الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعَدَّهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ فَقَال: آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ. (1)
وَقَال النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام: إِنِّي لَا أَخِيسُ بِالْعَهْدِ وَلَا أَحْبِسُ الْبُرُدَ. (2)
قَال الصَّنْعَانِيُّ فِي سُبُل السَّلَامِ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى حِفْظِ الْعَهْدِ، وَالْوَفَاءِ بِهِ. وَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: عَنْ عُقُودٍ مُعَيَّنَةٍ تَدْخُل فِيهَا الْخَدِيعَةُ مِنَ النَّجْشِ، وَالتَّصْرِيَةِ، وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ. وَنَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْمَخْدُوعِ فِيهَا حَقَّ خِيَارِ الْفَسْخِ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: قَال: إِنَّ رَجُلاً ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ، فَقَال: إِذَا بَايَعْتَ فَقُل: لَا خِلَابَةَ أَيْ لَا خَدِيعَةَ (3) .
(ر: نَجْشٌ، وَتَصْرِيَةٌ، وَتَدْلِيسٌ) .
الْخَدِيعَةُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ:
12 -
أَمَّا الْخَدِيعَةُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْحَرْبِ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَهْدٌ، فَلَا يَجُوزُ الْخُدَعُ، وَلَا التَّبْيِيتُ بِالْهُجُومِ الْغَادِرِ، وَهُمْ آمِنُونَ مُطْمَئِنُّونَ إِلَى عَهْدٍ لَمْ يُنْقَضْ، وَلَمْ يُنْبَذْ،
(1) حديث: " آية المنافق ثلاث إذا حدث. . . . " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 89 - ط السلفية) ومسلم (1 / 78 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(2)
حديث: " إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البرد " أخرجه أبو داود (3 / 189 - 190 - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث أبي رافع وإسناده صحيح.
(3)
حديث: " إذا بايعت فقل: لا خلابة " البخاري (الفتح 4 / 337 - ط السلفية) .
حَتَّى لَوْ كُنَّا نَخْشَى الْخِيَانَةَ مِنْ جَانِبِهِمْ (1) . قَال تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (2) وَقَال: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} (3) وَقَال: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} (4) وَأَمَّا إِذَا اسْتَشْعَرَ الإِْمَامُ عَزْمَهُمْ عَلَى الْخِيَانَةِ بِأَمَارَاتٍ تَدُل عَلَيْهَا لَا بِمُجَرَّدِ تَوَهُّمٍ، لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُمْ، وَلَا يَجُوزُ خَدْعُهُمْ وَلَا تَبْيِيتُهُمْ بِهُجُومٍ غَادِرٍ، وَهُمْ آمِنُونَ مُطْمَئِنُّونَ إِلَى عَهْدٍ لَمْ يُنْقَضْ، وَلَمْ يُنْبَذْ. بَل يُنْبَذُ إِلَيْهِمُ الْعَهْدُ ثُمَّ يُقَاتِلُهُمْ (5) .
قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} . (6)
قَال الشَّوْكَانِيُّ فِي تَفْسِيرِ الآْيَةِ: إِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً: أَيْ غِشًّا، وَنَقْضًا لِلْعَهْدِ مِنَ الْقَوْمِ الْمُعَاهَدِينَ فَاطْرَحْ إِلَيْهِمُ الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، عَلَى سَوَاءٍ أَيْ أَخْبِرْهُمْ إِخْبَارًا ظَاهِرًا مَكْشُوفًا بِالنَّقْضِ، وَلَا تُنَاجِزْهُمُ الْحَرْبَ بَغْتَةً (7) .
13 -
فَأَمَّا بَعْدُ أَنْ نَبَذَ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ، وَصَارَ عِلْمُهُمْ وَعِلْمُ الْمُسْلِمِينَ بِنَقْضِهِ عَلَى سَوَاءٍ، وَبَعْدَ أَنْ أَخَذَ كُل خَصْمٍ حِذْرَهُ، فَإِنَّ كُل وَسَائِل
(1) المغني 8 / 462، شرح روض الطالب 4 / 225، حاشية ابن عابدين 3 / 224.
(2)
سورة المائدة / 1.
(3)
سورة التوبة / 4.
(4)
سورة التوبة / 7.
(5)
أسنى المطالب 4 / 226، المغني 8 / 463.
(6)
سورة الأنفال / 58.
(7)
فتح القدير تفسير آية 58 من سورة الأنفال.
الْخُدْعَةِ مُبَاحَةٌ؛ لأَِنَّهَا لَيْسَتْ غَادِرَةً، فَمَنْ جَازَتْ عَلَيْهِ الْخُدْعَةُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، فَهُوَ غَافِلٌ وَلَيْسَ بِمَغْدُورٍ بِهِ. قَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْحَرْبُ خُدْعَةٌ (1) وَجَاءَ فِي فَتْحِ الْبَارِي فِي الْحَدِيثِ: الأَْمْرُ بِاسْتِعْمَال الْحِيلَةِ فِي الْحَرْبِ مَهْمَا أَمْكَنَ، وَالنَّدْبُ إِلَى خِدَاعِ الْكُفَّارِ، قَال النَّوَوِيُّ: اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ خِدَاعِ الْكُفَّارِ فِي الْحَرْبِ كُلَّمَا أَمْكَنَ، إِلَاّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَقْضُ عَهْدٍ، أَوْ أَمَانٍ فَلَا يَجُوزُ.
