المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب آداب الخلاء - الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي - جـ ١

[التوربشتي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المصنف

- ‌كتاب الإيمان

- ‌ باب: إثبات عذاب القبر

- ‌ باب الاعتصام بالكتاب والسنة

- ‌ كتاب الطهارة

- ‌ باب ما يوجب الوضوء

- ‌ باب آداب الخلاء

- ‌ باب السواك

- ‌ باب الوضوء

- ‌ باب الغسل

- ‌ باب أحكام المياه

- ‌ باب تطهير النجاسات

- ‌ باب التيمم

- ‌ باب الغسل المسنون

- ‌ باب المستحاضة

- ‌ كتاب الصلاة

- ‌ باب المواقيت

- ‌ باب تعجيل الصلاة

- ‌ باب الأذان

- ‌ باب فضل الأذان، وإجابة المؤذن

- ‌ باب المساجد ومواضع الصلاة

- ‌ باب الستر

- ‌ باب السترة

- ‌ باب صفة الصلاة

- ‌ باب: ما يقرأ بعد التكبير [

- ‌ باب الركوع

- ‌ باب السجود وفضله

- ‌ باب التشهد

- ‌ باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ باب الذكر بعد الصلاة

- ‌ باب ما لا يجوز من العمل في الصلاة وما يباح منه

- ‌ باب السهو

- ‌ سجود القرآن

- ‌ باب أوقات النهي

- ‌ باب الجماعة وفضلها

- ‌ باب تسوية الصف

- ‌ باب الموقف

- ‌ باب الإمامة

- ‌ باب ما على المأموم من المتابعة وحكم المسبوق

- ‌ باب من صلى صلاة مرتين

- ‌ باب صلاة الليل

- ‌ باب ما يقول إذا قام من الليل

- ‌ باب التحريض على قيام الليل

- ‌ القصد في العمل

- ‌ باب الوتر

- ‌ باب القنوت

- ‌ باب قيام شهر رمضان

- ‌ باب صلاة الضحى

- ‌ باب التطوع

- ‌ صلاة التسبيح

- ‌باب الجمعة

- ‌ باب وجوب الجمعة

- ‌ باب التنظيف والتبكير

- ‌ باب الخطبة والصلاة

- ‌ باب صلاة الخوف

- ‌ باب صلاة العيدين

- ‌ فصل الأضحية

- ‌ باب العتيرة

- ‌ باب صلاة الكسوف

- ‌ باب صلاة الاستسقاء

الفصل: ‌ باب آداب الخلاء

ومن‌

‌ باب آداب الخلاء

(من الصحاح)

[214]

حديث عبد الله بن عمر- رضي الله عنه: (ارتقيت فوق بيت حفصة لبعض حاجتي

الحديث) ذهب ابن عمر- رضي الله عنهما إلى أن النهى ورد في الصحارى دون الأبنية لحديثه؛ هذا وذهب إلى قوله جمع من العلماء، نظرا منهم إلى الجمع بين الأخبار المختلفة، وخالفهم فيه آخرون.

وقد روى حديث النهى عن استقبال القبلة واستدبارها بغائط أو بول عن النبي صلى الله عليه وسلم جمع من الصحابة، منهم: أبو أيوب وسليمان وأبو أمامة وعبد الله بن الحارث ومعقل بن الهيثم ويقال معقل بن أبي معقل وأبو هريرة وسهل بن حنيف- رضي الله عنهم، ولم يذكر أحد منهم في روايته ما يدل على التفريق بين الصحاري والأبنية، بل بذكر أبو أيوب ما يد على تعميم النهى والتسوية بين الصحاري والأبنية، وهو قوله:(فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت قبل القبلة فننحرف عنها ونستغفر الله) وإنما استغفر مع الانحراف عنها لأنه اعتقد أنه منكر، فاستغفر عن رؤيته وترك التشدد في تغييره.

وقال الترمذي حديث أبي أيوب أحسن شيء في هذا الباب وأصح.

