الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عوقب منهم نقي وهذب ومن مات منهم على الشهادتين يخرج من النار وإن عذب بها ويناله الشفاعة وإن اجترح الكبائر [كلها] وأعطاهم إياه بأن تجاوز عنهم ما وسوست به صدورهم ما لم يعملوا به أو يتكلموا إلى غير ذلك من الخصائص التي خص الله تعالى بها هذه الأمة كرامة لنبيه المكرم وجهه بالمقام المحمود ?.
ومن
باب صلاة الاستسقاء
(من الصحاح)
[1017]
(كان النبي ? لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء) اي لم يكن يرفعهما كل الرفع، وهو أن يرفع يديه حتى يجاوز بهما رأسه وإنما أولناه على هذا الوجه؛ لأن رفع اليدين في الدعاء سنة ثابتة ويدل على صحة هذا التأويل بقية الحديث وهي قوله (فإنه يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه).
[1018]
ومنه: حديث الآخر حديث أنس رضي الله عنه (كان النبي ? إذا استسقى أشار بظهر كفيه إلى السماء) المعنى أنه كان يجعل بطن كفيه إلى الأرض وظهرهما إلى السماء يشير بذلك إلى قلب الحال ظهراً لبطن، وذلك مثل صنيعه في تحويل الرداء، ويحتمل وجهاً آخر، وهو أنه جعل بطن كفيه إلى الأرض إشارة إلى مسألته من الله تعالى بأن يجعل بطن السحب إلى الأرض لينصب ما فيه من المطر كما أن الكف إذا جعل وجهها إلى الأرض انصب ما فيها من الماء.
[1019]
ومنه: حديث عائشة رضي الله عنها (ان رسول الله ? كان إذا رأى المطر قال: صيباً نافعاً) صيباً: انتصابه بفعل محذوف أي: أرسل إلينا أو نسألك. والصيب: السحاب ذو الصوب.
ومنه قوله ? في حديث أنس رضي الله عنه لأن حديث عهد بربه) أراد بذلك قرب عهد، بالفطرة وأنه هو الماء المبارك الذي أنزله الله تعالى من المزن ساعتئذ فلم تمسسه الأيدي الخاطئة، ولم يكدره ملاقاة أرض عبد عليها غير الله سبحانه فتبركت به لذلك.
(من الحسان)
[1021]
حديث عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري المازني مازن بن النجار رضي الله عنه (خرج رسول الله ? إلى المصلى فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القلبة فجعل عطافه الأيمن) الحديث.
العطاف: الرداء، وكذلك المعطف بالكسر وقد تعطفت بالعطاف أي ارتديت بالرداء، ومنه سمي السيف عطافاً وسمي الرداء عطافاً لوقوعه على العطفين، وهما الجانبان، والهاء في قوله (فجعل عطافه) يحتمل أن يكون راجعاً إلى الرداء، وإنما أضافه إلى الرداء لأنه أراد [125/أ] أحد شقي العطاف الذي عن يمينه ومن شماله أي جعل جانب عطافه الذي يلي يمينه، ويحتمل أن يكون كناية عن النبي أي: جانب رداءه الأيمن.
[1023]
ومنه: حديث آبي اللحم رضي الله عنه أنه (رأى النبي يستسقي عند أحجار الزيت) آب اللحم بمد الهمز رجل من قدماء الصحابة وكبارهم أبى أن يأكل اللحم فقيل له: آبى اللحم، وقيل إنه كان يأبى أن يأكل مما ذبح على النصب، واختلف في اسمه فقيل: عبد الله بن عبد الملك، وهو الأكثر، وغير ذلك، وهو من غفار وله شرف استشهد يوم حنين، وأحجار الزيت: موضع بالمدينة من الحرة، ولعلها سميت بذلك لسواد أحجارها كأنما صب عليها الزيت.
وفي حديث ذكر أيام الحرة عن النبي (تغمر الدماء أحجار الزيت) ومن رواة كتاب أبي عيسى من يرويه (عند أحجار الليث) ومن الناس من يقول (عند أحجار البيت) وليس بشيء، هذا الحديث أسند في كتاب أبي داود إلى عمير مولى آبى اللحم، وعمير قد روى عن النبي أحاديث وله صحبة، أما هذا الحديث فإنما يرويه عن فإنما يرويه عن النبي آبى اللحم، ورواه عن عمير، ولا يعرف لآبى اللحم حديث غير هذا.
[1026]
ومنه: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه (رأيت رسول الله يواكي الاستسقاء). قيل معناه: التحامل على اليدين إذا رفعهما ومدهما في الدعاء، فجعلوه من التوكؤ، وهو التحامل على العصا، فأصل التاء في التوكؤ واو حولت تاء لوقوعها من الكلمة في الظرف.
وفيه (مريئاً) أي: هنيئاً صالحاً كالطعام الذي يمرأ، ومعناه: الخلو عن كل ما ينغصه كالهدم والغرق ونحوهما، ويحتمل أن يكون بغير همز ومعناه: مدراراً من قولهم: ناقة مريء أي: كثيرة اللبن، ولا أحققه رواية.
وفيه (مريعاً) يروى بالياء وهو المخضب الناجع في المال يقال: أمرع المكان إذا أخضب، وإذا جعل من المراعة فتح ميمه، وعلى هذا الوجه فسره الخطابي، ويقال: مكان مريع أي خصيب، أورده صاحب الغربيين أيضاً في باب الميم مع الراء.