(ر: أَمَانٌ، عَهْدٌ، هُدْنَةٌ) .
وَفِيهِ الإِْشَارَةُ إِلَى اسْتِعْمَال الرَّأْيِ فِي الْحَرْبِ بَل الاِحْتِيَاجُ إِلَيْهِ أَكْثَرُ مِنَ الشَّجَاعَةِ (2) . وَقَال ابْنُ الْمُنِيرِ: مَعَ الْحَرْبُ خُدْعَةٌ الْحَرْبُ الْجَيِّدَةُ لِصَاحِبِهَا الْكَامِلَةُ فِي مَقْصُودِهَا إِنَّمَا هِيَ الْمُخَادَعَةُ، لَا الْمُوَاجَهَةُ، وَذَلِكَ لِخَطَرِ الْمُوَاجَهَةِ وَحُصُول الظَّفَرِ مَعَ الْمُخَادَعَةِ بِغَيْرِ خَطَرٍ (3) .
قَال النَّوَوِيُّ: قَال الْعُلَمَاءُ: إِذَا دَعَتْ مَصْلَحَةٌ شَرْعِيَّةٌ رَاجِحَةٌ إِلَى خِدَاعِ الْمُخَاطَبِ، أَوْ حَاجَةٌ لَا مَنْدُوحَةَ عَنْهَا إِلَاّ بِالْكَذِبِ، فَلَا بَأْسَ بِالتَّوْرِيَةِ، وَالتَّعْرِيضِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَلَيْسَ بِحَرَامٍ إِلَاّ أَنْ يُتَوَصَّل بِهِ إِلَى أَخْذِ بَاطِلٍ، أَوْ دَفْعِ
(1) حديث: " الحرب خدعة " أخرجه البخاري (الفتح 6 / 158 - ط السلفية) . ومسلم (3 / 1361 ط الحلبي) من حديث جابر بن عبد الله.
(2)
فتح الباري 6 / 158 - 159، المغني 8 / 369.
(3)
المصدر السابق.
حَقٍّ فَيَصِيرُ عِنْدَئِذٍ حَرَامًا (1) .
وَفِي التَّوْرِيَةِ قَوْل مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، فِي قِصَّةِ كَعْبِ بْنِ الأَْشْرَفِ بَعْدَ أَنِ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُول: كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: إِنَّ هَذَا أَيِ: النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ عَنَّانَا، وَسَأَلَنَا الصَّدَقَةَ، فَإِنَّا اتَّبَعْنَاهُ فَنَكْرَهُ أَنْ نَدَعَهُ (2) وَكُل هَذِهِ الْكَلِمَاتِ تَوْرِيَةٌ: وَقَصَدَ بِهَا إِلَى مَعْنًى غَيْرِ الْمَعْنَى الْمُتَبَادَرِ مِنْهَا.
وَمَعْنَى عَنَّانَا: كَلَّفَنَا بِالأَْوَامِرِ وَالنَّوَاهِي.
وَمَعْنَى سَأَلَنَا الصَّدَقَةَ: طَلَبَهَا لِيَضَعَهَا فِي مَكَانِهَا الصَّحِيحِ. وَنَكْرَهُ أَنْ نَدَعَهُ: نَكْرَهُ أَنْ نُفَارِقَهُ (3) .
وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَغْزُوَ غَزْوَةً وَرَّى بِغَيْرِهَا (4) .
وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ يُرِيدُ غَزْوَ جِهَةٍ فَلَا يُظْهِرُهَا وَيُظْهِرُ غَيْرَهَا، كَأَنْ يُرِيدَ أَنْ يَغْزُوَ جِهَةَ الشَّرْقِ، فَيَسْأَل عَنْ أَمْرٍ فِي جِهَةِ الْغَرْبِ، فَيَتَجَهَّزُ لِلسَّفَرِ فَيَظُنُّ مَنْ يَرَاهُ، وَيَسْمَعُهُ أَنَّهُ يُرِيدُ جِهَةَ الْغَرْبِ (5) .
وَهَذَا فِي الْغَالِبِ فَقَدْ صَرَّحَ بِجِهَةِ غَزْوَةِ تَبُوكَ لِلتَّأَهُّبِ لَهَا.
(1) الأذكار للنووي ص 338، فتح الباري 6 / 159.
(2)
مقالة كعب: إن هذا قد عنانا، وسألنا الصدقة " أخرجه البخاري (الفتح 8 / 113 - ط السلفية) .
(3)
فتح الباري 6 / 159.
(4)
حديث: " كان إذا أراد أن يغزو غزوة ورى بغيرها. . . . " أخرجه البخاري (الفتح 8 / 113 - ط السلفية) . ومسلم (4 / 2128 - ط الحلبي) من حديث كعب بن مالك.
(5)
المصدر السابق.