الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة المصنف
بسم الله الرحمن الرحيم
(اللهم يسر إتمامه بالخير)
الحمد لله الذي شرع لنا الحق وأوضح لنا دليله وشرح لنا [المشتبه] ويسر لنا سبيله، وبعث إلينا عبده ورسوله وصفيه وخليله، فعرفنا [] وحيه وبتنزيله، وبين لنا ما نزل إلينا من الذكر وأوقفنا [فيه] على حد من العلم فألهمنا تأويله.
والحمد لله الذي بعثه إلينا مهيمنا على الكتاب، ومبينا وجوه الخطاب، وموردا للوحي والإلهام، ومصدرا للشرائع والأحكام، ومفصلا للحلال والحرام، [ومدربا لطرق] الرشاد، وحاميا [....] السداد، وماحيا للشرك والإلحاد، فضلا من الله ورحمة على العباد والبلاد.
فالحمد لله الذي أسعدنا بطاعته، وأكرمنا بمتابعته، وأحسن إلينا بالتوفيق لإيثار دينه، واختيار ملته، ومن علينا بالتيسير لاقتفاء هديه وسنته، حمدا كثيرا طيبا مباركا، لا انقطاع لمدده ولا انقضاء لمدته.
ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تأتي على ما قدمنا وما أخرنا، وتتدارك ما أعلنا وما أسررنا ونشهد أن محمدا عبده ورسوله المنوه باسمه في التوراة والإنجيل، المكرم وجهه بمعالم التنزيل، صلى الله عليه مبلغ ما خصه به من المواهب الجزيلة، وزنة ما أعد له من الوسيلة وعلى آله أولى السابقة والفضيلة وبعد:
فقد أشار إلى عصبة من إخواني بشيراز- رعاهم الله وحماها- أن أشرح لهم المشكل من الأحاديث التي اشتمل عليها كتاب المصابيح الذي جمعه الشيخ الإمام محيي السنة أبو محمد الحسن بن مسعود الفراء- رحمه الله من كتب الحديث التي هى دواوين الإسلام المنبئة عن السنن والأحكام، الفارقة بين الحلال والحرام، والواردة في فضائل الأعمال، والدالة على نفائس الأحوال، الداعية إلى طريق الخير وسبيل الصواب، الهادية [.....] الأخلاق ومحاسن الآداب.
وهو كتاب مبارك، وفيه علم جم من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم (
…
) لصحة القصد فيه رزق حسن القبول، فوجدت الشقة في ذلك شاسعة، والسبيل إلى ما سألوه متوعرة، فتوقفت حينئذ مترددا في الإجابة.
ورأيت الربع على الظلع أحرى، والتأخر عن شأو لم أدركه أحجى بعد أن كنت أرى صغو نفسي إليه، وأحس منها النزوع إلى ذلك نظرا إلى ما يقتضيه خفى الهوى، وحكم الجبلة من حب الثناء، والركون إلى الشهرة.
ولم أزل في نقد من العزيمة، وفسخ من الهمة نظرا إلى سوابقه ولواحقه، وحذرا من توابعه ورواجعه، حتى تفكرت فيما آل إليه أمر هذا الزمان من قبض علم الحديث بقبض حملته وحفاظه، وقلة اهتمام الناس بكشف معاينه وضبط ألفاظه.
ثم إني صادفت همم أهل هذه الديار لا تتعدى في طلب الحديث عن أحاديث هذا الكتاب، ورأيتهم لم يتقنوا حفظها، ولم يحسنوا وعيها، ووجدت فيها ألفاظا كثيرة محرفة عن جهة قصدها، وكان عندي طرف من العلم بها، والمعرفة بوجوهها.
فأبى حق الدين وواجب النصيحة إلا كشفها وبيانها. ثم إني تأملت فيما عدى ذلك من مشكل هذا الكتاب، وامتساس حاجة الراغبين فيه إلى معرفته، وأن مجموع ما أشكل منه- وإن وجد- متفرقا في مسانيد أئمة الحديث وكتب أرباب المعاني، وأصحاب الغريب؛ فإن الخطب في تحصيله ليس بهين عليهم؛ إذ هو مفتقر إلى أسباب كثيرة يقصر عنها مقدرة الأكثرين، فدعتني داعية الثواب، وهيجتني نية الاحتساب إلى شرح هذا الكتاب.
واستخرت الله تعالى لإسعاف ما ندبوني له فشرح لذلك صدري، واطمأن به قلبي.
