الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيانة المسجد عنه كالنخامة والمخاط؛ فنبأه جبريل عليه السلام لئلا يتلوث به ثوبه عند السجود؛ فأخبر به أصحابه وعلمهم ما افتقروا إلى تعليمه من هذا الباب ليتفقدوا النعال عند دخول المساجد وإذا وجدوا فيها قذرا مسحوها بالأرض صيانة للمساجد عن الأشياء القذرة نجاسة كانت أو غيرها، فإن قيل: على أي وجه يطلق لفظ القذر على غير النجاسة؛ قلنا: يجوز ذلك على سبيل الاتساع إن لم ترد به اللغة على الحقيقة؛ وذلك لأن العرب تقول قذرت الشيء بالكسر وتقذرته واستقذرته إذا كرهته، ويصح أن يقال للنخامة والمخاط القذر؛ لأن الطباع تنفر عن ذلك والنفوس تكرهه والله أعلم.
ومن
باب السترة
(من الصحاح)
[515]
حديث أبي جحيفة السوائي- رضي الله عنه: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبطح) الأبطح في موضوع اللغة: مسيل واسع فيه دقاق الحصى، والبطيحة والبطحاء مثله، وفي هذا الحديث: هو اسم علم للمسيل الذي ينتهي إليه من وادي منى وهو على باب المعلى بمكة حرسها الله تعالى ويقال لها: بطحاء مكة.
وفيه [80/أ](أخذ عنزة فركزها) العنزة بالتحريك أطول من العصا وأقصر من الرمح.
[516]
ومنه حديث ابن عمر- رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض راحلته) معناه ينيخها بالعرض
من القبلة حتى تكون معترضة بينه وبين من مر بين يديه؛ من قولهم: عرض العود على الإناء، والسيف على فخذه: إذا وضعه بالعرض، يعرضه ويعرضه أيضا فهذه وحدها بالضم.
وفيه (أرأيت إذا هبت الركاب): أي أقامت الإبل للسير، يقال: هبت الناقة في سيرها هبابا وهبوبا: أي نشطت.
وفيه (فيعدله فيصلي إلى آخرته) تعديل الشيء تقويمه يقال: عدلته فاعتدل، أي قومته فاستقام ومن رواه بالتخفيف فقد حرف، والحرف الذي في كتاب الله (فعدلك) إذا قرئ بالتخفيف فمعناه: صرفك من حال إلى حال، أو من هيئة إلى هيئة، ويجوز أن يكون بمعنى المشدد أي عدل بعض أعضائك ببعض حتى اعتدلت؛ ولا يستقيم معنى الحديث على ما أوردناه من معنى لفظ التنزيل. وآخرة الرحل: هي التي يستند إليها الراكب.
[518]
ومنه حديث أبي الجهيم- رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم المار بين يدي المصلي
…
) الحديث.
ذكر الشيخ أبو جعفر الطحاوي- رحمة الله عليه- في كتابه الموسوم بمشكل الآثار أن المراد من الأربعين في حديث أبي جهيم هو الأعوام لا الشهور ولا الأيام.
واستدل بحديث أبي هريرة- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لو يعلم الذي يمر بين يدي أخيه معترضا وهو يناجي ربه عز وجل لكان أن يقف مكانه مائة عام خير له من الخطوة التي خطاها) ثم قال أبو جعفر: وحديث أبي هريرة- رضي الله عنه متأخر عن حديث أبي جهيم؛ إن في حديث أبي هريرة زيادة في الوعيد على الوعيد الذي في حديث أبي جهيم؛ إن في حديث أبي هريرة زيادة في الوعيد على الوعيد الذي في حديث أبي جهيم، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يأتي بالتخفيف بعد الوعيد أو كلاما هذا معناه.
قلت: وحاصل هذا القول أن الشارع إذا نهى عن فعل وأوعد عليه ثم لم ينته عنه زاد في الوعيد تأكيدا للنهي ومبالغة في الزجر، ولا يظن به خلاف ذلك؛ لأن التخفيف في باب الوعيد لا يلائم الحكمة.
وأبو جهيم هذا هو عبد الله بن جهيم الأنصاري كذا ذكروه في كتب المعارف، وقد قيل هو ابن أخت أبي بن كعب- رضي الله عنه.
