الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن
باب الذكر بعد الصلاة
(من الصحاح)
[654]
حديث عائشة- رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول
…
الحديث) هذا القول منها إنما هو في الصلوات التي شرعت السنة بعدها دون سائر الصلوات؛ فإنه
- صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الصبح قعد في مصلاه حتى تطلع الشمس، فتبين لنا من ذلك أن المراد من هذا القول أنه لم يكن يلبث (بين) الفريضة والنهوض إلى إقامة السنة إلا مقدار ما يقول (اللهم أنت السلام) الحديث، ومعنى أنت السلام أي السالم من المعائب والحوادث والغير والآفات وقد ذكرناه فيما مر. و (منك السلام) أي السلامة والمعنى أي منك يرجى ويستوهب ويستفاد، و (إليك يرجع)، الرجوع: العود إلى ما كان البدء، والرجع: الإعادة. والمعنى أن السلام منك وإليك بدءا وعودا في حالتي الإيجاد والإعدام.
قلت: وقوله (وإليه يرجع السلام) محتمل لمعنى آخر وهو قصر السلامة على ما يصح أن يضاف إلى الله تعالى رضا فيبتغي به وجهه ويتوسل به إليه وما عدا ذلك فليس من السلامة في شيء؛ وإن عده الناس منها. وأرى قوله (منك السلام وإليك يرجع السلام) واردا مورد البيان لقوله: (أنت السلام)، وذلك أن الموصوف بالسلامة فيما يتعارفه الناس لما كان هو الذي وجد بعرضة آفة ممن يصيبه بضرر أو مما يلحقه منه ضرر- وهذا مما لا يتصور في صفات الله ثم بين أن وصفه سبحانه بالسلام لا يشبه أوصاف المخلوقين- فإنهم بصدد الافتقار، وهو المتعالي عن ذلك فهو السلام الذي يعطي السلامة ويمنعها ويبسطها ويقبضها لا تبدأ إلا منه ولا تعود إلا إليه.
وفيه (تباركت ذا الجلال والإكرام) تبارك تفاعل من البركة وقد مر تفسيره من قبل والمعنى كثرت خيراتك الإلهية واتسعت. وذهب بعضهم في معناه إلى البقاء والدوام، وبعضهم إلى الجلال والعظمة، وقيل باسمه وذكره تنال البركة والزيادة ونفى المحققون أن تبارك في وصفه سبحانه على معنى الزيادة؛ لأنه ينبئ عن النقصان.
وفيه (ذا الجلال والإكرام) ومعناه المستحق لأنه يهاب لسلطانه ويثنى عليه بما يليق بعلو شأنه. والجلال والجليل؛ يقال: جليل بين الجلالة. والجلال: عظم القدر، والجلال: التناهي في ذلك، والإكرام مصدر
أكرم يكرم والمعنى أن الله سبحانه يستحق أن يجل ويكرم فلا يجحد ولا يكفر به، وهو الرب الذي يستحق على العباد الإجلال والإكرام، ويحتمل أن يراد به إكرام أهل ولايته بالتوفيق لطاعته في الدنيا وإجلالهم بقبول الأعمال ورفع الدرجات في الآخرة، ويحتمل أن يكون الجلال مضافا إلى الله لمعنى الصفة والإكرام مضافا إلى العبد لمعنى الفعل منه ونظيره في التنزيل {هو أهل التقوى وأهل المغفرة} فأحد الأمرين منصرف إلى الله تعالى على معنى الصفة وهو المغفرة والآخر إلى العباد بمعنى الفعل وهو التقوى.
[660]
ومنه: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث كعب بن عجرة- رضي الله عنه (معقبات لا يخيب قائلهن) أي كلمات يأتي بعضها بعقب بعض، والمعقبات اللواتي يقمن عند أعجاز الإبل المعتركات على الحوض فإذا انصرفت ناقة دخلت مكانها أخرى وهي الناظرات للعقب، فكذلك هذه التسبيحات كلما مرت كلمة نابت مكانها أخرى، وقيل سمين معقبات لأنهن عدن مرة بعد مرة وكل من عمل عملا ثم عاد إليه فقد عقب.
قلت: وأرى هذا القائل فسره على التعقيب الذي هو التردد في طلب الشيء والجد فيه قال لبيد- رضي الله عنه:
حتى نهجر في الرواح وهاجها
…
طلب المعقب حقه المظلوم
وأما ما ورد في الحديث (من عقب صلاة فهو في الصلاة) فليس من المعقبات في شيء وإنما هو الجلوس بعد أن تقضي الصلاة لدعاء أو مسألة، وذلك لأن (91/أ) المعقب يخلف بأعقاب الناس.
(ومن الحسان)
[662]
حديث أبي أمامة- رضي الله عنه (قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع .... الحديث) أي أقرب إلى الإجابة وأسرع إجابة وقد ذكرنا تفسيره فيما مر.
وقوله: (جوف الليل الآخر) وردت الرواية فيها بالرفع والنصب، والرفع أكثر، فمن رفع فقد جعل