الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: ويحتمل أنه قال هذا القول على وجه البيان، لقوله:(إنها ليست بنجسة) والمعنى أنها تطوف عليكم في منازلكم ومساكنكم [فتمسحونا بأيديكم] وثيابكم، ولو كانت نجسة لأمرتم بالمجانبة عنها والاحتراز عن مماستها وتخلية البيوت عنها، وهذا المعنى أشبه بنسق الكلام.
[317]
ومنه حديث جابر- رضي الله عنه: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتوضأ بما أفضلت الحمر
…
الحديث) أفضلت، أي: أبقت من فضالة الماء الذي تشربه، وهو مثل أسأرت من السؤر. قلت: وأصحاب الحديث لم يذهبوا إلى العمل بهذا الحديث ذهابهم إلى العمل بحديث أبي قتادة، وذلك لمكان اختلافهم في الجرح والتعديل. فربما كان الحديث ثابتا عند قوم متروكا عند آخرين. وكلمة (بما) في الموضعين بمعنى بالذي وقد رواه بعض الناس بالمد في الموضعين ولا أراه إلا تصحيفا.
ومن
باب تطهير النجاسات
(من الصحاح)
[321]
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة- رضي الله عنه (دعوه وأريقوا على بوله سجلا أو ذنوباً من
ماء) يحتمل أن يكون سجلا أو ذنوبا على الشك من قول الراوي ويحتمل أن يكون على معنى التخيير من قول الرسول صلى الله عليه وسلم، فأما وجه احتمال أن يكون من قول الراوي فظاهر وأما وجه القول الآخر فهو أن بين اللفظين قربا ما، وذلك أن السجل هو الدلو إذا كان فيه ماء قل أم كثر، والذنوب الدلو الملئ ماء فخيرهم بين الأمرين والأول أوضح وقوله (من ماء) زيادة وردت مورد التأكيد والتفهيم لمن لم يكن ذا فهم وذلك لأن السجل والذنوب لا يستعملان إلا في الدلو التي فيها الماء ولا يقال لها وهي فارغة سجل ولا ذنوب والسجل مذكر والذنوب يذكر ويؤنث وأما قوله في هذا الحديث (فإنما بعثتم ميسرين) أي بعثتم أيتها الأمة من بين سائر الأمم ميسرين فعليكم بالتيسير فإن الله تعالى بعث إليكم نبيكم بالتيسير فوضع عنكم الآصار التي كانت على من قبلكم.
[322]
ومنه حديث أسماء بن أبي بكر- رضي الله عنه (سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة .. الحديث) الحيضة [57/ب] هاهنا بكسر الحاء وهي الاسم من الحيض والحيضة بفتح الحاء المرة الواحدة منه ولا معنى لها في هذا الحديث.
وفيه (فلتقرصه ثم لتنضحه بماء) قد يتوهم بعض الناس أن المراد منه أن تفرك فرك المني ثم تنضح بماء وليس الأمر على ما توهم؛ لأن النضح لا يجدى مع إبقاء أثر الدم من غير مبالغه في الغسل بل لا يزداد الثوب إلا نجاسة وإنما المراد أن تغسله بأطراف أصابعها وأظافرها، ثم تصب عليه الماء حتى يذهب أثره وذلك أبلغ في غسل الدم من أن يغسل باليد ويروى أنه قال للمرأة (قرصيه بالماء) بالتشديد أي قطعيه وقوله (ثم لتنضحه بماء) النضح أكثر ما يستعمل على الرش ويستعمل أيضا بمعنى الصب ولعله أراد بقوله هذا أن تثب الماء عليه شيئا فشيئا حتى يذهب أثر الدم.
[325]
ومنه قول أم قيس بنت محصن- رضي الله عنها في حديثها (فدعا بماء فنضحه ولم يغسله)
أريد بالنضح ههنا إسالة الماء على الثوب الذي أصابه البول حتى يغلب عليه من غير أن يبالغ في الغسل بالمرس والدلك وذلك لأن الغلام لم يكن يأكل الطعام فيكون لبوله عفونة يفتقر في إزالة ذلك إلى مبالغة، ثم إن الذكور في أصل الفطرة أصح مزاجا وأقوى بنية من الإناث فيكون التي تخرج من أبدانهم أيسر مؤونة عند الإزالة، والأنثى حيث كانت بصدد أن تحيض وكانت الرحم منها مستعدة لانصباب المواد إليها كانت بولها أنتن رائحة وأشد صبغة فاستدعى ذلك إلى مبالغة في الغسل ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في حديث لبابة بنت الحارث وهي أم عبد الله بن عباس- رضي الله عنه (إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر) فلم يرد أنه لا يغسل وإنما أراد بها التفريق بين الغسلين والتنبيه على أنه غسل دون غسل بعبر عن أحدهما بالغسل وعن الآخر بالنضح وحديث لبابة يبين أن علة النضح في حديث أم قيس هي الذكورة وقولها: لم يأكل الطعام شيء حسبته من تلقاء نفسها لم يكن في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم برهان وأم قيس هذه أخت عكاشة واسمها آمنة على ما قيل.