[519]
- ومنه حديث أبي هريرة- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم يقطع الصلاة المرأة والحمار [80/ب] والكلب، وبقي ذلك مثل مؤخرة الرحل. ويروى مثله عن أبي ذر- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية: و (الكلب الأسود) وفي رواية ابن عباس- رضي الله عنه: (والمرأة الحائض) وقد أخذ بعض العلماء بظواهر هذه الأحاديث، والجمهور على خلاف ذلك.
وقد أورد المؤلف رحمه الله بعد هذا الحديث ما يدفع القول بظاهره.
[520]
فمن ذلك حديث عائشة- رضي الله عنها: (وأنا معترضة بينه وبين القبلة كاعتراض الجنازة).
[521]
ومنه حديث ابن عباس (فمررت بين يدي الصف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع).
(ومن الحسان)
[524]
حديث المقداد بن الأسود- رضي الله عنه (ولا يصمد له صمدا)، يقول: صمدت صمده أي: قصدت قصده، والصمد القصد، يريد أنه كان لا يجعل ذلك الشيء تلقاء وجهه؛ بل يجعله على جانبه الأيمن أو الأيسر؛ وذلك والله أعلم لتنزهه عن التشبه بمن عبد الأشخاص فيتوجه إليه كل التوجه، ويصمد له صمدًا مستقيما.
[525]
ومنه حديث الفضل بن عباس- رضي الله عنه أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية لنا) الحديث.
قلت: وقد قال بعض أصحاب الحديث أن حديث أبي ذر- رضي الله عنه قد عارضه حديث عائشة- رضي الله عنها في المرأة، وحديث ابن عباس- رضي الله عنه في الحمار، وأما حديث الفضل ففي إسناده مقال، ثم إنه لم يذكر فيه صفة الكلب فيجوز أن الكلب المذكور في حديثه لم يكن بأسود؛ فبقى حديث أبي ذر في الكلب الأسود لا معارض له، فنرى القول به واجبا لثبوته وصحة إسناده وهذا القول ليس بمستبعد ولا مستنكرا ولا حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه (لا يقطع الصلاة شيء) والأحاديث إذا تعارضت ووجد في معاني بعضها تضاد، فالسبيل أن تأول على وجه التوفيق بينها ونفي التضاد والاختلاف عنها.
والسبيل في هذه الأحاديث أن يحمل معنى قطع الصلاة بهذه الأشخاص على قطعها المصلي عن مواطأة القلب واللسان في التلاوة والذكر والمحافظة على ما يجب عليه محافظته ومراعاته من أمر الصلاة، ومعنى حديث أبي سعيد أن الصلاة لا يقطعها شيء أي: لا يبطلها. ومثل ذلك في كلامهم شائع مستفيض.
يقول القائل إذا تكلم بين يديه متكلم وهو مقبل على صلاته: قطعت على صلاتي، أي: شغلت قلبي عنها وقد تبين لنا من تعارض هذه الأحاديث أن معنى الحديث على الوجه الذي بيناه.
وفيه: (فإنما هو شيطان) أي: شيطان من شياطين الإنس أو يعمل عمل الشيطان أو يحمله الشيطان على هذا الصنيع.
وفيه: (ومثل مؤخرة الرحل) لغة قليلة في آخرته وتشديد الخاء منها خطأ وإنما [81/أ] هي مؤخرة على زنة مؤمنة كما نقول: مؤخر العين ومقدمها.
ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل آخرة الرحل وكأن مؤخرة الرحل من لغة الراوي كذلك، وهي في حديث ابن عمر- رضي الله عنه آخرة الرحل دون مؤخرته؛ لأنها اللغة الفصيحة وقريش أصح العرب لغة، وأفصحهم لهجة والنبي صلى الله عليه وسلم أفصح قريش وقد قال صلى الله عليه وسلم:(أنا أفصح العرب؛ بيد أني من قريش ونشأت في بني سعد بن بكر) فينسب إليه من اللغة أصحها وأفصحها دون الرديء منها.
[526]
ومنه حديث أبي سعيد: (لا يقطع الصلاة شيء وادرءوا ما استطعتم).