الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة التحقيق
إنَّ الْحَمد لله نَحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} [آل عمران: 102].
أمَّا بعد؛ فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور مُحدثاتها، وكل مُحدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
فنقدم لإخواننا من طلبة العلم وللقارئ الكريم دُرَّتيْنِ من مكنون تراثنا الإسلامي الأصيل، نقدمهما مطبوعتين لأول مرة بعد أن ظلتا حبيستين في خزائن المخطوطات لمدة طويلة من الزمن.
الدرة الأولى: هي النكت للحافظ ابن حجر العسقلاني.
وهذه النكت ليست بنكته المشهورة على مقدمة ابن الصلاح، ولكنها تلخيصٌ
لكتابه الشهير "فتح الباري شرح صحيح البخاري"(*)، وهو كتاب غني عن التعريف.
فقد قام الحافظ رحمه الله في هذه النكت بتلخيص هذا الكتاب العظيم وتقريبه في صورة تُسَهِّل على متناوله.
غير أنه للأسف الشديد لم يتمه رحمه الله، حيث قام بتلخيص المقدمة الموسومة بـ"هدي الساري"، ثم لَخَّص كتاب بدء الوحي، ثم كتاب الإيمان، ثم كتاب العلم إلى الحديث العشرين بعد المائة الأولى.
وقد يبدو لأول وهلة عدم فائدة وأهمية هذا التلخيص لأن أصله وهو "فتح الباري" موجود بين أيدي الناس بكثرة، حيث يمكن أن يُقال: إنه لا يخلو منه بيت مسلم، ولسبب آخر هو عدم تمام مادة هذا الكتاب.
لكن عند تَفَحُّصِ الكتاب تبدو فيه عدة مميزات ليست موجودة في أصله الكبير:
منها: أنه اختصر كثيرًا من الضوابط المتعلقة بأسماء الرواة التي في مقدمة "فتح الباري" نعني: "هدي الساري"، بحيث نجده قد لَمَّ شعث هذه الضوابط بأسلوب جيد ومفيد.
ومنها أيضًا: أنه ذكر لنفسه بعض الأسانيد التي يروي بها صحيح البخاري ليست موجودة في فتح الباري، فأفاد بذلك زيادة بعض الطرق له إلى الصحيح.
وكذلك: نَجد لابن حجر بعض المباحث التي تتعلق بصحيح البخاري غير موجودة في أصله، وخاصة في كلامه الذي يتعلق بصحيح البخاري وشرط البخاري فيه.
وكذلك أيضًا: هناك بعض تغييرات لبعض اجتهاداته قد غير فيها ما كان يذهب إليه بأن تراجع عنه إلى غيره، مثل ما نجد عند الحديث رقم (40، 45) مثلًا.
فضلًا عن: أن هذا المختصر يمتاز بحذف لكثير من الاستطرادات الغير مفيدة بالنسبة للكثير من القراء، وهي السمة التي تُمَيِّز المختصرات عن أصولها.
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: كتاب النكت هو عبارة عن اختصار لشرح ابن حجر الكبير على صحيح البخاري، وهو الذي أشار إليه بقوله في مقدمة النكت: "وقد كنت شرعت في شرح كبير، استفتحته بمقدمة تحوي غالب مقاصد الشرح، فلما أتقنتها وحررتها، وكتبت من الشرح مواضع هذبتها ومواضع سودتها، رأيت الهمم قصيرة، والبواعث على تحصيل المطولات يسيرة
…
".
وقال السخاوي بعد ذكره لفتح الباري ومقدمته ضمن مصنفات الحافظ ابن حجر: (وكان عقِبَ فراغ المقدمة شرع في شرحٍ أطال فيه النَّفَس، وكتب منه قطعةً تكون قدر مجلد، ثم خشي الفُتور عن تكميله على تلك الصفة، فابتدأ في شرح متوسط، وهو "فتح الباري" الماضي شرحه). [الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر (2/ 675، 676)].
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: (وقد ذكر الدارقطني الاختلاف فيه على أبي إسحاق في كتاب العلل، واستوفيته في مقدمة الشرح الكبير
…
). [فتح الباري (1/ 258)].
ومما يدل على أن الشرح الكبير غير فتح الباري، ما قاله الحافظ ابن حجر في كتاب النكت على صحيح البخاري (1/ 171): (والخشية المذكورة اختلف العلماء في المراد بها على اثني عشر قولا: أولها: الجنون، وأن يكون ما رآه من جنس الكهانة، جاء مصرحا به في عدة طرق أوضحتها في الشرح الكبير، وأبطله أبو بكر ابن العربي، وحق له أن يبطل
…
).
وبالرجوع إلى الفتح تجد النص كما هو في النكت دون توضيح أو تفصيل، حيث قال: (والخشية المذكورة اختلف العلماء في المراد بها على اثني عشر قولا: أولها: الجنون، وأن يكون ما رآه من جنس الكهانة، جاء مصرحا به في عدة طرق، وأبطله أبو بكر ابن العربي، وحق له أن يبطل
…
).
وكانت عادة المحقق أن يشير في كل إحالة من الحافظ بمزيد من التفصيل على شرحه الكبير، أن يذكر كلام الحافظ في الفتح حول هذا المعنى، لكنه لم يحل في هذا الموضع وموضع آخر؛ إذ لم يجد تفصيلا وتوضيحا للحافظ، والله المستعان.