(ومن الحسان)
[330]
حديث أبي هريرة- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (إذا وطئ بنعله أحدكم الأذى فإن التراب له طهور) ذهبت جمع من العلماء إلى أن النعل إذا أصابتها نجاسة فمسحت بالأرض حتى ذهب أثرها جازت
الصلاة وحملوا قوله صلى الله عليه وسلم (فإن التراب له طهور) على هذا المعنى ويستخرج من هذا الأصل أن النعل إذا كانت ذات نقائل ومخارز يتعلق بها النجاسة فلا يذهب أثرها [58/أ] بالدلك ولا تجوز الصلاة معها إذا تجاوزت النجاسة عن القدر المعفو.
وقد ذهب جمع إلى خلاف ما ذهب إليه الأولون وتأويل الحديث على وفق مذهبهم هذا أن يقال معنى قوله: (فإن التراب له طهور) هو أن المتنعل إذا وطئ القذر ثم أزال أثرها بالتراب فله أن يطأ بها أرض المسجد ويمسحها بيده [
…
] بثوبه ويكون استعمال الطهورية فيها على طريق الاتساع والمجاز المتعارف بين الناس، أو يأولونه على ما ما يأول عليه حديث أم سلمة الذي يتلوه وذلك قوله صلى الله عليه وسلم (يطهره ما بعده) وهذا محمول على أن السؤال صدر فيما جف من الثياب على ما كان يابسا من القذر فربما تشبث بها شيء منه فأخبر أن لا حرج في ذلك ولو تشبث بها شيء فإن المكان الذي بعده يطهره أي يزيل ذلك عنه.
قلت وفي تأويل حديث أبي هريرة- رضي الله عنه على هذا الوجه الذي ذكرناه في حديث أم سلمة نظر؛ لأن بين الحديثين بونا بعيدنا وهو أن حمل حديث أم سلمة على ما يقتضيه الظاهر مخالف للإجماع وذلك لأن الثوب إذا أصابته نجاسة لم يطهره إلا الغسل. وأما حديث أبي هريرة- رضي الله عنه فقد أخذ به غير واحد من فقهاء التابعين ومن بعدهم ثم إنه حديث حسن لم يطعن فيه. وأما حديث أم سلمة ففي إسناده مقال من قبل من يرويه عن أم سلمى وهي أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وهي مجهولة لم يعرف حالها في الثقة والعدالة.
[333]
ومنه حديث أبي المليح عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهي عن جلود السباع أن تفترش) إنما نهى عن لبس جلود السباع وافتراشها والركوب عليها؛ لأن ذلك من سنن الجبابرة ودأب المتكبرين وعمل المسرفين وسجية المترفين وعلى هذا فالنهي نهي تنزيه وأما من يذهب إلى نجاسة شعور الميتة، أو يذهب إلى أن جلود الميتة لا يطهر بالدباغ فإن النهي عنده نهي تحريم وأبو المليح أو أسامة بن عمير الهذلي رضي الله عنه وأحاديثه التي رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا راوي لها عنه غير ابنه أبي المليح واسمه عامر والمليح بفتح الميم وكسر اللام.
[334]
ومنه حديث عبد الله بن عكيم (أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
الحديث) ذهب بعض أهل العلم
من أصحاب الحديث إلى القول به وجعله ناسخا للأخبار الواردة في الدباغ لما في بعض طرقه (أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر).
والجمهور من العلماء على خلاف ذلك لا يرون القول بحديث [58/ب] ابن عكيم لأنه لا يقاوم الأحاديث التي وردت في هذا الباب صحة واشتهارا ثم إن عبد الله بن عكيم لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم وإنما حدث عن حكاية حاله ولو ثبت لكان من حق أن يؤول على أنه نهي عن الانتفاع به قبل الدباغ؛ لئلا يخالف الثابت الصحيح.
[335]
[ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ميمونة رضي الله عنها (لو أخذتم إهابها) (لو) هذه بمعنى (ليت، والذي لاقى بينهما أن كل واحدة من الكلمتين في معنى التقدير، ومن ثم أجيبتا بالفاء].