قلت: والنظر يقتضي التسوية بين الصحاري والأبنية لأنا لم نحد للنهى وجها سوى احترام القبلة، ومما يؤيد ذلك كراهية مواجهة تلك الجهة الشريفة بالبزاق والنخامة واستحباب صيانتها، عما يستخف بالحرمة، وهذا حكم لا يتغير بالبناء.

وأما حديث ابن عمر- رضي الله عنه ففي بعض طرقه الصحاح أنه قال: (يقول ناس إذا قعدت للحاجة، فلا تقعد مستقبل القبلة ولا بيت المقدس، ولقد رقيت على ظهر بيت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على لبنتين مستقبلا بين المقدس لحاجة) ففي هذا الحديث لم يذكر استدبار الكعبة، وإنما أنكر على من قال بالنهي عن استقبال بيت المقدس.

ص: 130

وأما حديثة الذي ذكرناه وفيه استدبار الكعبة فيحتمل أنه كان [43/ب] قبل النهي، ويحتمل أنه كان قد انحرف عن سمت القبل شيئا يسيرا بحيث خفى على ابن عمر أمره؛ ومما يدل على ذلك أن سمت القبلة بالمدينة لا يقع على السواء من سمت بيت المقدس بل بينهما مباينة، ولقد وجدت بعض أهل العلم ذكروا في كتبهم أن من استقبل بيت المقدس بالمدينة فقد استدبر الكعبة، وكنت أرى الأمر بخلافه لما شاهدت من التفاوت بين الموضعين في القبلة باستبانة آياتها من مطالع البروج ومغاربها، ومع ذلك فلم أعتمد على تلك المفايسة والشواهد الحسية حتى سألت أهل المعرفة بطول البلدان وعرضها عن ذلك، فبينوا لنا بالشواهد الهندسية تفاوت ما بين البلدين أعني: المدينة وبيت المقدس، فوجدنا طول المدينة على خمس وسبعين درجة وعشرين دقيقة، وعرضها على خمس وعشرين درجة، وطول بيت المقدس على ست وستين درجة وعشرين دقيقة وعرضها على اثنين وعشرين درجة ودقيقتين، وطول مكة على سبع وستين درجة وثلاث وثلاثين دقيقة وعرضها على إحدى وعشرين درجة وأربعين دقيقة، وإنما أضربنا عن بيان ذلك تخفيفا؛ لأنا لم نقتبس من ذلك العلم ما يحل به عقدة الإشكال ولا نحب أن يكون بصدده فاكتفينا بالنقل عمن يتعاطاه، فمن أحب الوقوف عليه بالبرهان من طريق الحساب فليراجع أهل هذا الفن فإنه يجد الأمر على ما ذكرناه.

قلت: قد روى عن جابر- رضي الله عنه أنه قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها)، وقد حمل جابر الأمر في ذلك على النسخ، وحديثه هذا لا يقاوم في الصحة حديث أبي أيوب، ولو ثبت فلعله صلى الله عليه وسلم انحرف عناه يسيرا ولم يشعر به جابر، أو كان في بعض أسفاره بحيث تشتبه القبلة على كثير من الناس، فحسب أنه متوجها إلى جهة الكعبة ولم يكن كذلك، وإنما أولناه على هذا للجمع بين الأحاديث، ولما في هذين الحديثين، أعني حديث ابن عمر وجابر من احتمال التأويل، مع أن أحاديث النهي مشتملة على ذكر الاستقبال والاستدبار والغائط والبول، ولم نجد في حديث ابن عمر أنه استقبل الكعبة وفي هذا نوع من الترجيح، والله يعلم أنا لم نسلك هذا المسلك اعتداء ولا عصبية بل تقريرا لما هو الأحوط والأولى بأولى العزائم، والله يتولى السرائر.

