الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التثويب: قول المؤذن في أذان الفجر- بعد قوله: (حي على الفلاح) - (الصلاة خير من النوم)؛ وإنما سمي تثويبا؛ أنه رجوع إلى الأمر بالمبادرة إلى الصلاة، والراجع هو ثائب؛ يقال: ثاب الرجل: إذا رجع بعد ذهابه، والمؤذن إذا قال:(الصلاة خير من النوم)، بعد قوله:(حي على الصلاة)، حي على الفلاح) فقد رجع إلى كلام يثول إلى الأمر بالمبادرة إلى الصلاة.
ويحتمل: أن سمي تثويبا؛ لأنه وضع موضع المبالغة في الدعاء.
والتثويب- في كلامهم- ورد بهذا المعنى، والأصل في المستصرخ كان إذا بالغ في الدعاء للكشف فيما نابه- لوح بثوبه؛ ليراه من لم يكد أن يبلغه صوته؛ فيغيثه؛ فاستعمل ذلك في الدعاء إلى الصلاة؛ لأنها الأمر العظيم، والمبالغة في الدعاء إليها هي الأمر المندوب إليه؛ يقال: ثوب فلان بالصلاة: إذا دعا إليها، ولهذا أطلق التثويب على الإقامة.
ومن
باب فضل الأذان، وإجابة المؤذن
(من الصحاح)
[428]
حديث معاوية- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة): يحتمل: أنه صلى الله عليه وسلم وصفهم بطول الأعناق؛ لما يمتد إليه أعناقهم من ثواب الله، أو: لأنهم يشرئبون يومئذ تحقيقا لطعمهم في دخول الجنة.
وقال ابن الأعرابي: معناه: أكثر الناس أعمالا. يقال: (لفلان عنق من الخير) أي: قطعة.
وقد قيل: إن طول الأعناق في هذا الحديث عبارة [68/ب] عن حلو الدرجة، وحسن السابقة، والتقدم في المنزلة؛ فإن العرب تصف السادة والرؤساء بطول الأعناق حتى قال قائلهم:
يشبهون سيوفا في صمامهم .... وطول أنصبة الأعناق في الأمم
وتصف من ألم به الهوان والذلة، ووقع في مهواة الحيرة: والانمطاع والإقناع وخضوع الأعناق؛ قال الله تعالى: {فظلت أعناقهم لها خاضعين} .
وهذا وجه حسن؛ وكذلك الوجه الذي قدمناه؛ لما فيهما من مراعاة حق العباة والمطابقة بين حال المؤذنين وبين ما وصفوا به؛ وذلك أنهم يمدون أعناقهم إذا رفعوا أصواتهم بالأذان؛ فيجازون في القيامة بما يناسب حالهم في العبادة.
ومن الناس: من يقول: (إعناقا) مكسورة الهمزة على المصدر، أي: إسراعا إلى الجنة؛ وهو قول غير معتد به رواية ومعنى.
[429]
ومنه: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة: (حتى إذا ثوب بالصلاة، أدبر).
يعني: الإقامة؛ لأنه ذكر التأذين قبله، فعلمنا من هذين الحديثين- أعني حديث بلال، وحديث أبي هريرة- أن التثويب المنهى عنه- فيما عدا صلاة الفجر- هو ما يزيده المؤذن في أذانه من قول يرجع إلى معنى المبالغة في الدعاء، والتثويب الذي بمعنى الإقامة: خارج من جملته.
فأما النداء بالصلاة الذي يعتاده الناس بعد الأذان على أبواب المساجد- فغنه بدعة يدخل في القسم المنهى عنه، وقد نقل عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنه دخل مسجدا في بعض مغازيه، فسمع مناديا ينادى:(الصلاة الصلاة!)، في غير أذان ولا إقامة؛ فخرج ولم يصل فيه، وقال: هذه بدعة!
[430]
ومنه: حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يسمع مدى صوت المؤذن
…
الحديث).
مدى صوت المؤذن، أي: غاية صوته، وإنما ورد البيان على الغاية من حصول الكناية، بقوله:(لا يسمع صوت المؤذن)؛ تنبيها على أن آخر من ينتهى إليه صوت المؤذن يشهد له؛ كما يشهد الأولون، وفيه حث على استفراغ الجهد في رفع الصوت بالأذان.
والمراد من شهادة الشاهدين له- وكفي بالله شهيدا!: اشتهاره يوم القيامة فيما بينهم بالفضل وعلو الدرجة، ثم إن الله سبحانه، كما يهين قوما بشهادة الشاهدين عليهم؛ تحقيقا لفضوحهم على رءوس الأشهاد، وتسويدا لوجوهم، فكذلك يكرم قوما بشهادة الشاهدين؛ تكميلا لسرورهم، وتطييبا لقلوبهم، وبكثرة الشهود تزداد قرة عيونهم؛ فأخبر أن المؤذنين كلما كانت أصواتهم أجهر، كانت شهودهم أكثر.
[433]
ومنه: حديث جابر- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال حين يسمع المؤذن: (اللهم، رب هذه الدعوة التامة).
قيل: إنما وصف (الدعوة) بـ (التمام)؛ لأنها ذكر الله- عز وجل يدعى بها إلى عبادته، وهذه الأشياء وما والاها: هي التي تستحق صفة الكمال والتمام، وما سوى ذلك من أمور الدنيا يعرض النقص والفساد.
ويحتمل: أنها وصفت بـ (التمام)؛ لكونها محمية عن النسخ والإبدال، باقية إلى يوم التناد، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم (والصلاة القائمة) أي: الدائمة التي لا تغيرها ملة، ولا تنسخها شريعة.
وفيه: (آت محمدا الوسيلة).