فناديتهم: إخواني رعاكم الله وحياكم، ورفعكم عن حضيض العادة إلى ذروة العبادة ورقاكم: اعلموا أن علم الحديث تسمو إليه الهمم، ويمتد نحوه الأعناق، ويقف عليه الآمال. به يستكشف مبهمات الكتاب، ويستدرك حسن المآرب، وتناوله على سبيل السبك والإتقان يستدعي علوما جمة منها المطلع عليها، ويفتقر إلى أسباب كثيرة هى المرقاة إلى الوصول إليها.
وكتاب المصابيح لما فيه من أمهات السنن وجوامع الكلم يفتقر في البيان إلى سائر أنواع علم الحديث؛ ثم إنه لا يخلو عن نبذ ما سوى ما أشرنا [..... ولا ير بعضها أئمة الرواة].
ومجمل الكلم عندي (والله أعلم) أنه ألف محذوف الأسانيد فرغب عنه رجال الحديث،
وتناولته ألسنة أناس لم يكن لهم دربة بهذا [العلم] فحرفوا وصحفوا وزادوا ونقصوا، وتخطبوا في أسامي الرواة وغلطوا، وإني إن شرعت في اقتفاء تلك الأبواب، واستفتاحها على منهاج أهل الصنعة: حال بيني وبين ما أحاوله بعض ما أشير إليه من العلوم والأسباب.
وهذا علم قد تغيرت بهجته وتضوحت زهرته، بل حقق اختلاسه، وطوى بساطه، وقد كان معظم غمرته بالعراق وخراسان فلما اكتنفتها الفتن، وتركت سيوف الأعداء أهلها عباديد متفرقين، تلفظهم البلاد، وتتجهمهم الأمصار لم يبق من رجال هذا العلم في تلك الديار ديار، وذهب بذهابهم المسموعات، واضمحلت بخرابها المؤلفات. وحين فقدت الأنصار، وعدمت الأسباب، رأيت أن أقتصر من ذلك على ما لا يسع الطالب جهله، وأن أكتفى من البيان بما يفتح الغلق عن متون الألفاظ ومبانيها، ويستكشف بمقدار الضرورة عن مباحثها ومعانيها، متنكبا عن التعسف في مذاهب الإسهاب، والاشتباط.
وأن لا أتعرض في الأحكام لمجال النزاع ومواضع الاستدلال؛ إلا إذا دعت الحاجة إليه في بيان الحديث ونفي التناقض والإحالة عن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن أكثر الناس لاحظ لهم فيه؛ مع أنه أمر قد فرغ منه، وباب قد أتى عليه، فإن ظفرت بمعنى على طريق الفهم، ويتعلق به بيان الحديث؛ فسأشير إليه غن شاء الله تعالى.
والمرجو من الله المنان أن يمدني بحسن التوفيق وألا يكلني إلى نفسي فتنزل قدمي، ويخطئ نظري، وأن يجعل ذلك لوجهه الكريم؛ فإن ما أريد به وجهه لا يثمر خزيا، ولا يعقب ندامة، ولا يزداد على ممر الأيام إلا بهجة وطراوة.
ولقد بلغني أن أبا عبد الله بن أنس الأصبحي- رحمة الله عليه- لما صنف كتابه الموسوم بالموطأ سمع به عبد الله بن وهب المصري، فصنف كتابا وسماه بالموطأ فأخبر بذلك مالك، فقال: ما كان لله يبقى، وأشار بذلك [إلى ما أخذه على] نفسه من صدق النية وصحة العزيمة.
ونحن نسأل الله تعالى أن يحول بيننا وبين ما نحاوله أشرا ورياء واتباعا للهوى حتى يخلص فيه النية؛ فإن استمتاع كل أحد بعلمه على مبلغ عمله بالعلم، ومقدار خلوص النية فيه.
أخبرنا الإمام شهاب الملة والدين أبو الفضائل عبد الوهاب بن صالح بن محمد المعزم إمام الجامع العتيق بهمذان أنبأ الحافظ أبو جعفر محمد بن علي الهمذاني، أنبأ أبو الخير محمد بن موسى بن عمران الصفار أنبأ أبو الهيثم محمد بن علي الكشميهني محمد بن يوسف
الفربري أنبأ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي البخاري ثنا الحميدي حدثنا سفيان ثنا يحيى بن سعيد أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول: سمعت عمر بن الخطاب- رضي الله عنه على المنبر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى).