[216]

ومنه حديث أنس- رضي الله عنه (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد [44/أ] أن يدخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث). قال الخطابي: أصحاب الحديث يروونه (الخبث) ساكنة الباء، وكذلك رواه أبو عبيد في كتابه وقد فسره فقال: أما الخبث فإنه يعني به الشر، والخبائث فإنها الشياطين؛ قال أبو سليمان: وإنما هو الخبث مضمومة الباء جمع خبيث، وأما الخبائث فإنها جمع خبيثة، استعاذ بالله من مردة الجن ذكورهم وإنائهم، فأما الخبث ساكنة الباء فهو مصدر خبث يخبث خبثا، قلت: لقد أحسن

ص: 131

فيما ذكره مع معنى الحديث وفي إيراده هذا اللفظ في جملة الألفاظ التي يرويها الرواة ملحونة فنظر لأن الخبيث إذا جمع على ما ذكره يجوز أن يسكن منه الباء للتخفيف كما يفعل في سبيل سبل وسبل، ونظائرها من الجموع، وهذا الباب مستفيض في كلامهم غير نادر، ولا يع لأحد مخالفته إلا أن يزعم أن ترك التخفيف فيه أولى؛ لئلا يشتبه بالخبث الذي هو مصدر.

[217]

ومنه حديث ابن عباس- رضي الله عنه: (مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير)، أي: في أمر شاق عليهما؛ قال الله تعالى {وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} أي شاقة، والمعنى: إنهما يعذبان فيما لم يكن يكبر عليهما؛ تركه، ولا يجوز أن يحمل على أن الأمر في النميمة وترك التنزة عن البول ليس بكبير في حق الدين.

وفيه: (لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا)، وجه هذا التحديد أن نقول: إنه سأل الله التخفيف عنهما مدة بقاء النداوة فيهما، وقول من قال: وجه ذلك أن الغصن الرطب يسبح الله ما دام فيه النداوة فيكون مجيرا عن عذاب القبر، قول لا طائل تحته ولا عبرة به عند أهل العلم.

[218]

ومنه حديث أبي هريرة- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اتقوا اللاعنين) أي: الأمرين الجالبين للعن، وإنما أضاف الفعل إليهما على سبيل السببية؛ لأنهما لما صارا سببا لذلك كانا كأنهما اللاعنان، ومنه: حديث معاذ- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الملاعن الثلاث)، الملاعن: جمع ملعنة وهي الفعلة التي يلعن فاعلها كأنها مظنة اللعن ومعلم له، كما يقال:(ترك العشاء مهرمة)، (وأرض مأسدة) وفيه:(الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم)، أي تخلى الذي يتخلى في طريق الناس، عبر عن الفعل بفاعله، ومعنى أو في ظلهم أي: متظلمهم الذي اتخذوه مناخا ومقيلة، وفي هذا النوع من الظل ورد النهي دون سائر الظلال، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم[44/ب] قعد تحت حائش من النخل لحاجته، وهو المجتمع من الشجر نخلا كان أو غيره، ولابد أن يكون للحائش ظل.

ص: 132

[220]

ومنه: حديث أبي هريرة- رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:(من توضأ فليستنثر، ومن استجمر فليوتر):

قد ذكرنا معنى الاستنثار، فأما الاستجمار فالمراد به: الاستنجاء، ومعناه: التمسح بالجمار، وهي الأحجار الصغار، والإيتار: أن يتحراه وترا، ثلاثا أو خمسا، أوتر فلان الشيء: إذا أفذه، وأوتر صلاته: إذا أتى بها وترا.

[221]

ومنه: حديث أنس- رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء، فأحمل أنا وغلام إداوة من ماء، وعنزة، يستنجى بالماء).

الخلاء: المتوضأ، سمى بذلك؛ لأن الإنسان يخلو فيه بنفسه- وهو ممدود- والخلاء، أيضا: المكان الذي لا شيء فيه، والإداوة: المطهرة، والعنزة بالتحريك: أطول من العصا، وأقصر من الرمح، وفيها سنان مثل سنان الرمح، وإنما كانوا يجعلون العنزة مع صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان إذا أتى الخلاء، أبعد حتى لا تراه عيون الناظرين؛ فيتخذون العنزة؛ لمقاتلة عدو إن حضر، ومساورة سبع، ومدافعة هامة، ثم لنبش الأرض إذا كانت صلبة؛ لئلا يرتد إليه البول. والاستنجاء: إزالة النجو، وهو العذرة، والنجوة: ما ارتفع من الأرض، جعل كناية عن الحدث؛ لأن صاحب الحاجة كان يتستر بها، فيقضى حاجته تحتها؛ كما جعل الغائط كناية عنه، وهو المطمئن من الأرض، وكانوا ينتابونه للحاجة.