الوسيلة: ما يتقرب به [69/أ] إلى الغير؛ يقال: وسل فلان إلى ربه وسيلة، وتوصل إليه بوسيلة: إذا تقرب إليه بعمل، والمراد بها في الحديث: منزلة في الجنة مفسرة بقوله صلى الله عليه وسلم: (ثم سلموا الله لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة).
وإنما سميت (وسيلة)؛ لأن خصيصى القربة أفضت به إلى تلك المنزلة، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم في مقام القربة وحال التوسل إلى الله؛ بحيث لا يناهضه أحد خص في الجنة بمنزلة لا يناصبه فيها أحد.
[436]
ومنه: حديث عبد الله بن مغفل، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين صلاة
…
الحديث). أراد بـ (الأذانين): الأذان والإقامة، والعرب قد تحمل أحد الاسمين على الآخر؛ فتجمع بينهما في التسمية؛ طلبا للتخفيف؛ كقولهم:(سنة العمرين)، وكقولهم:(العصران): للغداة والعشى. و (الأسودان): للماء والتمر، والحية والعقرب.
وقد ذهب بعض من يرى كراهة الضلاة بين أذان المغرب وإقامتها: إلى أن المراد منهما: الأذان الحقيقي، ويقضى على هذا التأويل: قوله صلى الله عليه وسلم: (لمن شاء)، وهذا يدل على أن الأمر إليه: إن شاء صلى، وإن شاء لم يصل، ولو صرف إلى الأذان الحقيقي، لم يجز أن يكون المأمور بها مخيرا فيها.
ولو قال هذا القائل: أنه يحمل على السنن، لم يصح- أيضا؛ لأن الصحابي الذي يرويه يقول:(كراهية أن يتخذها الناس سنة).
فصح أن المراد منهما: الأذان والإقامة.
وإنما ذهب أبو حنيفة- رحمة الله عليه- إلى كراهة النافلة قبل صلاة المغرب؛ لحديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن عند كل أذان ركعتين ما خلا صلاة المغرب)، وقد روى عن النخعي أنه قال: ركعتان قبل المغرب بدعة؛ وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر لم يصلوها.
قلت: وقد نقل خلاف ذلك عن عبد الرحمن بن عوف، وأبي، وأنس، وغيرهم من الصحابة، رضي الله عنهم
قال الطحاوي: يحمل الأمر فيه على أنهم لم يعلموا بالنسخ الذي علمه بريدة، وقد سقط نسخ التطبيق في الصلاة عن ابن مسعود، وسقط عن علي وابن عمر إباحة لحوم الأضاحي بعد ثلاث، مع جلالة أقدارهم في العلم، رضي الله عنهم؛ فكذلك سقط عن المذكورين نسخ الركعتين قبل المغرب.
(ومن الحسان)
[437]
حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الأئمة ضمناء
…
الحديث).
معناه: أن الأئمة متكلفون بمصالح دينكم في أمر الصلاة، فيتحملون عنكم القراءة، ويتحملون عنكم القيام إذا أدركتموهم راكعين، ثم إنهم يحفظون عليم أعداد الركعات، ويتولون السفارة بينكم وبين ربكم عند الدعاء.
ومعنى الضمان- في هذا الحديث- راجع إلى معنى الحفظ والرعاية، وليس من الغرامة في شيء [69/ب].
وفيه: (والمؤذنون أمناء).
أي: على الأوقات؛ فيعمل الناس على أذانهم في صلاتهم وصومهم وفطرهم وغير ذلك.
(فأرشد الله الأئمة)، أي: آتاهم رشدهم؛ فجعلهم راشدين فيما تكلفوا به وتولوا رعايته من أمر الدين وتدار المؤذنين بمغفرته؛ جزاء على ما تحملوه من الأمانة.
[439]
ومنه: حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: يعجب ربك
…
الحديث).
أي: يعظم ذلك عنده؛ فإن من شأن المتعجب عن الشيء أن يعظم عنده ذلك الشيء.
وقيل: يرضى بك.
وفيه: (في رأس شظية من الجبل).
قال الأزهري: الشظية والشنظية: فنديرة من فنادير الجبل، والفندير والفنديرة: هي الصخرة العظيمة تندر من رأس الجبل.
[441]
ومنه: حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:(يغفر للمؤذن مدى صوته).
مدى الشيء: غايته، والمعنى: أنه يستكمل مغفرة الله إذا استوفى وسعه في رفع الصوت؛ فبلغ الغاية من المغفرة إذا بلغ الغاية من الصوت.
على هذا الوجه فسره أبو سليمان الخطابي، قال: وفيه وجه آخر، وهو أنه كلام تمثيل وتشبيه، يريد أن المكان الذي ينتهى إليه الصوت لو يقدر أن يكون ما بين وبين مقامه الذي هو فيه ذنوبا تملأ تلك المسافة- لغفرها الله.
[442]
ومنه: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عثمان بن أبي العاص، رضي الله عنه:(واقتد بأضعفهم).
المراد من الاقتداء- في هذا الحديث- متابعة الإمام أضعف المقتدين به في تخفيف الصلاة على ما يحتمله: متنه، وتقتضيه حاله التي هو عليها، وإنما ذكره بلفظ (الاقتداء)؛ تأكيدا للأمر المحثوث عليه؛ لأن من شأن المقتدى أن يتابع المقتدى به، ويجتنب خلافه.
[446]
ومنه: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث سهل بن سعد- رضي الله عنه: (حين يلحم بعضهم بعضا): ذكر بعض الحفاظ في مصنفه تفسير ذلك فقال: أي تشتبك الحرب فيلزم بعضها بعضا.
يقال: ألحمه القتال ولحمه، أي: لزبه وغشيه؛ وكذا إذا نشب فيه فلم يبرح.