من الأرض، ويختلف مقداره بحسب اصطلاح كل إقليم، فقيل: إنه عشرة آلاف ذراع مربع، وقيل ثلاثة آلاف وستمائة ذراع مربع.
(3)
الأموال لأبي عبيد ص 98.
(4)
نفس المرجع ص 102.
وَلأَِنَّ الْخَرَاجَ بِمَثَابَةِ أُجْرَةِ الأَْرْضِ وَمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لَا أَجْرَ لَهُ.
انْتِقَال الأَْرْضِ الْعُشْرِيَّةِ إِلَى الذِّمِّيِّ، وَمَا يَجِبُ فِيهَا:
23 -
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى جَوَازِ بَيْعِ الأَْرْضِ الْعُشْرِيَّةِ مِنَ الذِّمِّيِّ، إِلَاّ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ قَالُوا بِالْجَوَازِ مَعَ الْكَرَاهَةِ لإِِفْضَائِهِ إِلَى إِسْقَاطِ عُشْرِ الْخَارِجِ مِنْهَا.
وَاسْتَدَلُّوا لِمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الأَْرْضِ الْعُشْرِيَّةِ لِلذِّمِّيِّ؛ بِأَنَّهَا مَالٌ مَمْلُوكٌ لِلْمُسْلِمِ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ بَيْعِهِ لِلذِّمِّيِّ أَوْ غَيْرِهِ.
وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى مَنْعِ الْمُسْلِمِ مِنْ بَيْعِهَا إِلَى الذِّمِّيِّ؛ لأَِنَّ بِانْتِقَالِهَا إِلَى الذِّمِّيِّ يَسْقُطُ الْعُشْرُ فَيَتَضَرَّرُ الْفُقَرَاءُ. (1)
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْوَظِيفَةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَى أَهْل الذِّمَّةِ إِذَا تَمَلَّكُوا الأَْرْضَ الْعُشْرِيَّةَ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الرِّوَايَةِ الرَّاجِحَةِ عِنْدَهُمْ، وَالثَّوْرِيُّ، وَشَرِيكٌ وَأَبُو عُبَيْدٍ إِلَى أَنَّ الأَْرْضَ لَا تَصِيرُ خَرَاجِيَّةً بِمُجَرَّدِ انْتِقَالِهَا إِلَى
(1) الكمال بن الهمام: فتح القدير 5 / 280، الفتاوى الهندية 2 / 240، دار إحياء التراث العربي ببيروت ط 3 - 1400هـ 1980 م. الأحكام السلطانية للماوردي ص 119، المغني لابن قدامة 2 / 729.
الذِّمِّيِّ وَلَا يُفْرَضُ عَلَيْهَا عُشْرٌ، وَلَا خَرَاجٌ لِفَقْدِ مُوجِبِهِمَا.
فَالْخَرَاجُ يَجِبُ عَلَى الأَْرْضِ الَّتِي خَضَعَتْ لِلْمُسْلِمِينَ بِالْغَلَبَةِ، أَوِ الصُّلْحِ وَلَا يَجِبُ بِالْبَيْعِ وَلَا بِمُجَرَّدِ انْتِقَالِهَا إِلَى ذِمِّيٍّ.
وَالْعُشْرُ يَجِبُ فِي الْخَارِجِ مِنَ الأَْرْضِ الْعُشْرِيَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الذِّمِّيِّ؛ لأَِنَّ الْعُشْرَ عِبَادَةٌ، وَالذِّمِّيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا.