وقيل: أصل الاستنجاء: نزع الشيء من موضعه، وتخليصه منه؛ يقال: نجوت غصون الشجرة: إذا قطعتها، واستنجيت الشجر: قطعته من أصله، والنجاة: الغصن؛ يقال: فلان في أرض نجاة: يستنجى من شجرها العصي والقسي.

ص: 133

(ومن الحسان)

[223]

حديث جابر:رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد البراز

الحديث).

البراز- يفتح الباء- اسم للفضاء الواسع؛ كنوا به عن حاجة الإنسان؛ كما كنوا بالخلاء والحش عنه، يقال: تبرز: إذا تغوط.

وللعرب عادة حسنة في هذا الباب وأمثاله مما يفحش ذكره، أو يستحيا منه؛ فيتعففون في ألفاظها باستعمال الكناية؛ صيانة للألسنة عما تصان عنه الأبصار والأسماع؛ أو يتنفر عنه الطباع.

وكسر الباء من (البراز) غلط، وكذلك يرويه عوام المحدثين؛ فيحرفون اللفظ والمعنى؛ فإن (البراز) - بالكسر: مصدر المبارزة في الحرب.

[224]

ومنه: حديث أبي موسى- رضي الله عنه: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يبول، فأتى دمثا

الحديث).

الدمث: المكان السهل [45/أ] اللين الذي يخمد فيه البول. وقوله: (ليرتد) أي: ليطلب.

قال الخطابي: ويشبه أن يكون الجدار الذي قعدت إليه النبي صلى الله عليه وسلم جدارا عاديا غير مملوك لأحد؛ فإن البول يضر بأصل البناء، ويوهى أساسه، وهو صلى الله عليه وسلم لا يفعل ذلك في ملح أحد، إلا بإذنه، أو يكون قعوده متراخيا عن جذم البناء، ولا يصيبه البول، فيضر به.

[226]

ومنه: حديث أبي هريرة- رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (إنما أنا لكم مثل الوالد

الحديث).

ص: 134

إنما: افتتح الكلام في هذا الموضع بهذا القول؛ رفعا للخشية، ودفعا للاستحياء عن هذه المسألة.

و (الرمة) - بكسر الراء، وتشديد الميم-: العظم البالي، والجمع: رمم ورمام؛ تقول منه: رم العظم يرم- بالكسر- رمة؛ فهو رميم، ويقال: إنما سميت (رمة)؛ لأن الإبل ترمها، أي: تأكلها.

[228]

ومنه: حديث عائشة- رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إذا ذهب أحدكم إلى الغائط، فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن).

(يستطيب بهن) أي: يستنجى بهن، وسمي الاستنجاء استطابة؛ لما فيه من إزالة النجاسة، وتطهير موضعها من البدن.

[230]

ومنه: حديث رويفع بن ثابت- رضي الله عنه، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رويفع، لعل الحياة ستطول بك بعدي؛ فأخبر الناس أن من عقد لحيته

الحديث)

(طال الحياة به) أي: امتد، والباء في قوله: (بك بمعنى الإلصاق، وتقدير الكلام: لعل الحياة سيمتد ملتصقا بك، ومستمرا.

وعقد اللحية: معالجتها حتى تنقعد وتتجعد من قولهم: جاء فلان عاقدا عنقه: إذا لواه كبرا، والذئب الأعقد: الملتوى الذنب.

والمعنى: من لواها وجعدها.

وإنما كره ذلك؛ لما فيه من التوضيع والتأنيث والتشبيه بمن ليس من أهل الملة.

ويقال: إن أهل الجاهلية كانوا يعقدونها في الحروب، وكذلك الأعاجم.

