الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وكل ما ذكرناه بمبلغ فهمنا عن غير نافلة عى وجه التقريب وحقيقة تأويله محكوم به للنبي ?.
(ومن الحسان)
[845]
حديث أبي إمامة رضي الله عنه قيل: يا رسول الله أي أخلق بالدعاء وأرجى الاستجابة.
ومنه الحديث الضحاك، وأراه الضحاك بن سفيان الكلابي لما عرض عليه الإسلام قال: فسمعت منه كلاماً لم أسمع منه يريد ابلغ وأنجع في القلب وقوله أسمع في الدعاء هو من السمه الذي يرد بمعنى الإجابة وذلك على سبيل الاتساع؛ لأن القول المسموع على الحقيقة هو ما يقترن بالقبول من السامع وقد فسرناه كرة أخرى في باب الذكر بعد الصلاة فلما أعاد الحديث بعينه في هذا الباب أعدنا البيان على ما تيسر لنا ومما جاء في الحديث بمعنى محكوم قوله ?: (أعوذ بك من دعاء لا يسمع) أي لا يجاب. قال الشاعر:
دعوت الله حتى خفت أن لا .... يكةن الله يسمع ما أقول
أي لا يجيب ما أعو به وقد ذكرنا الوجوه الإعرابية في جوف الليل الآخر فيما مضى والله أعلم بالصواب.
باب
القصد في العمل
(من الصحاح)
[849]
حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي ?: (خذوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا).
قلت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب بهذا القول وأشباهه أقواماً يعرفون صرف الكلام وفصل الخطاب ويفهمون مواقع من اللهجة العربية بعد أن شملتهم بركة الصحبة فألهموا الصواب وقد علموا أن الله تعالى منزه عن النقائص والعوارض والحوادث فلا يعتريه الملال ولا تعتوره الأحوال، وقد سلك سبيلهم العلماء الراسخون وبينوا للناس ما أشكل عليهم من ذلك وقد تكلم جمع منهم في معنى هذا الحديث واستحرجوه على وجوه قابلة للاحتمال، ووقع الاختيار منها على وجهين فيما نرى أحدهما: أن الله لا يمل أبداً وإن مللتم وذلك نظير قولهم فلان لا ينقطع حتى ينقطع خصمه أي لا ينقطع بعد انقطاع خصمه بل يكون على ما كان عليه قبل ذلك؛ لأنه لو انقطع على عقب من انقطاع خصمه لم يظهر له بهذا القول مزية ولم يثبت فضيلة، وعلى هذا المعنى قول الشنفري:
صليت مني هذيل بحزق .... لا يمل الشر حتى يملوا
والوجه الآخر - هو أجودهما: أن نقول ذكر الملال فيما أسند إلى الله تعالى على طريق الازدواج، والعرب تفعل ذلك في معارضة الفعل بالفعل فتذكر إحدى اللفظتين موافقة للأخرى وإن خالفتها في المعنى وله في التنزيل نظائر منها قوله تعالى:{يخادعون الله وهو خادعهم} وقوله {فيسخرون منهم سخر الله منهم} وقوله {وجزاء سيئة سيئة مثلها} [111/ب] وقوله {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} وقوله: {نسوا الله فنسيهم} .
قال الشاعر:
ألا لا يجهلن أحد علينا .... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
ومن المستبعد أن يفخر ذو عقل بجهل، وإنما أراد فنجازيه بجهله ونعاقبه على سوء صنيعه، ومعنى الحديث لا يغرض الله عن العبد إعراض الملوك عن الشيء حتى يمل هو عن القيام بطاعة الله ويمتحن بالإعراض عن خدمته.
[851]
ومنه: حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - ? (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)، الدين الطاعة والجزاء، وقد استعير للشريعة اعتباراً بالطاعة والانقياد، والمعنى أن دين الله
الذي تعبد به عباده مبني على اليسر والسهولة رحمة منه سبحانه حيث لم يكلفهم بالجهد فلم [يشق] عليهم، والمشادة في الشيء، التشدد فيه والمشادة في الدين أن يتعمق فيما لم يؤمر فيه بالتعمق وأن لا يرضى لنفسه من العمل ما يفضي به إلى السآمة والحير والانقطاع فيضعف عما تعبد به؛ فيغلبه الدين وينقطع عما كان يتسبب به إلى الوصول ويرد بما كان يتعمله للقبول كالقسيسين والرهابنة الهالكين في الديارات والصوامع. فهذا وجه النهى عن المشادة في الدين، وفي معناه حديثه الآخر (إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق).
وفيه (فسددوا): سدد الرجل إذا لزم الطيقة المستقيمة وأدخل فيه الفاء لما تضمنه من معنى الشرطية وتقيدره، وإذ بينت لكم ما في المشادة من الوهن في العزيمة والفترة عن العمل، فسددوا أي: اطلبوا بنياتكم السداد وهو القصد المستقيم.
قال شمر: سدد من السداد وهو الوفق الذي لا يعاب، والوفق المقدار، وفي الدعاء اللهم سددنا، أي: وفقنا للخير.