قلت: ولا اختصاص لهذا اللفظ بهذا الباب فإنه يقال: من الريع أيضاً أو من مريعه بفتح الميم أي: مخصبة كذا أورده الجوهري في كتابه فصل الراء من باب العين، وهذا الفظ بضم ميمه، وهو أشبه وقد قيدته كذلك ولم تحضرني الرواية، وعلى هذا يكون من أراع الطعام إذا صارت له زيادة في العجن والخبز وأراعت الإبل إذا كثرت أولادها، ويكون المعنى: اسقنا غيثاً كثير النماء ذا ريع ويروى بالباء [125/ب] وهو المغني عن الارتياد لعمومه، فالناس يربعون حيث كانوا، يقال: أربعوا اي أقاموا في المربع عن الارتياد، وقال الخطابي: أي: منبتاً للربيع، وكأن الأول هو الأعرب؛ لأن الأرباع بمعنى إنبات الربيع قلما ذكر في كلامهم، ويروى مرتع بالتاء أخت الطاء، وهو الذي ينبت ما يترع فيه الإبل، وفي كلامهم: غيث مربع.
وفيه: (فأطبقت عليهم السماء) أي أطبقت عليهم بالمطر من قولهم أطبق عليه الحمى وهي التي تدوم فلا
تفارق ليلاً ونهاراً، ويحتمل أنه أراد أصابتهم السماء بالمطر العام، والمستعمل في هذا المعنى التطبيق يقال: طبق الغيم تطبيقاً إذا أصاب بمائة جميع الأرض، يقال: مطر طبق أي عام، ومنه الحديث (اللهم اسقنا غيثاً طبقاً) أي مالئاً للأرض.
ومن الفصل الذي يليه
[1035]
قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس وهو من الحسان (اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً) ذكر الخاطبي في معناه: أن الرياح إذا كثرت جلبت السحاب وكثرت المطر، فزكت الزروع والثمار وإذا لم تكثر وكانت ريحاً واحدة فإنها تكون عميقاً، والعرب تقول: لا تلقح السحاب إلا من رياح، ووجدت الشيخ أبا جعفر الطحاوي قد ذكر في كتابه الموسوم بمشكل الآثار عن أبي عبيد القاسم بن سلام أنه قال: القراءة التي نتبعها في الريح والرياح: أن ما كان فيها من الرحمة فإنه بلفظ الجمع، وما كان فيها من العذاب فإنه على لفظ الوحدان. قال: والأصل الذي اعتبرنا به هذه القراءة حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا
هاجت الريح قال: (اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً) ثم أنكر عليه أبو جعفر وقال: كان الأولى به رحمه الله مع جلالة قدره غير ذلك. وضعف الحديث الذي استدل به أبو عبيد جداً وأبى أن يكون له أصل في السنن الثابتة ثم ذكر بعد ذلك كلاماً نخبته: أن الله تعالى يقول في كتابه} هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة {الآية. وروى أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: (لا تسبوا الريح إذا رأيتم منها ما تكرهون وقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به)، وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الريح من روح الله تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب فلا تسبوها واسألوا الله خيرها واستعيذوا به من شرها).
وروى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: اللهم إني أسالك خيرها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك (26/ 1) من شرها وشر ما أرسلت به.
وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور، وروى عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا هاجت ريح شديدة قال: اللهم إني أسألك من خير ما أمرت به وأعوذ بك من شر ما أمرت به، ثم قال أبو جعفر: ففي الآية وفيما رويناه من الأحاديث بيان واضح أن الريح تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب وأنه لا فرق بين الريح والرياح إلا بالرحمة أو العذاب، وأشار إلى أن مثل هذه الأحاديث مع صحتها لا تبطل بهذا الحديث مع ضعفه ومخالفته للأحاديث الصحاح. قلت: والذي قاله أبو جعفر إن كان قولاً مبنياً على قاعدة العلم مبذولاً من نصرة الحق؛ فإنا نرى أن لا نتسارع إلى رد هذا الحديث وقد تيسر علينا تأويله وتخريج المعنى على وجه لا يخالف النصوص التي أوردها هو أن نقول ومن الله العون: التضاد الذي جد أبو جعفر في الهرب منه إنما نشأ من التأويل الذي نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما، فأما الحديث نفسه فإنه محتمل لتأويل يمكن معه التوفيق بينه وبين النصوص التي عارضه بها أبو جعفر وذلك أن نذهب في قوله:(اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً) إلى أنه سأل النجاة من] التدمير [بتلك الريح فإنها إن تكن مهلكة لم تعقبها أخرى وإن كانت غير ذلك
فإنها توجد كرة بعد كرة وتستنشق مرة بعد مرة فكأنه قال: لا تدمرنا بها؛ فلا تمر علينا بعدها ريح ولا تهب دوننا جنوب ولا شمال بل أفسح لنا في المهلة وانأ لنا في الأجل حتى تهب علينا أرواح كثيرة بعد هذه الريح.
[1037]
ومنه قول عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أبصر ناشيءا) أرادت: السحاب. وسمى ناشيءاً لأنه نشأ من الأفق، يقال: نشأ وأنشأ أي: خرج. وأنشأ يفعل كذا أي: طفق، وفي الحديث (إذا أنشأت بحرية ثم تشاءمت أو (إذا السحابة أنشأت ثم تشاءمت).