الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكِيلاً عَنِ الإِْمَامِ فِي اسْتِيفَاءِ الْخَرَاجِ وَقَبْضِهِ، فَتَكُونُ جِبَايَتُهُ لِلْخَرَاجِ مُحَدَّدَةً بِمَا رَسَمَهُ لَهُ الإِْمَامُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَقْسِيمُ مَا جَبَاهُ مِنْ أَمْوَال الْخَرَاجِ إِلَاّ بِإِذْنِ الإِْمَامِ، لأَِنَّ هَذِهِ الأَْمْوَال لَا تُصْرَفُ إِلَاّ بِاجْتِهَادِ الإِْمَامِ.
وَعَامِل الْخَرَاجِ - بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ وَكِيلٌ - أَمِينٌ إِذَا أَدَّى الأَْمَانَةَ فَلَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ وَلَا يَمْلِكُ الزِّيَادَةَ. (1)
شُرُوطُ تَعْيِينِ عَامِل الْخَرَاجِ:
يُشْتَرَطُ فِي عَامِل الْخَرَاجِ: الإِْسْلَامُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالأَْمَانَةُ، وَالْكِفَايَةُ، وَالْعِلْمُ وَالْفِقْهُ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي:
1 - الإِْسْلَامُ:
45 -
عَامِل الْخَرَاجِ قَدْ يَكُونُ مُخْتَصًّا بِتَقْدِيرِ الْخَرَاجِ وَوَضْعِهِ، وَقَدْ يَكُونُ مُخْتَصًّا بِجِبَايَتِهِ وَنَقْلِهِ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ إِلَى بَيْتِ الْمَال.
فَإِذَا كَانَ مُخْتَصًّا بِوَضْعِ الْخَرَاجِ وَتَقْدِيرِهِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الإِْسْلَامُ؛ لأَِنَّ هَذَا الْعَمَل وِلَايَةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَيَحْتَاجُ إِلَى الأَْمَانَةِ.
وَلِذَا فَلَا يُوَلَّى الذِّمِّيُّ تَقْدِيرَ الْخَرَاجِ، وَوَضْعِهِ، عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.
قَال أَبُو طَالِبٍ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي
(1) الماوردي: الأحكام ص 130، أبو يعلى: الأحكام ص 140 - 186، أبو يوسف: الخراج ص 107.
أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ - يُسْتَعْمَل الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ فِي أَعْمَال الْمُسْلِمِينَ مِثْل الْخَرَاجِ؟ قَال: لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ فِي شَيْءٍ. (1)
وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآْيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} . (2)
قَال الْقُرْطُبِيُّ: نَهَى اللَّهُ عز وجل الْمُؤْمِنِينَ بِهَذِهِ الآْيَةِ أَنْ يَتَّخِذُوا مِنَ الْكُفَّارِ، وَالْيَهُودِ، وَأَهْل الأَْهْوَاءِ دُخَلَاءَ، وَوُلَجَاءَ، يُفَاوِضُونَهُمْ فِي الآْرَاءِ، وَيَسْنُدُونَ إِلَيْهِمْ أُمُورَهُمْ. (3)
وَقَال إِلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ: فِي الآْيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الاِسْتِعَانَةُ بِأَهْل الذِّمَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ. (4)
وَذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ: قِيل لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: إِنَّ هَاهُنَا غُلَامًا مِنْ أَهْل الْحِيرَةِ نَصْرَانِيًّا كَاتِبًا، فَلَوِ اتَّخَذْتُهُ كَاتِبًا، فَقَال: قَدِ اتَّخَذْتُ إِذًا بِطَانَةً مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ (5) .
(1) ابن القيم: أحكام أهل الذمة 1 / 208.
(2)
سورة آل عمران / 118.
(3)
القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 4 / 178.
(4)
إلكيا الهراسي: أحكام القرآن - مطبعة حسان بالقاهرة 2 / 68.
(5)
ابن كثير: تفسير القرآن العظيم - دار المعرفة ببيروت 1402 هـ - 1982 م 1 / 98.