وأسأل الله تعالى أن يهديني وإياكم إلى سواء السبيل، وأن يوفقنا لاتباع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهو الصراط المستقيم.
وأن يجيرنا عن اتباع (الأهواء) واقتفاء البدع [والضلالات]، وأن يستر لنا عيوبنا جليها وخفيها، ويغفر لنا ذنوبنا ظاهرها وباطنها؛ إنه ولي الإجابة.
بداية شرح المصنف للكتاب الكلام على مقدمة الشارح
ذكر ما يحتاج إلى البيان في عنوان الكتاب
قوله: (وربما سميت في بعضها الصحابي الذي يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعنى دعا إليه).
تنبيه: يوجد ذلك المعنى على وجوه كثيرة يعسر استيعابها حصرا وتعدادا؛ فنذكر منها أمثلة تحل عقدة الإشكال عن قوله، فنقول: إن الحديث الواحد ربما روى عن جمع من الصحابة بطرق شتى وألفاظ مختلفة يرويه كل واحد منهم على سياق آخر؛ فإذا حدث المحدث به وساقه على سياق واحد: ذكر الصحابي الذي يرويه على ذلك السياق ليتميز حديث بعضهم عن البعض. والوجه الآخر: أن يروي أحد الصحابة حكما مطلقا ويرويه الآخر مقيدا؛ فيذكر الراوي حينئذ رفعا للخلاف، ودفعا للالتباس.
والوجه الآخر: أن يسند الحديث إلى جمع من الصحابة بروايات مختلفة، وبعضها لا يكاد يصح؛ إما لضعف في الرجال أو خبط في الإسناد، أو انقطاع فيه، فيعين الصحابي (دفعا للشبهة) وقطعا للاعتراض.
والوجه الآخر: أن يعارض الحديث حديث آخر، ويكون في ذكر الراوي حصول معرفة التقدم والتأخر اعتبارا بزمان الصحابة، والاستشهاد في علم الناسخ والمنسوخ، والفرق بين السابق واللاحق فيذكر الراوي الاستدلال والاحتجاج وإن شذ عن هذه الأمثلة ونظارها في القياس شيء؛ فالظاهر أنه أثبت على حاشية الكتاب فألحق بالأصل.
ومن الدليل على هذا أنا لا نجد أكثر النسخ في كر الصحابي على وتيرة واحدة، وأن أكثر أحاديث هذا الكتاب مقترن بذكر الصحابي الذي يرويه. والمؤلف أشار بحرف التقليل إلى ما هو دون ذلك فقال (وربما سميت) والله أعلم.
قوله: أعني بالصحاح ما أخرجه الشيخان أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري وأبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري- رحمهما الله- في جامعيهما أو أحدهما. وبالحسان ما أورده أبو داود وأبو عيسى وغيرهما في تصانيفهم.
أشار بقوله: (أعني) إلى مصطلحه الذي وضعه للتفريق بين الدرجة الأولى من الصحيح التي صنف عليها كل واحد من كتابي إمامي أهل الصنعة وبين ما دون ذلك في الدرجة، ولهذا استدركه بقوله: وأكثرها صحاح، ولم يرد بهذا القول نفي الصحة عما عداها؛ إذ هو قول يفضي إلى تعطيل أبواب كثيرة من السنة.
وقد قال الحاكم أبو عبد الله الحافظ البيع النيسابوري وهو أحد المعتبرين في معرفة أقسام الحديث ورجاله:
الصحيح على عشرة أقسام، خمسة منها متفق عليها وخمسة منها مختلف فيها، قلت: ولم يحتو كتاب الشيخين إلا على القسم الأول منها. وأحاديث المصابيح على ما تبين لنا لا تتجاوز عن كتب هؤلاء الأئمة أبي عبد الله البخاري، وأبي الحسين القشيري وأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، وأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي، وأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، وأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي السمرقندي، وأبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني رحمهم الله.
قوله: (وأكثرها صحاح إذا كثر [......] ثبوتها بطريق حسن) معنى هذا الكلام أن أحاديث كتاب المصابيح ملتقطة [
…
ذكر الأحكام] التي تقدم ذكرها والأحكام إنما تثبت بأسانيد/ مقبولة عن رجال مرضيين، وبيان ذلك أن كتب الحديث مخرجة لا على الأبواب وإنما على التراجم فما كان منها على تراجم الرجال فإن المؤلف يذكر فيها الغث والسمين؛ لأنه إذا قال مسند أبي بن كعب- رضي الله عنه يذكر سائر ما انتهى إليه مسندا عن طرق رواة أبي صحيحا كان أم سقيما حتى يأتي على جميعه عن المعدلين والمجروحين وما كان على الأبواب فإنه يذكر باب الطهارة ويأتي فيه من الأحاديث بما يصلح للاستدلال به.