ص: 135

والأول هو الأوجه.

وفيه: (أو تقلد وترا): أراد به وتر القوس، وقد كانوا يفعلون ذلك، ويزعمون أنه يرد العين، ويعصم عن الآفات، ويجعلونه في عنق الخيل؛ ومنه الحديث:(قلدوا الخيل، ولا تقلدوها الأوتار). كان مالك- رحمه الله يقول: كانوا يقلدونا أوتار القسى، لئلا تصيبها العين، يعني: على حسب ما كانوا يعتقدونه، فأمرهم بقطعها؛ إعلاما من بأن ذلك لا يرد من أمر الله شيئا.

قلت: وقد قيل: إنه نهى عن ذلك؛ حذرا عن اختناق الخيل عند شدة الركض.

وقيل: إنه أراد بـ (الوتر) الذحل، أي: لا تطلبوا عليها الذحول التي وترتم بها في الجاهلية.

وقيل: لأنهم كانوا يعلقون الأجراس عليها.

وفيه: (أو استنجى برجيع دابة [45/ب] قال أبو عبيد: الرجيع يكون الروث والعذرة جميعا؛ لأنه رجع عن حاله الأولى بعد أن كان طعاما أو علفا، إلى غير ذلك.

وفيه: (فإن محمد منه بريء): البراء والتبرى: التقصى مما تكره مجاورته، وهذا من باب الوعيد والمبالغة في الزجر.

[231]

ومنه: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة صلى الله عليه وسلم: (فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم).

فسره أبو سليمان، فقال: أمر صلى الله عليه وسلم بالتستر ما أمكن، وأن لا يكون قعود الإنسان في براح من الأرض تقع عليه أبصار الناظرين، فيتعرض لانتهاك الستر، أو تهب عليه الريح، فيصيبه نشر البول، فيلوث ثيابه وبدنه؛ وكل ذلك من لعب الشيطان به وقصده إياه بالأذى والفساد.

ص: 136

[233]

ومنه: حديث عبد الله بن سرجس- رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:(لا يبولن أحدكم في جحر).

وجه النهى: أن الجحر مأوى الهوام المؤذية وذوات السموم؛ فلا يؤمن أن تصيبه مضرة من قبل ذلك.

ويقال: إن الذي يبول في الجحر، يخشى عليه عادية الجن، وقد نقل أن سعد بن عبادة الخزرجي قتلته الجن؛ لأنه بال في جحر بأرض حوران.

[235]

ومنه: حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: (لا يخرج الرجلان يضربان الغائط

).

معنى قول: (يضربان الغائط) أي: يأتيانه، والضرب: الإسراع في السير، والأصل فيه: أن الذاهب في الأرض يضربها برجليه، ويقال: ضربت الأرض: إذا أتيت الخلاء، وضربت في الأرض: إذا سافرت.

[236]

ومنه: حديث زيد بن أرقم- رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:(إن الحشوش محتضرة). الحش يفتح الحاء وضمها: بستان النخيل، والجمع: الحشان، مثل: ضيف وضيفان، والحش- أيضا: المخرج؛ لأنهم كانوا يقضون حوائجهم في البساتين، والجمع: حشوش.

ص: 137

ومعنى قوله: (محتضرة) أي: تحضرها الشياطين، وترصد بني آدم بالأذى والفساد؛ لأنها مواضع تكشف فيها العورات، وتهجر عن ذكر الله؛ فيتمكنون عنهم في تلك المواضع ما لا تتمكن في غيرها من المواضع.

[238]

ومنه: حديث عائشة- رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء، قال: غفرانك!).

الغفران: مصدر كالمغفرة، والمعنى: أسألك غفرانك، وقد ذكر العلماء في تعقيبه صلى الله عليه وسلم الخروج من المتوضأ بهذا الدعاء وجهين:

أحدهما: أنه استغفر من الحالة التي اقتضت هجران ذكر الله؛ فإنه كان يذكر الله على سائر أحواله، إلا عند الحاجة.

