الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
28 - بَابٌ: صَوْمُ رَمَضَانَ احْتِسَابًا مِنَ الإِيمَانِ
38 -
حَدَّثَنَا ابْنُ سَلَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".
قوله: (باب الجهاد من الإيمان).
أورد هذا الباب بين قيام ليلة القدر وبين قيام رمضان وصيامه، فأما مناسبة إيراده معها في الجملة فواضح. لاشتراكها في كونها من خصال الإيمان، وأما إيراده بين هذين البابين مع أن تعلق أحدهما بالآخر ظاهر فلنكتة لم أر من تعرض لَها، بل قَالَ الكرماني: صنيعه هذا دال عَلى أن النظر مقطوع عن غير هذه المناسبة؛ يعني: اشتراكها في كونها من خصال الإيمان.
وأقول: بل قيام ليلة القدر وإن كَانَ ظاهر المناسبة لقيام رمضان لكن للحديث الذِي أورده في باب الجهاد مناسبة بالتماس ليلة القدر حسنة جدًّا؛ لأن التماس ليلة القدر يستدعي محافظة زائدة ومُجاهدة تامة، ومع ذَلِكَ فقد يوافقها أو لا، وكذلك المجاهد يلتمس الشهادة ويقصد إعلاء كلمة الله وقد يحصل له ذلكَ، فتناسبا في أن [فى](1) كل منهما مُجاهدة [78 / أ] ، وأن كلا منهما قد يحصل المقصود الأصلي لصاحبه أو لا.
فالقائم لالتماس ليلة القدر مأجور، فإن وافقها كَانَ أعظم أجرًا، والمجاهد لالتماس الشهادة مأجور، فإن وافقها كَانَ أعظم أجرًا، ويشير إلَى ذلكَ تمنيه صلى الله عليه وسلم الشهادة بقوله "لوددت أني أُقتل في سبيل الله". فذكر المؤلف فضل الجهاد لذلك استطرادًا، ثم عاد إلَى ذكر قيام رمضان، وهو بالنسبة لقيام ليلة القدر عام بعد خاص، ثم ذكر بعده باب الصيام؛ لأن الصيام من التروك، فَأخَّره عن القيام؛ لأنه من الأفعال، ولأن الليل قبل النهار، ولعله أشار إلَى أن القيام مشروع من أول ليلة من الشهر خلافًا لبعضهم.
(1) سقطت عن الأصل وزدناها من "الفتح".
قوله: (حَدَّثَنَا حَرَمِي) هو اسم بلفظ النسبة، وهو بصري، يكنى أبا علي.
"قَالَ: حَدَّثَنا عبد الواحد" هو: ابن زياد البصري العَبْدي، ويقال له: الثقفي، وهو ثقة متقن، قَالَ ابن القَطَّان: لم يُعْتَل عليه بقادح، وفِي طبقته عبد الواحد بن زيد بصري أيضًا لكنه ضعيف ولم يُخَرَّج عنه في الصحيحين شيء.
قوله: (حَدَّثَنا عمارة) هو: ابن القَعْقاع بن شُبْرُمَة الضَّبِّي.
قوله: (انتدب الله) هو بالنون، أي: سارع بثوابه وحسن جزائه، وقيل: بمعنى أجاب إلَى المراد، ففي "الصِّحَاح": ندبتُ فلانًا لكذا فانتدب؛ أي: أجاب إليه ، وقيل: معناه تكفل بالمطلوب، ويدل عليه رواية المؤلف في أواخر الجهاد لهذا الحديث من طريق الأَعْرَج، عن أبي هريرة بلفظ:"تكفل الله"(1)، وله في أوائل الجهاد من طريق سعيد بن المسيب عنه بلفظ:"توكل الله"(2)، وسيأتي الكلام عليها وَعَلى رواية مُسْلِم هناك إن شاء الله.
ووقع في رواية الأصِيلي هنا: "ائتدب" بياء تحتانية مهموزة بدل النون، من المأدبة، وهو تصحيف، وقد وجهوه بتكلف، لكن إطباق الرواة عَلى خلافه مع اتحاد المخرج كافٍ في تخطئته.
قوله: (لا يُخرجه إلا إيْمان) كذا هو بالرفع عَلى أنه فاعل يخرج، والاستثناء مُفَرَّغ، وفي رواية مُسْلِم والإسماعيلي:"إلا إيمانًا"(3) بالنصب، قَالَ النووي: هو مفعول له، وتقديره: لا يخرج المخرج إلا [78 / ب] الإيمان والتصديق.
قوله: (بي) فيه عدول من ضمير الغيبة إلَى ضمير المتكلم، فهو التفات، وَقَالَ ابن مالك: كَانَ اللائق في الظاهر هنا: "إيمان به"، ولكنه عَلى تقدير اسم فاعل من القول منصوب عَلى الحال؛ أي: انتدب الله لمن خرج في سبيله قائلًا لا يُخرجه إلا إيمان بي.
(1)"صحيح البخاري"(كتاب فرض الخمس، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أحلت لكم الغنائم. .") برقم (3123).
(2)
"صحيح البخاري"(كتاب الجهاد والسير، باب: أفضل الناس مؤمن مُجاهد بنفسه وماله في سبيل الله .. ) برقم (2787).
(3)
"صحيح مُسْلِم"(كتاب الإمارة، باب: فضل الجهاد والخروج في سبيل الله) برقم (1876).
وتعقبه شهاب الدين ابن المرحل بأن حذف الحال لا يجوز، وأن التعبير هنا باللائق غير لائق، فالأولى أنه من باب الالتفات.
* تنبيه:
جاء هذا الحديث من طريق أبي زُرْعة هذه مشتملًا عَلى أمور ثلاثة، وقد اختصر المؤلف من سياقه أكثر الأمر الثاني، وساقه الإسماعيلي وأبو نُعيم في مستخرجيهما من طريق عبد الواحد بن زياد المذكور بتمامه، وكذا هو عند مُسْلِم في هذا الحديث من وجه آخر عن عمارة بن القعقاع (1)، وجاء الحديث مفرقًا من رواية الأعرج وغيره عن أبي هريرة كما سيأتي عند المؤلف في كتاب الجهاد (2)، وهناك يأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالَى.
(1)"صحيح مُسْلِم"(كتاب الإمارة، باب: فضل الجهاد والخروج في سبيل الله) برقم (1876).
(2)
"صحيح البُخَاريّ"(كتاب الجهاد والسير، باب: أفضل الناس مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله. .) برقم (2787)، وكذلك في (2797، 2972، 3123).