كَمَا قَاسُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى مَسْأَلَةِ انْتِقَال الْحَيَوَانَاتِ السَّائِمَةِ إِلَى الذِّمِّيِّ فَكَمَا تَسْقُطُ زَكَاةُ السَّائِمَةِ بِانْتِقَالِهَا إِلَى الذِّمِّيِّ، يَسْقُطُ الْعُشْرُ عَنِ الأَْرْضِ الْعُشْرِيَّةِ بِانْتِقَالِهَا إِلَى الذِّمِّيِّ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ إِلَى أَنَّهَا تَصِيرُ خَرَاجِيَّةً، وَيُؤْخَذُ مِنَ الذِّمِّيِّ الَّذِي انْتَقَلَتْ إِلَيْهِ الْخَرَاجُ لَا الْعُشْرُ؛ لأَِنَّ الْعُشْرَ فِي مَعْنَى الْعِبَادَةِ، وَالذِّمِّيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُشْرُ كَمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ الْمَعْهُودَةُ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً. وَإِذَا تَعَذَّرَ إِيجَابُ الْعُشْرِ وَجَبَ الْخَرَاجُ إِذْ لَا بُدَّ مِنْ فَرْضِ وَظِيفَةٍ عَلَى الأَْرْضِ فِي دَارِ الإِْسْلَامِ.
وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي وَقْتِ صَيْرُورَتِهَا خَرَاجِيَّةً، فَفِي رِوَايَةٍ تَصِيرُ خَرَاجِيَّةً بِالشِّرَاءِ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَا تَصِيرُ خَرَاجِيَّةً مَا لَمْ يُوضَعْ عَلَيْهَا الْخَرَاجُ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ الْخَرَاجُ إِذَا مَضَتْ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ مُدَّةٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا، سَوَاءٌ زَرَعَ أَمْ لَمْ يَزْرَعْ.
وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّهَا تُعْتَبَرُ خَرَاجِيَّةً وَيُؤْخَذُ مِنَ الذِّمِّيِّ الْعُشْرُ مُضَاعَفًا، كَمَا فَعَل عُمَرُ رضي الله عنه مَعَ نَصَارَى تَغْلِبَ. وَلأَِنَّ انْتِقَالَهَا إِلَى الذِّمِّيِّ يُؤَدِّي إِلَى إِسْقَاطِ الْعُشْرِ، وَهَذَا يُؤَدِّي إِلَى الإِْضْرَارِ بِالْفُقَرَاءِ، فَإِذَا تَعَرَّضَ أَهْل الذِّمَّةِ لِذَلِكَ ضُوعِفَ عَلَيْهِمُ الْعُشْرُ كَمَا لَوْ اتَّجَرُوا بِأَمْوَالِهِمْ إِلَى غَيْرِ بَلَدِهِمْ ضُوعِفَتْ عَلَيْهِمُ الزَّكَاةُ فَأُخِذَ مِنْهُمْ نِصْفُ الْعُشْرِ. وَيُوضَعُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ مَوْضِعَ الْخَرَاجِ.
وَذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ إِلَى أَنَّهَا تَبْقَى عُشْرِيَّةً، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ سِوَى الْعُشْرِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الأَْصْل أَنَّ كُل أَرْضٍ ابْتَدَأَتْ بِضَرْبِ حَقٍّ عَلَيْهَا لَا يَتَبَدَّل الْحَقُّ بِتَبَدُّل الْمَالِكِ، كَالْخَرَاجِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَئُونَةُ الأَْرْضِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَالِكِ، حَتَّى يَجِبَ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ، فَلَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَالِكِ.
وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي مَوْضِعِ الْمَأْخُوذِ وَمَصْرِفِهِ، فَقِيل: يُوضَعُ مَوْضِعَ الصَّدَقَةِ لأَِنَّهُ قَدْرُ الْوَاجِبِ لَمْ يَتَغَيَّرْ عِنْدَهُ، فَلَمْ تَتَغَيَّرْ صِفَتُهُ أَيْضًا.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يُوضَعُ مَوْضِعَ الْخَرَاجِ، لأَِنَّ مَال الصَّدَقَةِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ لِكَوْنِهِ مَالاً مَأْخُوذًا مِنْ كَافِرٍ، فَيُوضَعُ مَوْضِعَ الْخَرَاجِ.
وَذَهَبَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إِلَى وُجُوبِ الْعُشْرِ