عَقَّبَ ابْنُ كَثِيرٍ عَلَى هَذَا الأَْثَرِ بِقَوْلِهِ: فَفِي هَذَا الأَْثَرِ مَعَ هَذِهِ الآْيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَهْل الذِّمَّةِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُمْ فِي الْكِتَابَةِ الَّتِي فِيهَا اسْتِطَالَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَاطِّلَاعٌ عَلَى دَوَاخِل أُمُورِهِمُ الَّتِي يُخْشَى أَنْ يُفْشُوهَا إِلَى الأَْعْدَاءِ مِنْ أَهْل الْحَرْبِ، وَلِهَذَا قَال تَعَالَى:{لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً} . (1)
وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ أَيْضًا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ الْمُشْرِكِينَ (2) أَيْ لَا تَسْتَنْصِحُوهُمْ، وَلَا تَسْتَضِيئُوا بِرَأْيِهِمْ.
وَرُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ أَرْسَل إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ رضي الله عنه خِطَابًا جَاءَ فِيهِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ فِي عَمَلِي كَاتِبًا نَصْرَانِيًّا لَا يَتِمُّ أَمْرُ الْخَرَاجِ إِلَاّ بِهِ فَكَرِهْتُ أَنْ أُقَلِّدَهُ دُونَ أَمْرِكَ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَافَانَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ، قَرَأْتُ كِتَابَكَ فِي أَمْرِ النَّصْرَانِيِّ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ النَّصْرَانِيَّ قَدْ مَاتَ وَالسَّلَامُ (3) .
وَقَدْ سَارَ الْخُلَفَاءُ الَّذِينَ لَهُمْ ثَنَاءٌ حَسَنٌ فِي الأُْمَّةِ عَلَى نَهْجِ عُمَرَ رضي الله عنه فِي اسْتِبْعَادِ
(1) المرجع السابق.
(2)
حديث: " لا تستضيئوا بنار المشركين ". أخرجه النسائي (8 / 177 - ط المكتبة التجارية) من حديث أنس بن مالك، وفي إسناده " أزهر بن راشد " وهو مجهول كما في ميزان الاعتدال (1 / 171 ط الحلبي) .
(3)
ابن القيم: أحكام أهل الذمة 1 / 211.
أَهْل الذِّمَّةِ عَنِ الْوَظَائِفِ الَّتِي فِيهَا اطِّلَاعٌ عَلَى دَوَاخِل الْمُسْلِمِينَ.
فَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أَحَدِ عُمَّالِهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ فِي عَمَلِكَ كَاتِبًا نَصْرَانِيًّا يَتَصَرَّفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (1) فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا فَادْعُ حَسَّانًا - يَعْنِي ذَلِكَ الْكَاتِبَ - إِلَى الإِْسْلَامِ، فَإِنْ أَسْلَمَ فَهُوَ مِنَّا، وَنَحْنُ مِنْهُ، وَإِنْ أَبَى فَلَا تَسْتَعِنْ بِهِ، وَلَا تَتَّخِذْ أَحَدًا عَلَى غَيْرِ دِينِ الإِْسْلَامِ فِي شَيْءٍ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. فَأَسْلَمَ حَسَّانٌ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ (2) .
وَلأَِنَّ مِنْ شُرُوطِ مُتَوَلِّي هَذَا الْعَمَل الأَْمَانَةَ وَالنُّصْحَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَالْحِرْص عَلَى مَصَالِحِهِمْ.
وَهَذِهِ الشُّرُوطُ غَيْرُ مُتَحَقِّقَةٍ فِي الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صِفَاتِهِمْ فَهُمْ لَا يُحِبُّونَ الْخَيْرَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَيَغُشُّونَ، وَلَا يَنْصَحُونَ، قَال تَعَالَى فِيهِمْ:{مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْل الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّل عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ} (3)
وَقَال تَعَالَى: {إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ
(1) سورة المائدة / 57.
(2)
ابن القيم: أحكام أهل الذمة 1 / 211.
(3)
سورة البقرة / 105.