والآخر: أنه وجد القوة البشرية قاصرة عن الوفاء بشكر ما أنعم الله عليه، من تسويغ الطعام والشراب، وتقديره القوى المفطورات [46/أ] لمصلحة البدن، وترتيب الغداء من حين التناول إلى أوان المخرج؛ فلجأ إلى الاستغفار؛ اعترافا بالقصور عن بلوغ حق تلك النعم.

[239]

ومنه: قول أبي هريرة- رضي الله عنه: (فأتيته بماء في تور).

قال الجوهري: (هو إناء يشرب فيه).

وقيل: هو شبه إجانة من صفر، أو حجارة يتوضأ فيه ويؤكل؛ وهذا أشبه لما في حديث أم سليم؛ أنها صنعت حيسا في تور.

[340]

ومنه: حديث الحكم بن سفيان الثقفى- رضي الله عنه (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بال، توضأ، ونضح فرجه).

قيل: إنه كان يفعل ذلك؛ قطعا للوسوسة.

وقد أجاره الله تعالى عن تسلط الشيطان؛ فلعله كان يفعل ذلك؛ تعليما للأمة، أو يفعل ذلك؛ ليرتد البول، ولا ينزل منه الشيء بعد الشيء.

ويحتمل: أن يكون النضح في هذا الحديث- بمعنى الغسل، وسنذكر بيان ذلك في موضعه؛ إن شاء الله.

ص: 138

[241]

ومنه: قول أميمة بنت رقيقة في حديثها: (كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان

) الحديث العيدان جمع عود [46/ب](.....) كالأعواد، وإنما جمعته إرادة لبيان الجنس أي مما يتخذ من العيدان ويعمل.

[242]

ومنه: قول المؤلف- بعد حديث عمر- رضي الله عنه: (قد صح عن حذيفة- رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم، فبال قائما).

قلت: أورد هذا الحديث مورد الناسخ لحديث عمر- رضي الله عنه.

والأظهر: أن النهي عن البول قائما باق على ما كان، وإنما بال قائما حين أتى سباطة قوم، وهو: ملقى التراب والقمام ونحوه؛ لأنه لم يجد للعقود مكانا؛ فاضطر إلى القيام؛ لأن السباطة لا تمكن الشخص من القعود، إلا إذا جعل الطرف المرتفع منها وراء ظهره، وحينئذ: تبدو للمارة عورته، وإن استقبلها بوجهة، خيف عليه أن يقع على ظهره، مع احتمال ارتداد البول على وجهه.

وإضافة السباطة إلى القوم ليست بإضافة ملك، بل كانت في ديارهم ومحلتهم، وكانت مواتا مباحة.

وقد قيل: إن العرب كانت تستشفى بالبول قائما لوجع الصلب؛ فيمكن أنه بال قائما لعلة به إذ ذاك من وجع الصلب.

وتعليل حديث حذيفة بما بدأنا بذكر أولى من تعليله بهذا القول؛ لأنه الأظهر.

وأما بوله قائما لعلة به فقد رواه أبو هريرة، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال قائما لجرح بمآبضه، والمآبض: باطن الركبة من كل دابة؛ فالبول قائما منهى عنه، إلا إذا كان لعذر، ففي حديث حذيفة، والمغيرة بن شعبة: يحمل الأمر على ما ذكرنا من العلة؛ لأنها علة مستخرجة من نفس الحديث، والعلة في حديث أبي هريرة: مذكورة فيه، وقد وجدنا في حديث آخر: أن عمر- رضي الله عنه بال قائما، وقال: البول قائما أحصن للدبر؛ فلابد أن يكون فعله هذا مقترنا بعذر؛ لأنه من جملة رواة حديث النهي عن [46/ب] رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن ليخالفه به، فيحمل ما روى عنه أنه بال قائما على أنه كان على حال لم يأمن معها استرخاء، ويدل على ما ذكرناه قوله: البول قائما أحصن للدبر، هذا هو الوجة لئلا يلزم من وجه يخالفه تعطيل أحد الخبرين والله أعلم.

ص: 139