الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرَّجُل فِي صَنْعَتِهِ أَيْ مَهَرَ فِيهَا، وَعَرَفَ غَوَامِضَهَا وَوَقَائِعَهَا (1) .
فَالْحِذْقُ يُسْتَعْمَل فِي الْمَهَارَةِ فِي الصَّنْعَةِ غَالِبًا، وَهُوَ لِهَذَا الاِعْتِبَارِ أَخَصُّ مِنَ الْخِبْرَةِ
وَ - الْفِرَاسَةُ:
8 -
الْفِرَاسَةُ بِكَسْرِ الْفَاءِ هِيَ التَّثَبُّتُ وَالتَّأَمُّل لِلشَّيْءِ وَالْبَصَرُ بِهِ، يُقَال: إِنَّهُ لَفَارِسٌ بِهَذَا الأَْمْرِ إِذَا كَانَ عَالِمًا بِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ: اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ. (2)
وَيَقُول ابْنُ الأَْثِيرِ: الْفِرَاسَةُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ بِإِلْهَامٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ تُتَعَلَّمُ بِالدَّلَائِل وَالتَّجَارِبِ وَالْخُلُقِ وَالأَْخْلَاقِ فَتُعْرَفُ بِهِ أَحْوَال النَّاسِ. يَقُول ابْنُ فَرْحُونَ: الْفِرَاسَةُ نَاشِئَةٌ عَنْ جَوْدَةِ الْقَرِيحَةِ وَحِدَّةِ النَّظَرِ وَصَفَاءِ الْفِكْرِ (3) .
فَهِيَ بِهَذَا الْمَعْنَى قَرِيبَةٌ لِمَعْنَى الْخِبْرَةِ.
حُكْمُ الْخِبْرَةِ:
9 -
تَكَلَّمَ الْفُقَهَاءُ عَنِ الْخِبْرَةِ وَاعْتَمَدُوا عَلَى قَوْل أَهْل الْخِبْرَةِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَْحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ وَيَخْتَلِفُ حُكْمُهَا تَبَعًا لِمَوْطِنِهَا.
وَفِيمَا يَلِي بَيَانُهَا:
(1) الصحاح والمصباح المنير في المادة.
(2)
حديث: " اتقوا فراسة المؤمن " أخرجه الترمذي (5 / 298 - ط الحلبي) من حديث أبي سعيد الخدري، وضعف إسناده المناوي في فيض القدير (1 / 144 - ط المكتبة التجارية) .
(3)
لسان العرب مادة: (فرس) ، وتبصرة الحكام 2 / 119.
الْخِبْرَةُ فِي التَّزْكِيَةِ:
10 -
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا لَمْ يَعْرِفْ حَال الشُّهُودِ يَجِبُ أَنْ يَطْلُبَ مَنْ يُزَكِّيهِمْ عِنْدَهُ لِيَعْلَمَ عَدَالَتَهُمْ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (1) وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ تَزْكِيَةَ السِّرِّ ضَرُورِيَّةٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. وَيَرَى بَعْضُهُمْ تَزْكِيَةَ الشَّاهِدِ، التَّزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةُ أَيْضًا.
وَتَزْكِيَةُ الشُّهُودِ تَكُونُ بِاخْتِيَارِ الْقَاضِي مَنْ هُمْ أَوْثَقُ النَّاسِ عِنْدَهُ، وَأَوْرَعُهُمْ دِيَانَةً، وَأَدْرَاهُمْ بِالْمَسْأَلَةِ وَأَكْثَرُهُمْ خِبْرَةً، وَأَعْلَمُهُمْ بِالتَّمْيِيزِ فِطْنَةً، فَيَكْتُبُ لَهُمْ أَسْمَاءَ وَأَوْصَافَ الشُّهُودِ، وَيُكَلِّفُهُمْ تَعَرُّفَ أَحْوَالِهِمْ مِمَّنْ يَعْرِفُهُمْ مِنْ أَهْل الثِّقَةِ وَالأَْمَانَةِ، وَجِيرَانِهِمْ وَمُؤْتَمَنِي أَهَالِي مَحَلَّتِهِمْ، وَأَهْل الْخِبْرَةِ بِهِمْ، وَمِمَّنْ يُنْسَبُونَ إِلَيْهِ مِنْ مُعْتَمَدِي أَهْل صَنْعَتِهِمْ (أَيْ نَقِيبِ الْحِرْفَةِ مَثَلاً) . فَإِذَا كَتَبُوا تَحْتَ اسْمِ كُلٍّ مِنْهُمْ:(عَدْلٌ، وَمَقْبُول الشَّهَادَةِ) يُحْكَمُ بِشَهَادَتِهِمْ وَإِلَاّ فَلَا (2) .
وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْمُزَكِّيَ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَعْرِفَةُ أَسْبَابِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيل، وَمَعْرِفَةُ خِبْرَةِ بَاطِنِ مَنْ يُعَدِّلُهُ، لِخِبْرَةٍ، أَوْ جِوَارٍ، أَوْ مُعَامَلَةٍ لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ بِمَا يَشْهَدُ. وَلأَِنَّ عَادَةَ النَّاسِ إِظْهَارُ الصَّالِحَاتِ وَإِسْرَارُ الْمَعَاصِي، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَا خِبْرَةٍ
(1) سورة البقرة / 282.
(2)
مجلة الأحكام العدلية مواد (1718 - 1722) ومعين الحكام ص 104، 106، وتبصرة الحكام 1 / 204 - 207، وقليوبي 4 / 306.