الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حُكْمُ التَّقْبِيل " التَّضْمِينِ
":
56 -
لَمْ يَرْتَضِ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ هَذَا النِّظَامَ وَاعْتَبَرُوهُ بَاطِلاً غَيْرَ مَشْرُوعٍ. وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ. (1) قَال الْمَاوَرْدِيُّ: فَأَمَّا تَضْمِينُ الْعُمَّال لأَِمْوَال الْعُشْرِ، وَالْخَرَاجِ، فَبَاطِلٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي الشَّرْعِ حُكْمٌ. (2)
وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ - بِسَنَدِهِ - إِلَى جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنه يَقُول: الْقَبَالَاتُ رِبًا وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَال: الْقَبَالَاتُ حَرَامٌ (3) قَال أَحْمَدُ: هُوَ أَنْ يَتَقَبَّل بِالْقَرْيَةِ وَفِيهَا الْعُلُوجُ وَالنَّخْل، وَمَعْنَاهُ حُكْمُهُ حُكْمُ الرِّبَا (4) وَقَالُوا: يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا النِّظَامِ الظُّلْمُ وَالْعَسْفُ، وَخَرَابُ الدِّيَارِ. وَقَدْ كَتَبَ أَبُو يُوسُفَ إِلَى هَارُونَ الرَّشِيدِ يُحَذِّرُهُ مِنْ تَطْبِيقِ هَذَا النِّظَامِ مَا نَصُّهُ: وَرَأَيْتُ أَنْ لَا تَقْبَل شَيْئًا مِنَ السَّوَادِ وَلَا غَيْرِ السَّوَادِ مِنَ الْبِلَادِ، فَإِنَّ الْمُتَقَبِّل إِذَا كَانَ فِي قَبَالَتِهِ فَضْلٌ عَنِ الْخَرَاجِ، عَسَفَ بِأَهْل الْخَرَاجِ وَحَمَّل عَلَيْهِمْ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ،
(1) أبو يعلى: الأحكام السلطانية ص 186، أبو يوسف: الخراج ص 105، أبو عبيد: الأموال ص 100، الماوردي: الأحكام السلطانية ص 176.
(2)
الماوردي: المرجع السابق.
(3)
أبو عبيد: المرجع السابق.
(4)
الفراء: المرجع السابق.
وَظَلَمَهُمْ، وَأَخَذَهُمْ بِمَا يُجْحِفُ بِهِمْ لِيَسْلَمَ مِمَّا دَخَل فِيهِ، وَفِي ذَلِكَ وَأَمْثَالِهِ خَرَابُ الْبِلَادِ وَهَلَاكُ الرَّعِيَّةِ.
وَالْمُتَقَبِّل لَا يُبَالِي بِهَلَاكِهِمْ بِصَلَاحِ أَمْرِهِ فِي قَبَالَتِهِ، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَفْضِل بَعْدَ أَنْ يَتَقَبَّل بِهِ فَضْلاً كَثِيرًا، وَلَيْسَ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إِلَاّ بِشِدَّةٍ مِنْهُ عَلَى الرَّعِيَّةِ وَضَرْبٍ لَهُمْ شَدِيدٍ، وَإِقَامَتِهِ لَهُمْ فِي الشَّمْسِ وَتَعْلِيقِ الْحِجَارَةِ فِي الأَْعْنَاقِ، وَعَذَابٍ عَظِيمٍ يَنَال أَهْل الْخَرَاجِ مِمَّا لَيْسَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا أَكْرَهُ الْقَبَالَةَ، لأَِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَحْمِل هَذَا الْمُتَقَبِّل عَلَى أَهْل الْخَرَاجِ مَا لَيْسَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ، فَيُعَامِلَهُمْ بِمَا وَصَفْتُ لَكَ فَيَضُرَّ ذَلِكَ بِهِمْ فَيُخَرِّبُوا مَا عَمَّرُوا، وَيَدَعُوهُ فَيَنْكَسِرَ الْخَرَاجُ. (1)
وَالأَْصْل فِي كَرَاهَتِهِ هَذَا أَنَّهُ بَيْعُ ثَمَرٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ، وَلَمْ يُخْلَقْ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ، فَأَمَّا الْمُعَامَلَةُ عَلَى الثُّلُثِ، وَالرُّبُعِ، وَكِرَاءُ الأَْرْضِ الْبَيْضَاءِ، فَلَيْسَتَا مِنَ الْقَبَالَاتِ وَلَا يَدْخُلَانِ فِيهِمَا، وَقَدْ رُخِّصَ فِي هَذَيْنِ، وَلَا نَعْلَمُ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَةِ الْقَبَالَةِ.
فَإِذَا أَمِنَ الإِْمَامُ عَدَمَ الظُّلْمِ، وَالْجَوْرِ، وَالْعَسْفِ وَرَضِيَ أَهْل الْخَرَاجِ بِهَذَا النِّظَامِ، فَقَدْ قَال أَبُو يُوسُفَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ جَاءَ أَهْل طَسُّوجٍ - نَاحِيَةٍ - أَوْ مِصْرٍ مِنَ الأَْمْصَارِ وَمَعَهُمْ
(1) أبو يوسف: الخراج ص 105 - 106.