فإن قيل: إنا نجد في كتب الأحكام من الأحاديث ما يشهد عليه جامع الكتاب بالضعف فإن المؤلف لا يذكر في مؤلفه حديثا ضعيفا عنده في الأحكام إلا وقد علم أن لغيره فيه متمسكا على حسب المعرفة به والاجتهاد فيه ألا ترى أن المراسيل لا تكون حجة عند كثير من العلماء وعند بعضهم يلزم العمل بها ثم إن أكثر مباني هذا القول على الجرح والتعديل وكلاهما مختلف فيه بين الأئمة فربما يكون ضعيفا عنده قويا عند غيره.
قوله: (وما كان فيها من ضعيف أو غريب أشرت إليه) فأما الغريب ما يتفرد به ثقة من الثقات ولا يكون له طرق مخرجة في الكتب وهو نوع من أنواع الصحاح دون النوع الذي يشتمل عليه كتاب البخاري ومسلم.
وأما الضعيف فإنه يوجد من وجوه فتارة يكون لضعف بعض الرواة من المردودين بنوع من أنواع الجرح على ما يذهب إليه المجتهد من عدم العدالة أو الرواية عمن لم يره، أو سوء الحفظ أو تهمة في العقيدة أو عدم المعرفة بما يحدث به أو الإسناد إلى من لا يعرف في الرواة/ وتارة لعلل أخر مثل الإرسال والانقطاع والتدليس ونحوها. والإرسال: أن يذكر رواية التابعي عن
النبي صلى الله عليه وسلم من غير ذكر الصحابي. والانقطاع هو انقطاع الإسناد وذلك أن يروي الراوي عمن لا يمكن أنه رآه. والتدليس أن يقول المحدث: قال فلان، أخبرنا فلان، وقد أدرك فلانا الذي رآه إلا أن بينه وبين من يروى عنه الحديث الذي دلس فيه راو آخر ترك ذكره ليوهم أنه سمعه من شيخ شيخه. ومن جملة الوجوه أيضا الاضطراب في الإسناد وهو: أن يروى الحديث عمن دونه (4/ب) أو فوقه، أو يرفع الحديث تارة، ويوقفه أخرى.
-والمرفوع ما أسنده إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، والموقوف ما لم يتجاوز فيه عن الصحابي إلى النبي (صلى الله عليه وسلم).
واعلم أن الحديث الضعيف ليس ساقط الاعتبار مطلقا على ما ذكرناه، وربما يكون فيه ما يؤيده القياس الجلي فيعمل به مع ضعف الإسناد.
وكثير من المجتهدين عملوا في بعض الأحكام بالحديث الضعيف عند أهل النقل وتركوا العمل بما صح إسناده لما يشهد له قضية الحال ويقتضيه النظر والاستدلال، وإني إنما سلكت هذا المسلك من الإطالة في شرح تلك الكلمات لئلا يجترئ من لا علم له بأساليب الحديث وطرق الرواية بمجرد الوهم الحاصل عن تقليد من يحسن ظنه فيه على الطعن فيما نقل من أحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) والقول الموجز الجامع أن نقول:
الحديث على ثلاثة أنواع:
صحيح: وهو ما اتصل سنده، وعدلت رواته، وهو النوع المتفق عليه وقد ذكره الحاكم أبو عبد الله في خمسة أقسام.
وحسن: وهو ما عرف مخرجه واشتهر رجاله وهو النوع المختلف فيه على ما ذكره الحاكم في خمسة أقسام.
وسقيم: وأقسامه ثلاثة: موضوع، ومقلوب، ومجهول.
فالموضوع: ما صح عند أهل الحديث وضعه.
والمقلوب: ما قلبه القلابون متنا وإسنادا.
والمجهول: ما لا يعرف أئمة الحديث مخرجه ويكون مداره على من لم يعرف في رجال الحديث أصلا، فالمنكر الذي أشار إليه الشيخ في عنوان كتابه لا يخرج عن هذين القسمين أعني المقلوب والمجهول، وقد يوجد في كتابه بعض ذلك مع تبريه عنه وسننبه عليه في موضعه إن شاء الله.