ومما يدل على أن النكت مختصر من الشرح الكبير، وليس من فتح الباري، قول السيوطي:(ومن تصانيفه "فتح الباري شرح البخاري"، ومقدمته تسمى "هدى الساري". وشرحٌ آخر أكبر منه، وآخر ملخص منه لم يتما، وقد رأيت من هذا الملخص ثلاث مجلدات من أوله). [نظم العقيان في أعيان الأعيان (ص 46)].
وكذلك فإن الحافظ ابن حجر قد أنكر إمكانية تلخيص فتح الباري، نقله السخاوي في الجواهر والدرر (2/ 708)، حيث قال بعد ذكر بعض محاولات اختصار الكتاب:(ولقد سمعت مصنِّفَه صاحبَ الترجمة رحمه الله مرارًا يُنكر إمكان اختصاره، ويقول: ما أعلمُ فيه شيئًا زائدًا عن المقصود. وأقول: إن ذلك بالنسبة لما لم يقع منه السَّهوُ في تكريره، حيث يكرر الأحاديث مما لا يتعلَّق بالأحكام غالبًا، ولكن صاحب البيت أدرى بالذي فيه).
وبقي أن نذكر أمرين:
الأول: أن هدي الساري هو مقدمة الشرح الكبير كذلك.
الثاني: أن محقق كتاب الجواهر والدرر ذكر أنه وجد في أحد حواشي نسخ الكتاب ما يلي: في هامش (ب) ما نصه: أقول: مما لم يذكره المؤلف كتاب النكت على الجامع الصحيح. رأيت منه مجلدة من أوله إلى آخر باب حفظ العلم وعليها خط الجلال السيوطي، وأنه لخصها من شرحه الكبير المسمَّى بفتح الباري. [هامش (1) من (2/ 696)].
قلت: وبمراجعة النسخة الخطية (ق 161/ أ) وجدتها كما أورده المحقق، والخط متأخر جدا، ليس بالقديم، وهو رأي صاحب التعليق، كما أننا بينا فيما تقدم أن الشرح الكبير غير فتح الباري، وأن السيوطي رحمه الله نفسه أنه مختصر من الشرح الكبير، ولم يقل فتح الباري!
ومهما يكن من أمر؛ فإنه من المفيد أن نرى طريقة أحد العلماء المتقدمين في طريقة اختصاره لكتاب كبير هو من تأليفه، فهو المؤلف للأصل وهو المختصر له في نفس الوقت، وبالتالي فإن هذه النكت تعد نموذجًا يحكي طريقة علماء هذا العصر في طريقتهم في التلخيص، وخاصة عندما يتناولون مؤلفاتهم أنفسهم بالتلخيص.
أما الدرة الثانية: فهي تعليقات الحافظ ابن حجر العسقلاني على شرح صحيح البخاري لبدر الدين الزركشي المسمى بـ"التنقيح".
وهذه التعليقات قد قام الحافظ السخاوي تلميذ ابن حجر العسقلاني بتجريدها من على حواشي نسخة الحافظ ابن حجر للتنقيح، وقام بتدوينها مجردة في هذا الكتاب.
وهذه الدرة يبرز فيها علم هذا الإمام الجهبذ بوضوح، حيث تناول الكتاب بالتصويب والترجيح، والتعديل والتنقيح، والتضعيف والتصحيح لِمَا يراه من هنات قد وقعت للبدر الزركشي، فهو يعدُّ سدًّا لِمَا يراه من خلل، وإزالة ما به من عيب، وتشييد للبناء بتحسينه وتزيينه.
رحم الله الجميع وحشرنا في الجنة معهم.
وبسبب تعلق كتاب النكت وكتاب تعليقات ابن حجر بأصل واحد هو صحيح البخاري.
فالأول: ملخص لشرح كبير لصحيح البخاري.
والثاني: تعليق على شرح موجز لصحيح البخاري.
وأيضًا كلا الكتابين متعلق بمؤلف واحد هو الحافظ ابن حجر العسقلاني.
رأينا دمج الكتابين في كتاب واحد لوحدة مُتَعَلَّقَيْهِما، عسى الله أن ينفع بهما هذا؛ ولتمام الفائدة رأينا تقديم الكتاب ببيان لبعض اجتهادات ابن حجر التي رجع عنها وتبنى رأيا مخالفًا لِمَا كان عليه في "فتح الباري"، ثم أتبعناه برسم لشجرة أسانيد ابن حجر لصحيح البخاري، حتى تكون واضحة وجلية لمن أراد الاستفادة منها.
ثم تلونا ذلك بترجمة مقتضبة لكل من الحافظ ابن حجر العسقلاني، وبدر الدين الزركشي، والإمام السخاوي عليهم جميعا رحمة الله تعالى.
ثم ختمنا المقدمة بذكر وصف النسخ التي اعتمدنا عليها في التحقيق ثم دعمها ببعض الصور الضوئية لها.
وختامًا؛ نسأل الله العلي العظيم الهدى والتوفيق والسداد.
ربنا هب لنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدًا.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
المحققان
أبو الوليد هشام بن علي السعيدني
أبو تميم نادر مصطفى محمود