الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن
باب ما على المأموم من المتابعة وحكم المسبوق
(من الصحاح)
[783]
حديث عائشة- رضي الله عنها: (لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم) الثقل هاهنا: عبارة عن اشتداد المرض وتناهي الضعف، وركود الأعضاء عن خفة الحركات.
وفيه (يهادى بين رجلين). أي يمشي بينهما معتمدا عليهما، يقال: جاء فلان يهادي بين اثنين إذا كان يمشي بينهما معتمدا عليهما من ضعفه وتمايله، وكذلك المرأة إذا تمايلت في مشيتها من غير أن يماشيها أحد قبل: تهادي ولعل هذا اللفظ أخذ من الهادي وهو العنق؛ لأن الماشي بين اثنين يصغي عنقه تارة إلى ذاك وتارة إلى هذا، وكذا المتمايلة في مشيتها تصغي عنقها إلى يمين وشمال.
والرجلان هما علي والعباس- رضي الله عنهما والمشكل من هذا الحديث ما اختلف فيه من إمامة أبي بكر- رضي الله عنه وما نقل عن بعض العلماء في تأويله، ومعارضتهم هذا الحديث بالحديث الذي تقدمه من حديث أنس وسنحكي عنهم قولهم، ثم نبذل المجهود ما أمكن في نفي التضاد.
فنقول ومن الله المعونة: أنكر جمع من أهل الحديث (نسخ حديث أنس بهذا الحديث، ورأوا العمل بالحديثين في موضعيهما، منهم: أحمد وإسحق بن راهويه ونفر من أهل الحديث) ونقل عن أبي عبد الله أحمد أنه قال: إذا ابتدأ الإمام الصلاة قائما ثم مرض في أثناء الصلاة، فقعد صلى من خلفه قياما لحديث عائشة، وإذا ابتدأ بهم الصلاة جالسا صلوا خلفه جلوسا لحديث أنس.
وقال بعضهم: إن رواية عائشة- رضي الله عنها في هذا الحديث متعارضة فروى الأسود عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إماما) وروى مسروق عنها (أن أبا بكر كان إماما). فلما تعارضت الروايتان، لم يجز ترك حديث أنس في القعود لحديثها، وأول بعضهم قولها:(وأبو بكر) يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم. أي: يقتدي أبو بكر بصلاته أي: يختار اللبث في هيئات الصلاة بقدر طاقة النبي صلى الله عليه وسلم للمرض الذي كان به، واستدل على هذا التأويل بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عثمان بن العاص الثقفي- رضي الله عنه (أنت إمام قومك واقتد بأضعفهم).
فالجواب: أن يقول: أما ما ذكروا من اختلاف الرواية عن عائشة- رضي الله عنها فإن عروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن [مسعود] والأسود رووا هذا الحديث عنها وفي حديثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم تلك الصلاة وأبو بكر يقتدي به، وعلى هذا الوجه روى عن ابن عباس- رضي الله عنهم.
وقد روي عن مسروق عن عائشة قالت: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه خلف أبي بكر قاعدا). وحديث مسروق هذا لا يقاوم حديث الجماعة؛ لأن روايتهم (106/ب) عنها فيما اتفقوا عليه، أولى من رواية المتفرد مع ما روي عن ابن عباس على نحو ما رووه عن عائشة- رضي الله عنها ومع هذا فلا حاجة بنا إلى ذا القول، فنحن نقدر على التوفيق بين الحديثين، وذلك أن نقول: قد ثبت أن أبا بكر كان يصلي بالناس تلك الأيام. فنحمل حديث مسروق عنها على أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم مقتديا بأبي بكر- رضي الله عنه كانت في صلاة أخرى من تلك الصلوات التي صلوها في تلك الأيام. والتي اقتدى فيها أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم على ما رواه ابن عباس وعائشة في رواية عروة وعبيد الله والأسود عنها هي التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكرة الآخرة، ويحقق هذا التأويل ما روي في حديث ابن عباس وعائشة- رضي الله عنهم:(أنه جلس عن يسار أبي بكر) وهو موقف الإمام، وقد كان موقف أبي بكر موقف الإمام؛ لأنه كان عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم ويحققه أيضا ما رواه أرقم بن شرحبيل في حديثه عن ابن عباس أنه قال: فاستتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث انتهى أبو بكر من القراءة. ومما يشهد لهذا القول بالصحة أن عائشة- رضي الله عنها من جملة من روى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم جالسا، حين سقط عن فرسه، فلو لم تعلم بالنسخ لم ترو خلاف ذلك في الحديث الآخر، وعلى هذا الذي ذكرناه، فالتأويل الذي ذكرناه ونقلناه عن بعض أهل العلم في قول عائشة- رضي الله عنها وأبو بكر يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم غير مستقيم بل هو في قولها: والناس يقتدون بأبي بكر صحيح أي يصنعون كما يصنع (ومثله قوله صلى الله عليه وسلم تقدموا وائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم أي اصنعوا كما أصنع وليصنع) من بعدكم كما تصنعون، وقد قيل لبعض العلماء- وقد حدث بهذا الحديث فعلى هذا يجوز أن يدخل القوم في الصلاة قبل أن يدخل الإمام، فكان من جوابه أن الإمام كان أبا بكر قبل النبي صلى الله عليه وسلم فلما جاء انتقلت الإمامة إليه فكان فيما بعد هو الإمام.
قلت: لو كان الداخل في الصلاة غير النبي صلى الله عليه وسلم لكان السرد في الانتقال محتملا لبسط المقال، لكن أمره صلى الله عليه وسلم في أبواب الفضيلة والخاصية ممتاز عن أمر غيره ثم إنا وجدنا لانتقال الإمامة سنادا في حديث سهل بن سعد- رضي الله عنه لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني عمر بن عوف ليصلح هو بينهم، وهو حديث صحيح، لا اختلاف فيه، وقد قال فيه سهل:(فصلى أبو بكر، فجاء (107/أ) النبي صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة [فخلص] حتى وقف في الصف فصفق الناس وساق الحديث إلى أن قال: ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى).
قلت: وليس في هذا الحديث أن القوم استأنفوا تكبيرة الإحرام؛ بل كانوا على ما هم عليه من صلاتهم، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم حين انصرف عن الصلاة:(مالي رأيتكم أكثرتم التصفيق من فاته في صلاته شيء فليسبح) وإذ قد صح أن حديث أنس: (فإذا صلى قاعدا فليصلوا قعودا أجمعون). متقدم على هذا الحديث حكم بأن الآخر ناسخ للأول، وقد أخذ بهذا الأعلام من أهل الاجتهاد، والقياس يشهد لهم بصحة ما ذهبوا إليه وهو أن الإمام لا يحيل الكوع والسجود الإيماء، فكذلك لا يحيل القيام إلى